ضوابط السوق في الاقتصاد الإسلامي
تتميز السوق في الاقتصاد الإسلامي بأنها تعمل على تخصيص الموارد من خلال تفاعل قوى العرض والطلب في ظل ضوابط شرعية وقيم أخلاقية,وقد وضع الإسلام الكثير من الضوابط على ممارسة النشاط الاقتصادي بصفة عامة,والتعامل في السوق بصفة خاصة,بحيث لا يتحول مفهوم الربح من حافز للإنتاج والعمران إلى هدف يسعى المنتجون والبائعون إلى تعظيمه،وهذه الضوابط الشرعية تضمن كفاءة السوق وتحول دون انحرافها نحو إنتاج السلع الكمالية التي تهم فئة من أفراد المجتمع على حساب السلع الأساسية التي تهم الشريحة الأكبر في المجتمع .
وأهم هذه الضوابط:
أولاً/تحريم الربا :
لقد حرم الله الربا قليله وكثيرة
ـ قال الله تبارك وتعالى:{ وأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا }البقرة.
ـ وقال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ
وَلَا تُظْلَمُونَ (279)}
ولا فرق في ذلك بين الفائدة البسيطة والفائدة المركبة,ولا بين القرض الإنتاجي والقرض الاستهلاكي, فتمويل المشروعات الإنتاجية بالربا يزيد تكلفة الإنتاج ولا يحقق العدالة بين أصحاب المال والممارسين للعملية الإنتاجية,فالمشروع يمكن أن يخسر وممكن أن يحقق أرباحاً عالية جدا فالنتيجة غالبا أن أحد الطرفين مغبون.
وأبرز البدائل التي يقدمها الإسلام في هذا المضمار عقد المضاربة حيث يدخل صاحب رأس المال شريكا في المشروع الإنتاجي,فيشترك الطرفان في الربح والخسارة,أما فيما يتعلق بالقروض الاستهلاكية فالإسلام يدعو إلى بذلها دون فائدة أي دون ربا وهو ما يعرف بالقرض الحسن,ذلك لمن يريد الأجر من الله,وإلا اتجه بماله لبناء مشروعات إنتاجية توفر فرص العمل للناس وتغنيهم عن اقتراض المال لغرض الاستهلاك.
ثانياً/تحريم الاحتكار:
من ضوابط السوق أيضا تحريم الاحتكار حيث قال رسول الله r:(لا يحتكر إلا خاطئ)
وقول الرسول r:( الجالب مرزوق والمحتكر ملعون)
وتتأكد حرمة الاحتكار عندما تكون السلع المحتكرة سلع غذائية,وإذا تفرد بائع أو شركة بإنتاج سلعة أو تقديم خدمة دون أن يغالي في السعر أو يسعى إلى خزن السلع وحبسها عن السوق كي يرفع أسعارها,ولم يكن تفرد هذا البائع أو الشركة نتيجة قيود تمنع الآخرين من البيع أو الإنتاج,فهذا لا يعتبر احتكارا في المفهوم الشرعي.
والاحتكار يؤدي إلى اختلال التوازن بين قوى العرض والطلب,حيث يكون العرض محدوداً مما يدفع المستوى العام للأسعار إلى الارتفاع عن المستوى الطبيعي.
ثالثاً/ منع إنتاج وتبادل السلع الضارة:
فالسلع التي نصت على تحريمها النصوص الشرعية كالخمر والميتة والخنزير وغيرها من السلع الضارة التي تندرج تحت قول الله تعالى{ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}الأعراف,لا يجوز إنتاجها أو تداولها لعدم جواز استهلاكها،وقد قال الرسول r: ( إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه)
وهذا الارتباط بين تحريم هذه السلع ومنع تداولها يؤدي إلى حماية المجتمع من الأضرار وحفظ عناصر الإنتاج من الهدر بتوجيهها إلى السلع المباحة و النافع.
رابعاً/ الأمر بالعدل في الكيل و الميزان :
قال الله تعالى:{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ(2)وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}
فواجب المسلم أن يكون عدلاً في تعاملاته ينصف الآخرين ولا يبخسهم حقوقهم كما يحب أن ينصفوه,وقد اختصت رسالة شعيب بمعالجة هذا الانحراف.
خامساً/ تحريم الغش و التدليس :
منع الإسلام الغش و التدليس وما يرتبط بهما من إخفاء عيوب السلعة،وقد قال الرسول r:(من غشنا فليس منَّا)ولا يمنع الإسلام إظهار مزايا السلعة والدعاية لها دون غش وتدليس وقد أجازت الشريعة للمشتري رد السلعة على البائع إذا ظهرت له عيوب لم تكن معلومة عند الشراء و لا شك أن منع الغش و التدليس يزيد من ثقة المستهلكين بالإنتاج ويكون سبب في ازدهار التجارة وَنمائها و قد قال الرسول r:( البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا,فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما,وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما )
سادساً/ تحريم النجش:
وَ هو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها,ولقد منع الإسلام النجش هذا السلوك لما يترتب عليها من زيادة الأثمان بغير حق,فتضعف بذلك قدرة المستهلك على شراء ما يحتاج من السلع وهذا السلوك إذا أصبح ظاهرة أدى إلى خلل في عدالة التوزيع .
سابعاً / النهي عن بيع السلعة قبل اكتمال حيازتها:
قال رسول الله r:( لا تبع ما ليس عندك ) وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله r قال:
(من اشترى طعاما فلا يَبِعْهُ حتى يستوفيه), قالوا:كنا نشتري الطعام من الركبان جزافاً,فنهانا الرسول r أن نبيعه حتى ننقله من مكانه)وهذا النهي يؤدي إلى استقرار الأسعار والحيلولة دون المضاربة على السلع لجني الأرباح دون تقديم خدمة حقيقية من نقل السلع أو تخزينها وتسليمها وقبض الثمن ومنع مادة النزاع بين البائع والمشتري إذا لم يستطع البائع تسليم السلعة وكثير من المشكلات والأزمات الاقتصادية كالأزمة الاقتصادية الراهنة كان بيع السلع قبل حيازتها أو بيع ما لم يتم قبضه أو تملكه تملكا فعلياً أدى إلى انهيارات و أزمات و الإسلام منع ذلك وحرمه.
ثامناً/ النهي عن تلقي الركبان وبيع حاضر لباد:
لقد منع الإسلام من شراء السلع التي تجلب إلى السوق قبل وصولها إلى السوق, قال رسول الله r:
(لا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى السوق)
وعن أبي هريرة t قال:(نهى الرسول r أن يتلقى الجلب,فمن تلقاه واشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار)،وقال الرسول r: ( لا تلقوا الركبان ولا يَبِعْ حاضر لباد)
ففي النهي عن تلقي الركبان يتحقق إنصاف البائع وحمايته من الغبن نتيجة الجهل بأوضاع السوق,وفي النهي عن بيع الحاضر للباد وعن تلقي الركبان منعا لسبب من الأسباب المفضية إلى الاحتكار.
كما أن فيه دعما لحركة التبادل في السوق وتوفير السلع بأسعار معقولة وعادلة,ومن هذه الضوابط:
أن الإسلام قد جاء بقيم أخلاقية لها أثرها في توجيه السوق الإسلامية ومنها :
1- الصدق والأمانة:
قال r:(التاجر الأمين الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة)
وقال r:(إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله وبر وصدق)
فالصدق والأمانة يشيعان الرضا والطمأنينة في نفوس المتعاملين,ولهما دور في ازدهار التجارة ونموها لأن الثقة في التعامل حلت محل الحذر.
2- قيام التجارة على التراضي
فلا بد من ذلك قال الله تعالى: { إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } سورة النساء
وبذلك تطيب المكاسب وتصفو النفوس ولا يأكل الناس أموالهم بينهم بالباطل.
3- السماحة والسهولة في البيع والشراء :
وقد قال r:( رحم الله عبدا سمحا إذا باع سمحا إذا أشترى سمحا إذا قضى سمحا إذا اقتضى) .




Post a Comment

Previous Post Next Post