تعريف السببلغة واصطلاحا
الفرع الأول : السبب لغة :
 هو ما يُتَوَصّلُ به إلى مقصود ما [1].
ومنه سمي الحبل سبباً [2]، كما يسمى الطريق سبباً لإمكان الوصول به إلى مقصود .
وقوله تعالى : {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ } (  البقرة 166 ) :
 أي : الوُصُلات التي كانوا يتواصلون بها في الدنيا من رحم وغيره [3] .
 وأسباب السماء : مراقيها أو نواحيها أو أبوابها [4] . ومنه قول الشاعر[5] :
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه                     ولو رام أسباب السماء بسُلّم
وتقول : ما لي إليه سبب : أي : ما لي إليه من طريق .

أما قوله تعالى : {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } (  الحج 15 ) : فهو الحبل أيضاً ، والمعنى : من كان يظن أن الله لن ينصر محمداً r فليمدد حبلاً إلى سماء بيته ، وليجعله في حلقه ، ثم ليصلب نفسه [6] .

الفرع الثاني : السبب اصطلاحاً :
 ( كل وصف ظاهر منضبط دل الدليل السمعي على كونه معرفاً لحكم شرعي ) [7].
قوله : وصف : أي معنى ، وذلك احتراز عن الذوات ، فإنها لا تكون أسبابا ً.
ظاهر: احتراز من الوصف الخفي، فإنه لا يصلح أن يكون معرفاً ، فلا يصلح أن يكون سبباً .
منضبط : أي محدد ، وهو الذي لا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال .               ويحترز بهذا القيد عن غير المنضبط وهو المضطرب ، فإنه يمنع من ترتيب الحكم عليه رفعاً للحرج عن المكلف .
الدليل السمعي :  وهو ما كان من كتاب أو سنة ، وما يرجع إليهما .
معرفاً لحكم شرعي : أي علامة عليه من غير أن يكون له تأثير فيه .
فالسبب : هو ما يوجد الحكم عنده لا به ، سواء أكان مناسباً للحكم أم لم يكن كذلك [8] ، لأنه ليس بمؤثر في الوجود ، بل وصلة ووسيلة إليه ، فالحبل :  يُتَوصل به إلى إخراج الماء من البئر ، وليس هو المؤثر في الإخراج ، إنما المؤثر حركة المستقي للماء .
وبناءً على ما سبق : فإن السبب يشمل بإطلاقه ما إذا كان بين الحكم والوصف مناسبة ظاهرة ، وما إذا لم يكن بينهما مناسبة ظاهرة ، غير أنه إذا كان بينهما مناسبة ظاهرة سُمي الوصفُ علة كما ُيسمى سبباً ، وإن لم يكن بينهما مناسبة ظاهرة سُمي سبباً فقط ولا يسمى علة [9] ، وهذا عند من اشترط ظهور المناسبة في العلة .
أمثلة : سبب مناسب للحكم : السفر : فقد جعله الشارع سبباً لجواز الفطر في رمضان بقوله تعالى: {أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } (   البقرة 184 ) ، والسفر وصف مناسب لجواز الفطر مناسبة ظاهرة ، باعتبار ما يتضمنه من المشقة التي يناسبها التخفيف . وبذلك يسمى السفر سبباً كما يصح أن يسمى علة .
ومنه  القتل العمد العدوان : فهو سبب للقصاص ، لأن في القتل اعتداءً على نفس محترمة ، وفي القتل بث للرعب والخوف ، والقلق والاضطراب بين الناس ، فكان القصاص مناسباً للجريمة ، وبذلك تُحفظ الحياة ، ويطمئن الإنسان ، وهو ما عبّرت عنه الآية الكريمة : {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (  البقرة 179 ) .
أما السبب غير المناسب للحكم مناسبة ظاهرة : فهو مجرد علامة على الحكم لا أكثر ، دون أن يكون بينه وبينه مناسبة تدعو إليه أو تحثّ عليه .
 ويمكن أن يمثل له بزوال الشمس وهو ميلها عن وسط السماء إلى جهة الغرب : فقد جعله الشارع سبباً لوجوب صلاة الظهر بقوله تعالى : {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } (  الإسراء 78 ) ، والعقل لا يدرك مناسبة ظاهرة بين زوال الشمس ووجوب صلاة الظهر.
 ولهذا يقال لدلوك الشمس إنه سبب ولا يقال إنه علة ، لانتفاء المناسبة الظاهرة بينه وبين وجوب الصلاة ـ  وذلك عند من اشترط ظهور المناسبة في العلة .
ويمكن لنا أن نعرف السبب بأنه : كل أمر جعل الشارع وجوده علامة على وجود الحكم وعدمه علامة على عدمه .
 كالزنى لوجوب الحد ، والجنون لوجوب الحجر ، والغصب لوجوب رد المغصوب إن كان قائماً ، أو قيمته إن كان هالكاً .  فإذا انتفى الزنى والجنون والغصب : انتفى وجوب الحد (العقوبة) ، والحجر ، والرد أو الضمان .
ومن هنا نلاحظ حقيقتين :
‌أ.                   لا ينعقد السبب سبباً إلا بجعل الشارع له سبباً .
‌ب.              الأسباب ليست مؤثرة في وجود الأحكام التكليفية بذاتها ، بل هي أمارة لظهورها ووجودها .


[1] ) الآمدي ، الإحكام في أصول الأحكام 1 / 181 ، الطوفي ، شرح مختصر الروضة 1 / 425 ، الزنجاني ، تخريج 
     الفروع على الأصول / 351 0
[2] ) القرطبي ، الجامع الأحكام القرآن 2 / 518 0
[3] )القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن 2 / 518 ، ابن منظور ، لسان العرب 1 / 458 0
[4] ) ابن منظور ، لسان العرب 1 / 458 0
[5] ) هذا البيت لزهير بن أبي سلمى ، / القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن 16 / 541 ، السرخسي ، أصول السرخسي     
     1 / 301  0
[6] ) الطوفي ، شرح مختصر الروضة 2 / 425 0
[7] ) الآمدي ، الإحكام في أصول الأحكام 1 / 181 ، السبكي ، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب 1 / 12 ، الزنجاني ، تخريج الفروع على الأصول / 351 0
[8] ) الطوفي ، شرح مختصر الروضة 1 / 425 ، ابن بدران ، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد / 67 0
[9] ) مدكور ، مباحث الحكم / 135 0

Post a Comment

Previous Post Next Post