تعريف أصول الفقه لغة واصطلاحا
تعريف لفظ أصول :
أصول الفقه لفظ مركب من جزأين : مضاف ومضاف
إليه ، ولا يمكن معرفة معنى المركب إلا بعد معرفة مفرداته ،
لا من كل وجه ، بل من
الوجه الذي لأجله يصح أن يقع التركيب فيه .
وكلمة
أصول لها في اللغة العربية معناها ، ونقلها أهل اللغة إلى معانٍ أخر ، مُلاحَظاً
فيها المعنى اللغوي .
وبهذا
فإن لأصول الفقه اعتبارين : أحدهما باعتبار الإضافة ، والآخر باعتبار العَلَميّة ـ
أي باعتبار هذا المصطلح علماً على هذا النوع من العلوم الشرعية ـ وفيما يلي بيان لمعنى هذا المصطلح في الفروع
التالية :
الفرع الأول : المعنى
اللغوي للفظ أصول :
الأصول
: جمع أصل ، ولعلّه مأخوذ من الوصل وهو ضد القطع ، وأن همزته منقلبة عن واو ، لما
فيه من اتصال فروعه كاتصال الغصن بالشجرة حساً ، والولد بوالده نسباً وحكماً ، والحكم
الشرعي بدليله عقلاً [1]
، وللفظ " أصل" في اللغة عدة معانٍ : منها [2]
:
أ )
أصل الشيء : أسفله ، يقال : قعد في أصل الجبل ، أي في أسفل الجبل .
أ ) ما
يُبنى عليه غيرُه سواء كان البناء حسياً : كبناء السقف على الجدران ، أو معنوياً :
كبناء الحكم على دليله ، وبناء المعلول على علته [3]
، وهذا هو المعنى المشهور عند العلماء كما أشار إليه الإسنوي في نهاية السول [4]
.
ب ) ما منه الشيء [5]
، كقولنا : أصل الخبز حنطة ، وأصل الإنسان من طين ، أي : خلق من طين .
ج ) المُحتاجُ إليه [6].
د ) ما يستند وجود ذلك الشيء إليه ، فالأب أصل
للولد [7]
.
والأصل
: الحسب ، والأصيل : من له نسب ، ولذلك يقال : ( فلان لا أصل له ولا فصل ) ، بمعنى
: لا حسب ولا لسان [8] .
وأصيل
الرأي : محكمه .
ومن
المعنى اللغوي نقل العلماء المعنى الاصطلاحي .
وبناءً
عليه : فإن أصول الفقه هو : ما يُبنى عليه الفقهُ ، أو ما منه الفقهُ ، أو ما
يستند إليه الفقهُ ، أو ما يحتاج إليه الفقهُ .
الفرع
الثاني : المعنى الاصطلاحي للفظ
" أصول " :
للأصول
أربعة معانٍ عند الأصوليين :
1 . الدليل : يُقال : أصل هذه المسألة
الكتاب والسنة : أي دليلها [9].
فنقول : الأصل في تحريم الخمر قوله تعالى : {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ
وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ } (
المائدة 90) ، والأصل في تحريم الربا قوله تعالى : { وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ
الرِّبَا } (
البقرة275)
، والأصل في وجوب الصيام قوله تعالى : {
فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى
سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }
( البقرة 185) ، وكل ذلك وغيره كثير
بمعنى الدليل .
فأصول
الفقه : أدلة الفقه [10]
.
2
. الرجحان [11]
: كقولهم : الأصل في الكلام الحقيقة ، أي الراجح عند السامع أن معنى اللفظ ينصرف
إلى الحقيقة إذا كان اللفظ له معنى حقيقي وآخر مجازي .
فلفظ
" الأسد " : له معنى حقيقي وهو الحيوان المفترس المعروف بملك الغابة ،
كما أنه يستعمل بمعنى مجازي وهو الرجل الشجاع القوي ، فإذا قيل : رأيت أسداً : فإن المعنى الراجح عند
سماع هذه اللفظة ينصرف إلى الحقيقة .
وكقولهم : الأصل براءة الذمة : أي الراجح عند
الاتهام أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته .
وكذا يقال : الأصل بقاء ما كان على ما كان : أي
الراجح أن ما ثبت بزمان يُحكم ببقائه ما لم يوجد دليل على خلافه [12]
.
3
. القاعدة المستمرة [13]: يقال : الأصل أن الميتة حرام ، أي هذه هي
القاعدة المستمرة . والأصل أن اللفظ العام يُعمل بعمومه ما لم يرد ما يُخصصه ،
والمطلق يُعمل بإطلاقه ما لم يرد ما يقيده .
ويقال : إباحة الميتة للمضطر على خلاف الأصل ،
إذ الأصل أنها حرام ، ولكن رُخص للمضطر بالأكل عند الضرورة لحفظ حياته عملاً بقوله
تعالى : { فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ
عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (
البقرة 173 ).
فالقاعدة : أن الميتة حرام ، وإباحتها عند
الضرورة على خلاف الأصل ، أي على خلاف
القاعدة . وكذا يقال : الأصل عند
أبي حنيفة أن ما يعتقده أهل الذمة يُتركون عليه ، بمعنى أن ذلك هو القاعدة عنده .
4
. الصورة المقيس عليها [14]
: إذ أركان القياس أربعة : ( الأصل ـ وهو المقيس عليه ، والفرع ـ وهو المقيس ـ ،
وحكم الأصل ، والعلة المشتركة بين الأصل والفرع ) .
فإذا
قلت : ضربُ الوالدين حرام قياساً على التأفيف ، فالتأفيف أصل ، والضرب فرع .
وهذه المعاني لا يُراد منها عند الاستعمال إلا
معنى واحد لأن ذلك شأن المشترك .
ولذا
: لما أُضيف لفظ أصول إلى الفقه ترجح أن يكون المراد به الدليل أو القاعدة ، إذ هو
المعنى الأقرب إليه ، والألصق به .
وبناء على ذلك : يكون المراد بأصول الفقه : أدلة
الفقه ، أو قواعد الفقه التي يتوقف عليها .
وهذان
المعنيان هما الأقرب إلى ما نحن بصدد البحث فيه .
[1] ) الطوفي ، شرح مختصر الروضة 1 / 1230
[2] ) ابن منظور ، لسان العرب 11 / 16 – 17 ، الزبيدي ، تاج
العروس 1 / 6837 ، الجرجاني التعريفات ، 1 / 8 0
[3] ) القرافي ، تنقيح الفصول / 15 ، صدر الشريعة ، التنقيح
/ التلويح 1 / 8 0
[4] ) الإسنوي ، نهاية السول شرح منهاج الأصول
/ 14 0
[5] ) الطوفي ، شرح مختصر الروضة 1 / 123 0
[6] ) الرازي ، المحصول 1 / 9 0
[7] ) الزبيدي ، تاج العروس 1 / 6837 0
[8] ) ابن منظور ، لسان العرب 1 / 17 0
[9] ) الإسنوي ، نهاية السول 1 / 70
[10] ) إمام الحرمين ، البرهان في أصول الفقه 1 / 78 ، الشيرازي
، اللمع في أصول الفقه / 35 ، الآمدي ، الإحكام في أصول الأحكام 1 / 8
، الطوفي ، شرح مختصر الروضة 1 / 126 ، الزركشي ، سلاسل الذهب /88 0
[11] ) الطوفي ، شرح مختصر الروضة 1 / 126 0
[12] ) السيوطي ، الأشباه والنظائر / 215 ، ابن نجيم ، الأشباه والنظائر /
57 0
[13] ) الإسنوي ، نهاية السول 1 / 70
[14] ) الإسنوي ، نهاية السول 1 / 7 0
Post a Comment