المكروه وأقسامه، وهل الأمر المطلق يتناول المكروه:
ــ تعريف: "المكروه ":
- تعريف "المكروه" لغة:
"المكروه" في اللغة: ضد المحبوب؛ يقال: كرّهت إليه الشيء تكريهاً: ضد قولنا : حبَّبْته إليه. قال تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} (الحجرات: 7).
وقيل: المكروه مأخوذ لغة من: "الكريهة" وهي: الشدة في الحرب.
و"الكُره" بضم الكاف: المشقّة، كما نقله الجوهري عن الفراء؛ وعلى هذا يكون "المكروه": ما نفر عنه الشرع والطبع؛ لأن الشرع والطبع لا ينفران إلا عن شدة ومشقة تلحق بالمكلَّف.
- تعريف "المكروه" اصطلاحاً:
عرّفه ابن قدامة بأنه: ما ترْكه خير مِن فعْله.
* بيان التعريف:
- "ما": جنس في التعريف شمَل كلّ متعلّقات الحكم التكليفي الخمس، لأن المراد بها فعْل المكلَّف.
- "ترْكه خير مِن فعْله": قيد أخرج الواجب، والمندوب، والمباح، والحرام .
أمّا الواجب فقد خرج لأن فعْله خير، وترْكه شر وعقاب.
أمّا المندوب فقد خرج لأنّ فعله خير لحصول الثواب، ولا شر ولا عقاب في ترْكه.
أما المباح فقد خرج لأن فعله وتركه سواء، لا يوصف أحدهما بالخيرية.
أما الحرام فقد خرج لأن تركه خير، وفعله شر وعقاب.
فلم يبق إلا "المكروه" وهو: الفعل الذي ترْكه خير من فعْله، ولا عقاب ولا شر في فعْله.
ــ تقسيم المكروه، والأساليب التي تُفيد الكراهة:
ــ المكروه عند الجمهور نوْع واحد وهو: ما نهى عنه الشّارع نهيًا غيْر جازم.
ــ أمّا عند الحنفيّة فهو نوعان:
أ- المكروه تحريمًا وهو: ما نهى عنه الشارع نهياً جازماً، بدليل ظنّيّ، كالبيع على بيْع الغيْر. وحكم هذا النوع مِثْل حُكم المُحرَّم عند الجمهور.
ب- المكروه تنزيهًا: وهو ما نهى عنه الشارع نهياً غير جازم، كالوضوء مِن سُؤر سِباع الطّيْر.
ــ والأساليب التي تُفيد الكراهة، منها:
1- أن تكون الصّيغة دالّة بنفسها على الكراهة.
2- استعمال لفظة تدل على الكراهة، كالبغض ونحوه...
3- صيغة النّهي التي قامت القرينة على صرْفها مِن التحريم إلى الكراهة.
ــ الأمْر المُطلَق، هل يتناول المكروه؟:
اختلف العلماء -رحمهم الله- في ذلك على قوليْن:
1- أنّ المكروه لا يدخل تحت الأمْر المطلق؛ وهذا مذهب جمهور العلماء.
2- أنّ المكروه يدخل تحت الأمر المطلق؛ وهو اختيار أبي بكر الرازي الحنفي، ومَن تبِعه مِن الحنفيّة، وإليه ذهب بعض المالكية، وبعض الحنابلة.
* استدل الجمهور لمذهبهم بأدلّة، منها:
1- أنّ الأمر استدعاء وطلب، والمكروه ليس كذلك؛ بل هو مطلوب التّرْك.
2- أنّ النّهي: ضدّ الأمر، والشيء لا يدخل في ضدّه.
3- إذا كان المُباح -وهو مخيَّر بين فِعْله وتَرْكه- غيْر مأمور به، فالمكروه أوْلى ألاّ يكون مأموراً به، لأنّه مَنهِيّ عنه.
* واستدلّ أصحاب القول الثّاني:
بأنّ الأمْر قد ورَدَ متناولاً للمكروه، كما في قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}؛ فهو يتناول طواف المُحْدِث إذ هو صحيح عند بعض الحنفيّة، مع الكراهة.
وأجيب: بعدم صحّة الاستدلال بذلك، إذ إنّ الطواف بغير طهارة غير صحيح أصلاً.
* والرّاجح هو: قول الجمهور.
تنبيه: المكروه يُقابل المَنْدوب.
النشاط:
عزيزي الطالب، لكي تعمّق فهمك لهذا الدرس، قم بهذا النّشاط، ثمّ قارن ما تتوصل إليه بالإجابات النموذجية أدناه:
اختر الإجابة الصحيحة من بين الإجابات التالية:
1- الأمْر المُطلَق، هل يتناول المكروه؟
أ- اتفق العلماء على: أن الأمر المطلق يتناول المكروه.
ب- اختلف العلماء -رحمهم الله- في هذه المسألة على قوليْن.
ج- اختلف العلماء -رحمهم الله- في هذه المسألة على ثلاثة أقوال.
2- صيغة النّهي التي قامت القرينة على صرْفها مِن التحريم:
أ- من الأساليب التي تفيد: الندب.
ب- من الأساليب التي تفيد: الإباحة.
ج- من الأساليب التي تفيد: الكراهة.
3- قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}:
أ- استدل به أصحاب القول القائل بأن "المكروه" يدخل تحت الأمر المطلق.
ب- استدل به أصحاب القول القائل بأن "المكروه" لا يدخل تحت الأمر المطلق.
ج- لم يستدل به على واحد من القولين.
4- الراجح في مسألة "الأمْر المُطلَق، هل يتناول المكروه":
أ- مذهب أبي بكر الرازي الحنفي ومَن تبِعه مِن الحنفيّة.
ب- مذهب الجمهور.
 الإجابات النموذجية:
                1- (ب)        2- (ج)        3-(أ)        4- (ب).


   تعريف "الحرام" وأساليبه، وهل يكون الفعل الواحد واجباً وحراماً معاً؟:
ــ تعريف: "الحرام" في اللغة وفي الاصطلاح:
- الحرام في اللّغة: الممنوع.
- وفي الاصطلاح هو: ما نهى الشّارع عنه نهياً جازماً.
وعُرِّف بأنه: ما تُوُعِّد بالعقاب على فِعْله.
وعُرِّف أيضاً بأنّه: ما في فِعْله عقاب، وفي تَرْكه ثواب.
وقد بيَّن المُحقِّقون مِن العلماء: أنّ هذا التعريف الأخير ليس على إطلاقه؛ فليس كلّ تارك لِلمُحرَّم يُثاب؛ بلْ تارك المحرّم على أقسام:
1- أنْ يَتْركه ولا يطرأ على باله أنّه محرَّم؛ فهذا لا يُثاب على التّرك، لأنه لم يَهمّ به.
2- أن يَهمّ بالمُحرّم ثم يتركه خوفًا من الله -سبحانه وتعالى-؛ فهذا يُثاب على التّرْك.
3- أنْ يتمنّى المُحرَّم ولكنه لمْ يفعل أسبابه؛ فهذا يُعاقَب على النّيَّة.
4- أنْ يهمّ بالمُحرّم، ويسعى في تحصيله، ويَطلب أسبابه، لكنّه يعجز عن الفِعْل؛ فهذا مِثْل الفاعل.
ــ أساليب التّحريم:
من الأساليب التي تُفيد التحريم:
1- استعمال لفظ التّحريم، وما يُشتقّ منه.
2- صيغة النّهي المُجرّدة التي لم يَقتَرِن بها ما يَصرِفها عن التّحريم.
3- نفْي الحِلّ.
4- ترتيب العقوبة على الفِعْل.
5- اللّعْن على الفِعْل.
6- نَفْي الإيمان عن الفَاعل.
7- وصْف الفاعل بأنّه عصَى الله ورسوله.
8- وصْف الفِعْل بأنّ الله لا يُحبّه ولا يرضاه.
ــ أسماء "المُحرَّم":
وأسماء "المُحرَّم" كثيرة، منها:
المَحظور، الممنوع، المزجور، المعصية، الذَّنب، القبيح، السّيِّئة، الفاحشة، الإثم، العقوبة، الحَرَج، وغيرها...
ــ هل يكون الفعل الواحد واجباً وحراماً معاً؟:
ــ تقسيمات "الواحد":
قسّم العلماء -رحمهم الله- "الواحِد" إلى ثلاثة أقسام:
1- واحد بالجِنس، مثل: الحيوان؛ فهو جِنْس، وتحته حقائق مختلفة. فهو يشمل: البقرة، والإبل، والكلْب، وغيْر ذلك...
وقد اتّفق العلماء على: أنّ الواحد بالجِنس يجوز أنْ يَتوجّه الأمْر والنّهي إليه باعتبار أنواعه؛ فيجتمع فيه: الوجوب والحرمة، والتّحليل والتّحريم.
فمثلاً: الخنزير مُحرَّم. والكلب مُحرَّم، والإبل حلال، وكذلك البقر؛ وكلّ هذه الأنواع متَّحدة في جِنْس الحيوانيّة.
2- الواحد بالنوع، كالسّجود؛ فإنّه نوع واحد.
وجمهور العلماء على: أنّه يجوز أنْ يتوجّه إليه الأمْر والنّهي.
فالسجود مثلاً نوع واحد، ومع ذلك فإنّه إذا كان لله فهو مأمور به، وإذا كان لِصَنم -والعياذ بالله- فهو مَنهيّ عنه؛ وكلاهما يشمله اسم السجود.
3- الواحد بالعيْن أو بالشّخص، مثل: الصلاة في الدار المغصوبة.
هل يتوجّه الأمْر والنّهي إلى الواحد بالعَيْن؟
الواحد بالعَيْن مِن حيث تَوجُّه الأمْر والنّهي إليه، فيه تفصيل:
أ- فإنْ كانت له جِهة واحدة هي متعلَّق الوجوب والتّحريم: فإنّه لا يصحّ أنْ يتوجّه إليه الأمْر والنّهي، لأنّ ذلك يكون مِن التّكليف بالمُحال، وهو لا يجوز.
ب- أمّا إذا كان له جِهتان مُتغايرتان، أي: مُنفكّتان عن بعضهما: فالاتّفاق حاصل على أنّه إذا انفكّت الجهة صحّ توجّه الأمْر والنّهي إليه.
ــ لكن الخلاف بين العلماء -رحمهم الله- إنّما هو في تفريعات هذه المسألة: فما يراه شخص مُنفَكَّ الجهة قد لا يراه الآخر كذلك.
وذلك مثل: الصّلاة في الدّار المغصوبة؛ فالجمهور يرَوْن انفكاك الجهة، والحنابلة لا يرَوْن ذلك.
* حُكم الصّلاة في الدّار المغصوبة:
اختلف العلماء -رحمهم الله- في صحّة الصّلاة في الدار المغصوبة، أو الأرض المغصوبة، على أربعة أقوال:
1- أنّ الصلاة صحيحة؛ وقال بهذا جمهور العلماء.
- ثم منهم مَن قال: صلاته صحيحة، ولا أجْر له فيها.
- ومنهم مَن قال: صلاته صحيحة، وله أجْر صلاة، وعليه إثْم غَصْبه.
2- أنّ الصلاة باطلة، ويجب قضاؤها؛ وقال به الإمام أحمد في المشهور عنه، والظّاهرية.
3- أنّ الصلاة باطلة، لكن لا يجب قضاؤها؛ وبه قال الرازي والباقلاّني.
وادّعَوا إجماع السّلف على أنّهم لم يكونوا يأمرون الظّلمة بإعادة الصّلاة؛ وهذا الإجماع لا حقيقة له.
4- أنّ المُصلّي إذا عَلِم التّحريم لمْ تصُحّ الصّلاة، وإن لمْ يعلمْ صحّت؛ وهذا القول رواية عن الإمام أحمد -رحمه الله-.
ــ أدلّة القائلين بصحّة الصّلاة في الدّار المغصوبة، وهم الجمهور.
استدلّ الجمهور لِمذهبهم بعِدّة أدلّة، منها:
1- الصلاة في الدّار المغصوبة فِعْل له جهتان: فمِن حيث هي صلاة فهي: قُرْبة، ومِن حيث هي غصْب: معصية.
قالوا:  فمُتعلَّق الأمْر غيْر متعلَّق النّهْي؛ فهما متغايران.
2- أنّ العُرف والشّرع يدلّ على أصْل المسألة، وهي: أنّ الواحد بالشّخص يصحّ أنْ يكون مَوْرداً للأمْر والنّهي.
- فالعُرف: كما لو قال السّيّد لعَبْده: "خِطْ هذا الثّوب، ولا تَدخُل هذه الدار". فخاط الثوب في تلك الدار؛ فإنّه يكون مطيعاً وعاصياً باعتبار الجِهتَيْن. وكذلك تكون الحال في الصلاة في الدار المغصوبة؛ فإن الشّارع أمَر بالصلاة ونهى عن الغصب؛ وقد جمع المُكلَّف بينهما.
- والشّرع: لو أنّ مُسلماً رمى كافراً بِسهم، فدخل فيه وخرج منه إلى مسلمٍ فقتَله، فإنّ هذا الشّخص يستحقّ سلَب الكافر، ويضمن دِية المؤمن؛ فهذا فعل واحد، واشتمل على حلال وحرام.
وأجاب الذين لا يَرَوْن صحّة الصلاة في الدّار المغصوبة: بعدم تسليم انفكاك الجهة في الدار المغصوبة.
ــ أدلّة القائلين بعدم صِحّة الصلاة في الدار المغصوبة.
1- المُصلّي في الدار المغصوبة إذا قام إلى الصلاة، أو ركَع، أو سجَد، فإنّه يشغَل الفراغ الذي هو كائن فيه، وذلك بقيامه إن كان قائماً، أو سجوده إن كان ساجداً، أو ركوعه إن كان راكعاً، وشغْله الفراغ المملوك لغيْره يُعْتبَر مِن التّعدّي؛ فهو غصْب، وهو مُحرَّم.
قالوا: فقيامه وقعوده لا يمكن أن يكون قُرْبة، لأنه يمتنع أن يكون الواحد بالعيْن أو بالشّخص واجباً حراماً، قُرْبة معصية، لاستحالة اجتماع الضّدّيْن في شيء واحد مِن جهة واحدة؛ فيلزم على ذلك بُطلان الصلاة.
وهذا الدليل -كما هو ظاهر-، مردّه إلى أنّ انفكاك الجهة لا يُتصوَّر في الصلاة في الدار المغصوبة.
2- ارتكاب المَنهيّ عنه، إذا أخلّ بشرط العبادة أفسدها، وذلك كنَهْي المُحدِث عن الصلاة، فلو خالف النّهْي وصلّى، فقد أخلّ بشرط الصلاة (وهو الطّهارة).
فكذلك هنا: نيّة التّقرّب شرْط لصحّة الصلاة، والصلاة في دار مغصوبة مُخِلّة بشرط الصلاة؛ فلا تكون صحيحة، لأن الغصب معصية، والتّقرّب بالمعصية مُحال.
- وأجيب عن هذا: بأنّ المشترَط في صحة الصلاة هو: أن يَنوي امتثال الأمر الذي وَرَد بتلك الصلاة؛ وهذا ما نواه المصلّي بفِعْله.
* والرّاجح -والله أعلم-، هو: قول الجمهور الذين قالوا بصحة الصلاة في الدار المغصوبة، وأنّ له أجْر صلاته، وعليه إثم غصْبه؛ وذلك لأنّ الجهة مُنفَكّة.

Post a Comment

Previous Post Next Post