نظم قياس الأداء 
يعتبر قياس الأداء هو التطور التاريخي للرقابة على الأداء والذي يركز على جودة توصيل الخدمة  وتحقيق النتائج التي تسعى المنظمة إلى تحقيقها، وعملية الرقابة غالبا ما تتم سنويا ولكن في بعض الحالات تكون ربع سنوية ، وقد تتكرر كثيرا.  وبالتالي تركز الرقابة على التكلفة وتوصيل الخدمة وعدد الأفراد الذين حصلوا على الخدمة. وتعمل نظم الرقابة على  مقارنة الأداء الحالي للوحدات بالأداء السابق، أو مقارنة النتائج المتحققة بالمعدلات المستهدفة. ونتيجة لأن الخدمات العامة لها أبعاد متعددة أدى هذا إلى خلق نوع من الصعوبة في تصميم نظام مناسب للرقابة. وقد استخدمت الرقابة في المنظمات الفيدرالية والولايات والمحليات في الولايات المتحدة الأمريكية لتحسين الجودة، ولكن في ظل نظم الرقابة غالبا ما تكون البيانات المتاحة عن الأداء غير دقيقة، ولتقليل الأخطاء والتلاعب في البيانات المتاحة يجب المراجعة الدورية لهذه البيانات . (8)
ولم يكن القطاع الحكومي بعيدا عن كل التطورات التي تحدث،  حيث أدت التطورات التي حدثت في السنوات العشر الأخيرة للقرن العشرين وظهور ما سمى باتجاه الإدارة العامة الجديدةNew Public Management (N P M)  و الذي نادى بتطبيق مفاهيم إدارة الأعمال في إدارة المنظمات الحكومية ، مما أدى إلى انتقال الاهتمام  بقياس الأداء إلى الحكومة. فإذا كان عصر الستينات هو عصر التسويق The Era of Marketing . وعصر الثمانينات هو عصر المبادرات الخاصة بالجودة  The Era of Quality Initiatives . وعصر التسعينات هو عصر خدمة العميل The Era of Customer Service. فيبدو أن  العقد الأول من القرن الجديد هو عصر قياس الأداء The Era of Performance Measurement  .
ويرى البعض أن العالم تحول من عملية العد Counting إلى عملية المحاسبة Accounting   والآن إلى قياس الأداء.(9)
ويركز قياس الأداء التقليدي على القياس المالي مثل معدل دوران المبيعات، الربح، الديون، معدل العائد على الاستثمار، عدد الخدمات، عدد الأفراد الذين حصلوا على الخدمات. وعلى هذا فإن  مقاييس الأداء التقليدية لا تتناسب مع الكفاءات والمهارات التي تحتاجها المنظمات اليوم. فمقاييس الأداء التي تحتاجها المنظمات  ليست  فقط لمعرفة كمية الربح أو الخسارة أو عدد الخدمات المقدمة للعميل، ولكن أيضا لتفسير القوى المحركة وراء نجاح أو فشل المنظمة. ومن هنا فإن النماذج المحاسبية وحدها لا تتضمن العناصر التي لها علاقة بالنتائج المالية الجيدة أو غير الجيدة في المستقبل. فالمقاييس المالية  لا تؤدى بدرجة كافية إلى تحسين رضاء العميل، وتحسين الجودة، وتقليص دورة الإنتاج، وحث دافعية العاملين. وتعتبر المقاييس التشغيلية هى محركات الأداء المالي في المستقبل، والنجاح المالي هو نتيجة منطقية للعمل بشكل جيد. وبالتالي فالمنظمات  في حاجة إلى مقاييس للأداء تركز على محركات الأداء في القياس،  وتقيس بدرجة أفضل من النماذج المالية. 
وفى ظل التعقيد الذي يواجه إدارة المنظمات هذه الأيام، يجب على مديري المنظمات أن يكون لهم القدرة على النظر إلى أداء المنظمة ككل، وخاصة  لأن البيئة التي تعمل فيها المنظمات بيئة متغيرة ونجاح المنظمة يعتمد على قدرتها على مقابلة الحاجات المتغيرة لأصحاب المصلحة، والمنظمة لا تستطيع بناء نظام `ذاتي لقياس الأداء، وعلى هذا فهى في حاجة إلى تقييم الأداء من منظور خارجي، مثل الاستماع للعملاء والموردين وأصحاب المصلحة الآخرين. والمقاييس في حاجة لأن تستخدم  بطريقة تؤدى إلى تطوير النتائج التي يكون لها تأثير أو قيمة في المستقبل، ويأتي ذلك من خلال الدور المستمر للتعلم والابتكار. وهذا هو الهدف الجوهري والحقيقي لنظام قياس الأداء الجيد.(10)
ونماذج قياس الأداء التقليدية بدأت عام 1915 بالتركيز على الجوانب المالية في التقييم، ومن أشهر هذه النماذج نموذج شركة DUPONT  الذي يقيس العائد على رأس المال المستخدم في المنظمة. و قد انتشر هذا المفهوم في كثير من المنظمات في مختلف الدول، ولكن مع التطور وظهور تحديات جديدة  ظهرت الحاجة إلى نماذج جديدة. (11)
وقد حدث تطور كبير في مجال قياس الأداء في مجالات المراجعة والموازنة بهدف دعم الإدارة وصناعة القرارات السياسية. وركزت مؤشرات الأداء على  مقاييس للإنتاجية ، والجودة، والوقت، والكفاءة، و فعالية المنظمة في ترشيد التكلفة وتنفيذ البرامج. ويجب أن نأخذ في الاعتبار  أن الاهتمام بقياس الأداء ليس جديدا. (12)
ويعود تاريخ أول كتابة علمية عن قياس الأداء إلى عام 1938 وذلك عندما نشرت إحدى الهيئات International City Management Association (ICMA) مقالة بعنوان " قياس أنشطة المحليات: استقصاء لاقتراح أسلوب لتقييم الإدارة" ، وكان هذا هو العمل الأول الذي ناقش الطرق المحتملة لقياس عدد من أنشطة المحليات. (13)
كما شهد قياس الأداء اهتمام  كبير في  الخمسينيات والستينيات وذلك عندما استخدمت شركة RAND بولاية كاليفورنيا ما يعرف بتحليل النظم  في قطاع الدفاع بها. وهذا أدى إلى تطوير نظم تخطيط البرامج والموازنات، وقد استخدم نظام القياس  في البداية في النواحي العسكرية ثم بعد ذلك في  الأمور غير العسكرية في الوحدات الفيدرالية على يد الرئيس Lyndon Johnson  في نهاية الستينيات.(14)
وفى منتصف السبعينيات  ظهرت محاولات اهتمام بقياس الأداء، وفى تلك الفترة  حدث تعاون بين Urban Institute and ICMA لتقديم  كتابين بهدف تقديم شكل علمي وعملي لقياس أداء الحكومات المحلية التي تهتم بتجميع وتحليل البيانات عن الأداء المحلى.
وفى الثمانينيات تمت تجربة عدد من المبادرات الإنتاجية من قبل القطاع الخاص عرفت باسم حركة إدارة الجودة الشاملة، على اعتبار أن قياس الأداء يهتم بأفكار  جودة الخدمة، ورضاء العميل، والإدارة بالنتائج. ومنذ  الثمانينيات وبدأ الاهتمام بقياس الأداء الكمي وترجمة  العناصر غير الكمية إلى عناصر كمية يمكن قياسها. وقد أشار إلى ذلك George S. Odiorne  في عام 1987، وركز على ضرورة استخدام نظم القياس الكمية، وذكر أن المشكلات التي تواجه المنظمة تكون نتيجة لعدم   قياس النواحي غير الملموسة وعدم ارتباط الأهداف ومقاييس الأداء بإستراتيجية المنظمة. وأنه يجب إعادة النظر فى معايير القياس الموجودة نظرا للمتغيرات الحالية. (15)
وقد اهتمت المنظمات العامة بتطوير نظم قياس الأداء نظرا للحاجة الملحة  إلى نظام قياس منظم لقياس الأداء بها. وقد زاد هذا الاهتمام بتطوير مؤشرات الأداء في الفترة التي شهدت ظهور حركة إعادة الاختراع في التسعينيات.(16)
واستجابة للاهتمامات المتزايدة تجاه التركيز على عملية قياس الأداء في التسعينيات، واجهت الحكومات صعوبات في تطوير مؤشرات قياس الأهداف حتى تكون كافية لقياس نتائج البرامج أو الأنشطة. وفى كتاب إعادة الاختراع  والذي صدر عام 1993 أشارا Osborne and Gaebler   إلى أهمية المواطن والأحزاب البرلمانية  في توفير المعلومات التي تساعد في عملية القياس. فالأحزاب إذا لم يكن لديها معلومات كافية فإن قرارها يكون غير سليم.  وقياس الأداء هو وسيلة لنقل المعلومات إلى متخذي القرار.
        ففي عام 1993 تبنى تقرير النتائج والأداء الحكومي  للحكومة الأمريكية Government  Performance and Results Act ونائب الرئيس الأمريكي Al Gore  عملية قياس الأداء، وقد ساعد هذا في وضع أساس لتقوية جهود الأجهزة الفيدرالية بهدف تحسين النتائج من خلال قياس الأداء، وقد انتشر المفهوم بشكل كبير في الحكومات المحلية وكان تركيز القياس منصبا على حجم العمل وقياس التكلفة وليس على النتائج وتوصيل الخدمة  وإنجاز الأهداف، وتبين من الدراسات التي تمت في ذلك الوقت أن 50% من المنظمات المحلية طورت نظم القياس بها. (17)
ومنذ بداية التسعينيات زاد الاهتمام بقياس الأداء الذي يركز على  المعايير غير المالية مع الاحتفاظ بالمعايير المالية ، وذلك نتيجة للقصور الذي يواجه المنظمات في قياس الأداء على أساس المعايير المالية فقط، نظرا لأنها لا تقدم بيانات تساعد متخذ القرار في المستقبل، ومن هنا قدم Kaplan and Norton مدخل قياس الأداء المتوازن كأداة إستراتيجية لقياس وتطوير الأداء في المنظمة. (18)
ولقد بدأت الكثير من الدول  مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرهم في الاهتمام بقياس الأداء الحكومي, ففي عام 2000 أصبحت عملية قياس الأداء مطلبا ضروريا في كل جهة حكومية فيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية  طبقا لقانون قياس الأداء والذي صدر عام 1993. كما طبق هذا المدخل  في بريطانيا، فمنذ أبريل 2000 أصبحت عملية قياس الأداء عملية إجبارية   في كل الهيئات الحكومية البريطانية. ويعكس هذا بالطبع استجابة الحكومات لمتطلبات وتوقعات دافعي الضرائب وبالتالي ضرورة المساءلة والتأكد من مدى فاعلية وكفاءة الإنفاق الحكومي.(19)

1 Comments

  1. ما هي شبكة التحليل الثلاثي الأبعاد التي تركز على الأطراف ومؤشرات القياس؟

    ReplyDelete

Post a Comment

Previous Post Next Post