أنواع القافية في الشعر العربي فهي:
أولاً: القافية المقيدة:
        وهي التي يكون فيها حرف الروي ساكناً، وهذا يجعل الشاعر متحرراً من حركات الإعراب في آخر القافية.  وقد كثر رواد هذا النوع من القافية في شعر الشعراء على بحر الرمل لما فيه من إيقاع موسيقي وملاءمته للغناء أكثر من غيره، ثم يليه أبحر الرجز والسريع والمتقارب والطويل، والكامل، ورغم الصفة الغنائية والحرية الكاملة التي أعطيت للشاعر في القافية المقيدة، إلا أن الشعر الوارد عليها قليلٌ في الأدب العربي، لا تكاد نسبته تتجاوز عُشْر ما في الأدب العربي، ولعل أكثره جاء في الشعر العباسي لسهولة اللحن في القافية المقيدة وشيوع الغناء إلى حد كبير في زمن العباسيين.
        ولما كان بحر الكامل أكثر البحور وروداً في القصائد التي نظمها الشعراء في حياة الشيخ أحمد ياسين وبعد استشهاده، فقد كثر أيضاً ورود القافية المقيدة في تلك القصائد، وكان البحر الكامل ومجزوؤه وتفعيلاته أكثر البحور وروداً على القافية المقيدة، كقول خليل حمادة في قصيدته "ملامح الرجال"([i]):
عينــاك تبدو للعيـان كأنهـا حمم تقاذفهـا اللهـيب
والصـوت رغم ذبـولـه وجفت لـه كل القلــوب
والجسم يفخر أنـه حمل الضمير الحي في ذاك الشهـيد
من بعـد إفلاس وإحبــاط أعدت الشعب للمجد التلـيد
وصنعت جنـداً حطموا أسطورة الجندي ذاك ابن القرود
وقول مريم العموري في قصيدتها "الشيخ في سكناته"([ii]):
الشيـخ في سكنــاته بحــرٌ تهدَّر بــالغضب
وطقوس جبهته عــوالمُ تستنــير بهـا الشُّهب
حرُّ وإن حبســوا الجسـد.. حرُّ أبـيُّ لم تحـد
       
وقول ياسر عزام في قصيدته "يا حبيبي"([iii]):
من قـال أنك قـد مضيت ولم تتم لنـا الـوصيـة
قل يـا حبيبي استأذنتك - على تطأطؤها - المنيـة
وأردت أن ترقى إلى حيث الرفيق، محمد خير البرية
        وقول ابتسام صايمة  في "وداعاً شيخنا"([iv])، تتوقف الكلمات تعلن عجزنا...
غامت رؤاي فـلا أرى..
نـارٌ تمـزق أضلعـي
وحشٌ يمزق أضلعـك..
هم وسَّدوك ترابنـا..؟؟؟
بل أي قلبي أودعك!!...
تركوك وحدك شيخنا!...
أرواحنـا بقيـت معـك
لو كنت ترجع بالدموع لكان دمعي أرجعك

يا من قضيت العمر ترجعنا لنهج محمد

ما أروعك





        وقول موسى أبو جليدان في: "لم يقتلوك"([v]):
لم يقتلوك وإنما في الخلد يا رمز التألق أسكنــوك
لم يقرروا فيك الإباء ولو بأطنان الإبادة أمطـروك
إن مزقوا الجسد القعيد ففكرك الوضاء رسخه بنوك
هذا ممـات الشامخين فنم قرير العين لا لم يهزموك
        وقول عبد الغني التميمي في قصيدته "دين"([vi]):
دمك المزكي لن يضيـع

دين بـأعنـاق الجميـع
دين على الهرم المسـن

كمـا على الطفل الرضيع
مـن يستطـع نسيانــه

فجنـودنـا لا تستطـيع
للعاجزيـن عزاؤهــم

ولمثلك الشـرف الرفيـع
ما أنت بالرجل الضعيف

فركنـك الركـن المنيـع
سطرت بالكف الأشــل

مفاخـر العـز البديــع
لست الصريـع وإنمــا

شرف الزعامات الصريع
        ثم يليه بحر المتقارب الذي سجَّل فيه الشعراء أيضاً مآثر الشيخ في حياته وجهاده وكانت القافية فيه مقيدة كقول الشاعر "خميس" ([vii]).
أيرثيـك...            من لا يجيدُ الرثـاء.؟                 ولم تكُ والميتين سواءُ.؟!
وذِكر محاسن مثلك شـيءٌ            عصيّ على الشعر والشعراء.؟!                ويحتاج عمراً، إذا ما ابتدا                 فسوف يظل، بـدون انتهـاء..؟
ثم يليه على القافية المقيدة ما قاله الريفي في المتدارك بعنوان "شيخ فلسطين"([viii]):
يا شيخ فلسطيـن الثائـر

يا بركان الغضب الهـادر
يا سيف الشعب ومصحفه

يا جرح قضيتنـا الغائـر
الفائز أنت فـلا تحـزن

وعدو الله هـو  الخاسـر
لا تحزن فالمولى معنـا

لن يخذلنا فهـو الناصـر
        وقول أسامة أبو رعد على بحر الخفيف([ix]):
ووهاد الخليل والقـدس تزهـو

بأسود زئيرها متواصـل
ورجال في غزة مـن رعيـل

هاشمي وفي الأكف قنابل
في فلسطين نخبة مـن ليـوث

يتساوي لديهم كل حاصل
فإذا عاش أو قضى سوف يحيا

من تبقى فشعبنا  متفائـل
ثانياً: القافية المطلقة:
وهي التي يكون فيها حرف الروي متحركاً بالحركات القصيرة وهي الفتحة، الضمة، الكسرة، وقد يكون محركاً بالحركات الطويلة المشبعة كالألف والواو والياء أو أن تشبع الحركات القصار كما سنرى.
من الأمور المسلم بها عند اللغويين والنقاد –كما ذكرنا سابقاً- أن أكثر الشعر في الأدب العربي قديمه وحديثه مختومٌ بالقافية المطلقة التي يكون فيها حرف الروي متحركاً، ولعل الشعراء يجدون في تلك الحركات القصار والطوال متنفساً لما يجول في صدورهم، ويعتمل في أذهانهم وتنبض به مشاعرهم، أو إن امتداد الصوت مع الحركات بنوعيها يلبي رغباتهم في إسماع من حولهم والتعبير عن أحزانهم وأفراحهم، وذلك لأن الحركات أصواتٌ مجهورة، وأكثر وضوحاً في السمع من الأصوات الصامتة، ولأن الهواء معها يخرج من فم الناطق لا يعترض سبيله عائق من أعضاء النطق التي قد تخفف من شدته ووضوحه([x]).
        وقد أكثر الشعراء من الاعتماد على القافية المطلقة في رثائهم لشيخ فلسطين أو مدحه، والحديث عن صفاتـه وأخلاقـه، ودوره في الدعوة والجهاد ضد الأعداء، وحب الناس له كباراً وصغاراً، إذ تقصر الكلمات عن ذكر أعماله الخيرية ومواقفه السياسية التي يعجز عنها كثيرٌ من الزعماء دفاعاً عن الأوطان، دون خوفٍ من العدو والسجَّان، رغم أنه مقعد على كرسيه.
        ومن أمثلة القافية المطلقة المضمومه قول محمد البع في قصيدته "فارس الكرسي" والتي نعت فيها الشيخ بألقاب متعددة كفارس الكرسي وفارس الفرسان والداعي للدين والحربي والإمام وفارس القرنين، يقول([xi]):
يا فارس الكرسـي يـا علـمُ

دانت لـك التيجـان والهمم
فيما فعلت وكدت تفعـل فـي

درب الجهـاد وعزك القلـم
فيما روى الخطباء و الشعراء

وكل مـا كتبت لك الأمـم
وقف الزمـان لفعلـه عجبـاً

شيـخ قعيـد كلـه شمـم
*********
يا شيخنا يا  من بك انتعشـت

كل الـرُّبا والسهل والاكـم
يا داعياً للديـن  مجتهــداً

لـم يثنك الإعيـاء والألـم
أنت الشجـاع بنـا، وأمتنـا

للغرب قـادتها قد انهزموا
أنت الذكي فزدت دعوتنــا

حباً إليك، وقـولك الحكـم
أنت المربـي جيلنـا خُلقـاً

عم البــلاد وكنت تبتسـم
أنت الإمام  لعصرنـا شرفـاً

تدعـو إليك العُرْب والعجم
أنت الأميـن حملـت رايتنـا

وسعى لهـا إخوانك القمـم

وقول سهيل أبو زهير في قصيدته "لامية الياسين"، يذكر فيها نجاته من الاغتيال في المرة الأولى واستشهاده في المرة الثانية بأمر من المجرم شارون ومراقبته يقول:
وفكر المجنون أن يغتال هامتنا

يسقى بها شعبه لمّا بها  ذُهلـوا
والله قـدَّر أن يحيـا لأمتــه

حتى يرسخ شيئـاً علَّهم غفلـوا
فقد أقـر قـرار ثـم غادرنـا

يا ريهم هيّا فكوني كيفما الرجل
ففاجؤوه بصـاروخٍ أُعـدَّ  لـه

حتى بدا حِمماً، اللهَ يـا جبـلُ!
ومما قاله الشعراء في القافية المطلقة التي يكون فيها حرف الروي محركاً بالكسرة أو الياء قول خالد الوقيت في قصيدته "أنا لم أمت"([xii]):
خُطِّي سناءك أمّتـي بدمـائـي

وإلى العُلا فتسلمي أشلائـي
إني بذلتُ لكي تعُزِّى  مُهجتـي

ورسمتُها في لوحة الشهـداء
لو كنتُ أملكُ ألف نفسِ بعتُهـا

كي تسعدي... فتقبَّلي إهدائي
أنا ليس تُحْزُنني الحيـاةُ فإنهـا

همُّ الحقير ورغبة الضعفـاء
لكني آسى اليوم من فقد  ألأولى

كانوا بملحمة الوغى شُركائي
كنّا نرابطُ في الثُّغـور  سويّـَة

ونُديرها حرباً على الأعـداء
وقول أحمد منصور في تلك المعاني أيضاً([xiii]):
فاهنأ شهيد الفجر وامدد كفكـم

فالفجر جمّع موكـب النبـلاء
سلّم على الفاروق واجلس  جنبه

واصدح بـأي الذكـر والآلاء
فكليكمـا والله حـيٌ خـالــدٌ

والموت كل الموت للغوغـاء
يا سيدي يـا فـارس الشهـداء

أنا لن أقول الشعر شعر  رثاء
فجميع من كتب الرثاء  مزخرفاً

موتى وأنت الآن في الأحيـاء
ومما ورد أيضاً في القافية المطلقة وحرف الروى فيها الألف قول ابن محمد زين العابدين في قصيدته "إن الدِّما تروي الدما" حيث رفض أن يرثى الشيخ كمن يُرثي وإنما أخذ يمدحه في عزمه وجهاده المتواصل يقول([xiv]):
إن الرثاء لمـن يمـوت موليـاً

مستسلمـاً للمعتـدي استسلامـا
لا من يسير على الشهادة واثقـاً

مـن ربـه متقدمــاً مقدامــا
ما الموت إلا أن يكون فضيحـة

لا تنمحي، أو أن يكـون وسامـا
لغة الفـداء عزيـزة ورفيعـة

صاغت من الموت الشجاع  كلاما
لغـة وليس يجيدهـا إلا الـذي

عشق الجهـاد وزامـل القسامـا
الوغد يا للوغـد فـي عدوانـه

فـأراً تسلل خفيــة وظلامــا
والشيخ يا للشيخ يسمـو  طيبـاً

مثـل الزهـور تفتحت  أكمامـا
يا مقعداً سبق الخيـول بعزمـه

متوثبــاً متحفــزاً  عزامــا
ومجاهداً رضي الحياة  مصاعباً

وحواجـزاً وتحديــاً وكلامــا


([i]) الإمام الشهيد أحمد ياسين، 37.
([ii]) المرجع نفسه، 106.
([iii]) المرجع نفسه، 111.
([iv]) المرجع نفسه، 61.
([v]) المرجع نفسه، 41.
([vi]) المرجع نفسه، 16.
([vii]) الإمام الشهيد أحمد ياسين، 120.
([viii]) المرجع نفسه، 7.
([ix]) الإمام الشهيد أحمد ياسين، 23.
([x]) إبراهيم أنيس: الأصوات اللغوية، 32.
([xi]) الإمام الشهيد أحمد ياسين، 88.
([xii]) الإمام الشهيد أحمد ياسين، 30.
([xiii]) المرجع نفسه، 19.
([xiv]) الإمام الشهيد أحمد ياسين، 13.

Post a Comment

Previous Post Next Post