الاحتباس الحراري الطبيعي Natural Greenhouse Effect
يحتوي الجو على
عدد من الغازات التي تمتص الإشعاع وتصدره. وتمتص هذه الغازات الأشعة الحرارية أو تحت
الحمراء من الأرض ومن الجو والسحب، ما عدا جزء شفاف يدعى (نافذة الجو). وتقوم هذه
الغازات بإصدار الأشعة تحت الحمراء في كل الاتجاهات بما فيها إلى الأسفل نحو سطح
الأرض. ولذا فإن هذه الغازات تحبس الحرارة بآلية تعرف بـ (الاحتباس الحراري
الطبيعي). وتمتص السحب الأشعة تحت الحمراء وتصدرها، ولذا فهي تعمل كغاز دفيئة. ومن
جهة أخرى تقوم هذه السحب بعكس الإشعاع الشمسي الساقط عليها. ونتيجة لهذين
التأثيرين المتعاكسين، فإن محصلة تأثيرها، هو تبريد بسيط. غير أن هذا الأمر يختلف
كثيرا" بحسب الظروف، ويعتمد على ارتفاع السحب وعلى كثافتها الضوئية.
إذا كان هناك
توازن في المناخ، فإن محصلة الإشعاع في أعلى الغلاف الجوي تساوي الصفر. ويؤدي أي
تغير في الإشعاع الشمسي، أو في الأشعة تحت الحمراء إلى تغيير هذه المحصلة.
ويدعى عدم التوازن
بـ (الدفع الإشعاعي). وعملياً فإن أعلى الغلاف الجوي هنا، هو أعلى طبقة
التروبوسفير، وذلك لأن طبقة الستراتوسفير تتعدل على مدى أشهر حتى تغير في التوازن
الحراري، بينما يتوازن التربوسفير مع سطح الأرض ببطء أكثر، بسبب عطالة المحيطات
الكبيرة. وقد تختلف قوى الإشعاع الخارجي كالإشعاع الشمسي، أو كميات المعلقات
الناجمة عن البراكين، على مدى زمني طويل مسببة اختلافات طبيعية في قوى الإشعاع.
وقد تكون هذه الاختلافات موجبة أو سالبة. وتؤدي القوة الموجبة إلى رفع درجة
الحرارة، بينما تسبب القوة السالبة خفضها. وفي الحالتين على النظام المناخي أن
يتفاعل لإعادة التوازن. وتسبب العمليات المناخية الداخلية أو الراجعة اختلافات في
التوازن الإشعاعي عن طريق تأثيرها على الأشعة الشمسية المنعكسة أو على إصدار
الأشعة تحت الحمراء. لكن هذه الاختلافات لا تعتبر جزءاً من قوى الإشعاع.(6)
تنتج التغيرات
المناخية من قوى الإشعاع، ومن التفاعل الداخلي بين عناصر النظام المناخي. ولذا
يمكن التمييز بين مؤثرات داخلية وأخرى خارجية. إن استجابة التروبوسفير قصيرة حيث
تمتد من أيام لأسابيع، بينما تكون استجابة الستراتوسفير أبطأ وتطول لعدة أشهر. أما
المحيطات فإن استجابتها تمتد لعقود أو لقرون، نظراً لعطالتها الكبيرة. ولذا فإن
استجابة التروبوسفير بطيئة بسبب المحيطات. وقد يستجيب الغلاف الحيوي بسرعة، كما في
حالة الجفاف، ولكنه يستجيب ببطء شديد في حالات أخرى. ولذا تختلف استجابة النظام
المناخي للمؤثرات الخارجية في الزمان والمكان. وكمثال على ذلك تأثير التغير في
الإشعاع الشمسي. وقد يتغير النظام المناخي نتيجة للتغيرات التي تحصل على عناصره.
وكمثال على ذلك ظاهرة (النينو) الناجمة عن تفاعل الغلاف الجوي، مع المحيط الهادئ
في المنطقة الاستوائية.
وهناك تغذية راجعة
إيجابية، وأخرى سلبية. ومثال على الأولى بخار الماء حيث يزيد ارتفاع درجة الحرارة
من تبخر الماء، و يزيد هذا بدوره من تركيز غازات الدفيئة، ويسبب الاحتباس الحراري
مما يرفع درجة الحرارة مرة أخرى. وهناك تغذية راجعة فيزيائية، وأخرى بيوكيميائية.
ومثال على الأولى السحب وتوازن الإشعاع. وعلى الثانية تركيز ثنائي أكسيد الكربون.
إن معظم العمليات والتفاعلات غير خطية. أي ليس هناك علاقة خطية بسيطة بين التأثير
والاستجابة. وقد يظهر النظام ما يدعى بـ(السلوك الشواشي). ويعني هذا أن النظام
يعتمد على تغيرات طفيفة في الشروط البدائية، ولكن هذا لا يعني أنه من غير الممكن
التنبؤ به. ومثال على ذلك حالة الطقس اليومية.
إن المناخ المحلي
أكثر تغيراً من المناخ العالمي، أو المناخ في نصف الكرة الأرضية. فالتغير في مناخ
منطقة ما في العالم، يعوضه تغير في مناخ منطقة أخرى. ومثال على ذلك ظاهرة النينو
الناجمة عن تفاعل الجو مع المحيطات في المناطق الاستوائية من جنوب شرق آسيا، حيث
يمتد تأثير النينو والنينا على المناخ إلى مناطق أخرى من العالم. ومثال آخر يتمثل
في تذبذب الضغط الجوي قرب آيسلند وجزر الآزور في المحيط الأطلسي الشمالي والذي
يؤثر على المناخ في أوروبا وآسيا.
اسباب التغير المناخي
الإشعاع الشمسي
يقدر التأثير
الإشعاعي الناجم عن التغيرات في الإشعاع الشمسي منذ عام 1750م، بنحو 0.3وات / م2
وقد حدث معظمه خلال النصف الأول من القرن العشرين. ومنذ أواخر ستينات القرن الماضي، رصدت الأقمار الصناعية تذبذبات
صغيرة تعود إلى الدورة الشمسية التي تحدث مرة كل 11عاماً. وقد اقترحت آلية
للتأثيرات الشمسية المؤثرة على المناخ، إلا أنها تفتقر إلى أساس نظري أو رصدي صارم. ويتباين إصدار الشمس من الطاقة على مدى
دورة تستغرق 11 عاماً، بنسبة بسيطة مقدارها0.1%. وعلاوة على ذلك فقد تحدث الفروق
على فترات زمنية طويلة، قد تمتد من عشرات إلى آلاف السنين. لقد أدت الفروق البسيطة
في محور دوران الأرض، المفهومة جيداً، إلى حدوث تغييرات في التوزيع الموسمي
للإشعاع الشمسي، وعلى خطوط العرض. وقامت بدور هام في إحداث التباينات في المناخ في
الماضي، مثل دورتي العصر الجليدي والفترة الممتدة بينهما. وبحسب وكالة الفضاء
الأمريكية ناسا، فإن نقص شدة الإشعاع من عام 1400 إلى عام 1700 م كان السبب وراء
تشكل (العصر الجليدي القصير) في شمال أمريكا وأوروبا.(7)
وعندما يتغير
التأثير الإشعاعي، يستجيب النظام المناخي على فترات زمنية مختلفة. ويتعلق طول فترة الاستجابة،
بالاستطاعة الحرارية الكبيرة للمحيطات، وبالتعديل الديناميكي في صفائح الجليد.
وهذا يعني أن الاستجابة لتغير ما قد تطول لآلاف السنين. إن أي تغيير في التوازن
الإشعاعي للأرض، بما في ذلك زيادة غازات الدفيئة أو المعلقات، سيغير الدورة
الهيدرولوجية ودوران الجو والمحيطات، مؤثراً بذلك على نماذج الطقس، وعلى درجات
الحرارة، وكميات الهطول في المناطق المختلفة من العالم.
البراكين
تؤثر البراكين على
المناخ، ولكن بشكل أقل وعلى المستوى المحلي، وبالأخص تلك البراكين التي تقذف حمماً
لأعلى من 10كم، ولفترة من الزمن كافية لتعديل امتصاص الأشعة الشمسية. ويؤثر الموقع
الجغرافي على دور البراكين أيضاً، لأن الرياح لا تمتلك السرعة ذاتها في كل مكان.
فقد لا يحس بانفجار يحدث عند خطوط العرض العليا على المستوى العالمي، مثل انفجار
وادي آلاف الدخان في ألاسكا، الذي حدث عام 1912. وبالمقابل، فقد خفض انفجار بركان
نينا توبو في الفيليبين عام 1991 درجة الحرارة بـ 0.5م°
في نصف الكرة الشمالي. وليست الحمم المقذوفة هي مصدر التبريد لوحدها، على الرغم من
أن تأثيرها مهم، لأنها تطيل المنطقة المعتمة مما يقلل من امتصاص الأشعة الشمسية، إلا
أن هذه الظاهرة تبقى محلية ولا تدوم طويلا. أما العنصر الأهم فهو أكاسيد الكبريت
التي تقذف إلى الجو لتتحد مع رطوبة الهواء مشكلة معلقاً ضبابياً كبريتياً. فهي
المسؤولة عن امتصاص الأشعة الشمسية، وعكسها باتجاه الفضاء الخارجي. وكلما زادت
كمية المعلقات الكبريتية، زاد معدل التبريد. وهذا ما حصل عام 1815م عندما انفجر بركان تامبورا في اندونيسيا، الذي كان
الأقوى خلال القرنين الأخيرين. لقد أتت بعده سلسلة من الإنفجارات الضخمة أثرت على
المناخ العالمي، بحيث اعتبر عام 1816 «عاماً بلا صيف» في نصف الكرة الشمالي.
ظاهرة النينو
جاءت كلمة النينو
من كلمة (المسيح الطفل) بالاسبانية لأن تيارات النينو الدافئة تضرب شواطئ البيرو
والاكوادور في أيام عيد الميلاد. ويأتي النينو مرة كل 3-5 سنوات، لكنه بدأ مؤخراً
يأتي بشكل أكثر تواتراً، حيث ولأول مرة في
التاريخ، أتى مرة في كل من السنوات الأربع الأخيرة. يشكل النينو بحيرة عملاقة بمساحة
الولايات المتحدة من المياه الدافئة، تستقر وسط المحيط الهادئ، الذي يغطي ثلث
مساحة الكرة الأرضية. وترتفع نتيجة لظهور النينو درجة حرارة سطح الماء بمعدل 1-5 م°.
ويؤدي ارتفاع درجة الحرارة هذا إلى توسع منطقة الضغط المنخفض في غرب المحيط، التي
تتجه شرقاً نحو استراليا. يؤثر هذا على ارتفاع درجة حرارة الجو، وحدوث الأعاصير
واتجاهها، وزيادة شدة العواصف المطرية في منطقة المحيط الهادئ وشواطئ كاليفورنيا.
ويعتبر إعصار كاترينا الذي ضرب نيوأورلينز في الولايات المتحدة عام 2005 وخلف
كثيراً من الدمار خير شاهد على ذلك. وقد قدرت الجمعية الملكية في لندن، بأن حدوث العواصف تضاعف مرتين عما كان
عليه الحال قبل 100 عام. ويغرق المطر الغزير صحراء بيرو القاحلة، ليحدث عملية تدعى
بالنمو الأخضر. أما في الغرب، فإنه يسحب الرطوبة من قارة آسيا جالباً الجفاف إلى
الغابات المطرية في بورينو، وحقول القمح في استراليا، ومناطق المحيط الهندي حتى
شواطئ أفريقيا الشرقية. و قد كشف ارتباط بين زيادة تكرار حدوث ظاهرة النينو، وبين
ظاهرة الدفيئة وارتفاع درجة حرارة الأرض وعلى الأخص درجة حرارة مياه المحيط الهادئ
في جنوب آسيا.
دوران الأرض
من المعروف أن
الأرض تدور حول نفسها بمحور منحرف عن المركز eccentricity. ويؤدي تغير هذا الانحراف عن المحور
ولو قليلاً جداً، إلى تغير كمية الإشعاع
الشمسي التي تصل إلى الأرض، وبالتالي إلى إحداث تغيرات مناخية كبيرة. وتعمل هذه
التغيرات في ميل محور دوران الأرض، على مدى دورات تمتد من 100000 عام للانحراف eccentricity،
وعلى مدى 41000عام للميل tilt،
ومن 19000عام إلى 23000عام للتقدم Precession. وقد تسبب انحراف ميل هذا المحور في الماضي، إلى
تشكل عدد من العصور الجليدية. لقد أدى فحص عينات من لب الجليد في القطب الجنوبي، إلى
تمييز حدوث أربع دورات جليدية في الماضي.
ظاهرة النانا
ترتبط هذه الظاهرة
بشدة بالرياح الغربية فوق المحيط الأطلسي، وفوق المناطق الأوروآسيوية. وخلال
الشتاء تظهر النينا تذبذبات غير منتظمة، على مدى عام أو عدة قرون. ومنذ سبعينات
القرن الماضي ساهمت النينا الشتوية في حدوث رياح غربية أقوى، تتناسب مع زيادة دفء
الفصل البارد في أوروآسيا. وهناك أدلة على أن النانا والتغيرات التي تحصل في جليد
القطب الشمالي مرتبطان ببعضهما بعضاً.
إرسال تعليق