دور الإنسان في تغير المناخ

يؤثر الإنسان مثل باقي الكائنات الحية على البيئة. لكن هذا التأثير بدأ يأخذ مدى واسعاً فقط منذ الثورة الصناعية في منتصف القرن الثامن عشر. فقد أدى حرق الوقود الأحفوري  والكتلة الحيوية biomass إلى إصدار غازات ومعلقات تغير من تركيب الغلاف الجوي. وهناك الإصدارات من غازات الكلوروكربون والفلوروكربون وغيرها، التي لا تؤثر على قوى الإشعاع، لكنها تستنفد أوزون الستراتوسفير. ويؤثر استخدام الأراضي للبناء والزراعة والغابات على المواصفات الفيزيائية والحيوية لسطح الأرض. وتؤثر هذه التغيرات على قوى الإشعاع، التي تؤثر بدورها على تغير المناخ. 
لقد بقي تركيز غازات الدفيئة لأكثر من 1000 عام مضت، ثابتاً تقريباً في الغلاف الجوي. ومنذ الثورة الصناعية في منتصف القرن الثامن عشر، زاد تركيز ثنائي أكسيد الكربون بمعدل 30%، ولا يزال يزداد بمعدل 0.4% كل عام، نتيجة حرق الوقود الأحفوري، وإزالة الغابات. وتزداد تراكيز غاز الميثان وأكسيد النتروز بسبب النشاط الصناعي والزراعي وغيرهما. وتزداد أيضاً تراكيز غازات مثل أكسيد الآزوت وثنائي أكسيد الآزوت وأول أكسيد الكربون في الجو. وعلى الرغم من أن هذه الغازات ليست غازات دفيئة بشكل مباشر، إلا أنها تولد غاز الأوزون، الذي زاد تركيزه بمعدل 40% منذ الثورة الصناعية، والذي يسبب ارتفاع درجة الحرارة. أما غازات الكلوروكربون، فهي لا توجد في الغلاف الجوي بشكل طبيعي، وإنما أدخلها الإنسان إليه. وبالإضافة إلى كونها من غازات الدفيئة، فهي تخرب أوزون الستراتوسفير. ولكل هذه الغازات ما عدا الأوزون، زمن بقاء طويل في الجو، ولذا فهي تختلط في الغلاف الجوي. وتسبب الأنشطة البشرية زيادة المعلقات Aerosols، من المواد المعدنية والكبريتات والنترات والسخام soot. ولهذه المعلقات زمن بقاء قصير، لأنها تزال من الجو بالأمطار والثلوج. ولذا يكون تركيزها مرتفعاً بالقرب من مصدر إطلاقها، بينما يختلف هذا التركيز محلياً. ويؤدي وجود غازات الدفيئة المختلفة والمعلقات، إلى التأثير على قوى الإشعاع، حيث يتفاعل النظام المناخي لإعادة التوازن الإشعاعي.(8)

الرصد المناخي

بدأ قياس درجة الحرارة منذ منتصف القرن التاسع عشر. ورصدت تغيرات الطقس الأخرى مثل الهطول، وشدة الرياح، منذ نحو مئة عام. كما أجريت قياسات لمستوى سطح البحر منذ أكثر من 100 عام. غير أن شبكة قياس المد والجزر بسجلاتها القديمة لم توفر سوى تغطية عالمية محدودة. أما درجات حرارة طبقات الجو العليا، فقد بدأ قياسها منذ منتصف الخمسينات من القرن الماضي فقط، بواسطة المناطيد. لكن توزع مراكز القياس كان غير متساو. وتتوفر سجلات طويلة للرصد السطحي من السفن للمحيطات، منذ منتصف القرن التاسع عشر،   وبواسطة عوامات خاصة لهذا الغرض منذ أواخر سبعينات القرن الماضي. وتوجد قياسات لدرجات حرارة المحيطات تحت السطح، بدءاً من أواخر الأربعينات. ومنذ السبعينات، بدأ استخدام الأقمار الصناعية في قياس المناخ. لكن تفسيرها الصحيح لا يزال يحتاج إلى تطوير. وقد بدأت محطات الرصد الأرضية تتناقص، مع زيادة الاعتماد على الأقمار الصناعية.
 قبل القرن العشرين، لم يكن هناك تأثير يذكر للإنسان على المناخ. وقد سجل ارتفاع في درجة الحرارة بين 0.4 - 0.8م° منذ أواخر القرن التاسع عشر، ثم في مرحلتين الأولى بين 1910-1945 والثانية من 1976 إلى الآن. وقد زادت مؤخراً درجة الحرارة، وخاصة درجة الحرارة الدنيا بسبب كثافة غطاء الغيوم. ويعتبر عقد التسعينات من القرن الماضي، أحر عقد على الإطلاق في نصف الكرة الشمالي منذ 1000 عام، كما يعتبر عام 1998 أحر عام منذ البدء بتسجيل درجات الحرارة. وتمشياً مع هذا فقد ارتفع مستوى سطح البحر بمعدل 10-20 سم، كما تراجع الغطاء الجليدي عدا بعض الدول التي تقع على المحيطات كالنرويج ونيوزيلندا. وكان معدل زيادة درجة الحرارة 0.15م° لكل عقد من السنين في القرن العشرين. وازدادت درجة حرارة الأرض ضعف درجة حرارة المحيطات منذ عام 1950 وحتى عام 1992. وقد رافق هذه الزيادة، ارتفاع في مستوى سطح البحر بسبب تمدد المياه بالحرارة وذوبان الثلوج. وبحسب بيانات أجهزة قياس المد والجزر، فقد ارتفع مستوى سطح البحر بمعدل 1-2 مم في كل عقد من السنين خلال القرن العشرين. وكان ارتفاع مستوى سطح الأرض في القرن العشرين أعلى مما كان عليه في القرن التاسع عشر.(9)
وحصل تناقص في الغطاء الثلجي بمعدل 10% عن عام 1960. وتشير المعلومات الجديدة إلى احتمال أن الغطاء الثلجي قد تناقص بمعدل 40% تقريباً في القطب الشمالي في أوائل الخريف وأواخر الصيف في الفترة 1950 وحتى 1976. كما انخفضت مدة بقاء الغطاء الجليدي فوق البحيرات والأنهار، في مناطق خطوط العرض الوسطى والقطبية في نصف الكرة الشمالي، بما يقارب الأسبوعين كل عام خلال القرن العشرين. وتقلصت الكتل الجليدية خارج القطبين على نطاق واسع.
وحصلت تغيرات إقليمية أيضاً في المناخ. فقد كان المناخ أدفأ عند خطوط العرض المتوسطة والعليا، وخاصة في فصلي الشتاء والربيع. واختلفت كميات الهطول جغرافياً من منطقة لأخرى. فقد زاد الهطول عند خطوط العرض الوسطى والعليا في نصف الكرة الشمالي، خاصة في فصلي الربيع والشتاء. وحدثت زيادة تقدر بـ 2-4% في تكرار الهطول الشديد في نصف الكرة الشمالي، عند خطوط العرض الوسطى والقطبية خلال القرن العشرين. وكذلك الأمر في معظم الأراضي في نصف الكرة الجنوبي، على الرغم من أن البيانات عن نصف الكرة الجنوبي وعن المحيطات كانت قليلة. وقد أدى كل ذلك إلى حدوث الفيضانات الشديدة والمدمرة في هذه المناطق. أما في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وما بعد خط الاستواء، فقد ازدادت جفافاً وخاصة في فصل الشتاء. وبالمقابل، ازداد الهطول فوق المحيطات عند خط الاستواء. وقد اختلفت ظاهرة النينا التي تتأثر  باختلاف درجات الحرارة فوق المحيط الأطلسي وتؤثر على مناطق شمال أوروبا وآسيا سنوياً وكل بضع سنوات. ومنذ السبعينات أخذت تثير رياحاً غربية أقوى في فصل الشتاء. كما كان سلوك  النينو غير طبيعي بالمقارنة مع العقود السابقة، حيث أصبح أكثر تكراراً، وأشد قوة وتأثيراً.

Post a Comment

أحدث أقدم