التوسع في استخدام الطاقات المتجددة
تعد الطاقات المتجددة مصدراً لا ينضب للطاقة. وهي طاقات نظيفة لا تسبب تلوثاً يذكر للبيئة، كما أنها لا تطلق غازات الدفيئة التي تؤدي إلى تغير المناخ. وقد بذلت جهود حثيثة في نهاية السبعينات لاستغلال هذه الطاقات، والتقليل من الاعتماد على الوقود الأحفوري، لارتفاع أسعار الطاقة، وأيضاً لتخفيف آثار التلوث. لكن سرعان ما تلاشى هذا الاهتمام، مع انخفاض أسعار النفط في الثمانينات والتسعينات إلى أدنى مستوياته، وتوقف الدعم الحكومي لاستعمال هذه الطاقة، أو حتى لبحوث التطوير فيها. وقد عاد الاهتمام بقوة الآن بسبب ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة، وبسبب الضغوط للتقليل من إصدارات غازات الدفيئة.
الطاقة الكهرومائية(18)
تزود الطاقة المائية نسبة لا بأس بها من الكهرباء في العالم، ولكن الإمكانات المتبقية لبناء السدود والاستفادة من هذه الطاقة بشكل كبير أصبحت محدودة. وقد بدأت بعض الدول تعاني من الآثار البيئية الضارة لبناء السدود الضخمة، من حيث التأثير على البيئة المائية والبحرية، وتراكم الطمي خلف السدود، وتدهور التربة، وربما تأثير السدود على التعرض للزلازل.
طاقة الرياح
 مع ارتفاع أسعار النفط في السبعينات انصب اهتمام كبير على طاقة الرياح. وقد أدى هذا إلى تطوير تصميم العنفات الريحية المولدة للكهرباء خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة. ففي منتصف الثمانينات كانت الاستطاعة العظمى للعنفة الريحية 150 كيلو وات. وفي عام 2006 هناك عنفات تجارية باستطاعة 1 ميغا وات وقد تصل إلى 4 ميغا وات. تحتاج العنفات إلى مساحة من الأرض للطرقات اللازمة لصيانتها، ولمد خطوط الكهرباء بينها. وتقدر المساحة اللازمة لعنفة تولد 600 كيلو وات بـ 6000 م2. كما أنها تحتاج إلى رياح بسرعة 3 م / ثا كحد أدنى، بالنسبة للعنفات الصغيرة و6 م/ث للعنفات الكبيرة. وتزداد سعة العنفة واقتصاديتها مع زيادة سرعة الرياح وثباتها. وقد توسعت بعض الدول مثل ألمانيا واسبانيا والدانمارك والولايات المتحدة وانكلترا وغيرها في استغلال هذه الطاقة. تبلغ الطاقة المولدة من الرياح في الولايات المتحدة 9000 ميغا وات فقط. وتأمل بعض الدول أن تصبح حصة الرياح في توليد الكهرباء بحدود 10% على مدى العقود القليلة القادمة. ويعترض بعضهم على إنشاء المزارع الريحية بسبب الضجيج، أو إفساد المنظر العام للأرض (التلوث البصري). ولذا يعمد كثير من الدول إلى إنشاء هذه المحطات على بعد 20-30 كم من الساحل، بعيداً عن المناطق السكنية وللاستفادة من شدة الرياح في البحار.  وتعتبر محطة راهينليغ البحرية في إيرلندة أكبر محطة ريحية في العالم الآن. تبلغ استطاعة المحطة المؤلفة من  200 عنفة 520 ميغا وات بكلفة 600 مليون دولار.(19)
الطاقة الشمسية
أما الطاقة الشمسية فهي المعين الذي لا ينضب، والطاقة النظيفة التي لا تسبب تلوث البيئة، أو الاحتباس الحراري. ولحسن الحظ تمتلك الدول العربية الصحارى الواسعة بمساحتها، والغنية بشدة الإشعاع الشمسي فيها، و بطول فترته.  لقد استخدم الإنسان الطاقة الشمسية مباشرة منذ القدم، لتجفيف الملابس والأغذية، وبصورة غير مباشرة في الزراعة التي تمده بالغذاء والطاقة. وتدعي الأسطورة أن العالم اليوناني أرخميدس  صمم مرآة شمسية ضخمة، استطاع بواسطتها تجميع الأشعة الشمسية وتسليطها على أشرعة الأسطول الروماني الذي كان يحاصر سيراكوز فحرقها عام 212 ق.م. وفكر ليوناردو دافنشي في القرن الخامس عشر في تركيز الأشعة الشمسية، واستخدام الطاقة الناجمة عن ذلك في لحام النحاس. وقد بدأ الإنسان في القرن الماضي بتطوير التقانة التي يستطيع بواسطتها الاستفادة من الطاقة الشمسية بشكل أكبر. إن أحدى أهم عقبات استخدام الطاقة الشمسية هي أنها متقطعة، وغير متاحة عندما يكون الإنسان بأشد الحاجة إليها، أي في الظلام أو البرد. وإضافة لذلك فالطاقة الشمسية ممددة جداً، بالنسبة للزمن والمساحة. تستقبل الأرض من الشمس 5.6 *10 18 ميغا جول في العام، وبمعدل 1000 وات  لكل م2 من سطح الأرض. ويحتاج الإنسان إلى التقاط هذه الأشعة على مدى زمني قصير، ولمساحة صغيرة، حتى يستطيع الاستفادة منها. ويمكن التقاط الأشعة الشمسية مباشرة من الشمس، بواسطة اللاقط الشمسي. ومع ارتفاع درجة الحرارة في مركز انعكاس الأشعة للاقط الشمسي، ترتفع درجة حرارة الماء، ويتحول إلى بخار يمكن الاستفادة منه في توليد الكهرباء. إن التحدي الرئيس لاستخدام الطاقة الشمسية هو في الاستفادة منها في وسائط النقل أو في الصناعة. وهنا نحتاج إلى وقود خفيف، وذي تركيز طاقي مرتفع. ويمكن إجراء ذلك عن طريق تحويل الطاقة الشمسية بواسطة الكهرباء إلى غاز الهيدروجين، الذي يمكن خزنه ونقله واستخدامه عند الحاجة إليه.(20)
تعتمد تقانة التركيز الشمسي الحراري (CST) على استخدام العدسات والمرايا، وعلى أنظمة تتتبع حركة الشمس، لتركز مجالاً واسعاً من الأشعة الشمسية في حزمة صغيرة. وتحتاج هذه التقانة إلى التعرض المباشر للشمس لتعمل. ولذا فهذه التقانة غير ملائمة للمواقع المغطاة بالسحب. ومع ذلك فلها ميزة وهي أن درجة الحرارة العالية تولد الماء الساخن أو البخار، اللذين يستخدمان في أغراض مختلفة. وهناك ثلاث تقانات وهي، الخزان الشمسي وبرج الطاقة     
الشمسية والصحن الإهليجلي. وهناك نوع رابع قليل الاستخدام هو الطبق الشمسي. وتستطيع هذه التقانات كلها تركيز الأشعة، والحصول على درجات عالية من الحرارة بكفاءة مرتفعة، ولكنها تختلف في طريقة تتبع الشمس وتركيز الضوء.
إن التقانة الأخرى لاستغلال الطاقة الشمسية هي تقانة الخلايا الفولطائية (PV). من المعروف منذ 150 عاماً أن الضوء يؤثر على مواصفات بعض المواد. ويعرف هذا بالتأثير الكهرضوئي، وقد حصل آينشتاين على جائزة نوبل عام 1921 لشرحه لهذه الظاهرة. تتولد الكهرباء من الفصل بين الشوارد السالبة (الالكترونات) والشوارد الموجبة (الثقوب) عند تسليط الضوء على نقطة اتصال جزئين من بلورة نصف ناقل. والسيليكون عبارة عن نصف ناقل يمكن خلطه بكميات بسيطة جداً من الشوائب (مثل الفسفور والبورون) بعملية تدعى الإشابة Doping. حيث تنتج هذه العملية P  موجبة و N سالبة. وعند تعرضها للضوء تنتج الخلية جهداً 1 فولط
صنعت الخلايا الأولى من السيلينيوم عام 1883، أما الخلايا الأولى من السيليكون فقد صنعت عام 1954. وقد استخدمت هذه الخلايا بنجاح في رحلات الفضاء منذ عام 1958، وأصبحت الوسيلة المسيطرة لتوليد الكهرباء في الرحلات الفضائية في الستينات. وبالنسبة لاستخدامها على الأرض، فقد كانت الكلفة بحدود 100 $ للوات في الستينات. وفي السبعينات أمكن تخفيض الكلفة إلى 20$ للوات، مما جعلها صالحة للاستخدام في الأماكن البعيدة عن الشبكة الكهربائية، وفي المحطات البحرية، ومنارات المرافئ، ومراكز تقاطع السكك الحديدية، وفي الحماية المهبطية للأنابيب وغيرها. وقد ازداد الاهتمام بها في السبعينات، نتيجة ارتفاع أسعار النفط ثم تناقص هذا الاهتمام بعد ذلك. ومع ذلك نمت بمعدل بين 10-20% خلال الثمانينات والتسعينات، وبلغت استطاعة التوليد الكهربائية منها 1000 ميغا وات عام 1999. وقد وصلت ذروة الاستطاعة المركبة إلى 6000 ميغا وات عام 2006، ومن المتوقع أن تصل إلى 9000 ميغا وات عام 2007.(21)
وبالنسبة لأمريكا الشمالية فإن متوسط التعرض الشمسي (بما في ذلك الليل والطقس الغائم) هو بحدود 125 إلى 375 وات / م2 على مدى عام كامل. وحالياً تحول ألواح الخلايا الفولطائية 15% من الطاقة الساقطة عليها إلى كهرباء (أي من 3 إلى 9 كيلو وات / م2 / يوم)، ولذا تعطي هذه الخلايا بحدود 19 إلى 56 وات / م2 أو 0.45 - 1.35 كيلو وات  ساعي /م2/ يوم. إن كفاءة الخلية هي اقل من 25%. ويكلف الـ PV المركب، حوالي 9$ لكل وات كهرباء ذروة. وبالنسبة لبيت صغير مزود ب 3.6 كيلو وات PV، وبدون بطاريات ومرتبط بالشبكة ويغطي نصف احتياجات المنزل من الكهرباء فإن الكلفة هي بحدود 32000 $.
يستخدم حوالي 14% من الطاقة في الولايات المتحدة لتسخين المياه. ويمكن تزويد 50-75 % منها من الطاقة الشمسية. لقد بلغت الاستطاعة المركبة لأنظمة تسخين المياه بالطاقة الشمسية 104غيغا وات عام 2006، وهي تنمو بمعدل 15-20% في العام. وتحتل الصين المرتبة الأولى في العالم في تسخين المياه بالطاقة الشمسية. إن استخدام الطاقة الشمسية لتسخين المياه ملائم إذ أن درجة الحرارة منخفضة وهي بحدود 25-70م°. وتستخدم الصفائح المنبسطة أو الأنابيب المفرغة والتي تبلغ كفاءتها بحدود 60%.
إن الاستخدام التالي للأشعة الشمسية في البيوت هو للإنارة. وخلال القرن العشرين، ونظراً لرخص الطاقة، أصبحت الإنارة الداخلية بواسطة  الكهرباء. تشكل الإنارة الداخلية حالياً حوالي 22 % من الكهرباء المستهلكة في الولايات المتحدة. ويمكن للتصميم الجيد أن يخفف قدراً كبيراً من الكهرباء المصروفة في الإنارة، وخاصة خلال ساعات النهار. وللإنارة الطبيعية فوائد أخرى فيزيولوجية وسيكولوجية. وباستخدام نظام الإضاءة المهجن، يمكن عكس الأشعة الشمسية الساقطة في حزمة ضوئية، ومن ثم نقلها بالليف الضوئي إلى داخل المسكن للتعويض عن الإنارة الكهربائية.(22)
تستخدم الطاقة الشمسية أيضاً في تكييف المساكن (تدفئة الهواء وتبريده وتغييره). وتبلغ نسبة الطاقة الكهربائية المصروفة لهذا الغرض 40% من الكهرباء في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ويمكن استخدام مواد تمتص الحرارة خلال السطوع الشمسي، مثل الحجارة والاسمنت والمياه، ثم ترسلها عندما تغيب الشمس ويبرد المنزل. وهناك أيضا المدخنة الشمسية أو الحرارية، التي تؤدي إلى تكييف الهواء بين الداخل والخارج بحيث تبرد صيفاً وتدفئ شتاء.
الكتلة الحيوية Biomass
هناك طرق عديدة لاستخدام الكتلة الحيوية في توليد الطاقة. وتأتي في مقدمة هذه الاستخدامات حرق الحطب، حيث يأتي معظم الطاقة في كثير من الدول النامية من هذا المصدر. لكن الحرق عملية غير كفؤة، ويؤدي إلى إصدار مركبات طيارة ودخان وغازات ملوثة وغازات الاحتباس الحراري. وهناك عملية تغويز الكتلة الحيوية، بتسخينها إلى درجة مرتفعة بغياب الأكسجين. تولد هذه العملية مزيجاً من الغازات، مثل أول أكسيد الكربون وثنائي أكسيد الكربون والميثان والنتروجين والهيدروجين. ولهذه الطريقة ميزة على الحرق، هي أنه يمكن تنقية الغاز من الشوائب، واستخدامه في كافة أنواع الطاقة تماماً مثل الغاز الطبيعي. كما يمكن استخدام غاز الهيدروجين لوحده،  أو تحويل غاز أول أكسيد الكربون والهيدروجين إلى الميثانول. وهناك عملية التفحيم حيث تسخن الكتلة الحيوية إلى درجة عالية لتبخير المواد الطيارة، والحصول على فحم الخشب بكثافة تعادل ضعف كثافة الكتلة الحيوية الأصلية. وقد أجريت تحسينات للحصول على المواد  الطيارة، وتحويلها إلى غاز الهيدروجين وأول أكسيد الكربون. وهناك عملية الهضم اللاهوائي للفضلات العضوية التي تنتج الغاز الحيوي الذي يحتوي على الهيدروجين والميثان.(23)
الوقود الحيوي Biofuel
استخدمت عملية التخمير لبقايا المواد الغذائية، مثل المولاس من الشوندر أو قصب السكر لإنتاج الكحول الإيثيلي. وقد أضيف هذا الكحول بنسبة 10-20% إلى غازولين السيارات في البرازيل الغنية بقصب السكر والفقيرة بالموارد البترولية. ومع ارتفاع سعر برميل النفط إلى أعلى من 50 دولار للبرميل، أعلنت دول عدة من بينها الولايات المتحدة عن نيتها في التوسع في استخدام الوقود الحيوي  من المحاصيل الزراعية المختلفة كالذرة وغيرها. لكن هذا الأمر قد يضر بزراعة المحاصيل الغذائية في الدول الفقيرة بالنفط، أو في الدول النامية. كما أنه قد يستنزف الثروة المائية الموجودة فيها لصالح هذه العملية.(24)

Post a Comment

أحدث أقدم