اخلاق العمل :

بأخلاق العمل هي الأخلاق التي يجب  توافرها في العامل ، وفي صاحب العمل على حد سواء . وقبل أن نفصل ذلك نقول :

    إن الأصل في الإنسان المسلم أن يتمسك بالعقيدة الإسلامية التي تدعو إلى مكارم الأخلاق ، وتنهى عن سفاسفها ، وبالتالي على المسلم أن يتعرف إلى الأخلاق الكريمة بشقيها الحسنة والقبيحة ، ومع ذلك فإن ذلك العلم لا يكفى بل على الإنسان المسلم أن يسلك السلوك الأخلاقي في حياته كلها ، ومنها أخلاق العمل .

    " والأخلاق الكريمة تدعو إليها الفطر السليمة ، فالبشر كانوا ولايزالون يعدّون الصدق والوفاء بالعهد والجود والشجاعة والصبر أخلاقاً أصيلة يستحق صاحبها الثناء والتكريم ، و لايزالون يعدّون الكذب والغدر  والجبن أخلاقاً سيئة ترفضها العقول السليمة ، وتذم صاحبها ، والشريعة جاءت داعية الى المعروف من الأخلاق ، وتنهى عن المنكر منها "[1]

       مما سبق يظهران الناس على اختلاف مللهم ونحلهم ، واختلاف السنتهم وألوانهم يقسمون الأخلاق إلى كريمة وذميمة ، يميلون الى الكريمة بفطرهم  السليمة ، ويستقبحون الذميمة بعقولهم الصريحة التي لم تلوثها الملوثات الطارئه ، فكيف إذا جاءت الشريعة الإسلامية تثبت الكريمة في الفطر المستقيمة ، وتنهى عن الذميمة حتى لا يقع فيها أحد ، وحذرت من الوقوع فيها اشد تخدير ، ورتبت على ذلك الجزاء في الدنيا ، والأخرة ، لمن اتبع ولمن امتنع واليك تفصيل أخلاق العمل على النحو التالي :



أسباب تراجع أخلاق العمل :
مع يقيننا أن الشريعة الإسلامية كل لا يتجزأ ، وأنها منهج ونظام حياة، كما تقدم ، إلا أن القارئ للتأريخ يجد أن هناك من سلك سلوكاً يتنافى وأخلاق العمل إما عمداً ، أو في غفلة من إيمانه ، ولم يلتزم التزاماً كاملاً بالمعانى الاخلاقية  التي دعت إليها الشريعة الإسلامية ، ولكنها لا تشكل ظاهرة، وليست هي نادرة ، فذلك أمر يستحق الوقوف عنده ، والكشف عن أسبابه ، فما هي تلك الأسباب ياترى ؟
لا شك أن حصر كل تلك الأسباب – في هذه العجالة – امر غير ممكن ولكن يمكن أن نجمل تلك الأسباب في الأمور التالية :

1-  التلوث العقدى :
نعني بالتلوث العقدي عدم الالتزام بالعقيده الإسلامية الصحيحة ، أو التخلى عن بعض مبادئها إن عمداً ، وان جهلاً بسبب ما يطرأ من الانحراف بسبب الشبهات والشهوات ، ووساوس الشيطان وإغراءاته ونحو ذلك .
ولاشك أن هذا التلوث العقدى يؤدى إلى تلوث الحياة  إذ سلامتها تكمن في اتباع المنهج الأقوم الذي دعا الى التمسك بمبادئ الأخلاق ، ومنها أخلاق العمل . ولا جدل أن كل مخالفة لأوامر الدين تعتبر مخالفة دينيه وأخلاقية في الوقت نفسه .
وقد نستدل لذلك العنوان بما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله ، فإنه من يبدى لنا صفحته نقم عليه كتاب الله "[2] وجاء من حديث أخر قوله صلى الله عليه وسلم " .. اللهم نقنى من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس .. "[3]
فقد ورد في الحديثين لفظ " القاذورات " ولفظ " الدنس " وهما قريبان بل لصيقان  بمعنى التلوث ، ولا شك أن وصف هذه الأعمال بتلك الأوصاف فيها من التنفير من الوقوع في المخالفات ما يكفى لمن كان له لب يميز به بين الحسن والقبيح .
وعليه فإن كل مخالفة لأخلاق العمل كالسرقة ، والتزوير والغش ، واكل أموال الناس بالباطل ، وتضيع الأوقات ، وتعطيل مصالح الناس ونحو ذلك ، كل ذلك سببه التلوث العقدى فلو أمن الانسان بأن العقيدة تحرم كل ذلك لما أقدم عليه . " فما وقع من كثير من المسلمين من الغش والكذب ، والخيانة في المعاملات ، فإن هؤلاء المسلمين نقصوا من إسلامهم وإيمانهم بقدر ما خالفوا الشريعة فيه من هذه المعاملات "[4]

2- التلوث الفكري :
       لقد بينت العقيدة الإسلامية علاقة الإنسان بالكون ، وبخالق الكون ، وبالغاية التي من أجلها خلق الإنسان  ، فهذا التصور الشامل لمعنى الكون والحياة يكوّن فكراً نظيفاً  خاليا من الملوثات الفكرية التي تخرج بالإنسان عن هدفه وغايته فيضر نفسه ويضر غيره .
و نزيد هذا المعنى وضوحاً فنقول : إن الله خلق الإنسان لعبادته بالمعنى الواسع للعبادة ، وجعله من أفضل  مخلوقاته ، وسخر له ما في السموات وما في الأرض لينتفع به في حدود ما شرعه الله له ، وصولاً لتلك الغاية  ويسر له السبل للوصول إليها ، وعليها فإن المال ماهو الا وسيلة  للتحقيق تلك الغاية ، فليس المال وجمعة غاية في حد ذاته .
فالانسان إذا استحضر هذا " في ذهنه سيعرف مركزه الحقيقي في الدنيا وعلاقته بها وغايته  في الحياة وبالتالي سيتقبل بنفس راضية جميع الضوابط والتنظيمات التى جاء بها الشرع الإسلامي .. "[5]
فإذا تلوث هذا الفكر بأن كان المال غاية في حد ذاته كما نسمع اليوم حيث يقال : هذا العصر عصر المادة ، ونحو ذلك حتى كرّس بعض الناس حياتهم لجمع المادة فأصبحت مالكة لهم لا ماليكن لها ، فأصبح بعضهم عبيد للمادة كما قيل ، عياذا بالله ، وبالتالي قد تختلف وسائل جمع المال من حلال وحرام ، ولاشك أن هذه انتكاسة فكرية ولا شك أن التلوث الفكري سببه غياب الفهم الصحيح واالتصور الإسلامي للكون والحياة وفي ظل غياب هذا الفهم ، الذي يؤدى الى التلوث  الفكرى تتلوث الحياة بسبب السلوكيات الخاطئة ، والمعاملات السيئة ، وممارسة الاخلاق الفاسدة ، كالسرقة والغش والتزوير وأكل أموال الناس بالباطل، وتعطيل  مصالحهم ونحو ذلك من الأعمال والأقوال والاخلاق التي منعها الإسلام ، ورتب الجزاء على مقترفها في الدنيا والأخرة .

1-   التلوث القيمي :
لاشك أن التلوث الفكري ، والتلوث  القيمي أحد أهم أسبابهما هو التلوث العقدى كما أن التلوث الفكري والقيمي يؤديان إلى التلوث العقدى فهي أمور متلازمة .
ومن المعلوم أن القيم الأخلاقية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية ثابتة لاتتغير ولا تتبدل مادامت السموات والأرض فالخير والشر ، والحق والباطل ما يزال في مفهمومه  الأصيل منذ أنزل الله الكتب وأرسل الرسل ، ولن يصبح الحق باطلاً والباطل حقاً ولن يغير الزمن في حركته وتطوره من ثبات القيم والأخلاق الإسلامية لأنها في مواجهة الفطرة التى لاتتغير[6].
ولكن هناك أفكاراً هدامة حاولت وتحاول عزو هذه القيم الإسلامية بتفريغها من مضامينهاتارة ، وبقلب معانيهاتارة أخرى ساعيه جهدها الى تحطيم القيم الخلقية ، وقد استجاب لها بعض قليلى الإيمان من المسلمين حتى سمعنا مقولات لا تقبلها العقول السليمة ، وتمجها الفطر المستقيمة فأصبحت الرشوة – عندهم – هدية ،والنفاق مجاملة ، وأكل الأموال العامة فطنة ، وإيذاء الناس ونهرهم وتأخير  مصالحهم قوة في الشخصية ، وهكذا .
فهذا بلا شك قلب للحقائق ، وانقلاب في المفاهيم والقيم الاخلاقية وهو بلا شك تلوث قيمي يؤدي إلى تلوث الحياة في جميع نواحيها .




[1] - نحو ثقافة إسلامية أصيلة ، عمر سليمان الأشقر ، ط 10 ، دار النفائس ، الأردن، 1421هـ ، 2000م ، ص 158 .
[2] - الموطأ، 1562 .
[3] - البخارى ، 702 ، مسلم ، 940 .
[4] - مكارم الأخلاق ، محمد  بن صالح العثيميين ، ترتيب : خالد بوصالح ، ط 1 ، 1417 هـ ، 1996م ص 51 .
[5] -أصول الدعوة ، عبدالكريم زيدان ، ص 239 .
[6] - الأخلاق الإسلامية ، نذير حمدان ، ط1 ، دار القبلة للثقافة الإسلامية ، جده 1410هـ /1990م ، ص 33 .

Post a Comment

Previous Post Next Post