اهتمام الإسلام بالسوق والتجارة, وإلى أي مدى تعتبر السوق الإسلامية سوق حرة
اهتم الإسلام بالسوق والتجارة بشكل عام اهتماماً كبيراً ومن النصوص الشرعية بهذا الخصوص
ـ قول الله تعالى:{ وأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا }البقرة
ـ وقوله تعالى:{رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ }النور
فقد امتدح الله أولئك التجار ولم يعتبر تجارتهم منقصة لهم,فالتاجر الذي لا تشغله تجارته عن عبادته هو خير من الذي لا تجارة له.
وقد اعتبر القرآن الكريم تعاطي التجارة وارتياد الأسواق,والحصول على ما يحتاجونه من السلع والخدمات أمرا لا تستقيم حياة البشر بدونه,قال تعالى:{وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ}(7) الفرقان
فرد الله عليهم بقوله:{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ}الفرقان
ولما تحرج المسلمون من الاشتغال بالتجارة في موسم الحج قال لهم الله تعالى:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}البقرة. وقال الله تعالى:{ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} البقرة .
ومن هذه المنافع التبادل التجاري,وعند التأمل في أحكام الشريعة الإسلامية ندرك أن الإسلام اعتنى بتنظيم السوق الإسلامية عناية بالغة,فجعلها تقوم على أساس المنافسة الحرة,وتعمل في ظل ضوابط وقيم أخلاقية أسهمت في تهذيب وتقييد هذه الحرية على النحو الذي يحقق مصلحة الفرد والمجتمع.
ـ فإلى أي مدى إذاً يمكن اعتبار السوق الإسلامية سوقاً حرة ؟
ـ وإلى أي مدى يمكن أن تتوافر الشروط الأساسية لسوق المنافسة الكاملة؟
ـ وهل الضوابط الشرعية والقيم الأخلاقية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية في باب المعاملات المالية تقيد هذه الحرية فعليا وإلى أي مدى ؟
إن السوق التي يسودها الالتزام بأحكام التعاملات المالية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية هي سوق حرة تتوافر فيها معظم الشروط الأساسية لسوق المنافسة الكاملة.وقلت معظم الشروط الأساسية
لا أقول جميع الشروط,لأنه سبق أن قلت أن سوق المنافسة الكاملة هي سوق افتراضية تخيلية لو توافرت جميع شروطها لا يمكن أن يُضمن فيها أحد ولا يُغبن فيها أحد والإسلام لم يدعِ المثالية في السوق.
ولكن معظم الشروط الأساسية تتوافر في السوق الإسلامية أو بمعنى آخر أن الإسلام يدعو إلى تحقيق أكبر قدر ممكن تحقيقه من هذه الشروط في واقع السوق الإسلامية.
إنها سوق حرة باعتبار أن الأحكام والضوابط الشرعية التي تخضع لها السوق هي أحكام تهدف لتحقيق العدل والنفع الاجتماعي لكافة أطراف التبادل في السوق وهي أحكام يخضع لها الجميع باختلاف الزمان والمكان فهي لا تحابي أطرافاً وتغفل عن آخرين,وتدخُّل الدولة الذي يهدف إلى التأكد من التزام الناس بما افترضه الله عليهم في حالة الإنتاج,الاستهلاك,البيع والشراء,الاستثمار,لا يعتبر تدخلا لأنه لم يأتِ بجديد,إذ من المفترض أن يلتزم المسلمون بما افترضه الله عليهم دون توجيه أو محاسبة من قبل الدولة,وعلى هذا فمنع الدولة مثلا للربا,أو الاحتكار,أو الغش لا يخرج عن كونه واجباً شرعيا تمارسه الدولة,ولا يعتبر تدخلا يمكن أن يؤثر على حرية السوق,بل على العكس من ذلك فإن ممارسة الدولة لهذا الدور يهيئ المناخ الآمن والمناسب للتبادل الحر والمنصف بين المتعاملين في السوق .
إن الإسلام لم يضع عقبات تحول دون دخول المنتجين السوق أو خروجهم منه بل شجع على الإنتاج في كافة الميادين,وحث على جلب السلع إلى السوق فقال الرسول r:(الجالب مرزوق,والمحتكر ملعون) رواه ابن ماجه والحاكم
وفي هذا تشجيع على أن يكون عدد البائعين في السوق كبيرا,وهذا الشرط له دور في القضاء على التوجهات الاحتكارية في السوق وتوسيع دائرة التنافس المشروع بين المتعاملين وبناء سعر عادل يسود السوق.
قال ابن عابدين:"يعلم من هذا عدم جواز ما عليه بعض أهل الصنائع والحرف من منعهم من أراد الاشتغال في حرفتهم وهو متقن لها,أو أراد تعلمها,فلا يحل التحجير "
كذلك كفل الإسلام حرية انتقال عناصر الإنتاج بين وجوه الاستخدام المختلفة فأتاح للفرد حرية العمل وتوظيف أموالهم في أي ميدان من ميادين التنمية والاستثمار المشروع.
والإسلام لا يمنع أن يوجد في السوق سلع ذات جودة أقل,إلى جانب السلع ذات الجودة العالية,لكنه يمنع التغرير بالمستهلك وخداعه،فالسلع ذات الجودة العالية لها سعرها,والسلع ذات الجودة الأقل لها سعر أقل,والإسلام اتخذ من الإجراءات التي تنفي الجهالة بأحوال السوق وتجعل البائع والمشتري على حد سواء على إطلاع ومعرفة بالأسعار والسلع المتاحة للبيع ومزاياها وعيوبها,فمنع تلقي الوافدين,وعقد الصفقات معهم بعيدا عن أعين الناس,حفاظا على مصالحهم ومصالح عامة الناس وجعل من واجب أطراف التبادل بيان العيوب خاصة,ولم يمنعهم من إبراز المزايا إذا كانت مزايا فعلية تتوافر عليها السلعة.
والإسلام يعتبر الربح هدفا في النشاط التجاري,ومحفزا للاستثمار والإنتاج,ولكنه لا يغالي في هذا الشأن ويجعله الهدف الأوحد كما هو الحال في ظل النظام الاقتصادي الرأسمالي,ولا يلغي هذا الحدث أيضا كما هو حال النظام الاقتصادي الاشتراكي,الذي لا يحق للفرد فيه تملك وسائل الإنتاج والربح الذي يسمح به الإسلام هو الربح الناشئ عن بيوع واستثمارات مشروعة,فلا يكون ناشئاً عن ربا أو عن بيوع الغرر مثلاً,أو نتيجة غبن فاحش أو ناشئ عن الاحتكار،الإسلام توفرت فيه كثير من الشروط الأساسية من المنافسة الكاملة.

Post a Comment

Previous Post Next Post