عدم تكافؤ الفرص
إن الرزق من عند الله يؤتيه من يشاء من عباده ، والإنسان يسعى
جادا في طلب الرزق وقال تعالى: "واسعوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه
النشور". ولكن تتغير معايير الكسب من وقت لآخر؛ فيختل توازن الأرزاق في
الطفرات الاقتصادية ، والتلوث الإداري ، والتلوث السياسي وعدم تكافؤ الفرص ،
وتعاقب الأجيال .
1: خلل توازن
الأرزاق بسبب الطفرات
الاقتصادية: وأوضح مثال على ذلك ما شاهدته في الدول العربية النفطية خلال عملي
في السعودية وليبيا ؛فقد حدثني أكثر من موظف محلي فقال:كنت الأول في صفي
بالمدرسة وهذا المليونير وذاك المليونير كانا زملائي وكانا يجلسان في آخر
مقعد في الصف كي لا يسألهما المعلم لأنهما لا يعرفان الإجابة على أي سؤال؛ أما أنا
فقد كان المعلمون يحبونني لأنني كنت أجيب على كل الأسئلة ؛ فأكملت تعليمي وأنا
الآن موظف كما ترى ودخلي محدود ؛ أما هما فقد خرجا من المدرسة وبنيا مؤسستين
تجاريتين وهما الآن يلعبان بالملايين وينتقلان بالطائرة من بلد لآخر ويصيفان مع
عائلتيهما في أحلى المنتجعات العالمية .
إن هذا الموظف بحث عن وسيلة الرزق في التعليم بناء على الميزان
السابق للأرزاق ولكن هذا الميزان قد تغير بعد الطفرة الاقتصادية النفطية فأصبح
ميزان أسباب الرزق يميل جهة التجار التي أصبحت أكثر كسبا وفعالية؛ ويا حبذا لو أنه
جمع بين التعليم والتجارة لتفوق على المليونيرين المذكورين؛ ولكنه محكوم ( مبرمج
عقليا ) بوصايا والديه اللذين أدركا أهمية التعليم في جيليهما فحرصا عليه بشدة أدت
إلى تفوقه بسبب حافز الحرص. إن هذا ليس عيبا في التعليم لأن الجهل يظل العدو الأول
للإنسان في كل أموره؛ ولكنه مثال على اختلال توازن الأرزاق بسبب الطفرات
الاقتصادية.
2: خلل توازن الأرزاق بسبب التلوث الإداري: حيث يحصل
المتسلقون إداريا على مناصب رفيعة (عن طريق الواسطة والتسلق الوظيفي ) وبالتالي
على دخول عالية يتفوقون فيها على من هم أكفأ منهم من حيث التعليم ( الشهادات ) ومن
حيث الكفاءة الإدارية لدرجة أن البعض قد حرف المثل العربي الشهير ليعبر عن الحالة؛
إلى:" درهم واسطة خير من قنطار شهادات".
3: خلل توازن الأرزاق بسبب التلوث السياسي: حيث يقوم
النافذين سياسيا بإغداق الأموال على من يوافقهم أو من ينافقهم الرأي ويحجبونها عن
من يعارضهم. هذا بالإضافة إلى أن أعداء المجتمع يغدقون الأموال على الخونة
والجواسيس الذين يتطفلون على مجتمعهم ويحصلون على الأموال بسبب خيانتهم أو تخاذلهم
أمام الأعداء؛ وإن أموالهم هذه لا فائدة منها لأن مصيرهم في النهاية سوف يكون
القتل أو النبذ أو مزبلة التاريخ.
4: خلل توازن الأرزاق بسبب عدم تكافؤ الفرص: وأسباب عدم
تكافؤ الفرص
1ـ العائلية أو العشائرية أو القبلية. 2ـ الطبقية 3ـ الحزبية (
الانتساب لعقيدة سياسية) 4: الجنسية (الانتساب لوطن) 5: اللون ( لون البشرة) 6:
العقيدة (الدين والمذهب) 7: النفاق والوشاية.
إن خلل توازن الأرزاق يناقض المعايير الأخلاقية والدينية
والعلمية والتي تحض على العدالة والعدالة تلغي الخلل.
إن خلل توازن الأرزاق يؤدي إلى الصراع بين أفراد
المجتمع؛ وكلما زاد الخلل كلما زاد الصراع إلى أن يصبح ثورة عارمة تخرب كل
الحسابات ويبدأ المجتمع من جديد بمعايير جديدة كما حصل في كل الثورات عبر التاريخ.
خلل توازن القوى داخل المجتمع
إن خلل توازن القوى داخل
المجتمع يحصل بسببين:
1: بسبب تعاقب الأجيال
فتختلف القوى المؤثرة في المجتمع في الجيل الباني عنها في الجيل المستهلك أو
الطفيلي وهذا ما حصل مع الإمام علي كرم الله وجهه الذي لم يستطع حكم الجيل
المستهلك بقى وأساليب الجيل الباني رغم أنه كان ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم
الذي قال:"أنا مدينة العلم وعلي بابها". بل أكثر من ذلك قامت عليه فتنة
وقتلوه ( راجع تحليل الدولة الإسلامية ). كما أن حديث الإمام علي (راجع الظواهر
والنظريات) المذكور في هذا الكتاب ولا بأس من إعادته؛ إذ يقول كرم الله
وجهه:"يأتي على الناس زمان لا يقرب فيه إلا لماحل
( الساعي بالوشاية
عند السلطان) ولا يظرف فيه إلا لفاجر، ولا يضعف فيه إلا المنصف: يعدون الصدقة غرما
والصدقة منا والعبادة استطالة على الناس، فعند ذلك يكون السلطان بمشورة النساء
وإمارة الصبيان وتدبير الخصيان.
لقد توقع الإمام علي عدم
توازن القوى الذي يحصل في الجيل المستهلك (أو الطفيلي) وقد عبر عنه بقوة الوشاة
وضعف المنصفين أي عكس القوى التي كانت في الجيل الباني وهي ضعف الوشاة وقوة
المنصفين.
2: بسبب المؤامرة
والتدخل الخارجي: كما حصل مع العرب والمسلمين إذ طمع الغرب في النفط الموجود
في أرضهم فقسموا بلادهم إلى دويلات طفيلية وسلطوا عليهم الحكام الجواسيس ( راجع
المؤامرة النفطية ) وقربوا الوشاة والطفيليين والعملاء والجواسيس فلم يبقى للشريف
مكان في بلده فهاجر في ما يسمى بهجرة العقول الذين يعدون بالملايين والذين
هم في غالبيتهم قد هاجروا بسبب خلل توازن القوى .
ونسرد لكم هذه الحكاية
الشعبية المعبرة عن عدم توازن القوى داخل المجتمع وتؤدي إلى الهجرة
حكاية الأسد والفأر
عندما شاخ الأسد وضعفت قواه
أخذ يبحث عن فريسة يفترسها ليسد بها جوعه فلم يستطع إلاّ أن يقبض على كلب مسن؛
فقال له الكلب: لا يوجد في جسمي الضعيف لحم يشبعك؛ أما إذا أطلقتني فسوف أربطك
بحبل وأنادي على الجراء ( الكلاب الفتية ) وأقول لهم : هذا أسد مسن مربوط بحبل
…تعالوا وانهشوه ؛ فتأتي الكلاب لتنهشك فأطوِّل لك الحبل فتأكلهم الواحد تلو الآخر
…لحماً فتياً طرياً لذيذاً يشبعك فوافق الأسد على الفكرة وأطلق سراح
الكلب .
وأحضر الكلب الحبل وربط
الأسد بشجرة؛ ثم ترك الكلب المكان ولم يعد يراه الأسد.
فهجمت الجراء على الأسد
وأخذت تنهش به؛ فأخذ الأسد يتلفت ذات اليمين وذات اليسار وللخلف لينادي على الكلب
كي يفي بوعده ويرخي الحبل حتى يأكل الأسد الجراء؛ فلم يجده لأن الكلب غادر المنطقة
على الإطلاق.
تضايق الأسد من نهش الجراء
له، كما تضايق الفأر من وجود الجراء بالمنطقة؛ لأن الجراء أخذت تلاحق الفأر
لتأكله، فناداه الأسد وقال له: حِلَّني يا فار … فبعدما تحلني سوف لن يبقى أحد من
الجراء بالمنطقة يضايقك …فأخذ الفأر يقرض بالحبل إلى أن انقطع ….
فانطلق الأسد مغادراً
المنطقة …. فسأله الفأر: إلى أين أنت مغادر ؟
فأجاب الأسد: سوف أغادر هذه
البلاد … فسأله الفأر: لماذا تغادر البلاد ؟
فأجاب الأسد: بلاد فيها كلب
يربط، وفأر يحلّ … سوف لن أبقى فيها أبداً
إرسال تعليق