تعريف المكروه انواع المكروه
مكروه هو ضد المندوب: ما يقتضي تركه الثواب ولا عقاب على فعله، كالمنهي عنه
نهي تنـزيه.
و (مباح)، و(الجائز) و(الحلال) بمعناه: وهو ما لا يتعلق بفعله
أو تركه ثواب ولا عقاب.
المكروه لغة: المبغوض. وقيل: ضد المحبوب أخذًا من الكراهة. وقيل: من
الكريهة وهي الشدة في الحرب.
فالمكروه في اللغة: هو المبغوض، وكل بغيض إلى النفس فهو مكروه في
اللغة.
إذًا نقول: المكروه ضد المحبوب، ولذلك جاء في القرآن {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ
فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات7]،
إذًا المكروه ضد المحبوب، هذا في اللغة.
قال في الاصطلاح: وهو ضد المندوب، ضد المندوب من أي حيثية؟ نقول كما
قلنا في الحظر هناك: أنه ضد الواجب باعتبار أنه تقسيم أحكام التكليف، لأن المندوب
ما يُثاب على فعله ولا يُعاقب على تركه، هنا عكسه يُثاب على الترك امتثالًا ولا
يُعاقب على الفعل، من هذه الحيثية هو ضد المندوب.
ولذلك عند هذه الجملة يُقرر الأصوليون أن المندوب يسير على وزان
المكروه، ولذلك في كثير في المسائل التي يذكرونها في المندوب لا تُعاد في المكروه،
ولذلك لا يبحثون هل المكروه حكم تكليفي أم لا؟ أكثر الأصوليون لا يتكلمون على هذه
المسألة وإنما يُقال: على وزان المندوب.
حينئذ إذا كان على وزانه فالأرجح عند من رجَّح أن المندوب حكم تكليفي
حينئذٍ صار المكروه حكم تكليفيًا، وعند من رجَّح أن الأصح أن المندوب مأمور به
حقيقة حينئذ صار المكروه مأمورًا به حقيقة.
(وهو) أي المكروه (ضد
المندوب) من حيث الأحكام كلها.
(ما يقتضي تركه ثوابًا ولا عقاب على فعله).
نأخذ من هذا أن قوله: (مكروه) في الأصل ليس حكمًا شرعيًا ليس
هو الحكم الشرعي وإنما هو مُتعلَّق الحكم الشريعي فحينئذ يكون المُصنف هنا أطلق
المُتعلَّق على المُتعلِّق لأن المُتعلِّق بالكسر هو الحكم الشرعي، ولذلك نقول: "خطاب
الله المُتعلِّق" بكسر اللام بفعل الُمكلَّف، إذًا فعل المُكلف مُتعلَق به، المكروه
صفة لفعل المُكلَف.
حينئذ نقول: الخطاب المُقتضي للفعل أو في المكروه نقول: للترك.
الخطاب المقتضي لترك الفعل اقتضاءًا غير جازم هذا هو الكراهة. كونه
مُتعلقًا بصفة فعل المُكلَّف حينئذ صارت فعل المكلف مكروها، إذًا المكروه صفة
للفعل المكلف وليس هو بحكم شرعي.
ولذلك قال: (ما يقتضي) هذا تعريف به الثمرة واللازم والحكم،
وإذا أردنا تعريفه من حيث الحقيقة وذِكرِ حد يُبين ويكشف المعنية نقول: ما طلب
الشارع تركه طلبًا غير جازم.
أكثر الحدود التي تُذكر في الواجب، وفي المندوب، وفي الحظر، والمكروه
مُتقاربة وأكثرها لا بأس بها.
ولذلك آتي في هذا الدرس على جهة الخصوص بالأسهل.
(ما طلب الشارع تركه)
(ما) هذا فعل جنس
يشمل جميع الأحكام التكليفية: الواجب، والمندوب، والحظر، والمكروه، والمباح.
(طلب) خرج الإباحة
لأنه لا طلب فيها.
(ما طلب الشارع تركه) خرج
الواجب والمندوب لأن الشارع طلب فعله، (طلبًا غير جازم) طلبًا هذا إعرابها
مفعول مطلق مُبين للنوع، (طلبًا غير جازم) يعني غير مقطوع به، ووجه القطع
وعدم القطع في هذا الموضع في الواجب والمندوب يُفسر بترتب العقاب إما على الفعل أو
على الترك، لماذا؟ لأنك تقول: طلبًا جازمًا. طلبًا غير جازم ما المراد به طلبًا
جازمًا أي مقطوعًا به، متى حكمنا عليه بأنه طلب جازم وهذا طلب غير جازم؟ تقول: طلبًا
جازمًا في الواجب بحيث رتب الشارع العقوبة على تركه، إذًا عرفنا الجزم باعتبار
ترتب العقوبة، طيب قد لا يرد في بعض الأوامر ترتب هل كل واجب أمر به الشرع نص على
العقوبة عليه وإلا لما وقع خلاف في كثير من المسائل هل هي واجبة أو لا؟ نقول: صيغة
افعل إذا ترجَّح أنها للوجوب
بصيغة افعل فالوجوب حقق
|
حيث القرينة انتقت وأطلقا
|
حينئذ دلت الصيغة نفسها على ترتب العقاب، لأن هذا هو حقيقة الواجب، فإذا
قيل: صل ولم يرد ترتب العقوبة على ترك الصلاة حينئذ نأخذ أن صيغة افعل صل دلت على
العقوبة، لماذا؟ لأنني لما أقول: صل عند الإطلاق يفيد الواجب، ما ضابط الواجب إذا ذكرناه
بالثمرة؟ ما يُثاب على فعله ويُعاقب على تركه، طيب هنا لم تُذكر عقوبة في صل؟ نقول:
من جهة اللفظ أُخذت العقوبة وإلا لا معنى لدعوى أن صيغة افعل تدل على الوجوب.
إذًا ما طلب الشارع تركه طلبًا غير جازم. غير قاطع، غير مقطوع به بحيث
لا يرتب العقوبة على الترك فحينئذ نقول: هذا هو المكروه.
وبعضهم يقول: ما نهى الشارع عنه نهيًا غير جازم. وهذا قليل من الأول
على سَنَنِ قولهم في الواجب ما أمر به الشارع أمرًا غير جازم.
وكل التعاريف هذه متقاربة وغالبًا النقد لا يكاد يسلم منه أحد ولكن
يكون الأقرب هو الذي يُذكر.
إذا عرفنا حقيقة المكروه من حيث الحقيقة والماهية.
من حيث الحكم والثمرة وما يترتب عليه قال: (ما) أي فعله هذا
جنس (يقتضي تركه) يعني يترتب على تركه أو يطلب تركه، يعني ترك هذا الفعل (الثواب)،
وعرفنا معنى الثواب الجزاء مطلقًا، (ولا عقاب على فعله).
(ما يقتضي تركه الثواب) إذا
تركه ولم يفعله ترتب عليه الثواب بشرطه، ولذلك نُقيد هنا الثواب ما قيدنا به
الحرام، لماذا؟ لأن مطلق الترك لا ثواب فيه، وإنما الثواب يترتب على من أتى بهذا
الترك وهو فعل أتى به على وجه القربة لله U.
ومثله الترك لما يُحرَم
|
من غير قصد ذا عن مُسَلَّمُ
|
|
وأن قصد الترك غير مشترط
|
بلى لتحصيل الثواب يُشترط
|
هكذا قال السيوطي.
حينئذ نقول: (ما يقتضي تركه) يعني فعله يقتضي تركه الثواب من
الله U بشرطه وهو نية
التقرب إليه U، فإن تركه لا
بنية التقرب نقول: لا عقاب. هو لا يُعاقب أصلًا وإنما لا يُثاب لفوات شرط الامتثال
وهو نية التقرب إليه سبحانه.
(ولا عقاب على فعله)
لماذا نفينا العقاب؟ لو قال قائل: ولا عقاب على فعله لمَ نفيت العقاب عن المكروه؟ لأن
طلبٌ غير جازم، ومعنى أنه طلب غير جازم أن الشرع لم يرتب على فعله العقوبة.
إذًا قوله: (ولا عقاب على فعله) هذه مرتبة بالجزم وعدم الجزم، عدم
الجزم كونه مطلوبًا تركه طلبًا غير جازم قلنا: لابد أن نقف مع جازم وغير جازم، بماذا
نفسرها؟ نفسرها جازم بمعنى قاطع، ما دليل هذا الجزم؟ بأن رتب الشارع على الفعل في
الواجب أو على الترك في المحظور العقوبة.
عدم الجزم يعني عدم قطع يعني ما طلب الشارع هذا الفعل قطعًا، بمعنى
أنه لو تركه لا إثم عليه، ولو ترك الواجب عليه إِثم إذا قيده بالجزم.
إذًا ولا عقاب يعني ولا عقوبة ولا تنكيل على المعصية على فعله يعني
على فعل المكروه لماذا؟ لأن طلبه غير جازم بحيث جوَّز الشرع الترك مع كونه مطلوبًا.
إذًا تركه راجح وفعله مرجوح، إذًا عندنا في المكروه راجح ومرجوح كما
أن في المندوب راجحًا ومرجوح، عندنا في الاثنين قلنا المكروه ضد المندوب هذه قاعدة
لذلك صدر بها الباب هنا "ومكروه وهو ضد المندوب".
ولذلك المتون المختصرة تأتي في الغالب أن الكلمات تكون تحتها معاني
كثيرة، (ومكروه وهو ضد المندوب)، المندوب فيه فعل وترك، أيهما راجح وأيهما
مرجوح؟ فعله راجح وتركه مرجوح، الترك هل مُرتب عليه عقاب؟ الجواب لا، وهذا هو شأن
المندوب أنه جائز الترك، ولذلك قيل: لا يمكن أن يكون الواجب جائز الترك، وهذه علة
شبهة ما أنكر الواجب الموسع من المعتزلة ونحوهم، أن جائز الترك لا يمكن أن يكون
واجبًا لماذا؟ لأن الواجب قد رتب الشرع على تركه العقوبة وجائز الترك مطلقًا لا
عقوبة على تركه.
إذًا نقول: عندنا في المندوب فعل وترك، الفعل راجح لأن الشرع طلب
إيجاده والترك مرجوح لأن الشرع لم يرتب العقوبة على الترك.
المكروه عكسه عندنا فعله وترك، تركه راجح لأن الشارع طلب الترك، لذلك
صار راجحًا والفعل مرجوح لأن الشرع لم يُرتب العقوبة على فعله.
(ما يقتضي تركه ثواب ولا عقاب على فعله) وإيقاعه وإيجاده (كالمنهي عنه نهي تنزيه)، هذه العبارة قد
يكون فيها تصحيف أو نوع خطأ في الطباعة ونحوها (المنهي عنه نهي تنزيه).
قال: (مكروه ضد المندوب) وعرفه، قال: (كالمنهي) ما هو
المُشبَه وما هو المُشبَه به؟ المكروه، والمنهي عنه نهي تنزيه هو المكروه، هو هذا ظاهر
العبارة، فما أدري ما الذي يريده المُنصف من هذه العبارة؟ قد يكون قوله: كالمنهي
وهو النهي عنه نهي تنزيه. تصح العبارة ولا إشكال، لماذا؟ لأنه فيه بيان أن المنهي
نوعان: منهي عنه نهي تنزيه، ومنهي عنه نهي تحريم، ولذلك يُقال: لعل في النسخة تصحيف.
(كالمنهي) نقول: وهو منهي
عنه فحينئذ يكون زادنا مسألة وهو أن المكروه منهي عنه، وهذه المسألة وإن كانت داخلة
في قوله: ضد المندوب. لكنها من جهة دلالة التضمن، وهنا قد نص على هذه المسألة، لو
قيل: وهو منهي عنه نهي تنزيه. نستفيد من هذا مسألة جديدة وهو أن المكروه على الأصح
عند الجمهور أنه منهي عنه، وهذا النهي وهذا النهي نهي تنزيه احترازًا من نهي
التحريم، هذا عند المتأخرين اصطلاح المكروه على المنهي عنه نهي تنزيه.
المكروه في عرف المتأخرين للتنزيه لا للتحريم وهذا اصطلاح خاص بهم عند
الأصوليين وكذلك الفقهاء، وإن كان عندهم لا يمتنع أن يُطلق على الحرام لماذا؟ لورده
في الكتاب والسنة.
{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ} إذًا أُطلق المكروه على الحرام، وبعضهم يمثل إطلاقه على كراهة
تنزيهية بقوله r: «وكره لكم قيل وقال». «كره»
هنا فُسرت عند بعضهم بالكراهة التنزيهية.
حينئذ على هذا القول المكروه في الشرع يطلق مرادًا به التحريم حرام،
ويُطلق ويُراد به المكروه الذي هو في الاصطلاح الأصوليين المتأخرين. وحينئذ نحتاج
إلى قرينة إذا وُسع في مثل هذا المصطلح، لماذا؟ لأنه يصير من قبيل المشترك، إذا
كان له معنيان نهي نهي تحريم ونهي نهي تنزيه فحينئذ نحتاج إلى دليل يفصل في هذه
المسألة كالمنهي عنه نهي تنزيه يُطلق المكروه على الحرام كما ذكرناه، وهذا الإطلاق
كثير عند المتقدمين كالإمام أحمد والشافعي وغيرهم من الأئمة.
ولذلك قيل: إن الإمام أحمد قال: أكره المتعة، والصلاة في المقابر. أكره
المتعة وهي حرام، والصلاة في المقابر وهما مُحرمان، وإنما كانوا يخافون من إطلاق
لفظ الحرام تورعًا لئلا يدخلوا في قوله U: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ
هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ}النحل116، وهم أئمة أعلام، كان الواحد
منهم يتورع أن يقول: هذا حرام وإنما يقول: أكره كذا، أكره المتعة، أكره الصلاة في
المقابر.
كذلك يُطلق المكروه على ترك الأولى، وهذا ما ذكرناه سابقًا في اصطلاح
الشافعية والمالكية بأن المكروه لا يُطلق على ما طلب الشارع تركه طلبًا غير جازم
وإنما يُقيد المكروه ما طلب الشارع تركه طلبًا غير جازم بنص خاص، لابد أن يعين
المنهي عنه كقوله r: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين»
قالوا: هنا نص. وهذه «لا يجلس» لا الناهية و«يجلس» فعل مضارع مجزوم بها والأصل فيها أنه للتحريم
وصُرف بقرائن أخرى.
حينئذ قالوا: لما نص هنا فيصدق عليه الحد حد المكروه ما طلب الشارع
تركه طلبًا غير جازم ويسمى مكروهًا لأنه نُص عليه بخبر خاص.
وأما إذا لم ُنص عليه بأن يكون طلب تركه طلبًا غير جازم لا بنص خاص
وإنما بعمومات تدل عليه حينئذ يسمى خلاف الأولى، بناءًا على القاعدة عندهم أن
الأمر بالشيء على وزان الواجب، الواجب عندهم قد يأتينا في الأمر هنا ما أمر به
الشارع، الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده نهي التحريم، الأمر بالشيء على جهة
الإيجاب، الأمر بالشيء وجوبًا يستلزم النهي عند ضده نهي التحريم.
طيب إذا أمر بالشيء ندبًا قالوا يستلزم النهي عن ضده نهي خلاف الأولى
ولا نقول: مكروه. لماذا؟ لأن المكروه لابد أن يكون بدليل خاص وهنا ليس عندنا دليل
خاص، يدخل تحت هذا كل ترك للمندوبات فهو خلاف الأولى، قاعدة عامة "كل ترك
للمندوبات فهو خلاف الأولى"، مثلوا لذلك ما مثَّل الشيخ الأمير رحمه الله في
النثر بصلاة الضحى، صلاة الضحى أُمر بها شرعًا إذًا هي مندوبة، هي منهي عن تركها بطريق
أن الأمر بالشيء ندبًا يستلزم النهي عن ضده نهي خلاف الأولى، فإذا ترك صلاة الضحى
حينئذ نقول: وقع في خلاف الأولى. طلب الشارع تركه ما هو؟ ترك ركعتي الضحى، (ما طلب
الشارع تركه) الضمير يرجع إلى أي شيء هنا؟ ترك الترك، ترك الترك وليس ترك
الفعل، ترك الترك وهو فعل أيضًا يسمى، يسمى فعلًا على ما قعدناه أولًا (ما طلب
الشارع تركه طبيًا غير جازم لا على وجه الخصوص) لم ينص عليه، لم يقل: لا
تتركوا صلاة الضحى، فلو جاء نص لا تتركوا صلاة الضحى. حينئذ نقول: هذا مكروه، ترك
صلاة الضحى مكروه. لكن لما لم يرد نص حينئذ نقول: هذا خلاف الأولى عن القاعدة
العامة الأمر بالشيء ندبًا يستلزم النهي عن ضده نهي خلاف الأولى.
إذًا على المذهب فسروا ترك الأولي بشيء مُخالف لنص الشافعية والمالكية
يقول في مختصر التحرير: (ويطلق على ترك الأولى وهو ترك ما فعله راجح أو عكسه)
ما تركه ترك ما فعله راجح على فعله (أو عكسه) يعني ترك ما تركه راجح على
فعله، فإذا رجح من جهة الشرع الفعل على الترك فحينئذ المخالفة تكون تركًا للأولى،
وإذا العكس حينئذ يثبت العكس، لكن الأصح عند المتقدمين عدم التفرقة، ولا يثبت
النهي عن شيء مُعين إلا بنهي خاص، ولذلك كثير من المتقدمين لا يذكرون خلاف الأولى
البتة، وإنما الأقسام عندهم خمسة ويذكرون المكروه ويمثلون له بما ذكرناه سابقًا، كالمنهي
عنه نهي تنزيه، ماذا يُقال لفاعل المكروه؟ قالوا: يُقال للفاعل المكروه إذا تلبس
به هل يُعاقب؟ لا يُعاقب، لأننا قعدنا (ولا عقاب على فعله طلبًا غير جازمًا)
إذا ليس عندنا عقاب، لكن بماذا يُوصف؟ قالوا: يُوصَف بأنه مُخالف لماذا؟ لأنه طُلب
منه الترك وهو لم يترك، إذًا خالف أو لا؟ خالف، ويُطلق عليه إنه مُسيء بمعنى أساء،
وهذه فيها نزاع هل يُطلق على تارك المكروه أو فاعل المكروه أنه مُسيء أم لا؟
المذهب أنه يُطلق، ولذلك الإمام أحمد لما أخبر عن تارك الوتر قال: "رجل سوء"
والوتر معلوم أنه مندوب، وهذا لمقام الوتر على جهة الخصوص لأنه قيل بوجوبه، (وغير
ممتثل) إذًا مخالف ومُسيء وغير ممتثل مع أنه لا يُذم فاعله ولا يأثم، ما هي
صيغ المكروه؟ متى نحكم على الفعل بأنه مكروه أو على القول بأنه مكروه؟ نقول: إذا
صُرِّح على قول من يُقيد الكراهة بأنها خاصة في الشرع بكراهة التنزيه، إذا جاء لفظ
كُرِه أو كَرِه وما اُشتق منها حملوه على التنزيه وهذا فيه إشكال، الإطلاق هذا فيه
إشكال مع ثبوت أن الحرام يُطلق عليه مكروه، فحينئذ لابد من البحث عن قرينة عيب هذا
في النصوص الشرعية أما في اصطلاح الفقهاء والأصوليين إذا مر معك هذا مكروه تحمله
على المصطلح، لماذا؟ لأن أصحاب الحقائق العرفية يتكلمون بألسنته، فالفقيه والأصولي
يتكلم بلسانه أن المكروه مراد به ما ذكره المصنف هنا، أما في نصوص الكتاب والسنة
فلا يستعجل طالب العلم ويحكم بأنه مكروه لمجرد التصريح أو التنصيص على أنه مكروه،
وإن ذكر كثير من الأصوليين أن صيغ المكروه أولها هو صيغة كُره ويُكره وما اشتق
منها، ولذلك يمثلون «إن الله كَره لكم قيل وقال وكثرة
السؤال».
ثانيًا من صيغ المكروه: لفظة البغض وما اشتق منها ويمثلون لذلك بحديث وفيه
كلام «أبغض الحلال إلى الله الطلاق»، أبغض هذا
إن صحَّ فحينئذ لا يختص بالمكروه.
الثالث وهو أكثرها شيوعًا صيغة لا تفعل إذا دلت قرينة على عدم التحريم،
الأصل في النهي مطلق النهي إذا جُرد عن قرينة تدل على التحريم أو قرينة تدل على
عدم التحريم يُحمل على التحريم، أليس كذلك؟ مُطلق النهي لا تفعل، هذه لها ثلاثة
أحوال إما أن يقترن بها قرينة تدل على التحريم فإجماعًا لها التحريم لا تُشرك {لئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}[الزمر65]،
وجاء في آية {لا تُشرك بالله}، إذًا دلت هذه الآية
على أن لا تُشرك للتحريم قطعًا، إذا وُردت قرينة لا تفعل، لا تصلي، ولك أن تؤذن
مثلًا حينئذ دلت قرينة على أن لا تفعل هذه مرادًا بها التنزيه وليس مرادًا بها
التحريم، إذا جاءت لا تفعل فقط حينئذ تُحمل على الصحيح على التحريم، أما إذا دلت
قرينة فحينئذ تُحمل على أنه مكروه كراهة تنزيه وليس مكروه كراهة تحريم.
Post a Comment