تأثير استعمال الطاقة على المناخ

خيارات الطاقة وتأثيرها على المناخ

« تقوم الأطراف بتشجيع التعاون في تطوير التقانة وتطبيقها  ونشرها ونقلها، والإجراءات والعمليات التي تتحكم بالإصدارات البشرية من غازات الدفيئة غير المتحكم بها في اتفاقية مونتريال أو تحد منها أو تمنعها »
المادة 4 الفقرة C من الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ UNFCCC
هناك مجالات عدة لتخفيف الإصدارات من غازات الدفيئة أو لتصريفها وتشمل:
1- ترشيد استهلاك الطاقة:
من أهم وسائل التخفيف من إصدارات غازات الدفيئة، ترشيد استهلاك الطاقة. ويتبع هذا المبدأ القائل (درهم وقاية خير من قنطار علاج). وعلى الرغم من استمرار زيادة عدد سكان العالم، وتحسن مستوى معيشة الغالبية منهم، إلا أنه توجد مجالات هامة للحد من استهلاك الطاقة. ويتعلق استهلاك الطاقة بالسعر الذي تؤمن فيه للجمهور. يجب أن يعتمد التسعير على مبدأ الحفاظ على الطاقة، ومنع الهدر، ومعاقبة المبذر. ويعني هذا تأمين الحد الأدنى من الطاقة لقطاعات واسعة من الناس، لتوفير حياة كريمة ومريحة لهم، وزيادة سعرها مع ارتفاع نسب الاستهلاك. ويتطلب هذا توعية الناس، بأهمية ترشيد الطاقة للأسباب الاقتصادية والبيئية أيضا"، عن طريق وسائل الإعلام المختلفة والتعليم والتدريب. ويجب التفكير بتغيير أسلوب الحياة الذي ساد لعقود عديدة، والذي يقوم على ثقافة الاستهلاك بأي ثمن دون النظر إلى العواقب البيئية
2- التحويل من الفحم الحجري والنفط إلى الغاز الطبيعي
تحتوي أنواع الوقود المختلفة على الكربون والهيدروجين بشكل رئيس، وعلى عناصر أخرى كالكبريت والآزوت بنسب أقل. ويؤدي حرق هذا الوقود إلى إصدار غاز ثنائي أكسيد الكربون والماء بشكل رئيس، وإصدار غازات أخرى كأكاسيد الكبريت والآزوت وأول أكسيد الكربون والهباب والمواد العضوية غير المحترقة. ويعتبر غاز ثنائي أكسيد الكربون أكبر الغازات المساهمة في عملية الاحتباس الحراري. كما تنطلق غازات أخرى تسبب احتباساً حرارياً أيضاً مثل غاز الميثان وأول أكسيد النتروز. وتكون نسبة الكربون في الخشب أعلى منها في الفحم الحجري، وهذه أعلى من النفط،  ويأتي الغاز بعد ذلك. ولذا فإن حرق الفحم الحجري يعطي كمية أكبر من ثنائي أكسيد الكربون، من حرق الكمية نفسها من النفط ومشتقاته، وهذه أكبر بدورها من الغاز الطبيعي. ولذا فإن التحول من الفحم الحجري إلى النفط، ومنه إلى الغاز الطبيعي، يقلل من إصدارات غازات الدفيئة، وهو وسيلة أولى من وسائل التخفيف من الاحتباس الحراري. تدعى عملية التحول من وقود صلب إلى سائل ثم إلى غاز بعملية إزالة الكربون Decarbonization. وهذا ما عمدت إليه دول كثيرة في الاتحاد الأوروبي، وخاصة انكلترا والنرويج، اللتان تحصلان على الغاز من بحر الشمال، ودول أخرى تأتي إمداداتها من الغاز الطبيعي من الجزائر وروسيا. يمكن لهذه العملية أن تؤثر بشكل إيجابي على تلوث الهواء وعلى الاحتباس الحراري أيضاً. لكن الغاز الطبيعي هو في النهاية وقود أحفوري ناضب. ولذا فهذا الحل مؤقت، وليس استراتيجياً على المدى الطويل. وهناك إمكانية تقنية لتحويل الفحم إلى الغاز في عملية تدعى التغويز Gasification، حيث يتفاعل الفحم مع البخار والهواء عند درجات عالية من الحرارة وبوجود وسيط. وقد استخدمت هذه العملية في انكلترا في منتصف القرن الماضي للحصول على الغاز الذي سمي بغاز المدن  Town gas  من الفحم الحجري. وقد أجريت بحوث عديدة على تحسين كفاءة هذه العملية، لتصبح عملية تجارية. لكن هذه العملية لن تحل مشكلة الاحتباس الحراري على المدى البعيد.
3- خزن الكربون وتصريفه(15)
يمكن استخدام ثنائي أكسيد الكربون المتولد من الاحتراق في حقن آبار النفط لاستخراج كميات إضافية منه، في عملية تدعى  الاستخراج الثانوي(Secondary Recovery). كما يمكن خزن ثنائي أكسيد الكربون بحقنه في باطن الأرض، ضمن كهوف أو مناجم مهجورة أو تشققات جيولوجية مناسبة أو خزانات مياه جوفية مالحة. وهناك إمكانات أخرى في الصناعة لالتقاطCO2  واستخدامه كما في صناعة اليوريا. ولا تزال هذه التقانة تدرس لاستخدامها خاصة إذا طبقت ضريبة الكربون المنصوص عليها في بروتوكول كيوتو على الإصدارات من غاز ثنائي أكسيد الكربون. أما صرف ثنائي أكسيد الكربون فيتم عن طريق امتصاصه من قبل النباتات، وتحويله بواسطة الطاقة الشمسية القادمة من أشعة الشمس إلى نسج في عملية تدعى بالتمثيل اليخضوري. وهذا ما يدعو إلى الاهتمام بالتشجير، والحفاظ على الغابات. وهناك بحوث لتطوير طحالب ونباتات مائية تستطيع القيام بهذه المهمة. وهناك ثلاث طرق لالتقاط CO2 الناجم عن حرق الوقود الأحفوري أو الكتلة الحيوية. ويشير الالتقاط بعد الحرق إلى إزاحة CO2 من الغازات العادمة الناجمة عن الاحتراق في الهواء. أما الالتقاط قبل الاحتراق، فيعني إنتاج غاز التفاعل، وهو خليط من أول أكسيد الكربون والهيدروجين، عن طريق تفاعل المادة الهيدروكربونية مع البخار أو الأكسدة الجزئية بالهواء. ويتفاعل أول أكسيد الكربون مع البخار مرة ثانية لينتح ثنائي أكسيد الكربون والهيدروجين بتفاعل الإزاحة. ويمكن إزاحة CO2 بإحدى الطرق المعتمدة واستخدام الهيدروجين في الاحتراق أو في خلايا الوقود.
4- الطاقة النووية:
هناك حوالي 30 دولة في العالم تمتلك محطات لتوليد الطاقة النووية. وقد بلغت حصة الطاقة النووية في توليد الكهرباء 16% على مستوى العالم عام 2005،  ومن المتوقع أن تصل إلى 18% عام 2030.(16) ولكن هذا الرقم المتوسط على المستوى العالمي، يخفي تباينات كثيرة بين الدول والمناطق. فبينما ترتفع حصة الطاقة النووية في بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا إلى 78%  من 59 محطة، وبلجيكا 65 % وروسيا 58%، فإنها معدومة في أكثر بلدان العالم النامي. ومع زيادة المخاوف من تأثير استخدام الفحم الحجري والنفط في زيادة الانبعاثات من ثنائي أكسيد الكربون، والتأثير على المناخ، وأيضا بسبب الارتفاع الحاد الذي حصل مؤخرا في أسعار النفط، فإن دولاً عديدة في العالم تسعى لتنفيذ برامج طموحة لتوليد الكهرباء من الطاقة النووية. وتأتي في مقدمة هذه الدول الصين التي تسعى لبناء 35 محطة توليد طاقة نووية في المستقبل القريب تولد 60000 ميغا وات لتلبية احتياجاتها المتنامية إلى الطاقة. ويعود ذلك إلى عدد سكانها البالغ بحدود 1200 مليون نسمة، وإلى معدل النمو المرتفع الذي تمر به منذ عدة عقود، والذي بلغ بحدود 10% سنويا. تعتمد الصين حالياً على توليد الكهرباء من الفحم الحجري المتوفر بكثرة لديها. لكن هذا الفحم هو من النوعية السيئة، وله تأثير سيء جداً على البيئة المحلية، لإصداراته المرتفعة من غازات أكاسيد الكبريت والآزوت. كما تتعرض الصين لضغوط من دول العالم، بسبب مساهمتها المرتفعة في إصدار غازات الدفيئة. وتعتمد الصين بشكل كبير على استيراد النفط والغاز من الخارج. وكذلك فعلت دول أخرى مثل الهند والبرازيل. وبالنسبة للدول المتقدمة التي جمدت التوسع في برنامجها النووي بسبب رخص سعر النفط في العقود الماضية، وبسبب احتجاجات أنصار البيئة، فقد عاد الاهتمام بهذه الطاقة من جديد بسبب الاحتباس الحراري، وعدم استقرار أسعار النفط. فقد أعلنت الولايات المتحدة أنها ستوسع برنامجها النووي في المستقبل، بينما تعيد دول عدة مثل بريطانيا وألمانيا تقييمها للوضع الراهن. وهناك عقود حالية لبناء 1 محطة في فنلندا و1 محطة في فرنسا  و2 في الولايات المتحدة وحوالي 32 مفاعل في العالم. ويتطلب بناء محطات الطاقة النووية رأسمالاً مرتفعاً وتقانة متطورة، تأخذ عوامل الأمان بعين الاعتبار. ويستغرق بناء المحطة من 10-15 سنة. أما العمر التقديري لها فقد ازداد من 20 عاماً إلى 40 عاماً، بفضل التصاميم الحديثة والوثوقية الجيدة لعملها. ومن مزايا الطاقة النووية الرئيسة:(17)
انخفاض الكلفة التشغيلية بسبب كمية الوقود النووي البسيطة اللازمة للتشغيل.
انخفاض الكلفة الكلية على مدى عمر المحطة مقارنة بالنفط أو الفحم الحجري.
عدم إصدار الغازات الملوثة للبيئة المحلية وغازات الاحتباس الحراري التي تسبب تغير المناخ.
ارتفاع كفاءتها التي ازدادت من 78% إلى 90 % 
تأمين حمل أساس Base load  موثوق وثابت لشبكات التوزيع الكهربائية
تعرضها لأعطال قليلة، وصيانة طارئة، مما أطال عمر المحطة من 20 عاماً إلى 40 عاماً
ولا تزال هناك مشاكل تعترض التوسع في الطاقة النووية أهمها:
1- التخلص من الفضلات المشعة حيث لا تزال المشكلة معلقة، وهي تخزن حالياً في برك مائية ضمن منطقة المعمل.
2- حدوث بعض الحوادث التي أثرت على الرأي العام العالمي، وتسببت بكوارث بيئية، أهما حادثة تشرنوبل في أوكرانيا وثري مايل آيلند في الولايات المتحدة.
3- كلفة إعادة تأهيل موقع المحطة بعد انقضاء عمرها الافتراضي، وإزالة الآثار الإشعاعية من الموقع.
4- تحتاج معالجة الوقود النووي المستهلك إلى تقانة عالية.
5- الخوف من انتشار تقانة تصنيع الأسلحة النووية في مناطق التوتر السياسي.
6- كلفة الاستثمار المرتفعة التي قد تكون فوق طاقة كثير من الدول النامية.
7- زمن بناء المحطة الطويل، والتقانة العالية اللازمة للتشغيل والصيانة.

Post a Comment

أحدث أقدم