النظام الاقتصادي الاسلامي
هو مجموعة الأصول العامة الاقتصادية التي
نستخرجها من القرآن والسنة، والبناء الاقتصادي الذي نقيمه على أساس تلك الأصول
بحسب كل بيئة وكل عصر، وهي على نوعين:
الأول: الأحكام الثابتة: وهو ما كانت أحكامه من
أدلة قطعية، أو راجعة إلى أصل قطعي مما ورد في القرآن الكريم أو السنة الصحيحة،
كحرمة الربا، وحل البيع، وكون للرجل مثل حظ الأنثيين في الميراث.
ويمتاز هذا النوع من الأحكام
بالميزات التالية:-
1) العموم والمرونة: فأحكامها نافذة على جميع
الناس دون استثناء، كما أنها تتناول جميع مستجدات الحياة لما في أحكامها من العموم
والمرونة.
2) عدم التغيير والتبديل: فهي لا تقبل ذلك مهما
مرت الأعوام، وطالت الأزمان، وعدم التغيير والتبديل لا يعني توقف وتجميد النصوص.
3) كون العلم حاكماً لا محكوماً عليه: فيخضع له
الناس ويتبعونه.
الثاني: الأحكام المتغيرة: وهو ما لم تكن أدلته
قطعية، ولا راجعة إلى أصل قطعي بل إلى ظني، سواء في سندها أو في دلالتها، مثل
عملية الموازنة بين إيرادات الدولة ونفقاتها، وكيفية تحقيق التوازن داخل المجتمع
...الخ
وهذا النوع لا يعد العمل به ملزماً على وجه الدوام، والاستمرار فيجوز لولي الأمر المجتهد، أو أهل الحل والعقد من العلماء المجتهدين أن يختار من الأحكام ما يراه مناسباً في ضوء مستجدات الحياة، كما أن له الرجوع عنه إذا رأى المصلحة في غيره ويجب على الناس العمل بها؛ لكونها استنبطت من اجتهاد علمي صحيح في ضوء الأسس الفقهية المتبعة، ومن أمثلته: إيقاف عمر -رضي الله عنه- صرف سهم للمؤلفة قلوبهم عن الزكاة، وكفرضه الخراج على الأرض المغنومة.
وهذا النوع لا يعد العمل به ملزماً على وجه الدوام، والاستمرار فيجوز لولي الأمر المجتهد، أو أهل الحل والعقد من العلماء المجتهدين أن يختار من الأحكام ما يراه مناسباً في ضوء مستجدات الحياة، كما أن له الرجوع عنه إذا رأى المصلحة في غيره ويجب على الناس العمل بها؛ لكونها استنبطت من اجتهاد علمي صحيح في ضوء الأسس الفقهية المتبعة، ومن أمثلته: إيقاف عمر -رضي الله عنه- صرف سهم للمؤلفة قلوبهم عن الزكاة، وكفرضه الخراج على الأرض المغنومة.
نشأة علم الاقتصاد الإسلامي
وتطوره:
الإسلام قد قرر أصول الاقتصاد منذ بداية
التشريع الإسلامي، وكانت حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- نموذجاً حياً لتطبيق
هذا التشريع الذي استمر على نهجه الخلفاء الراشدون من بعده.
ولئن كانت الحياة والمشكلات الاقتصادية في
الصدر الأول محدودة فإن ذلك يرجع لأمرين:
الأول: فقر البيئة والتواضع في النشاط
الاقتصادي؛ إذ كانوا يقتصرون على أعمال الرعي، والزراعة المحدودة، والتجارة الضيقة
الحدود.
الثاني: قوة الوازع الديني وتمكنه من النفوس،
فلا غش ولا تدليس ولا غبن ولا احتكار.
وحين بدأ الناس التوسع في المعاملات نشطت
الدراسات الفقهية الاقتصادية وبدأ العلماء يضعون أحكاماً شرعية لما استجد في
زمانهم من أمور ومسائل، فألفوا في ذلك التصانيف التي تبحث المسائل الفقهية في
الجوانب الاقتصادية، فكتب الفقه التي ظهرت في القرن الثاني الهجري فما بعده، زخرت
بمسائل اقتصادية هامة كالزكاة، والكفارات، والعقود، والمعاملات، والنفقات،
والصداق، والمواريث، والديات.
ومن هذه الكتب (المدونة الكبرى) للإمام مالك،
و(المبسوط) للسرخسي، و(الأم) للإمام الشافعي، و(المغني) لابن قدامة.
كما ظهرت كتب خاصة في الاقتصاد كـ(الخراج) لأبي
يوسف، و(الخراج) ليحيى بن آدم القرشي و(الأموال) لأبي عبيد، وكتاب (الاكتساب في
الرزق المستطاب) للشيباني، و(أحكام السوق) ليحيى بن عمر، وكتاب (البركة في فضل
السعي والحركة) لمحمد الحبشي اليمني، وكتاب (الحسبة) لابن تيمية وغيره من العلماء.
.
بيان إغفال تطبيق الاقتصاد
الإسلامي في واقع حياة المسلمين، والعالم أجمع وأثر ذلك:
لقد جثم الاستعمار في بلاد المسلمين فترة من
الزمان، ولما رحل ترك آثاراً سيئة على حياة المسلمين ومنها:
1- تشتيت الدراسات الإسلامية وإبعادها عن مناهج
التعليم.
2- منع الفقه الإسلامي من التطبيق داخل
المحاكم، واستبدال القوانين الوضعية.
3- سنُّ الأنظمة والقوانين التي تخدم الاتجاه
الاشتراكي أو الرأسمالي.
ولقد ترتب على إغفال تطبيق الاقتصاد الإسلامي
في واقع حياة المسلمين آثار سيئة منها:
1- انتشار الربا -بكافة صوره وألوانه- في بلاد
المسلمين.
2- التوسع في انتشار المعاملات المحرمة الأخرى
بين المسلمين كعقود التأمين مثلاً.
3- مخالفة حكم الله، والعمل بغير ما أنزل، مما
يكسب المسلمين المعاصي والآثام المستمرة.
4- عدم إفساح المجال للاقتصاد الإسلامي؛ ليحل
المشكلات الاقتصادية القائمة، وبالتالي حرمان العالم من سن أنظمة وتشريعات تحقيق
الخير والرفاهية للناس.
إن هدف الاقتصاد الإسلامي إعمارُ الأرض، وهدفَ
الأنظمة الأخرى الربحُ، فمن هدفُه إعمار الأرض فلن يسمح للاحتكار وإتلاف الفائض من
الحبوب والخضروات في البحار، أو تحت أشعة الشمس المحرقة، بل سيعمل على توزيع
الفائض من إنتاجه على الشعوب الأخرى.
مساوئ الاقتصاد الرأسمالي:
1/ اختلال التوازن في توزيع الثراء بين الأفراد
وبالتالي تتجمع وسائل إنتاجه عند طائفة.
2/ ظهور الأزمات وتفشي البطالة؛ لاندفاع
المنتجين إلى إنتاج السلع الكمالية.
3/ انتشار الاحتكارات الفعلية القانونية.
4/ الحرية المطلقة في الكسب والإنفاق.
مساوئ النظام الاشتراكي:
1/ مصادمة الفطرة، وهي حب التملك.
2/ هبوط بالفرد إلى مستوى العبيد في العصور
الظالمة.
ما كان إخراج الأراضي والمعامل وغيرها من وسائل
الإنتاج من أيدي الأفراد وتحويلها إلى ملكية جماعية عملاً سهلاً يكون قد تم بسهولة
وبطيب خاطر من أصحاب الأراضي والمعامل.
ولك أن تقدر بنفسك أنك إذا اعتزمت مصادرة أملاك
الناس الصغيرة والكبيرة وإبعادهم عنها، فهل تراهم يخضعون لمشيئتك ويستسلمون لقضائك
بكل سهولة؟ كلا، بل لابد لذلك في كل زمان وفي كل مكان من قتل النفوس وسفك الدماء…
فقد قدروا أنه قتل في روسيا -في تنفيذها هذا المشروع والعمل على مقتضاه- نحو
19.000.000 نسمة، وحكم على نحو 2.000.000 نسمة بعقوبات فادحة مختلفة، ونفي عن
البلاد نحو 4.000.000 أو 5.000.000 نسمة.
خصائص الاقتصاد الإسلامي:
أولاً - الاقتصاد الإسلامي جزء من نظام الإسلام
الشامل:
لا ينبغي لنا أن ندرس الاقتصاد الإسلامي
مستقلاً عن عقيدة الإسلام وشريعته؛ لأن الاقتصاد الوضعي بسبب ظروف نشأته قد انفصل
تماماً عن الدين، وأهم ما يميز الاقتصاد الإسلامي هو ارتباطه التام بدين الإسلام
وعقيدته وشريعته.
وارتباط الاقتصاد الإسلامي بالعقيدة يبدو في
نظرة الإسلام إلى الكون باعتباره مسخراً للإنسان ولخدمته، ويبدو كذلك في قضية
الحلال والحرام التي تشغل المسلم عند إقدامه على معاملة من المعاملات، ويبدو -أيضاً-
في عنصر الرقابة الذي يحسه المسلم من عالم الغيب.
وتفصيل ذلك:
1/ للنشاط الاقتصادي في الإسلام طابع تعبدي:
إن أي عمل يقوم به المسلم -اقتصادياً أو غيرَ
اقتصادي- يمكن أن يتحول من عمل مادي عادي إلى عبادة يثاب عليها، إذا قصد المسلم
بعمله هذا وجه الله -سبحانه-.
عن عمر -رضي الله عنه- عن الرسول -عليه الصلاة
والسلام-: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما
نوى))، وقال -عليه الصلاة والسلام-: ((وإنك لن
تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في فم امرأتك)) [متفق
عليه].
2/ للنشاط الاقتصادي في الإسلام هدف سامِ:
تهدف النظم الاقتصادية الوضعية من الرأسمالية
والاشتراكية إلى تحقيق النفع المادي وحده لأتباعها، ذلك هو هدفها.
وكان من نتيجة ذلك تلك المنافسة الطاحنة التي تدور وتدور رحاها بين معسكرات الدول المختلفة بقصد السيطرة الاقتصادية، واحتكار الأسواق ومصادر المواد الخام في البلاد المختلفة.
وكان من نتيجة ذلك تلك المنافسة الطاحنة التي تدور وتدور رحاها بين معسكرات الدول المختلفة بقصد السيطرة الاقتصادية، واحتكار الأسواق ومصادر المواد الخام في البلاد المختلفة.
هذه المنافسة هي التي أدت إلى الحربين
العالميتين الأولى والثانية، وهي التي تهدد العالم الآن بحرب نووية ثالثة بين
المعسكرين الرأسمالي والشيوعي.
فإذا كان النشاط الاقتصادي في ظل الاقتصاد
الإسلامي يسعى إلى النفع المادي، فهو يسعى إليه وحده، ولا يستهدفه كفاية في حد
ذاته، وإنما يعتبره وسيلة لغاية أكبر وهدف أسمى، وهو إعمار الأرض وتهيئتها للعيش
الإنساني
وفرق كبير بين أن يكون النفع المادي هو الغاية
وهو الهدف، وبين أن يكون وسيلة لغاية أكبر وهدف أسمى، وهو إعمار الأرض وتهيئتها
للعيش الإنساني، وتحقيق الرفاهية والخير للناس كافة.
ذلك أنه في الحالة الأولى إذا كان النفع المادي
هو الهدف ستكون الأنانية والاحتكار والاستئثار بخيرات الدنيا ومنعها عن الآخرين
كما يحدث في النظم الاقتصادية المتصارعة، وهو ما يؤدي إلى الحروب وإلى الدمار.
أما في الحالة الثانية حيث يكون إعمار الأرض هو الهدف، فإن المنافسة والأنانية والاحتكار سوف تتحول إلى تفاهم وتعاون بين الدول والشعوب لإعمار الأرض، واستغلال ثرواتها على أحسن وجه لصالح البشرية جميعه،
أما في الحالة الثانية حيث يكون إعمار الأرض هو الهدف، فإن المنافسة والأنانية والاحتكار سوف تتحول إلى تفاهم وتعاون بين الدول والشعوب لإعمار الأرض، واستغلال ثرواتها على أحسن وجه لصالح البشرية جميعه،
3/
الرقابة على ممارسة النشاط الاقتصادي في الإسلام هي رقابة ذاتية في المقام الأول:
رقابة ضمير المسلم القائمة على الإيمان بالله
والحساب في اليوم الآخر،
ثانياً - الاقتصاد الإسلامي يحقق التـوازن بين
مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة:
فالنظام الاقتصادي الرأسمالي ينظر إلى الفرد
على أنه محور الوجود والغاية منه، ومن ثم فهو يهتم بمصلحته ويقدمها على مصلحة
الجماعة كلها.
ويعلل النظام الرأسمالي موقفه هذا من الفرد
بأنه لا يوجد ثمة تعارض بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، وأن الأفراد حين يعملون
على تحقيق مصالحهم الخاصة فإنهم في الوقت نفسه يحققون مصلحة الجماعة.
وتقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة في
النظام الرأسمالي كان له مساوئ عديدة، أبرزها الأزمات وتفشي البطالة، والتفاوت
الكبير بين الدخول والثروات وظهور الاحتكارات.
والنظام الاقتصادي الاشتراكي على العكس من
النظام الرأسمالي، يقدم مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد، بل هو يضحي تماماً بمصلحة
الفرد في سبيل مصلحة الجماعة، وبناء على ذلك فقد ألغى النظام الملكية الفردية
لأدوات الإنتاج إلغاءً تاماً، كما ألغى الحرية الاقتصادية الفردية واستبدل بهما
الملكية العامة والحرية الاقتصادية العامة، أي ملكية الجماعة وحريتها.
وكان لهذا المسلك بدوره مساوئ لا تقل عن مساوئ
النظام الرأسمالي إن لم تزد، فإلغاء الملكية الفردية والحرية الاقتصادية يصادم
الفطرة الإنسانية، ويؤدي إلى إحباط الهمم، وإلى التكاسل، ولهذا السبب نجد الدول
الاشتراكية، وفي مقدمتها الاتحاد السوفييتي تعاني من تقهقر الإنتاج كماً ونوعاً.
وأصبحنا نجد الآن في روسيا أصواتاً ترتفع
مطالبة بإعادة الملكيات الزراعية الخاصة، وتجعل هذه الملكيات أساساً هاماً لرفع
مستوى المعيشة في الاتحاد السوفييتي.
أما الاقتصاد الإسلامي فهو لا يفترض مقدماً أن
هناك تعارضاً بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، وتقوم على رعاية المصلحتين معاً،
ومحاولة تحقيق التوازن بينهما، فيعترف بالملكية الفردية، ويعترف كذلك في نفس الوقت
بالملكية الجماعية، فلا يلغي أياً منهما في سبيل الأخرى، فيعترف للفرد بحريته،
ولكنه لا يغالي في ذلك إلى حد إطلاقها بغير قيود مما يضر بالجماعة .
أما إذا كان هناك تعارض بين مصلحة الفرد ومصلحة
الجماعة وتعذر تحقيق التوازن، أو التوفيق بينهما، فإن الإسلام يقدم مصلحة الجماعة
على مصلحة الفرد.
ومن الأمثلة: منعه -عليه الصلاة والسلام- من
تلقي الركبان؛ فإن فيه تقديماً لمصلحة عامة، وهي مصلحة أهل السوق على مصلحة خاصة،
هي مصلحة المتلّقي في أن يحصل على السلعة، ويعيد بيعها بربح يعود عليه، ومنها
النهي عن الاحتكار.
الأركان الأساسيَّة في
الاقتِصَادِ الإسلامي:
الملكية المزدوجة (الخاصة والعامة).
الحرية الاقتصادية المقيدة.
التكافل الاجتماعي.
أولاً: المِلْكِيَّة
المزْدَوِجَة:
الملكية في الاقتصاد الإسلامي:
الاقتصاد الإسلامي له موقفه المتميز، فهو لا يتفق
من الاقتصاد الرأسمالي في اعتبار الملكية الخاصة هي الأصل أو القاعدة، والملكية
العامة هي الاستثناء، ولا يتفق كذلك مع الاقتصاد الاشتراكي في النظر إلى الملكية
العامة على أنها الأساس أو القاعدة، والملكية الخاصة هي الاستثناء، ولكن يأخذ بكلا
النوعين من الملكية في وقت واحد كأصل وليس كاستثناء.
فالاقتصاد الإسلامي منذ البداية يقر الملكية
الفردية، ويقر كذلك الملكية الجماعية، ويجعل لكل منهما مجالها الخاص الذي تعمل
فيه.
فالاقتصاد الرأسمالي رغم قيامه على الملكية
الفردية، وكراهيته للملكية الجماعية، إلا أنه إزاء طغيان الملكية الفردية وعزوفها
عن القيام بالمشروعات الأساسية اللازمة للاقتصاد القومي، فقد اضطر إلى الأخذ بفكرة
الملكية العامة في صورة تأميم بعض المشروعات الخاصة، أو قيام الدولة ابتداء ببعض
المشروعات الاقتصادية التي يعزف عنها الأفراد، وخير شاهد على ذلك عمليات التأميم
والتدخل في النشاط الاقتصادي التي لجأت إليها الدول الرأسمالية منذ السنوات
السابقة على الحرب العالمية الأولى.
كذلك فإن الاقتصاد الاشتراكي إزاء تدهور
الإنتاج كماً ونوعاً، واقتناع المسئولين عن هذا الاقتصاد بأن ذلك راجع بصفة أساسية
إلى إلغاء الملكية الفردية بضرورة الاعتراف بالملكية الفردية.
الملكية في الاقتصاد الإسلامي
مقيدة:
سواء أكانت ملكية خاصة أو ملكية عامة فهي ليست
مطلقة، بل هي مقيدة بقيود ترجع إلى تحقيق مصلحة الجماعة، وإلى منع الضرر، الأمر
الذي ينتهي بالملكية إلى أن تصبح وظيفة اجتماعية.
فالذي يتتبع نصوص الكتاب يجد أن الأصل في
الأموال جميعها بكل أشكالها وأنواعها أنها ملك لله تعالى
Post a Comment