النموّ والبلوغ عند النباتات
كالحيوانات الحديثة السنّ، التي تنمو وتصل إلى البلوغ بتأثير الهورمونات المختلفة، كذلك بادرات النباتات تنمو وتتطوّر وتصبح نباتات بالغة بتأثير الهورمونات النباتية. كما هي الحال لدى الحيوانات، النباتات أيضًا يمكنها التكاثر بالتكاثر التزاوجي فقط بعد تطوّر أعضائها التناسلية، أي فقط بعد إزهار النبتة.
هل يوجد لدى النباتات أيضًا موسم للتكاثر؟
كما هي الحال لدى الحيوانات، هناك أنواع من النباتات تزهر طوال السنة، أو في مواعيد ليست ثابتة، وهناك أنواع نباتات تزهر في موسم ثابت. النباتات التي تزهر في موسم ثابت كلّ سنة، تستجيب للإشارات التي تستقبلها من البيئة، كطول النهار ودرجة حرارة البيئة وكمّية الماء المتوافر للنبتة (كمّية الأمطار التي تهطل).
تأثير طول النهار: توجد نباتات نهار طويل، التي تزهر عندما يستطيل النهار ويقصر الليل؛ وتوجد نباتات نهار قصير، التي تزهر عندما يستطيل الليل ويقصر النهار؛ وتوجد نباتات لا تبالي بطول النهار وهناك إشارات أخرى تؤثّر على إزهارها.
تأثير درجة الحرارة: توجد نباتات تحتاج إلى "وجبة برد" لتزهر (على سبيل المثال، تزهر الركفة فقط بعد أن تتعرّض النبتة [الدرنة المستترة تحت التربة، والبراعم الموجودة فيها] لدرجات حرارة منخفضة جدًّا). لذلك تبدأ هذه النباتات في الإزهار فقط بعد أوج الشتاء- وهكذا لا تتعرّض الأزهار لإصابات البرد. بالمقابل، هناك نباتات تحتاج إلى "وجبة حرّ" لتزهر (على سبيل المثال، نبات الأرُزّ).
العوامل المختلفة "توجّه" مواعيد إزهار النباتات إلى الفترات الأكثر ملاءمة للتكاثر. على سبيل المثال، يجب أن يحدث الإزهار في طقس مريح: درجات حرارة متطرّفة أو رياح قويّة يمكنها إصابة النباتات؛ في الأزهار التي يتمّ تلقيحها بواسطة الحشرات، يجب أن يكون الإزهار ملاءمًا للموسم الذي تكون فيه الملقّحات نشطة وما شابه. من المفهوم ضمنًا أنّ الموسم الأكثر ملاءمة للإزهار يختلف من بيئة حياتية إلى أخرى، حسب المناخ الذي يسود البيئة.

العثور على قرين
عندما يصل الذكر والأنثى إلى البلوغ، وتظهر في البيئة إشارات تؤذن بحلول موعد التكاثر، تبدأ المرحلة التي يبحث فيها الذكر والأنثى ويعثران عن بعضهما البعض. في أنواع كثيرة من الحيوانات، خاصّةً في الأنواع التي تتبع لفئات الطيور والزواحف والثدييات، الأنثى هي التي تختار القرين من بين جميع الذكور. يتمّ الاختيار في الكثير من الحالات في أعقاب عملية المغازلة، التي ترسل فيها الذكور رسائل إلى الإناث، وهي تستجيب لها. هذه عملية الاتّصال، التي يشير فيها الذكر والأنثى أحدهما للأخرى بأنّهما يتبعان لنفس النوع (species)، وأنّهما بالغان وحتّى ينسّقان موعد التكاثر. في الكثير من الحالات تُظهر الذكور صفاتها، والأنثى تختار أنجح هذه الذكور، أي الذكر الذي لديه أكبر احتمال لإنجاب أفراد نسل.
تستعمل أنواع مختلفة من الحيوانات طرق اتّصال مختلفة لتشخيص القرين الملائم: الاتّصال البصري، (الشكل، الحجم، اللون، الحركة)، أو الاتّصال الصوتي، أو الاتّصال الكيميائي (الرائحة).

المظهر الخارجي
في الأنواع ثنائية الشكل الجنسي، العلامات الجنسية الثانوية تبرز لدى الذكر بشكل خاصّ. يكون الذكر في الكثير من الحالات ملوّنًا ومزيّنًا. على سبيل المثال، أثناء المغازلة، يمدّ الطاووس الذكر ذيله كمروحة ورقية ويكشف عن البقع الجميلة التي على ريشه. وعادةً يهزّ الطاووس ذيله، بحيث تمنحه أشعّة الشمس التي تنكسر في ريشه بريقًا يجذب الأعين. ما الذي يجذب في ذيل الطاووس؟ ريشه الجميل، البريق، أو ربّما طوله؟ - اتّضح أنّ جميع الإجابات صحيحة.
عندما تظهر العلامات الجنسية الثانوية لدى الذكور قبيل موسم التكاثر فقط، تسمّى: لباس التزاوج. قبيل موسم التكاثر، يبدّل بطّ المندرين ريشه البنّي بريش ملوّن، وتنمو على رأس الأيائل قرون، وتظهر نواصٍ في رأس طير الغطّاس، ويتحوّل لون رأس حرذون سيناء من بنّي إلى أزرق. شكل الذكر وألوانه تشير للأنثى أنّه معافًى (لدى الذكر المريض الألوان باهتة، وقرونه مكسورة وغير ذلك) ومستعدّ للتكاثر.

الرقص
ترقص ذكور أنواع مختلفة أمام الأنثى رقصة مغازلة، وأحيانًا تبدو هذه الذكور وكأنّها في مسابقة للرقص. يتميّز كلّ نوع برقصة خاصّة، والأنثى تشخّص الذكر الذي من نوعها حسب رقصته. تدلّ القدرة على الرقص على اللياقة البدنية وعلى قدرة التنسيق الجيّدة والصحّة. الأفراد البالغة هي فقط التي ترقص، ومن هنا يدلّ الرقص ذاته على البلوغ. هناك أنواع يعتبر رقصها العامل لنضوج القدرة على التكاثر. لدى هذه الأنواع الذكر والأنثى يرقصان، وكلّ حركة رقص يقوم بها أحدهما تثير الآخر إلى أن يصلا إلى الاستعداد للتكاثر. أيّة مخلوقات حيّة تستعمل الرقص للمغازلة؟ بعض أنواع الأسماك والكثير من الطيور والعناكب وحتّى الصراصير.

الأصوات والأنغام
تُصدر ذكور من أنواع كثيرة أصواتًا تجذب الإناث. تُصدر أنواع كثيرة أصواتًا مختلفة. إصدار الأصوات يدلّ على البلوغ، ويمكن لشدّة الصوت أن تدلّ على حجم الذكر وعلى قوّته.
على سبيل المثال، تزيد الضفادع الذكور من شدّة نقيقها بواسطة نفخ أكياس جلدية في منطقة الخدّين. الذكور البالغة فقط هي التي تُصدر هذه الأصوات، وكلّما كان الذكر أكبر كان نقيقه أقوى، وعدد أكبر من الإناث تنجذب إليه. يُبلغ النقيق الإناث عن مكان الذكر ويدعوها إلى الحضور إليه. توجد لأنواع مختلفة من الضفادع أصوات نقيق مميّزة، وبهذه الطريقة تشخّص الأنثى الضفدع الذكر الذي من نوعها حسب نقيقه المميّز.
أيّة مخلوقات حيّة تستعمل الأصوات للمغازلة؟ الضفادع، العصافير المغرّدة، الفيلة، الحيتان، الصراصير، بعض أنواع القردة (كالقرد الصارخ) وغيرها.

تقديم الهدايا
تقدّم ذكور من أنواع مختلفة هدايا للإناث، لإظهار قدرتها على أن تكون قرناء ناجحة والعناية بأفراد النسل. على سبيل المثال، ذكر الحائك (عصفور) يبني عشًّا متطوّرًا على شكل كرة. يدلّ بناء العشّ على مهارة كبرى وعلى الخبرة. تتزاوج الإناث مع بناة الأعشاش الأكثر جاذبية، التي تكون عادةً الذكور الأكثر بلوغًا. الذكور التي لا تنجح في مهمّتها (الذكور حديثة السنّ مثلاً) لا تحظى بالإناث. تقدّم أنواع كثيرة من الطيور للإناث فريسة قامت باصطيادها. بهذه الطريقة يثبت الذكر قدرته على إعالة الأنثى وأفراد نسلها. وبالفعل، أثناء رقود الأنثى على البيض، يواصل الذكر إحضار الغذاء، ولاحقًا- للأفراخ الصغار أيضًا.

شجارات الذكور
لدى أنواع كثيرة من الحيوانات، يتشاجر الذكور والمنتصر يحظى بجميع الإناث. وسائل القتال متنوّعة: بعض الحيوانات تنطح بعضها بالقرون (الأيائل والغزلان والوعول)؛ حيوانات أخرى تتصادم وتجرح بعضها البعض بأسنانها القويّة ومخالبها الحادّة (فرس النهر وفيلة البحر والدببة والأسود)؛ الزرافات تتشاجر بأعناقها والسرطانات تتصارع فكّيها.
في حالات نادرة فقط ينتهي الشجار بموت أحد الطرفين. عادةً الذكر الذي يشعر بالضعف يتراجع وينسحب من المنطقة. يتمّ حسم الشجار في حالات كثيرة بدون قتال: الذكور "تقدّر" قوّة بعضها البعض، وتتعرّف على صفاتها. إذا اعترف أحدها بتفوّق خصمه، ينسحب بدون قتال. فقط في حالة عدم تنازل الطرفين، يبدأ الشجار.
المنتصر في الشجار هو الذكر الأقوى والأكبر والأكثر تصميمًا. بسبب أفضلية هذه الصفات في البقاء، وبسبب أنّ الأبوين ينقلان هذه الصفات إلى أفراد النسل، لذلك الإناث التي تتزاوج مع المنتصر في الشجار، تلد أفراد نسل تتمتّع بأفضلية في البقاء.

نشر الرائحة
الإناث عادةً هي التي تبثّ الرائحة وليس الذكور. تُفرِز إناث بالغة من أنواع كثيرة موادّ رائحة تسمّى فرومونات (فرومونات جنسية)، وعن طريقها تبلغ الذكور أنّها بالغة (الإناث حديثة السنّ لا تُفرِز فرومونات جنسية) وكما وتبلغ الذكور عن مكانها. لكلّ نوع فرومونه الخاصّ به.
كيف تستعمل الإناث "عطر الطبيعة"؟ إناث الفراش تبثّ الفرومونات في الهواء، وبذلك تجذب الذكور البعيدة. إناث الكثير من الثدييات (مثل: الأيائل والكلاب والفيلة والجمال) تُفرِز فرومونات من عضوها التناسلي وفي البول أيضًا، وإناث الأفاعي تشير بسبيل رائحة على الأرض. 

Post a Comment

أحدث أقدم