التقطيع:
هو كثافة موسيقية، قد تستلزم كثافة دلالية،
ويرتبط بالنص النمطي، أو يرتبط بالسياق الذي يعمل فيه الشعراء على تخدير شعور
المتلقي ليسرب إلى نفسه حالة معينة، ونعالج تحت هذا العنوان: الترصيع – التسميط –
المماثلة – التصريع.
1.
الترصيع: "هو
أن يتوخى فيه تصيير مقاطع الأجزاء في البيت على سجع أو شبيه به أو من جنس واحد في
التصريف"([i])
وهو نوعان:
أ.
التام: وهو توافق
ألفاظ الصدر مع ألفاظ العجز وزناً وتقفية ومنه قول جابر قميحة:
قم عطر الفجر بالإسرا وياسينا
|
|
ورتل الفتح والأنفال والتينا ([ii])
|
وقول أسامة الأحمد([iii]):
أيـن حروفــي لسـت أدري
|
|
أين يراعـي أيـن شعـري؟!
|
ب. الناقص: وهو ما اختلف الوزن فيه واستوت الأعجاز والقوافي، كما
في قول أسامة أبو رعد.
فتغنـى نشيـد حب ومجــد
|
|
وتمنـى حصيد حب يقاتل ([iv])
|
2. التسميط: وهو أن يعتمد الشاعر تصيير بعض مقاطع الأجزاء،
أوكلها في البيت على
سجع يخالف قافية البيت([v])، ويقول خضر أبو جحجوح([vi]):
سجع يخالف قافية البيت([v])، ويقول خضر أبو جحجوح([vi]):
فاهنأ بتاج العـز تاج رؤوسنـا
|
|
في درة الياقـوت والنّـوّار
|
بصواعق إثر الصواعق تصطلي
|
|
بلهيبهـا وبرعبهـا تحتـار
|
أتى الشاعر ببعض أجزاء
هذه الفقرة الشعرية مسجعة على خلاف القافية التي بمنزلة السمط، والأجزاء المسجعة
بمنزلةً حب العقد ليكون التسميط بجمع حب العقد وبربطه.
3.المماثلة: وهي أن تتماثل ألفاظ
الكلام أو بعضها في الزنة دون التقفية([vii])،
ومنه قول خضر أبو جحجوح([viii]):
بتصبّـر وتفكّــر وتألّــق
|
|
وهوى تصوغ حروفه الأقـدار
|
فأهنأ حبيب القلب إنك شاهـد
|
|
ومـشهّـد ومشفّـع ومنــار
|
"بتصبر،
وتفكر وتألق ومشهد، ومشفع، ومنار" متماثلات في الزنة وما أتى منها مقفّىً فهو
من غير قصد وزيادة في التنغيم على أن التنغيم
أحد العناصر الصوتية البارزة في هذه الأبيات.
4. التصريع: جعله النقاد القدامى من نعوت
القوافي واشترطوا فيها أن تكون عذبة الحروف سلسة المخرج واستحسنوا في التصريع ما
كان في أول القصائد ليميز بين الابتداء وغيره ويفهم قبل تمام البيت روي القصيدة
وقافيتها([ix])
وجعله ابن الأثير من الشعر بمنزلة السجع في الفصلين من الكلام المنثور وقسمه إلى
مراتب منها([x]):
المرتبة
الأولى:
أعلى التصريع درجة، وهي أن يكون كل مصراع من
البيت مستقلاً في فهم معناه، غير محتاج إلى
صاحبه الذي يليه ويسمى التصريع الكامل، ومن نماذجه قول أحمد الريفي([xi]):
يـا شيـخ فلسطيـن الثائــر
|
|
يا بركـان الغضب الهــادر
|
المرتبة الثانية:
أن يكون المصراع الأول مستقلاً بنفسه غير محتاج
إلى الذي يليه، فإذا جاء الذي يليه كان مرتبطاً به، ومن نماذجه قول الشنقيطي([xii]):
اجعل قصيـدك فيهـم ألغامـاً
|
|
وقنابـلاً وبنادقـاً ونشـامى
|
المرتبة الثالثة:
أن يكون الشاعر مخيراً في وضع كل مصراع موضع
صاحبه ويسمى (التصريع الموجه) ومن نماذجه قول محمد البع([xiii]):
يـا فـارس الكرسـيّ يا علـم
|
|
دانت لك التيجـان والهمـم
|
وقول خليل عمرو([xiv]):
غدت المآقي بالدمـوع غزائـر
|
|
يا خير من ولج القلوب
معاصرا
|
ففي هذين البيتين يصح
أن يستبدل أحد المصراعين بالآخر فيجعل الأول ثانياً، ويجعل الثاني أولاً، وهذه
الرتبة كالثانية في الجودة.
التصدير:
هو أن يرد أعجاز الكلام على صدوره فيدل بعضه على
بعض ويسهل استخراج قوافي الشعر إذا كان كذلك وتقتضيها الصنعة، والتصدير قريب من
التردد، والفرق بينهما أن التصدير مخصوص بالقوافي ترد على الصدور، أما الترديد
فإنه يقع في ثنايا البيت([xv])
ويشترط في إرجاع القافية على الصدر أن يجمع الظاهرتين المكررتين التجانس أو
الاشتقاق.
الأولى: ما كان اللفظان فيها
مكررين: أحدهما في أول الصدر والآخر في آخر العجز كتكرير "يا أيها
المطعون" في قول محمد الحسناوي([xvi]):
يا أيها المطعـون، لا قرّت بفقـ
|
|
دك.. أمّةٌ، يـا أيها المطعون
|
الثانية: وهي ما وقع فيه أحد
اللفظين المتكررين في آخر البيت والثاني في حشو الصدر، كتكرير كلمة
"الفجر" في قول أسامة الأحمد([xvii]):
بعـد صـلاة الفجـر عزمـت
|
|
ترحـل عنـا.. بعد الفجر
|
وتكرير كلمة البكاء في قول جابر قميحة([xviii]):
لو يعيد البكـاء مـن قد فقدنـا
|
|
لبكينـا حتـى يجف البكاء
|
الثالثة: وهي ما وقع فيها أحد
اللفظين المكررين في آخر الصدر وآخر العجز. كما تكررت كلمة (وتغيروا) في قول أحمد
الريفـي([xix]):
والناس حولك غيـروا وتغيـروا
|
|
وبقيت طول العمر لا تتغير
|
وكلمة (سرف) أيضاً في قول صالح العمري([xx]):
ما لي أراك ولغتي في الهوى سرفا
|
|
وللعدا في دمانا أعظم السرف
|
وكذلك تكرار كلمة (أضعافا) في قول محمود الدغيم([xxi]):
حق تضاعف بالإصرار أضعافـا
|
|
وما تبدد إذعانـا وإضعافا
|
الرابعة: وهي ما وقع فيها أحد
اللفظين المكررين في أول العجز وآخره كما كررت حروف كلمة (غفر) في قول أحمد الريفي([xxii]):
يا رب عبدك قد علمت ذنوبـه
|
|
فاغفر فليس سواك ربّ يغفر
|
كذلك تكرار كلمة (زيتونة) في قول محمد الحسناوي([xxiii]):
ما كان شيخ حماس إلا مورقـاً
|
|
زيتونه، هل يذبل الزيتـون
|
ومنه كلمة (منزل) في قول الميمان النجدي([xxiv]):
أمات إبلي والله ما مات راحـل
|
|
منازله العلياء
قد طاب منزلا
|
الخامسة: وهي ما وقع فيها
اللفظان المتجانسان أحدهما في أول الصدر والثاني في آخر العجز. كالمجانسة بين (ركب وركاب) في قول عبد الغني
التميمي([xxv]):
وركبت داءك للعـلا متجــرِّدا
|
|
ما أعظم الداء
العضال ركابا
|
السادسة: وهي ما وقع فيها أحد
اللفظين المتجانسين في آخر الصدر، والثاني في آخر العجز. كالمجانسة بين كلمتي (معزيا والعزاء) في قول
خالد الوقيت([xxvi]):
يا أمة الإسـلام لست معـزيـاً
|
|
فالأمر فاق اليوم كل عزاء
|
والمجانسة في كلمتي (ارتجفت ومرتجف) من قول صالح
العمري([xxvii]):
عثى بترسانة الطغيان فارتجفـت
|
|
واجتالها بفؤاد غير مرتجف
|
والمجانسة بين كلمتي (يصطفى، تصطفى) في قول محمد
الهادي([xxviii]):
وخاتمـة السعـد أن يصطفـيـ
|
|
ـك مقام الشهادة أو تصطفيه
|
السابعة: وهي ما وقع فيه أحد
اللفظين المتجانسين في آخر البيت والثاني في أول العجز. ومنه المجانسة بين كلمتي (أصنام، صنم) في قول
محمد البع([xxix]):
قد أصبحوا موتى لا حراك بهـم
|
|
أصنـام ذل ساقهـا صنـم
|
والمجانسة بين (حصانة وحصين) في قول محمد
الحسناوي([xxx]):
هذا كتاب الله ... سفر حضـارة
|
|
وحصانة في
النائبات حصين
|
الثامنة: وهي ما وقع فيها أحد
اللفظين اللذين يجمعهما الاشتقاق في أول الصدر والثاني في آخر العجز. وذلك مثل
كلمتي (اختارك، يتخير) في قول أحمد الريفي([xxxi]):
اختارك المولـى لحمـل لوائـه
|
|
وهو العليم بخير من يتخير
|
وكذلك كلمتي (امضي، يمضونا) في قول جابر قميحة([xxxii]):
امضي سعيراً، وخوضى الهول،
وانتصري
|
|
فالنصر حق لمن بالله يمضونا
|
وقوله أيضاً في الجمع بين (كبار، وكبراء) ([xxxiii]):
يـا كباراً – ولستمـو بكبـار -
|
|
إن بالعقل يعـرف الكبراء
|
التاسعة: وهي ما وقع فيها أحد
اللفظين اللذين يجمعهما الاشتقاق في حشو الصدر، والثاني في آخر العجز. ومثاله كلمتا (الذل، الأذلينا) في قول جابر
قميحة([xxxiv]):
واستمرؤوا الذل في ضعف وفي خورٍ
|
|
وآثروا أن يكونوا في الأذلينا
|
وكذلك كلمتا (أرثى، ورثاء) في قول جابر قميحة([xxxv]):
لست أرثي "يـاسين" فهو عـلاءُ
|
|
شـامخ عزّ أن يفيـه رثـاءُ
|
وقوله في الجمع بين (ترضى، والرضاء) ([xxxvi]):
يـا عظيم الجلال فلترض عنـي
|
|
ليس بعد الرِّضاء منك رضاءُ
|
العاشرة: وهي ما وقع فيها أحد
اللفظين اللذين يجمعهما الاشتقاق في آخر الصدر، والثاني في آخر العجز. ومنه الجمع
بين كلمتي (فداه والفداء) في قول جابر قميحة([xxxvii]):
قد يقولـون: ألف عـرش فـداه
|
|
قلت: بخساً، وكيف هان الفداء؟
|
الحادية عشر: وهي ما وقع
فيها أحد اللفظين اللذين يجمعهما الاشتقاق في أول العجز، والثاني في آخره، ومنه
الجمع بين (مستسلماً، استسلاماً) في قول الشنقيطي([xxxviii]):
إن الرثاء لمن يمـوت موليـاً
|
|
مستسلماً للمعتدي استسلاماً
|
وكذلك الجمع بين كلمتي (وفاء، والوفاء) في قول
جابر قميحة([xxxix]):
قد أتاكم ياسين في جنة الخلـد
|
|
وفـاء لكـم فنعـم الوفاء
|
وكذلك كلمتي (قضى، والقضاء) في قوله([xl]):
ثم كـان الرحيـل دون وداع
|
|
قضى الأمر، لا يرد قضاء
|
Post a Comment