أقسام السبب [1]
:
يمكن تقسيم
السبب باعتبارات مختلفة :
1.
من حيث قدرة المكلف .
2.
من حيث المشروعية .
3.
من حيث تأثيره في الحكم
.
وفيما يلي
دراسة لهذه الأقسام وما يترتب عليها في الفروع التالية :
الفرع الأول : من حيث قدرة
المكلف
السبب من حيث قدرة المكلف أو عدمها قسمان
:
أ.
سبب من فعل المكلف وهو
مقدور له
: كالسفر لإباحة الفطر، والقتل العمد العدوان لوجوب القصاص ، والعقود والتصرفات
المختلفة لترتيب آثارها : كالبيع لملك المبيع من قبل المشتري ، وإباحة انتفاع
المشتري بالعين المشتراة ، والبائع بالثمن .
وهذا القسم
من السبب ينظر إليه من جانبين :
الأول :
باعتباره فعلاً للمكلف ، فيكون داخلاً في خطاب التكليف ، وتجري عليه أحكامه ،
فيكون مطلوباً فعله أو مطلوباً تركه أو مخيراً فيه .
الثاني :
باعتبار ما يرتب الشارع عليه من أحكام أخرى ، ويمكن تفريعه إلى ثلاثة :
1.
سبب مأمور به : أي
مطلوب طلب فعل ، كعقد الزواج الواجب على القادر الذي يخشى على نفسه الوقوع في
الزنى .
2.
سبب منهي عنه : أي مطلوبٌ تركُه والكف عنه ،
كالقتل العمد والعدوان الذي هو منهي عنه ، وهو سبب لترتيب القصاص . والزنى منهي
عنه ، وهو سببٌ للحد .
3.
سبب مأذون فيه : أي :
مباحٌ فعلُه للمكلف ، كجعل الذبح للحيوان سبباً للانتفاع به ، وكجعل السفر سبباً
لإباحة الفطر في رمضان ، وكذلك البيع .
ويلاحظ في
الفروع الثلاثة السابقة أنها تعلقت بالحكم التكليفي : فالنكاح عند خوف الوقوع في
الزنى واجب ، والإيجاب حكم تكليفي .
والقتل
العمد العدوان : مطلوب تركه طلباً جازماً وفعله حرام ، والتحريم حكم تكليفي .
وكذلك الزنى
محرم ، ومطلوب تركه ، والبيع مباح ،
والإباحة حكم تكليفي . وهو سبب لثبوت ملك المشتري للعين ، وملك البائع للثمن ، وهو
حكم وضعي .
ب.
سبب ليس من فعل المكلف
، ولا هو مقدور له : كزوال الشمس لوجوب صلاة الظهر ، ودخول شهر رمضان لوجوب
الصيام ، والقرابة لاستحقاق الميراث ، والجنون والصغر لوجوب الولاية ، والاضطرار
لإباحة أكل الميتة .
وهذا القسم
وإن لم يكن واقعاً تحت قدرة المكلف إلا أنه إذا وُجد وُجد الحكم ، وإذا انتفى
انتفى الحكم ، فالشارع ربط الحكم به وجوداً وعدماً ، فهو أمارة لوجود الحكم وعلامة
لظهوره .
الفرع الثاني : من حيث
المشروعية :
السبب من حيث المشروعية أو عدم المشروعية قسمان
:
1.
سبب مشروع : وهو
السبب الذي يؤدي إلى مصلحة قصد الشارع تحقيقها ، وقد يقترن به أو يتضمن مفسدة بحسب
الظاهر : كالجهاد في سبيل الله ، فإنه سبب لنشر الدعوة وحماية العقيدة ، وإعلاء
كلمة الله . وهذه مصالح قصد الشارع تحقيقها وإن استتبع ذلك هلاك النفس أو إتلاف
المال . ومن ذلك أيضاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه أمر مشروع لأنه سبب
لإقامة الدين وإظهار شعائر الإسلام ، وإن أدى ذلك أحياناً إلى مفسدة .
وقد يقترن
بالسبب المشروع مفسدة ، ولكن لا اعتبار لتلك المفسدة ،
2.
سبب غير مشروع : أي سبب
ممنوع : وهو ما يؤدي إلى مفسدة وإن اقترن به مصلحة بحسب الظاهر، كعقد الربا ، حتى
لو كان آخذه يريد التبرع ببعض ما أخذ ، أو يهدف إلى إطعام المساكين ، وفعل الخيرات
بتحصيله الربا ، والاتجار بالمحرمات فهو سبب غير مشروع وإن كان في ذلك تفويت لبعض
المصالح الظاهرة . وكالقتل فهو سبب للقصاص ، والسرقة سبب لقطع اليد ، والقذف
والغيبة ، كلها أسباب غير مشروعة بل منهي عنها .
الفرع الثالث : من حيث
التأثير في الحكم
يتنوع السبب من حيث تأثيره في الحكم إلى :
أ.
سبب مؤثر في الحكم : ويسمى
علة : وهو ما كان بينه وبين الحكم مناسبة
ظاهرة يدركها العقل كالإسكار في الخمر، فهو سبب للتحريم والقتل العمد العدوان سبب
مناسب لوجوب القصاص ، والسرقة سبب مناسب لوجوب القطع ، والسفر سبب مناسب لإباحة
الإفطار ، وسقوط لزوم الجمعة عن المسافر ، ويمكن تسميته علة .
ب.
سبب غير مؤثر في الحكم : وهو ما
لا يكون بينه وبين الحكم مناسبة ظاهرة : كزوال الشمس لوجوب صلاة الظهر ، ودخول
هلال رمضان لوجوب الصيام ، إذ المناسبة فيها خفية لا يدركها العقل .
وقد سبق
معنا التفريق بين هذين النوعين ، وعرفنا بذلك الفرق بين السبب والعلة ، وبذا يمكن لنا الخلوص إلى أن كل علة سبب ، وليس كل
سبب علة .
هذا ويرى
بعض الأصوليين أن لا فرق بينهما ، وهم لا يشترطون المناسبة بين الوصف والحكم في
العلة ، وبذلك فهم يرون أن كل علة سبب ، وكل سبب علة .
وبناءً على
مذهبهم هذا يمكن تعريف السبب عندهم بأنه : الأمر الظاهر المنضبط الذي جعله الشارع
أمارة للحكم .
لما كان
السبب علامة على الحكم فإن الأسباب تترتب عليها مسبباتها ، فإن تحققت شرعاً ترتبت
عليها أحكامها . إذ وجود السبب يستلزم وجود الحكم ، وعدمه عدمه .
فإن أتى
المكلف بالسبب وتوافرت الشروط الموضوعة للسبب والمسبب ، وانتفت الموانع فإنه يترتب
على السبب مسببه ، ولو لم يرد الفاعل ذلك المسبب ، لأن الربط بين السبب والمسبب من
الشارع وليس من الفاعل .
فعقد النكاح
: إذ استكمل شروطه ، وانتفت موانعه ، ترتبت عليه جميع أحكامه ولو لم يرد العاقد
تلك الأحكام ، ولا يتعلق ذلك برضى المكلف أو عدم رضاه .
فالمهر يثبت
للزوجة وإن اشترط عليها عند العقد أن لا مهر لها ، وكذلك لو اشترط عليها عدم
النفقة أو عدم استحقاق أحدهما الميراث من الآخر ، فكل ذلك لاغٍ لا قيمة له ، لأن
الشارع هو الذي حكم بترتب هذه الآثار وغيرها على عقد النكاح ، فيثبت المهر ، وتجب
النفقة ، ويجري التوارث بينهما .
وكذلك
البنوة : فهي سبب للتوارث بحكم الشرع
ووضعه ، ولو لم يُرِد المورث أو ردّه الوارث ، ولذلك قيل : لا يدخل في ملك الإنسان
شيء جبراً عنه غير الميراث .
وهكذا بقية
الأسباب تفضي إلى آثارها المقررة لها شرعاً ولو لم يردها المكلف .
وارتباط
السبب بالمسبب لا يتنافى مع كون الأمر بالسبب لا يستلزم الأمر بالمسبب ، لأن
المسببات قد لا تكون مقدورة للمكلف .
فالشارع حين
يأمر بالنكاح الذي هو سبب للتناسل ـ الإنجاب ـ ، لا يأمر بالتناسل ، لأن التناسل
ليس في مقدور المكلف ، فمن تزوج وواقع زوجته ولم ينجب أولاداً يكون ممتثلاً للأمر
وإن تخلّف المسبب وهو التناسل عن السبب وهو الزواج .
فالأمر
بالسبب لا يكون أمراً بالمسبب ، ولذلك أمر الشرع بالزواج ولم يأمر بالتناسل .
وإذا تخلف
الإنبات عن البذر فذلك لا دخل لإرادة المزارع الذي بذر في ترتب الإنبات وخروج
الزرع وإيتاء الثمر. وقد يكون ذلك لمانع خارج عن إرادته كعدم صلاحية الأرض
للإنبات .
Post a Comment