المطابقة بين المعطوف والمعطوف عليه :
     يقسِّمُ العلماءُ العطفَ على نوعين : أولهما : عطف البيان ، وثانيهما : عطف النسق ،
أولاً- المطابقة في عطف البيان : 
     فعطف البيان : " هو التابع الجامد المُشبه للصفة في إيضاح متبوعه وعدم استقلاله "  ، ويخصصُ عطفُ البيانِ متبوعه أيضاً ، ويجئُ للتأكيد والمدح .

     إلا أنَّهُ يختلفُ عن النعت " من حيثُ أنَّهُ يكشفُ المتبوعَ بنفسهِ ، لا بمعنىً في المتبوع ، ولا في سببه "  .

     إنَّ المطابقة بين عطف البيان ومعطوفه ، كالمطابقة بين النعت ومنعوته ، فتجبُ المطابقةُ بينهما في الإعراب ، وفي التعريف والتنكير ، وفي التذكير والتأنيث ، وفي العدد، كما وَجَبَ كلُّ هذا بين النعت والمنعوت .

     يقول ابنُ هشام : " وحكم المعطوف أنَّه يتبع المعطوفَ عليه في أربعةٍ من عشرةٍ ، وهي واحدٌ من الرفعِ والنصب والجر ، وواحدٌ من التعريف والتنكير ، وواحدٌ من الإفراد والتثنية والجمع ، وواحدٌ من التذكير والتأنيث "  ، ويقولُ ابنُ عقيلٍ : " لمَّا كان عطفُ البيان مُشبِهَاً للصفة لَزِمَ فيه موافقةُ المتبوعِ كالنعتِ ، فيوافقه في إعرابه وتعريفه أو تنكيره ، وتذكيره أو تأنيثه ، وإفراده أو تثنيته أو جمعه "  .

     لقد حافظ النظمُ القرآنيُّ على المطابقةِ بين عطفِ البيان ومعطوفه ، وذلك في القرآن الكريم كلِّهِ ، فمثالُ التطابقِ بينهما إعراباً ، قولُهُ تعالى : إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ  (النساء:171) ، وقوله تعالى: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ  (النساء:157) ، وقوله تعالى : وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ (البقرة:102) ، وغير ذلك  .
    
     أمَّا مثالُ التطابق بينهما تعريفاً وتنكيراً ، فنحو قوله تعالى : مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ (الحج:78) ، وقوله تعالى : قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (الشعراء:47-48) ،هذا في التعريف،وأمَّا في التنكير ، فنحو قوله تعالى :  يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ (النور:35) ، وقوله تعالى : مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (ابراهيم:16) .

     وقد منع البصريون وقوعَ عطفِ البيان في النكرات ، وأجازه الكوفيون ، وتبعهم أبو عليٍّ الفارسيُّ ،وابنُ جنيِّ ، والزمخشريُّ ، وابنُ عصفورٍ ، والسيوطيُّ  ، وذكر الشيخ محمد الأمير في حاشيته على مغني اللبيب سببَ منعِ البصريين لذلك ، حيثُ يقولُ : " لأنَّ النكرةَ غير بينةٌ في نفسها ، فكيف تبين غيرها ، وفيه أنَّ النكراتِ تتفاوتُ ، على أنَّهم قالوا يجوز أن يتضح المُرادُ بالمجموعِ ، وأن يكون عطفُ البيان للمدح "  ، وجاء مثلُ هذا في حاشية الصبَّان : " قوله : (ويخصون عطف البيان بالمعارف) ، احتجوا بأنَّ البيان بيانٌ كاسمه ، والنكرةُ مجهولةٌ ، والمجهولُ لا يبين المجهولَ ، ورُدَّ بأنَّ بعضَ النــــكراتِ أخصُّ مـــن بعضٍّ ، والأخــصُّ  يُــــبينُ
الأعمَّ "  .

     وأمَّا القولُ بجوازِ التخالفِ ، بين عطف البيان ومعطوفه ، فليس براجحٍ ، فقد أعربَ الزمخشريُّ ، مَقَامُ إِبْرَاهِيم عطفَ بيانٍ لـ آيَاتٌ في قوله تعالى : فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ (آل عمران:97)  ، يقولُ الخضريُّ : " وأمَّا قولُ الزمخشريِّ ، إنَّ مَقَامُ إِبْرَاهِيم عطفَ بيانٍ على آيَاتٌ ، فمخالفٌ لإجماعهم "   ، وقد اختلفَ البيانُ والمبينُ من ثلاثة أوجه ، فـ مَقَامُ إِبْرَاهِيم ،مفردٌ مذكرٌ معرفةٌ ، و آيَاتٌ جمعٌ مؤنثٌ نكرةٌ  .
   
       أمَّا مثالُ التطابق بين عطف البيان ومعطوفه في العدد ، فنحو قوله تعالى:  ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (مريم:2) ، وقوله تعالى : وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ  (البقرة:102) ، وقد مضى ذِكرهُ ، وقوله تعالى : أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَة  (الإسراء:57) .
     وأمَّا مثالُ التطابقِ بين عطف البيان ومعطوفه في الجنس ، فنحو قوله تعالى : إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (النازعـات:16) ، وهذا في التذكير ، أمَّا التأنيث ، فنحو قوله تعالى : مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ (النور:35) .

     مما تقدمَ نخلصُ إلى أن المطابقة بين عطف البيان ومعطوفه في القرآن الكريم ، قد تمت بينهما في كلِّ المواضع التي ورد فيها عطفُ البيانِ .

ثانياً- المطابقة في عطف النسق :

     وهو التابعُ الذي يتوسطُ بينه وبين متبوعه أحدُ حروفِ العطفِ  ، وهذا النوعُ من نوعي العطف ليس كسابقه في أمر المطابقة ، فيُشترطُ فيه التطابقُ مع معطوفه في الإعراب فقط ، وأمَّا بالنسبة للتعريفِ والتنكير ، او العدد ، أو الجنس ، فليس العطف فيها جارياً على المعطوف عليه .

     فحرفُ العطفِ يُشركُ المعطوفَ مع المعطوفِ عليه في الحكم الإعرابي ، يقول سيبويه : " هذا بابُ ما أشركَ بين الاسمين في الحرف الجار فجريا عليه
وذلك قولكَ : ( مررتُ برجلٍ وحمارٍ قَبلُ ) ، فالواو أشركتْ بينهما في الباء ، فجريا عليه "  ، ويقول المبردُ : " إعلمْ انَّكَ لا تعطفُ اسماً على اسمٍ ، ولا فعلاً على فعلٍ في موضعٍ من العربيةِ ، إلا كان مثله ، تقولُ : ( مررتُ بزيدٍ وعمرٍو ) ، و ( رأيتُ زيداً وعمراً ) ، و ( وأنا آتيكَ وأُكرمُكَ ) ، و ( ولا تذهبْ ولا تندمْ ) ، ولمْ يُرَدِ الجوابُ " .

  
     وقد علَّلَ ابنُ يعيشٍ عدمَ التطابقِ بين المعطوف والمعطوفِ عليه في غير الإعراب بقوله : " وإنَّما كان هذا الضربُ من التوابعِ لا يتبعُ إلا بتوسطِ حرفٍ ؛ من قِبَلِ أنَّ الثاني فيه غير الأولِ ، فلمْ يتصلْ إلا بحرفٍ ؛ إذ كان يأتي بعد أن يستوفي العاملُ عملَهُ ، وهو غيرُ الأول ؛ فلمْ يتصلْ إلا بحرفٍ " .

     إنَّ القرآنَ الكريمَ حافظَ في نظمه على المطابقة بين المعطوف والمعطوف عليه في الإعراب ، فمن ذلك قوله تعالى : لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ (آل عمران:15) ، وقوله تعالى : قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً  أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ (الاسراء:50-51) ، وقوله تعالى : قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُون  (التوبة:65) ، وغير ذلك كثيرٌ جداً   ، وهذا في عطفِ الأسماء ، أمَّا مثالُ عطفِ الأفعال فنحو قوله تعالى : فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (البقرة:79) ، وقوله تعالى : حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (النساء:15) ، وقوله تعالى : وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ   (النساء:100) وغير ذلك. 
العطف المقطوع :

مرَّ إنَّ النعتَ قد يُخالفُ منعوته إعرابأ ، وذلك لأغراضٍ خاصةٍ كالمدحِ والذمِّ ، وهذا يقـــــــعُ
أيضاً في العطفِ . 

     إنَّ التحولَ في اسلوب القرآن الكريم في آياتٍ معينةٍ لمْ يكن كيفما اتفق ، بلْ هو تحولٌ مقصودٌ اقتضاه المقامُ والسياقُ ، وهذا التحولُ يتبعه تغيُّرٌ في الإعرابِ .

 قال تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِوَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ  (البقرة:177) ، فقد نصب ( الصابرين ) المعطوف على ( الموفون ) ، في الظاهر ، وبينهما تخالفٌ إعرابي .

     لقد ذكر العلماءُ لهذة الآيةِ أوجهاً :

أولها :
        إنَّ نصبَ ( الصابرين ) يكونُ على إضمار فعلٍ ، وتقديره : ( أعني ) ، جاء في مشكلِ إعرابِ القرآنِ : " قوله ( والصابرين ) نصب على إضمار ( أعني ) " .

ثانيها :
        إنَّ ( الصابرين ) معطوفٌ على ( ذوي القربى ) ، يقولُ البغويُّ : " وقيل نَصَبَهُ نسقاً على ( ذوي القربى ) ، أي : ( وآتى الصابرين ) "  ، وهو رأيُّ الكسائيِّ  ، وقد رده العكبريُّ بقوله : " ولا يجوز أن يكونَ معطوفاً على ( ذوي القربى ) ؛ لئلا يُفصل بين المعطوف والمعطوف عليه الذي هو في حكم الصلة بالأجنبي وهم الموفون " .

ثالثها :
        إنَّ ( الصابرين ) منصوبٌ على الاختصاص والمدح ، وهو رأي الخليل رحمه الله ، جاء في معالم التنزيل : " وقال الخليلُ : نصب على المدح ، والعربُ تنصبُ الكلامَ على المدح والذمِّ ، كأنهم يريدون إفرادَ الممدوح والمذموم ، فلا يُتبعونه أوَّلَ الكلام وينصبونه "  ، ويقول الزمخشريُّ : " وأخرج ( الصابرين ) منصوباً على الاختصاص والمدح ؛ إظهاراً لفضل الصبر في الشدائد ومواطن القتال على سائر الأعمال " .

     وهو الظاهرُ ؛ لأنَّ المقامَ مقامَ مدحٍ ، فالله تعالى يمدحُ في هذه الآيةِ المؤمنينَ بالله واليومِ الآخرِ الملائكةِ والكتابِ والنبيينَ ، والذين ينفقون المالَ في كلِّ وجوه الخير ، والذين يقيمون الصلاةََ ويؤتون الزكاةَ ، والذين يوفون بعهودهم عند قطعها على أنفسهم ، إلا أنَّ هناك صنفاً من الناس يفوق هؤلاءِ كلَّهم في الآجر والثواب ، ألا وهم الصابرون ، وليس أيَّ صبرٍ ، فهناك صبرٌ

يُحتَملُ ، وآخر لا تُطِيقُهُ الجبالُ ، فالله تعالى حدد هذا الصبرَ بقوله : فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ، فالصبرُ في البأساء ، الفقر ، والفقيرُ يحتاجُ إلى الصبرِ في كلِّ أمورهِ ،ويُصيبه من الألمِ النفسي والبدني ما لا يُصيبُ غيرَهُ ، فهو إن جاعَ تألمَ جوفُهُ ، وإن عَرِيَ تألم جَسَدُهُ ، وإن رأى ما لا تَنَالُهُ يدُهُ ، وهو راغبٌ له ، تألمتْ نَفسُهُ .

     وأمَّا الصبرُ في الضراء فهو المرض ، والإنسانُ إذا اُصيب في أيِّ عضو من جسده ، مهما صَغُرَ ذلك العضو ، فإنَّ بدنَهُ كلَّهُ يألمُ .

     وأمَّا الصبرُ الأخير ، فهو حين البأس ، أي الحرب عند قتال الأعداء ، وهذا مشقةٌ ما بعده مشقةٌ ، فالنفسُ والبدن يخافان في الحربِ ، الجرحَ والأسرَ والقتلَ .

     وهذه الأحوالُ - البأساء والضراء والبأس - تحتاجُ إلى صبرٍ شديدٍ وعزيمةٍ قويةٍ ، واحتساب ما يُصيبُ الإنسانَ فيها من البلاءِ ، للهِ عزَّ وجلَّ ، فلهذا الصنفِ من الناسِ أجرٌ لا يُدانيه أجرُ أيِّ عبدٍ ، يقولُ الأمام الحسنُ بنُ عليٍّ ( عَلَيِّهِمَا السَّلَامُ ) : " سمعتُ جدي رسولَ اللهِ يقولُ : إنَّ في الجنةِشجرةً يُقالُ لها شجرةُ البلوى ، يُؤتى بأهل البلاءِ يومَ القيامةِ ، فلا يُرفعُ لهم ديوانٌ ولا يُنصَبُ لهم ميزانٌ ، يُصَبُ عليهم الأجرُ صباً ، وقرأ: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ " .

     فلكلِّ هذه الأسبابِ مدحَ اللهُ تعالى الصابرين ، وجزاهم ما لمْ يُجازِ عليه أحداً من عباده ، " إذ لمْ يقصد سبحانه و تعالى مطلقَ الخبر عندما تحدث عنه في البأساءِ ، ولكنَّهُ أرادَ أن يُثني على هؤلاءِ الصابرين ، فعندما تَمَّ هذا ، قام بتحويل الكلامِ من الأسلوب الخبري العادي ، إلى أسلوب المدحِ والثناء ، فغَّيرَ في إعرابِ الكلامِ ليكونَ وقعه أكثرَ على عموم الصابرين في البأساء والضراءِ ، حتى يحثهم على مزيدٍ من الصبرِ على مصائب الدهر "  .
 وقال تعالى : لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (النساء:162) ، فقد نصبَ الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ    بعد قوله : الرَّاسِخُونَ   و الْمُؤْمِنُونَ   .

     لقد ذكر العلماءُ لهذه الآيةِ أوجهاً ، منها :

أولا :
      النصب على المدح ، يقولُ الطبريُّ : " وقالَ آخرون وهو قول بعض نحوي الكوفة والبصرة : وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ   من صفة  الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ   ، ولكن لما كان الكلامُ تطاول ، واعترض بين ( الراسخين في العلم ) و وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ   ما اعترض من الكلام فطال ؛ نصب المقيمين على وجه المدح " .

ثانياً :
     إنَّ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ   ، مخفوضٌ بعطفه على ( ما ) في قوله تعالى : بمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ   ، أي يكون المعنى : " يؤمنون بما أُنزل إليكَ ، وبالمقيمين الصلاة " ، أو معطوفٌ على الضمير ( هم ) في ( منهم ) ، والمعنى : " لكن الراسخون في العلم منهم ومن المقيمين الصلاة " ، أو على الضمير في ( إليكَ ) ، والمعنى : "يؤمنون بما أُنزل إليكَ ، وإلى المقيمين الصلاة " .

     وقد ذكروا غير هذين الوجهين  ، إلا أنَّ الوجه الأول أولى ؛ لأنَّ الله تعالى أراد بيان فضل هذا الصنف من الناس على مَنْ ذُكروا معه ، كالراسخين في العلم والمؤمنين والمؤتين الزكاة ، " فأراد الله أن يحثَ الناسَ على إقامةِ الصلاةِ بمدحِ مقيمي الصلاة والثناء عليهم ؛ فغيَّرَ أُسلوبه من الخبر العادي إلى المدحِ والثناء ؛ فغيَّرَ الإعرابَ تبعاً للتغير الأُسلوبي الذي طرأ على الكلامِ والمراد منه "  .

     والخلاصةُ إنَّ المطابقةَ بين المعطوف والمعطوف عليه حاصلةٌ في القرآن الكريم في الإعراب ، وما ورد مخالفاً لهذه المطابقةِ ، كان لأسبابٍ اقتضاها المقامُ والمعنى العام لمثلِ هذه الآياتِ .

Post a Comment

Previous Post Next Post