التطابق بين النعت والمنعوت:

     يقسم العلماءُ النعتَ على نوعين :
الأول منهما يسمونه ( النعت الحقيقي ) : وهو التابع الذي يقوم بإتمام متبوعه بالدلالة على وصف ثابت فيه ، وذلك كقولنا ( جاء محمدٌ الطويلُ ) .
      أما النوع الآخر فهو ( النعت السببي ) : وهو التابع الذي يقوم بإتمام متبوعه بوصف ثابت  متعلق بالمنعوت ، كقولنا :( جاءَ محمدٌ الفاضلُ أبوهُ ) ، يقول ابنُ يعيش : " والصفةُ لفظٌ يتبعُ الموصوفَ في إعرابه تحليةً وتخصيصاً له بذكر معنىً في الموصوف ، أو في شيء من سببهِ ، وذلك المعنى عرضٌ للذات لازمٌ له "  ، ويقول ابنُ الحاجـب : " ويُوصَفُ بحال الموصوف وحال متعلقه ، نحو ( مررتُ برجل حسنٍ غلامهُ ) "  .
    
     ولا بدَّ للنعت من مطابقة منعوته ، وهذه المطابقة تختلف بحسب نوعي النعت ،

أولاً - المطابقة في النعت الحقيقي :
   
      فالنعتُ الحقيقيُّ يطابق منعوته في الإعراب ، وفي التعريف والتنكير ، وفي الإفراد والتثنية والجمع ، وفي التذكير والتأنيث ، يقول سيبويه : " وأعلمْ أنَّ المعرفةَ لا توصفُ إلا بمعرفةٍ ، كما إنَّ النكرة لا توصف إلا بنكرةٍ "  ، وجاء في شرح المفصل : " قال الشارح : قد تقدم قولنا ( إن الصفة تابعة للموصوف في أحواله ) وجملتُها عشرة أشياءٍ ، رفعه ونصبه وخفضه ، وإفرادهُ وتثنيتهُ وجمعهُ ، وتنكيرهُ وتعريفهُ ، وتذكيرهُ وتأنيثهُ "
       وسبب هذا التطابق ؛ إنَّ النعت والمنعوت " كالاسم الواحد "  ، يقول ابن يعيش : " وإنما وجب للنعت أن يكون تابعاً للمنعوت فيما ذكرناه ، من قِبَلِ أنَّ النعت والمنعوت كالشيء الواحد ، فصار ما يلحقُ الاسمَ يلحقُ النعتَ ، وإنما قلنا أنهما كالشيء الواحد ، من قِبَلِ  أنَّ النعتَ يُخرِجُ المنعوتَ من نوعٍ إلى نوعٍ أخصّ منهُ ، فالنعتُ والمنعوتُ بمنزلةِ نوعٍ أخصّ من نوعِ المنعوتِ وحده "  .

     مما تقدم يتضح لنا أن المطابقة بين النعت ومنعوته واجبةٌ في الإعراب ، وفي العدد وفي الجنس وفي التعريف والتنكير ، فلا يُوصفُ مرفوعٌ بمنصوبٍ أو مجرورٍ ، بل بمرفوعٍ  مثله ، وكذلك إذا كان منصوباً أو مجروراً ،، فينعت بما يطابقه إعراباً ، ولا يوصف المفرد بمثنىً أو جمعٍ ، بل بمفردٍ مثله ، وكذلك إذا كان مثنىً أو جمعاً فينعت بما يطابقه عدداً ، ولا يوصف مذكرٌ بمؤنثٍ ولا العكس ، بل كلٌ بما يطابقهُ ، وكذا الأمر في التعريف والتنكير ، فلا توصف المعرفة إلا بمعرفةٍ مثلها ، ولا توصف النكرة إلا بنكرة مثلها وهذا كله في النعت الحقيقي ، وحافظ النظم القرآني على تلك المطابقة بين النعت ومنعوته كما يأتي :

 أ-  في الإعراب :
   
      نجدُ النعتَ في مواطنَ ورودهِ كلِّها في القرآن الكريم قد طابق منعوته رفعاً ونصباً وجراً ، فمثال التطابق رفعاً قوله تعالى : وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ  (البقرة:49) ، وقوله تعالى : بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (الأعراف:81) وغير ذلك  .
      
      أما مثال التطابق بينهما نصباً ، فنحو قوله تعالى: وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً (المائدة:88) وقوله تعالى : لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ (النور:46) ،  وغير ذلك  .
وأما مثالُ التطابق بينهما جراً ، فنحو قوله تعالى : وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (الصافات:7)  ، وقوله تعالى : ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (صّ:1) ، وغير ذلك  .
النعت المقطوع :

     قد يخالفُ النعتُ منعوتَهُ في حركته الإعرابية ، وهذا ما يُعرف في العربية بظاهرة القطع ، ويقصد بها مغايرة النعتِ لمنعوتِهِ إعراباً ، وهذه الظاهرة تقع في العطف أيضاً  ، على ما سنعرف لاحقاً .

     جاء في الكتاب : " هذا باب ما ينتصب على التعظيم والمدح .
وإن شئتَ جعلته صفةً ، فجرى على الأول ، وإن شئتَ قطعته فابتدأته ، وذلك قولك : ( الحمدُ للهِ الحميدَ هو ) و ( الحمدُ للهِ أهلَ الحمدِ ) ، و ( الملكُ للهِ أهلَ الملكِ ) ، ولو ابتدأته فرفعته كان أحسن ، كما قال الأخطل :

               نَفسِي فِدَاءُ أمِيرِ  المُؤمِنِـينَ إذا            أبدَى النواجذَ يَومٌ باسلٌ ذَكَرُ
               الخائضُ الغمرَ والميمونُ طائـرُهُ              خليفةُ اللهِ يُستَسقَى بِهِ المَطَــرُ . "

     وهذه الظاهرةُ تجوزُ إذا كان المنعوتُ معروفاً لدى السامع ، وإن نعته لا يميزه عن غيرهِ ، وإنما جيء به لمجرد المدح أو الذم ، فإذا كان المنعوت مبهماً لدى السامع من دون النعت ، فلا بدَّ من اتباع النعت  لمنعوته ، فالنعتُ في مثل هذا معنوي لا لفظي ، أي أنَّ الإسم الذي قُطع هو نعتُ في المعنى أمَّا من ناحية الإعراب فله حكم آخر   .
   
      إنَّ غاية هذه الظاهرة تركيز ذهن المتلقي على النعت المقطوع ، وإبراز المعنى الموجود في هذا النعت ، وذلك لأهميةٍ محددةٍ توجد فيه استدعت هذا التركيز ، " والعرب تعترض من صفات الواحد إذا تطاولت بالمدحِ أو الذمِّ ، فيرفعون إذا كان الاسمُ رفعاً وينصبون بعضَ المدح ، فكأنهم ينوون إخراج المنصوب بمدحٍ مجددٍ غير مُتْبَعٍ  لأول الكلام "  ، ويقول السيوطيُّ : " قطعُ النعوتِ في مقامِ المدحِ والذمِّ أبلغُ من إجرائها ، قال الفارسيُّ : إذا ذُكرتْ صفاتٌ في معرض المدحِ أو الذمِّ ، فالأحسنُ أن يخالف في إعرابها ، لأنَّ المقامَ يقتضي الإطنابَ ، فإذا خُولِف في الإعراب كان المقصودُ أكملَ ، لأن المعاني عند الاختلاف  تتنوعُ وتتفنن ، وعند الاتحاد تكون نوعاً واحداً "  .

   
      إنَّ ما ورد في القرآن الكريم من هذه الظاهرة ، قوله تعالى : تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (المسد:1-4 )   بنصب (حـمَّالة) ، يقول سيبويه : " وبلغنا أنَّ بعضَهم قرأ هذا الحرفَ نصباً : وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ، لم يجعلِ الحمالةَ خبراً للمرأة ، ولكنه كأنه قال : ( أذكر حمالةَ الحطبِ شتماً لها ) "  ، وجاء في معاني القرآن : " وأما النصب فعلى جهتين ، إحداهما : أن تجعلَ الحمالة قطعاً ، لأنها نكرة ، ألا ترى أنك تقولُ ، (وامرأتُهُ الحمالةُ الحطبِ) ، فإذا ألقيتَ الألفَ واللامَ كانت نكرةً ، ولم يستقمْ أن  تنصب معرفةً بنكرةٍ ، والوجه الآخر أن تشتمها بحملها الحطب فيكون نصبها        على  الذم  "  .

     ويقول تعالى : ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (الأنعام:62) ، بنصب (الحقِّ) ، جاء في البحر المحيط : " وقرأ الحسنُ والأعمشُ ، (الْحَقَّ)، بالنصب ، والظاهرُ أنه صفة قُطعتْ فانتصبت على المدح "  .

     إنَّ أغلب ما ورد من هذه الظاهرة في القرآن الكريم ، هو من القراءات القرآنية   .
ب- في العدد :
    
     ذكرنا أنه لا بدَّ من التطابق بين النعت والمنعوت في العدد ، إفراداً وتثنيةً وجمعاً  ، وهو ما جاء في القرآن الكريم ، فمثال التطابق إفراداً قوله تعالى : وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (هود:77) ، وقوله تعالى : وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (الحجر:21) ، وغير ذلك  .
     أما مثال المطابقة في التثنية ، فنحو قوله تعالى : وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ (البقرة:233) ، وقوله تعالى : وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ  (النحل:51) ، وغير ذلك  .

     أما مثال المطابقة في الجمع ، فنحو قوله تعالى : أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (يوسف:39) ، وقوله تعالى : وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَات (البقرة:99) ، وغيرذلك ، فنحن نلاحظ أنَّ المطابقة قد تمت بين النعت والمنعوت إفراداً وتثنيةً وجمعاً .

ما ظاهره عدم المطابقة :

     وردت بعضُ الآياتِ في القرآن الكريم ، ظاهرها عدمُ التطابق بين النعت والمنعوت ، من ذلك قوله تعالى : وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ  (البقرة:164) ، إذ وصف ( السحاب ) وهو جمع بـ ( المسخر ) وهو مفرد.
     
     إن سبب هذا التخالف هو أنَّ ( السحاب ) اسمُ جنسٍ  ، وهو ما يجوز فيه الجمعُ مراعاةً لمعناه ، والإفرادُ مراعاةً للفظهِ ، والقرآنُ الكريمُ يؤيدُ ذلك ، فقد ورد لفظ (السحاب) في القرآن

الكريم وقد روعي معناه ، وهو الجمع ، وفي مواضعٍ أخرى روعي فيه لفظُهُ ، وهو الإفراد ، فوصفَ بمفردٍ أو عاد عليه ضميرٌ مفردٌ .1
    فمثالُ ما روعي فيه معناه ، وهو الجمعُ ، قوله تعالى : وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (الرعد:12)2 ، أما مثال ما روعي فيه اللفظُ ، وهو الإفرادُ ، فنحو قوله تعالى : وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ (البقرة:164) ، وقوله تعالى :  أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ (النور:43) ، وغير ذلك3 .
وقد ورد موضعٌ في سورة الأعراف ، روعيَ فيه معنى السحاب ولفظه ، فَوُصِفَ بجمعٍ ، وعاد عليه ضميرٌ مفردٌ ، وذلك قوله تعالى : وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ (الأعراف:57) ، فوصفُ ( السحاب ) بـ ( ثقالاً ) ، وذلك لأن السحاب جمع ومعناه السحائب ،وعاد عليه ضميرٌ مفردٌ في ( سقناه ) و ( به ) مراعاةً للفظ ( السحاب ) المفرد .4

     وفي آية سورة البقرة ، يقول أبو حيان : " ووصف السحاب هنا بالمسخر ، وهو مفرد ، لأنه اسم جنس  … ، فتارةً يُوصفُ به بما يُوصفُ الواحدةُ المؤنثة ، وتارةً يُوصفُ بما يُوصفُ به الجمعُ ، كقوله تعالى : حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً (الأعراف:57)" 5.

     وجاء في روح المعاني : " والسحابُ عطفٌ على ما قلبه ، وهو اسم جنسٍ واحده سحابةٌ ، الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ : صفةٌ للسحاب باعتبار لفظه ، وقد يعتبر معناه ، فيوصف بالجمع كـ ( سحاباً ثقالاً ) "6 .

       وقال تعالى : وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ  (الأنبياء:47) ، فقد نَعَتَ الجمعَ     (الموازين) ، بمفردٍ ( القسط ) ، وسبب ذلك لأن ( القسط ) مصدرٌ ، والمصدر لا يُثنى ولا يجمعُ ، فهو مفردٌ على كلِّ حالٍ ، " لأنه جنسٌ يدلُ بلفظهِ على القليلِ والكثيرِ فاستُغني عن تثنيتهِ وجمعهِ "1 .
      يقولُ الفراءُ : " وقوله :وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ ، (القسط) ، من صفة (الموازين) ، وإن كان موحداً ، وهو بمنزلة قولك للقوم : أنتم رضاً وعدلٌ "2 .
     ويقول الطبري : " وجعل (القسط) وهو موحدٌ من نعت (الموازين) وهو جمعٌ لأنه في مذهب عدل ورضا "3 . 

     أو تكون الآية على حذف مضاف ، والتقدير : (ونضع الموازين ذوات القسط) ، وبهذا تتم المطابقة ، يقول الزمخشري : " … أو على حذف مضاف أي ذوات القسط " .4 

     والرأي الأول أولى ، لأنه يناسب معنى الآية ، وأدلُّ في إعجازها ، فقد سِيقَتْ هذه الآيةُ لبيان عدل الباري سبحانه وتعالى بين عباده ، فكلٌ يُجازى بما عَمِلَ ، لا ينقص من عمله شيءٌ ، سواء كان خيراً أم شراً ، وسواءٌ كان المُجازى مؤمناً أم كافراً ، ولو كان ذلك العمل مثقالَ حبةٍ من خردلٍ ، التي هي أصغرُ الأشياء وأحقرها ، فإنَّ اللهَ يأتي بها ليُجَازِي بها صاحبَها ، فاللهُ تعالى يقول : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (الزلزلة:7-8) .
       فمعنى العدالة يتحقق بنصبه تعالى للموازين ، التي هي عين القسط والعدل ، وهذا المعنى يكون بوصف الموازين بالمصدر ، وهذا من قسطه وعدله جلَّ وعلا .5

     وقال تعالى : إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً (الإنسان:2) ، فقد وصف ( النطفة ) وهي مفرد بجمع ( أمشاج ) .

    
والقول في هذه الآية من وجهين :
الأول :
       إنَّ لفظَ ( أمشاج ) لفظٌ مفردٌ غيرُ مجموع ، يقول الزمخشري : " ( نطفةٍ أمشاجٍ ) كـ (برمة أعشار)، و(دبر أكباش) ، وهي ألفاظٌ مفردةٌ غير جموع ، ولذلك وقعت صفاتٍ للأفراد "1.   
الثاني :
        إنَّ المقصود بالنطفة هنا ، ماءُ الرجلِ وماءُ المرأةِ ، وكلا الماءين يحوي صفات متعددة ، وجاز وصفها – النطفة – بالجمع لهذا المعنى ، يقول البيضاوي : " وجمع النطفة به ، لأن المراد مجموع منيِّ الرجل والمرأة ، وكلٌّ منهما مختلف الأجزاء في الرقة والقوام والخواص "2 ، وجاء في روح المعاني : " والحاصل أنه نَزَّلَ الموصوفَ منزلةَ الجمعِ ، ووُصِفَ بصفة أجزائهِ "3 .

     وهو الذي نؤيده ؛ ففي بداية السورة التي وردت فيها هذه الآية ، كان الحديث حول بدء خلق الإنسان ، فاللهُ تعالى يقولُ  : هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً (الانسان:1-2) ، فقد مرَّ على الإنسان زمنٌ طويلٌ قبل وجوده ، وهو معدومٌ ، لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ، ثمَّ خلق اللهُ تعالى آدمَ ()  من طين ، وجعل نسله بعده متسلسلاً مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ ، ذلك الماء المُستَقذر الناتج عن اختلاط ماء الرجل بماء المرأة ، لـ (نَبْتَلِيهِ) بطريقة خلقه وأصل منبته ، ليعلم اللهُ هل يرى الإنسانُ حالَهُ الأولى ويتفطنُ لها ؟ ، أم يتركها خلفَ ظهره ، ناسياً إيَّاها ، مغتراً بنفسه ؟4
ج- في الجنس :
      فالمذكرُ يُوصفُ بمذكرٍ مثله ، والمؤنث يُوصفُ بمؤنثٍ مثله ، وهذا ما جاء عليه القرآن الكريم. فمثالُ وصفِ المذكرِ بالمذكر قولُــــــــــــــــهُ تعالى : وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً
(النساء:161)  ، وقوله تعالى : وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (هود:44) ، وغير ذلك  .
      أما مثالُ وصفِ المؤنثِ بالمؤنثِ فنحو قوله تعالى : يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ (البقرة:47) ، وقوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ  (النساء:1) ، وغير ذلك 2.
ما ظاهرهُ المخالفة : 
     وقد وردت بعضُ الآيات في القرآن الكريم ، ظاهرُها التخالفُ بين النعت ومنعوته في الجنس ، وذلك راجعٌ إلى الحمل على المعنى ، قال تعالى : وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً  لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً (الفرقان:48-49) ، فقد وصف الـ (بلدة ) وهي مؤنثٌ بصفة المذكر ( ميتاً )3، وفي موطن آخر في القرآن الكريم ، وصف الـ ( بلدة ) بصفة المؤنث ، وذلك في قوله تعالى : بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (سبأ : 15) .
       والسببُ في ذلك يرجعُ إلى الحمل على المعنى ، فـ (البلدة)  بمعنى (البلد) ، قال تعالى : وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَآمِنَاً (ابراهيم:35) ، وقال تعالى : فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ (فاطر:9) ، وقال أيضاً :وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (التين:3) ، يقـول الزمخشريُّ : " قـال (ميتا) ؛ لأنَّ (البلدة) في معنــى (البلد) فـي قولـه : ( فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّــــــتٍ ) "1 .

     أو إنَّ ( البلدة ) بمعنى (المكان) ، أو ( الموضع ) ، قال ذلك الطبريُّ 2، وبهذين التأويلين تتم المطابقة .
    
     وقال تعالى : تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (القمر:20) ، فوصف (النخل) وهو لفظٌ مؤنثٌ ، بـ ( منقعر ) وهو مذكرٌ ، وفي موطن آخر وصف ( النخل ) بصفةٍ مؤنثةٍ ، قال تعالى : كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (الحاقة:7) ، وقد أعاد على هذا اللفظ ضميراً مؤنثاً في قوله تعالى : وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ (الأنعام:99) .
  
    والسببُ في ذلك لأنَّ لفظ ( النخل ) من أسماء الأجناس ، وهذه الأسماء يجوز فيها التذكير نظراً للجنس  ، ويجوز فيها التأنيث نظراً لمعناها ، يقولُ المبردُ : " وأعلمْ أنَّ كلَّ جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء ، فإنه جارٍ على سنة الواحد ، وإن عنيتَ به جمع الشيء ، مَنْ أنثه فليس إلى الإسم يقصد ، ولكنه يؤنثها على معناه ، كما قال عزَّ وجلَّ : تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُم أَعْجَازنَخْلٍ مُنْقَعِرٍ  لأنَّ (النخل) جنسٌ وقال : فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (الحاقة:7) ، لأنه جمعُ (نخلةٍ) ، فهو على المعنى جماعة "3 ، وجاء في مشكل إعراب القرآن : " قوله : نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ، إنما ذكر ( منقعر ) لأنَّ النخل يُذكرُ ويؤنَّثُ ، فلذلك قال ( منقعر ) ، وقال في موضع آخر : أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ، فأنَّث "  ، ويقول النسفيُّ : " وذكَّرَ صفة ( نخل ) على اللفظ ، ولو حملها على المعنى لأنَّثَ ، كما قال : كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ  .

     والتأنيث في مثل هذه الأسماء لغةُ أهلِ الحجاز ، وأما التذكير فهو لغة أهل تميم  .

     وبالرغم من جواز الأمرين فإن النظم لم يستعمل هذين التركيبين اعتباطاً ، بل كلٌ يناسب ما ورد فيه ، فآية سورة القمر: تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ، مناسبة تماماً لفواصل الآيات في تلك السورة ، فقد وردت كلُّ الفواصل مختومة بصوت ( الراء ) ، كـ ( القمر ، مستمر ، مستقر، مزدجر ،…) ، وإنَّ الخروج في آية واحدة - من أصل خمسٍ وخمسين آية - فيه من الثقل على السامع ما فيه  .

     وكذا الحال في الآية الأخرى من سورة الحاقة : كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ، فهي مناسبةٌ تمام المناسبةِ للفواصل في تلك السورة ، كـ ( الطاغية ، عاتية ، باقية ، رابية ، واعية …) .

     يقول السيوطي : " أعجازُ : أصولُ نخلٍ ، منقعرُ : منقطعٌ ساقطٌ على الأرض ، وشبِّهوا بالنخل لطولهم ، وذكَّرَ هنا وأنَّث في الحاقةنَخْلٍ خَاوِيَةٍ ، مراعاةًَ للفواصل في الموضعين " .
   
     وقال تعالى : حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ  عَاصِفٌ (يونس:22) .
فقد وصف المؤنث ( ريح ) بلفظٍ مذكر ( عاصف )1 ، والقول في هذه الآية من وجوه :   
 أولها :
         إنَّ الريحَ تُؤنَّث وتذكَّرُ ، " والعربُ تقول : عاصفٌ و عاصفةٌ "  ، فمن ذكَّرها فإلى اللفظ يقصد ، ومن أنَّثها فإلى المعنى يقصد ، يقول القرطبيُّ : " وقال أبو بكر الأنباري : سُئل المبردُ بحضرة إسماعيل القاضي عن ألفِ مسألةٍ ، هذه من جملتها ، فقيل له ما الفرق بين قوله تعالى : وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً و جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ ، وقوله : كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ و كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ، فقال كلما ورد عليك من هذا الباب ، فإن شئتَ رددته إلى اللفظ تذكيراً ، أو إلى المعنى تأنيثاً ) "3 .

 ثانيها :
          إنَّ ( العصف ) مختصٌ بالريح ، فلا يُوصف به غيرها ، وإذا كان كذلك لم يُحْتَجْ إلى التفريق ، يقول البغويُّ : " ولم يقلْ ( ريحٌ عاصفة ) ؛ لاختصاص الريح بالعصوف " 4.
   
  ثالثها : تكون الآيةُ على حذف مضاف ، والتقدير ( ريحٌ ذاتُ عصفٍ ) يقولُ النسفيُّ : "رِيحٌ عَاصِفٌ ، ذاتُ عصفٍ ، أي شديدة الهبوب " 5، وبهذا تتم المطابقة بين النعت ومنعوته .

د - في التعريف والتنكير :

     توصف المعرفة بمعرفةٍ ، والنكرة بنكرة ، ولا يجوز خلاف ذلك ، جاء في القرآن الكريم  من وصفِ المعرفةِ بالمعرفةِ قولُهُ تعالى : يَحْكمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا (المائدة:44) ، وقوله
تعالى : وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ (التوبة:100) ، وغير ذلك 1.
    أما مثال وصف النكرة بالنكرة ، فنحو قوله تعالى : إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (هود:25) وقوله تعالى أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ  (ابراهيم:24) ، وغير ذلك 2.

ما ظاهرة عدم المطابقة :

     وقد وردت بعض الآيات ظاهرها عدمُ المطابقة بين النعت ومنعوته في التعريف والتنكير ، من ذلك قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ (المائدة:95) ، وقال أيضاً: فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (الاحقاف:24) ، ففي آية المائدة وصف ( هدياً ) بـ ( بالغ الكعبة ) ، وفي آية الأحقاف وصف  (عارضاً) بـ ( مستقبل أوديتهم) ، ووصف (عارضٌ) بـ (ممطرنا ) ، وفي كلٍّ تخالفٌ ، فالموصوفُ نكرةٌ ، وَوَصفُهُ مضافٌ إلى معرفةٍ .

     وليس هناك مشكلٌ ، فحقيقةُ الإضافة في ( بالغَ الكعبةِ ) و ( مستقبلَ أوديتهم ) و (ممطرنا ) ، لفظيةٌ ، أي جِئِ بها لتخفيف اللفظ ليس إلا ، فبدل أن يقول : (بالغاً الكعبةَ ) و ( مستقبلاً أوديتَهَم ) و ( ممطرٌ لنا ) ، قال : ( بالغَ الكعبةِ ) ، و ( مستقبلَ أوديتهم ) و (ممطرنا ) ، وهذا أخفُّ في اللفظ طبعاً ، فالإضافة هنا لا تفيد تعريفاً للمضاف ولا تخصيصاً ، ولذلك جاز وصف النكرة بما اُضِيف إلى المعرفة .

      يقول سيبويه : " وليس يُغيرُ كفُّ التنوين إذا حذفتَهَ مستخفاً شيئاً من المعنى ، ولا يجعله معرفةً ، فمن ذلك : كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ، ، ويزيد عندك هذا بياناً قولُه تعالى جدُّهُ : هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ ، و : عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ، فلو لمْ يكنْ هذا في معنى النكرة والتنوين ، لمْ تُوصفْ به النكرةُ "1.
      ويقول المبردُ : " ألا ترى أنَّ الاسم المضاف إلى معرفةٍ على نية التنوين ، لا يكون إلا نكرةً ؛ لأنَّ التنوين في النية ، نحو قوله عزَّ وجلَّ : هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا و هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ ، وهو وصفٌ للنكرةِ "  .

     وجاء في جامع البيان : " وأمَّا قوله : هَدْياً ، فإنه مصدرٌ على الحال من الهاء التي في قوله : يَحْكُمُ بِهِ ،وقوله : بَالِغَ الْكَعْبَةِ ، من نعت الهدي وصفته ؛ وإنما جاز إن يُنعت به وهو مضافٌ إلى معرفةٍ ؛ لأنه في معنى النكرة ؛ وذلك أنَّ معنى : بَالِغَ الْكَعْبَةِ ، يبلغ الكعبة ، فهو وإن كان مضافاً ، فمعناه التنوين ؛ لأنَّهُ بمعنى الإستقبال ، وهو نظير قوله : هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا، فوصف بقوله : مُمْطِرُنَا   عَارِضاً ، لأنَّ في  مُمْطِرُنَا معنى التنوين ؛ لأنَّ تأويله الإستقبال ، فمعناه هذا عارضٌ يُمطرنا فكذلك في قوله : هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ "  .
 ثانياً- المطابقة في النعت السببي :

      إنَّ المطابقة في النعت السببي تختلف عنه في النعت الحقيقي ، فالنعت السببي يوافق منعوته في الإعراب وفي التعريف والتنكير فقط ، أمَّا في الإفراد وفرعيه وفي التذكير والتأنيث ، فإنه يكون كالفعل ؛ للشبه الذي بينهما ، فإن كان للمفرد أو للمثنى أو للجمع ، أُفرد النعتُ ، كما يُفعل مع الفعل ، فنقولُ : ( مررتُ برجلٍ حَسَنٍ أبوهُ ) ، و ( مررتُ برجلين حَسَنٍ أبواهما ) و  (مررتُ برجالٍ حَسَنٍ آباؤهم) .

     وكذا الحالُ في التذكير والتأنيث ، فإن كان مرفوعُهُ مذكراً ذكِّرَ لأجله ، وإن كان مؤنثاً حقيقياً غير مفصولٍ عن عامله ، أُنِّثَ لأجله ، وإن كان مرفوعه مؤنثاً غير حقيقي ، أو حقيقياً مفصولاً عن عامله ، ذُكِّر وأُنِّثَ جوازاً .
     فنقولُ : ( مررتُ برجلٍ قاعدٍ أبوه وبامرأة قاعدةٍ أُمُها ) ، كما نقولُ : ( مررتُ برجلٍ يَقعُدُ أبوه وبامرأةٍ تَقعُدُ أُمُهَا ) ، ونقول : ( مررتُ برجلٍ هُدِمَ دارُهُ وهُدِمَتْ دَارُهُ ) ، كما نقولُ : ( هُدِمَ الدارُ و هُدِمتِ الدارُ ) .
     جاء في الكتاب : "هذا باب ما جرى من الصفات غير العمل على الاسم الأول إذا كان لشئٍٍ من سببه .
     وذلك قولك : ( مررتُ برجلٍ حَسَنٍ أبُوهُ ، … ، وإنما اُجريتْ هذه الصفاتُ على الأول حتى صارت كأنها له ؛ لأنَّكَ قد تَضعها في موضعِ اسمه ، فيكون منصوباً ومجروراً ومرفوعاً ، والنعتُ لغيره ، وذلك قولك : ( مررتُ بالكريمِ أبُوهُ ) و ( لَقِيتُ موسعاً عليه الدنيا ) و ( أتاني الحَسَنَةُ أخلاقُهُ ) ، فالذي أتاكَ والذي أتيتَ غير صاحبِ الصفةِ ، وقد وقع موقع اسمه ، وعمل فيه ما كان عاملاً فيه ، وكأنَّكَ قلتَ : ( مررتُ بالكريمِ ، ولقيتُ موسَّعاً عليه ، وأتاني الحَسَنُ ) ، فكما جرى مجرى اسمه ، كذلك جرى مجرى صفته "  .

     ويقولُ ابنُ يعيشٍ : " وقوله : ( إلا إذا كان فعلُ ما هو من سببه ) ، يعني أنَّ الصفة إذا رفعتِ الظاهر ، وكان الظاهر من سبب الموصوف ، فإنَّ الصفة تكون موحدة على كلِّ حالٍ … ، وكذلك لا يُؤنثان إلا أن يكون المرفوع بها مؤنثاً "  .

     إنَّ النعتَ السببي ورد في القرآن الكريم بصورةٍ قليلةٍ جداً قياساً بورود النعت الحقيقي ، فآياتهُ معدودة ،  من ذلك قوله تعالى : قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (البقرة:69) ، فـ (فاقعٌ ) صفةٌ لـ ( صفراءُ ) وقد طابقه في الإعراب ، فالوصفُ مرفوعٌ كموصوفه ،  وكلاهما نكرةٌ ، أمَّا بالنسبة للعدد ، فكما قلنا يُفرد الوصفُ على كلِّ حالٍ ، وهو ها هنا مفردٌ ، وأمَّا الجنس ، فقد طابق الوصفُ ( فاقعٌ ) مرفوعَهُ ، (لونها ) ، فكلاهما مذكَّرٌ .

     وقال تعالى : أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (فاطر:27) ، فـ ( مختلفاً ) صفةٌ لـ (ثمراتٍ ) ، وقد تطابقا إعراباً وتنكيراً ، فكلاهما منصوبٌ نكرةٌ ، أمَّا في العدد ، فالوصفُ مفردٌ كالفعلِ ، وأمَّا في


الجنس  ، فالظاهر المخالفةُ ، فالوصف مذكرٌ (مختلفاً ) ولفظُ مرفوعه مؤنثٌ ( ألوانها ) ، وليس كذلك ؛ لأنَّ ( ألوانها )جمع تكسير ، وهو مما يجوز فيه التذكير والتأنيث ، وفي( جددٌ ) و   (مختلفٌ ألونُها) تمت المطابقة بين الوصف وموصوفه من جهةٍ ، وبين الوصف ومرفوعه من جهةٍ أُخرى .

Post a Comment

Previous Post Next Post