العوامل التي تساعد على توطن الصناعة فيما يلي:
1.   المادة الخام:
تختلف المادة الخام التي تدخل في الصناعة من صناعة لأخرى ، فقد ترجع هذه المادة إلى أصل زراعي أو مائي أو تعديني . وقد تكون نصف مصنعة مثل غزل القطن و الصوف و السكر الخام و الحديد الزهر.
و لا تتوزع المواد الخام بكل أنواعها بصورة عادلة على سطح الأرض، و لذلك تتفاوت قيمة تكاليف استغلال المواد الخام و توزيعها . و نادراً ما تستخدم الصناعة مادة خام واحدة ، و لذلك  فان عدد المواد الخام اللازمة لكل صناعة و أهمية   كل منها و موقعها و مدى توفرها كلها عوامل لها تأثيرها في تحديد موقع الصناعة. و تعدد المواد الخام اللازمة لقيام صناعة من الصناعات يؤدى إلى ضعف أثر المادة الخام كعامل متحكم في توطنها حيث توجد المادة الخام .
وتتفاوت المواد الخام في قدرتها على جذب الصناعات المعتمدة عليها إلى مواقعها حسب خصائصها  وطبيعتها و مدى تعرضها للتلف . فإذا كانت المادة الخام سريعة التلف كالخضر أو الأسماك أو الفاكهة فان صناعتها تتوطن في مناطق هذه المادة الخام ,وتدخل معظم صناعة التعليب والصناعات الغذائية في هذا النوع من الصناعات ,وذلك لأنها لا تتحمل لمسافات بعيدة وبوسائل نقل بطيئة.

أما إذا كانت المواد الخامة ثقيلة الوزن كبيرة الحجم فإنها تكلف كثيرا في نقلها مثل قصب السكر المستخدم في إنتاج السكر ومثل الحجر الجيري المستخدم في صناعات الأسمدة والاسمنت ومثل الطين المستخدم في صناعة الطوب ومثل الخشب المستخدم في صناعة لب الورق . ومثل بعض المواد الخام المعدنية التي تفقد جزءا كبيرا من حجمها بعد تصنيعها كصناعة النحاس . فمثل هذه الصناعات تتوطن قرب المادة الخام تفاديا لتكاليف النقل.
وهناك صناعات لا ترتبط بالمادة الخام مثل الصناعات الهندسية وصناعة المنتجات المعدنية المختلفة وصناعة المطاط وصناعة المنسوجات وصناعة تكرير البترول .
2.   الموقع :
للموقع دور كبير في توطين الصناعة ، فلا يمكن قيام الصناعة في منطقة منعزلة لأن موقع الإقليم الصناعي في منطقة مرتبط بالمناطق الأخرى المجاورة بطرق نقل جيدة وقريبة من مراكز الثقل السكاني و المواد الخام . و لذلك تتركز الصناعات الخفيفة التي يشتد عليها الطلب اليومي للسكان حول المدن الكبرى و في داخلها أحياناً مثل صناعة المشروبات ومنتجات الألبان و الأحذية . و مثل صناعة تكرير البترول التي ترتبط بالموقع الساحلي لسهولة استقبال ناقلات البترول المحملة بالبترول الخام ثم إعادة شحن المشتقات بعد التكرير. و يصعب توطن الصناعة في  منطقة جبلية مضرسة أو معرضة للانهيارات أو داخل الغابات أو المستنقعات.
3.   مصادر الطاقة :
تحتاج الصناعة للطاقة بدرجات متفاوتة ، كما تختلف مصادر الطاقة في درجة و مدى جذبها للنشاط الصناعي ، و يرجع ذلك إلى طبيعة الصناعة و مدى حاجتها إلى الطاقة و مدى توافر مصادر الطاقة و خصائصها و تكاليف استخدامها.
و تقدم الطاقة في صور مختلفة كالطاقة الكهربائية ، و الطاقة الشمسية ، و الفحم و البترول و الغاز الطبيعي .
و بعض الصناعات تحتاج إلى مصادر وفيرة و رخيصة  من مصادر الطاقة كصناعات صهر المعادن  وخاصة صناعة الألومنيوم التي تحتاج إلى كميات كبيرة من الكهرباء لاستغلالها في عمليات التحليل الكهربائي اللازمة لتركيز الألومنيوم ، و لذلك فان الدول التي تتوفر لديها مصادر الطاقة الكهربائية الرخيصة مثل كندا تعتبر من الدول الهامة في إنتاج الألومنيوم و ليست الدول المنتجة للمادة الخام ( البوكست ) مثل جاميكا و استراليا لعدم توفر مصادر الطاقة الرخيصة لديها . كما تتركز مراكز الصناعة في المملكة المتحدة قرب المساقط المائية و مناطق إنتاج الفحم . و في الولايات المتحدة  تتركز مناطق صناعة بموازاة الساحل الشرقي حيث المساقط المائية أو في مناطق الفحم في بنسلفانيا ،  و في أوكرانيا بالاتحاد السوفيتي حيث يوجد الفحم ، وفى منطقة الرور بألمانيا الغربية التي تعتمد على الفحم.
والملاحظ عدم تركز الصناعة قرب مناطق إنتاج زيت البترول كما هو الحال بالنسبة للفحم و ذلك لسهولة ورخص نقل زيت البترول ، وعند توطين صناعة قرب حقول البترول فأنها عادة تكون معتمدة عليه كمادة خام مثل صناعة البتروكيماويات.
و هناك بعض الصناعات التي لا ترتبط أساساً بوجود مصدر للطاقة مثل طاقة الغزل والنسيج التي تتأثر بعوامل أخرى في توطنها أكثر من ارتباطها بمصادر الطاقة.
4.   الأيدي العاملة :
إن توفر الأيدي العاملة له دور كبير في توطن الصناعة و خاصة في الصناعات الدقيقة المعقدة التي تحتاج إلى خبرات خاصة مثل صناعة الآلات و الأجهزة العلمية والساعات فالأيدي العاملة أثرها من حيث الكم والكتف . و يقصد بالكم توفر الأيدي العاملة بأعداد كافية لبعض الصناعات التي تحتاج إلى أيدي عاملة وفيرة ، أما من حيث الكيف فيقصد به الخبرة و الدراية و المستوى الفني التي تحتاج إليها بعض الصناعات .
و تختلف تكاليف الأيدي العاملة التي تدخل في الصناعة من صناعة لأخرى ، فبعض الصناعات تمثل الأيدي العاملة جزءاً كبيراً من تكلفتها تتوطن حيث توفر الأيدي العاملة كالصناعات الغذائية . وقد يقف عدم توفر الأيدي العاملة عقبة دون قيام صناعة من الصناعات في بعض الدول قليلة السكان، خاصة إذا كانت هذه الصناعات تحتاج إلى خبرات خاصة غير متوفر لديها و أن  استيراد هذه العمالة من الخارج يرفع من قيمة الإنتاج .
كما يلعب التركيب الجنسى ( ذكر أو أنثى ) للعمال و أعمارهم  دوره فى الانتاج ، فبعض الصناعات ترتبط بالإناث ، و لذلك قد تقوم صناعات جانبية تعتمد على النساء الى جانب صناعات كبرى تعتمد على الرجال و ذلك  لتوفر الإناث المرافقات للازواج فى هذه المناطق مما يساعد على قيام بعض الصناعات مثل صناعة التطريز و صناعة النسيج و غيرها من الصناعات التى يبرز فيها العنصر النسائى .
و رغم التقدم الحديث فى ميدان الميكنة و استخدام الآلات على نطاق كبير واحلالها محل  الكثير من العمال الا أن العامل ضرورى لادارة هذه الآلات التى تحتاج إلى مهارة عالية فى ادراتها و صيانة الأجهزة الدقيقة و لذلك سيظل للعمالة أثرها الهام فى توطن الصناعة و تطورها.
5.   رأس المال :
تحتاج الصناعات الحديثة إلى الآلات والمعدات المعقدة غالية الثمن ، و مثل هذه الآلات و المعدات إلى جانب الحاجة إلى المواد الخام و مصادر الطاقة والعمالة  كلها تستدعى ضرورة توفر رءوس الأموال الكافية . و لذلك تقف الدول الفقيرة عاجزة أمام قيام الصناعات التى تحتاج رءوس الأموال الكبيرة ، و لذلك تلجأ إلى فتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية التى لاتغامر فى كثير من الأحيان إلا اذا ضمنت الأرباح و الأمان على أموالها و تأكدت من أن عائداتها من الأرباح تفوق ما يمكن تحقيقه فى بلدها الأصلى أو فى البلاد الاخرى . كما أن رأس المال الأجنبى عادة يتأثر بالأوضاع السياسية و الظروف التى تحيط بالمشاكل الاقتصادية الدولية و لذلك فهو يسعى إلى الصناعات التى تحقق أكبر ربح و فى أقصر وقت ، و لذلك يتجه إلى الصناعات الاستهلاكية غالباً دون الصناعات التحويلية الكبرى .
و تغلغل رءوس الأموال الاجنبية و سيطرتها على اقتصاد الدولة يؤثر على السياسة الحكومية و يقف أمام اتخاذ أى قرار يضر بها خاصة  اذا كانت رءوس الأموال محمية بدول كبرى تتدخل من أجله و تدافع فى سبيل بقائه .
ورأس المال يقف عقبة أمام كثير من الدول النامية لاستغلال مواردها الطبيعية كما هو الحال فى مناطق انتاج البترول . فصناعة تكرير البترول لم تكن ممكنة فى دول الخليج قبل توفر رءوس الأموال الكافية و لذلك كان البترول يصدر خاماً إلى الدول الاجنبية حيث تتوفر معامل تكرير. وعندما توفرت رءوس الأموال أمكن انشاء معامل التكرير. كما تقوم بعض الدول بانشاء صناعة البتروكيماويات التى لم تكن ممكنة قبل توفر رءوس الأموال.
6.    الأسواق :
لابد للصناعة من أسواق لتصريف منتجاتها سواء كان التصريف محليا أو خارجيا عن طريق التصدير. و يختلف السوق الداخلى من مكان لآخر تبعاً لعدد السكان و مدى تقدم الصناعة و اعتمادها على صناعات جانبية من ناحية أخرى .
و قد يكون أثر السوق أكبر أثرا من المادة الخام أو الوقود فى توطين الصناعة أحيانا ، و لذلك فالموقع الصناعى عند الخامات قد يصبح موقعا صناعيا عند السوق ، كما أن اختيار السوق كموقع لصناعة ما قد يصبح موقعا للخامات عندما تنشأ صناعات أخرى تعتمد على منتجات هذه الصناعة كخامات لها .
وفى المراحل الأولى من مراحل التطور الصناعى يكون لوجود السوق المحلى القريب دور هام جدا فى تطور الصناعة ، بل أن بعض الصناعات الخفيفة قد تخلق السوق و تجعل من المنطقة مركزا تجاريا . كما أن السوق من أهم العوامل التى تحدد مناطق الصناعات الكيميائية نظرا لأن هذه الصناعات تدخل كمواد خام فى كثير من الصناعات الأخرى ، و لذلك ترتبط كثير من الصناعات الكيميائية بالنطاقات الصناعية الكبرى كما هو الحال فى شمال شرقى الولايات المتحدة و غرب أوروبا واليابان .
فلكلمة سوق هنا أكثر من مضمون ، فقد يتمثل فى الناس عددا و قدرة شرائية ، و قد يكون صناعة أخرى  أو قطاعا آخر ، أو داخلى أو خارجى .
و يجذب السوق عددا كبيرا من الصناعات على أساس أن تكلفة نقل منتجاتها اليه تكون نسبة كبيرة من قيمة الانتاج .
ويمكن تصنيف الصناعات التى ترتبط ارتباط قويا بالأسواق ، أى الصناعات التى تنجذب نحو الأسواق  مهما كان بعدها عن موقع المواد الخام و مصادر الطاقة وغيرها من العوامل الأخرى إلى :
v  الصناعات التى تتلف منتجاتها بسرعة مثل الألبان و الخبز و الثلج و لذلك تتركز هذه الصناعات قرب الأسواق ليتم توزيعها بسرعة على المستهلكين .
v  الصناعات التى تزيد حجم أو وزن منتجاتها بعد تصنيعها مثل صناعة المشروبات و صناعة تكرير البترول وصناعة صناديق التعبئة والعلبب والبراميل .
v  الصناعات التى تقل تكاليف نقل مواردها الخام عن نقل منتجاتها المصنعة مثل صناعة النسيج و صناعة تكرير البترول وصناعة المنتجات الجلدية و صناعة الأثاث .
v  الصناعات التى تحتاج إلى الاتصال المباشر بالمستهلكين للتعرف على رغباتهم و أذواقهم كصناعات الملابس و الأحذية .
v  صناعات متباينة لها ارتباط مباشر بالأسواق مثل صناعة الطباعة و النشر و صناعة الأجهزة الكهربائية بمختلف أنواعها و صناعة الزجاج.
و لطاعة السوق دور كبير فى توطين بعض الصناعات . فهناك بعض صناعات إذا عملت بجحم كبير فإنها تحقق وفورات كثيرة ، و مثل هذه الصناعات يتأثر بمدى استيعاب السوق الداخلية لمنتجاتها . و أحيانا يعتبر عدم توفر السوق بالنسبة لصناعة كالبتروكيماويات والسيارات و الحديد و الصلب عقبة أمام قيام هذه الصناعات .
 و أحيانا يجذب السوق المصانع التى تستخدم الخامات الناتجة من بعض الصناعات كما يحدث عندما تنشأ  أفران الصلب التى تستغل الخردة المتخلفة عن مراكز صناعة السفن و السيارات و المعدات و ذلك  بأن تبيع إنتاجها لنفس المصانع التى حصلت منها على الخامات ( الخردة ) .
كما يساعد  توطن الصناعة قرب الأسواق على الحصول على العمالة اللازمة بسهولة .
7.   المواصلات :
المواصلات دور كبير فى توطن الصناعة . وتتخذ المواصلات صورا متعددة ، فقد تتخذ صورة توطن الصناعات فى الموانئ و ترتبط بالمواصلات  البحرية ، حيث الصناعات التى تعتمد على المادة الخام  أو الطاقة المستوردة من الخارج ،  أو الصناعات التى تنتج أساساً بهدف التصدير ، كما هو الحال فى المناطق الصناعية على ساحل المكسيك فى الولايات المتحدة  حيث الصناعات التى تعتمد على البوكست المستورد من امريكا الجنوبية ، أو البترول المستورد من منطقة الكاريبى ، كما يظهر على سواحل غرب أوربا و جنوبها فى ايطاليا و فرنسا و هولندا و ألمانيا و انجلترا و اسكندويناوه .
وقد تكون الصناعة مرتبطة بالنقل البرى الذى يعتمد عليه فى نقل خاماتها و وقودها أو تصريف منتجاتها . و قد تكون مرتبطة بأنابيب نقل البترول وبذلك تتركز مناطق الصناعة و التكرير عند نهايات هذه الأنابيب .
8.   موارد المياه :
المياه عامل هام فى توطين الصناعة التى تحتاج إلى كميات كبيرة منها  فى التبريد وفى عمليات التنظيف و المعالجة ، أو باعتبارها عاملاً هاماً يدخل فى صناعة المشروبات ( المياه الغازية و المياه المعدنية ) .
ونوع المياه هام حدا فى الصناعة ، فبعض الصناعات مثل المنسوجات و الصناعات الغذائية تحتاج إلى مياه على درجة عالية من الجودة تنخفض فيها نسبة الحديد و المواد الصلبة . كما تحتاج صناعة لب الورق و منتجات البترول و الفحم إلى كميات كبيرة من المياه .
9.    السياسات الحكومية :
تلعب السياسات الحكومية دورا كبيرا فى قيام الصناعة و تسويق الانتاج . و فى سبيل ذلك قد تفرض الحكومة بعض الرسوم الجمركية على الواردات الأجنبية لحماية منتجاتها المحلية لتضمن لهذه المنتجات التطور واستمرار الانتاج حتى تستطيع منافسة المنتجات الأجنبية . وقد تعفى المصانع الناشئة فى بعض الضرائب لفترة معينة تشجيعاً لها . و أحيانا تكون بعض الصناعات تحت الاشراف المباشر للحكومة و ذلك بقصد حماية الانتاج الاقتصادى و ضمان حقوق المستهلك .
وقد تدخلت الحكومة الأمريكية فى صناعة الألومنيوم أثناء الحرب العالمية الثانية لأهميتها لصناعة الطائرات . كما تتدخل الحكومة السوفيتية فى توزيع الصناعات فى الاتحاد السوفيتي ، و كما يحدث فى التوجيه الحكومى للصناعات القائمة فى مصر ، كما تتدخل الحكومات أحيانا فى تحديد أجور العمال و ساعات العمل الرسمية و احتياطات الأمن الصناعى اللازمة التى تضعها فى مجال الصناعة .
وهناك اعتبارات أخرى ثانوية لها دورها فى توطن الصناعة مثل مساحة الأرض اللازمة لاقامة الصناعة وخاصة بالنسبة للصناعات التى تحتاج إلى مساحات واسعة مثل صناعة الحديد و الصلب . و مثل الصناعات التى تنبعث منها رائحة كريهة فإنها تتوطن عادة خارج المدن ، و قد ترتبط الصناعة بتوفر العنصر النسائى كصناعة التريكو و الحلوى ، أو حيث تتوفر العمالة بأجور منخفضة و خاصة بالنسبة للصناعات التى تحتاج إلى أيدى عاملة وفيرة ، و قد تقوم الصناعة و تزدهر لشهرة المنطقة القديمة فى صناعة معينة كصناعة الخمور والعطور و تصميم الأزياء التى تشتهر بها فرنسا و صناعة الساعات التى تشتهر بها سويسرا .
خامسا ـــ  نظريات الموقع الصناعى :
تعد نظرية الموقع الصناعى من فكر الاقتصاديين الألمان فى القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين و خاصة فون ثنن H.Von Thunen الذى درس المنافسة بالنسبة للموقع الزراعى و الظروف التى تستخدم فيها الأرض و العوامل المؤثرة فى ذلك . فهو يرى أنه كلما بعدت مناطق الانتاج عن السوق كلما زادت تكاليف الانتاج نتيجة لزيادة تكلفة النقل ، كما يؤثر فى الوقت نفسه مدى توفر وسائل النقل . و رغم ارتباط نظرية فون ثنن استخدام الأرض فى الزراعة إلا أنها تعد مقدمة لنشأة نظريات الموقع الصناعى فيما بعد .
وقام لونهارت W.Launhardt  يبحث نظرية الموقع الصناعى ، حيث رأى أن المنافسة بين البضائع المختلفة تعتمد على المسافة بين السوق و مصدر انتاجها . أما المنافسة بين البضائع المنتجة فى مكان واحد فتعتمد على مدى تحملها لتكاليف النقل ، فلو أمكن انتاج نوعين من الخامات المعدنية من مكان واحد ، و كان أحدهما سهل الاستخراج و لكنه فقير فى نوعه ، والآخر جيد و لكنه يحتاج لنفقات كبيرة فى استخراجه ، لا يمكن استخدام الخامات الفقيرة قرب مناطق استخراجها لأن نقلها إلى الأسواق البعيدة غير اقتصادى نظرا لزيادة تكلفة النقل . أما الخامات الغنية فان استخراجها بهدف التصدير إلى الأسواق البعيدة قد يكون مريحا رغم زيادة تكاليف الانتاج .
و أهم النظريات الخاصة بموقع الصناعة نظرية ألفرفبر Alfrde Weber الألمانى فى عام 1909 والتى حاول فيها أن يدرس العوامل المؤثرة فى التوزيع الصناعى و بعد التحليل الدقيق وجد أن تكاليف النقل تعد من أهم العوامل فى اختيار الموقع الصناعى .
ونظرية ألفرد فبر بنيت على أساس أن الصناعات التى يقل وزن منتجاتها عن وزن المواد المستخدمة فى الانتاج فان موقع الصناعة يرتبط بمناطق هذا المواد و ليس بقرب الأسواق و ذلك اذا تساوت الظروف الاخرى . وخرج ألفرد فبر من ذلك بما أسماه فى نظريته بنسبة المواد Material Index  أى نسبة المواد إلى نسبة المنتجات :

                         وزن المواد
نسبة المواد      =   ــــــــــــــــــــــ            
                         وزن المنتجات
و إذا طبقنا ذلك على حديد اللورين فتصبح نسبة المواد كما يلى :

      3طن حديد خام + طن فحم كوك
      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 4
              1طن حديد زهر

و كلما زادت نسبة المواد كلما كانت الصناعة أكثر التصاقا بموادها ، واذا قلت النسبة أى أن وزن المواد يساوى وزن الانتاج أو أقل فان ارتباط الصناعة بمواد الانتاج يقل تبعا لذلك .
و بالاضافة إلى صناعة الحديد فإن كثيرا من الصناعات يؤيد نظرية فبر مثل صناعة السكر من بنجر السكر ، فوزن السكر الخام المستخرج من بنجر السكر حوالى 1000:1 وهذا يعنى أن نسبة المواد المستخدمة فى صناعة بنجر السكر 10 ، و كذلك وزن الزبد و الجبن المستخرج من اللبن نحو 6:1 أى أن نسبة المواد المستخدمة 6 ، و كذلك بالنسبة للسكر المستخرج من قصب السكر الذى ينقص كثيرا عند انتاجه حيث يصل نسبته 5:1 فجميع هذه الصناعات تظهر نقصا  كبيرا فى وزن المنتجات عن وزن المواد الخام المستخدمة فى الصناعة و لذلك كان انتاجها قرب موادها الخام  مقللا من تكاليف النقل .
و الملاحظ بصفة عامة أن  الصناعات التى يقل وزنها عند انتاجها هى صناعات أولية أو صناعات أساسية حيث تعالج المواد الخام من المناجم أو الحقول مباشرة ، و لذلك فان المواد الخام تفقد جزءا كبيرا من وزنها فى مراحلها التصنيعية الأولى .
وقد قام ولفرد سميث Wilfred Smith  البريطانى بتطبيق نظرية ألفردفبر على الصناعات البريطانية ، فوجد أن 31صناعة من بين 65صناعة فى بريطانيا لاترتبط بموقع المواد برغم زيادة وزن المواد عن وزن المنتجات مما يدل على أن نظرية ألفردفبر لا تنطبق على جميع الصناعات فقد تظهر صناعات جانبية تساهم فى تخفيض نفقات الانتاج مما يؤدى إلى عدم التقيد بموقع المواد الخام كما يحدث بالنسبة للصناعات القطنية ، فإن القطن بعد حلجه يمكن تصنيعه بالغزل والنسج ، وكذلك يستفاد من بذوره بعد حلجه فى انتاج زيت القطن و من بقايا البذور وبعد الحلج يستخلص الكسب الذى يعد علفا للحيوان ولذلك فان الصناعات القطنية لا ترتبط بانتاج المواد الخام لهذه الصناعة .
وقد قام جورج رينر George Renner  فى عام 1947 بدراسة للموقع الصناعى ، حيث قسم الصناعة إلى استخراجية و انتاجية و تركيبية و وسيطة وأكد على أهمية فهم مقومات الصناعة من المواد الخام و الأسواق والعمالة و رأس المال و القوى المحركة و النقل ، و رأى أن الصناعة تتوطن عادة فى موقع يسهل عليها الوصول منه إلى مقوماتها أو عناصر مكوناتها ، و عندما تتوفر هذه المقومات جميعها فى مكان ما فإن هذا المكان يصبح صالحا لأن يكون موطنا للصناعة ، و إذا تفرقت مقومات الصناعة فى أماكن متعددة فإن الصناعة تميل إلى التوطن نحو المقومات التى تكون أكثر تكلفة فى نقلها ، بحيث تكون هذه المقومات العامل الحاسم فى توطن الصناعة بقربها .
أما روستروم E.M. Roustrom  فقد قام فى عام 1958بوضع أسسا ثلاثة تتحكم فى تحديد الموقع الصناعى تتمثل فى مقومات طبيعية و اقتصادية و فنية. أما الطبيعية فتتمثل فى الطبيعة التى يمكن استغلالها ، و الاقتصادية فتتمثل فى دراسة جدوى استغلال الموارد الطبيعية ، و أما المقومات الفنية فتتمثل فى تأثير المستوى التكنولوجى على اختيار الموقع الصناعى .
وقام ادجار هوفر Edgar Hoover  فى عام 1963 بدراسة لاختيار المكان المناسب للنشاط الاقتصادى بصفة عامة والصناعى بصفة خاصة ؛ و تناول أثر تكاليف النقل فى اختيار الموقع الصناعى ، و افترض أن بامكان صاحب المصنع تخفيض نقل المواد الخام باختيار موقع مصنعه قريبا من الأسواق ، و على ضوء الفرضين يصبح محتما على صاحب المصنع اقامة مصنعه قرب المواد الخام أو الأسواق عندما تكون تكاليف النقل لأى منهما أقل ما يمكن .
وقد انتهى هوفر من دراسته إلى نتيجة هامة توضح أسباب اتجاه الصناعة فى اختيار موقع توطنها ، و اعتقد بأن توطن الصناعة قرب المواد الخام بدلا من الأسواق يرجع إلى النقص فى وزن الخامات أثناء تصنيعها ، و إلى  زيادة تكاليف نقل الطن الواحد من الخامات بالمقارنة بتكاليف نقل وزن مماثل من السلع المصنعة ، كما انتهى إلى أن توطن الصناعة قرب الأسواق يرجع إلى زيادة وزن الخامات بعد تصنيعها و إلى زيادة تكاليف نقل الطن الواحد من السلع المصنعة بالمقارنة بوزن مماثل من الخامات .
وقد بدأ الاتجاه فى الفترة الأخيرة يميل إلى أهمية السوق فى جذب الصناعة ، و من أهم من يأخذون بهذا الرأى  أوجست لوش August Losch   الذى تعد دراسته من أحدث و أهم الدراسات فى هذا الخصوص . فالسوق فى تصوره منطقة تضم سكانا متجانسون من حيث الدخل والذوق العام و قدراتهم الشرائية و مستواهم الفكرى ، و لذلك فإن إقامة الصناعة قريبا منهم لمدهم بحاجتهم تعد فضل كثيرا . و يرى أوجست لوش أنه من الضرورى إقامة مصانع كبيرة قرب السوق لمواجهة المنافسة التى قد تتعرض لها عند قيام صناعات أخرى منافسة قرب مناطق الاستهلاك .

Post a Comment

أحدث أقدم