حكم الفرض والواجب
المطلب الأول : حكم الفرض :
يترتب على
ثبوت الحكم بدليل قطعي لا شبهة فيه أحكام منها :
1 . لزوم اعتقاد المكلف بفرضية المطلوب منه فعله
اعتقاداً جازماً لا يداخله شك ، وإذا أنكره فإنه يكفر[1]
. قال فخر الإسلام البزدوي : " وأما الفرض فحكمه اللزوم علماً وتصديقاً
بالقلب وهو الإسلام وعملاً بالبدن "
[2]
.
2 . لزوم
العمل بما ورد به الدليل القطعي [3]
دون إهمال ، ولو ترك العمل به غير مستخف به مع اعتقاده بفرضيته يكون عاصياً ،
وفاسقاً إذا كان بغير عذر ، لكنه لا يكون كافراً لأنه ترك ما هو من أركان الشرائع
لا ما هو من أصل الدين لبقاء الاعتقاد على حاله [4].
وبناء على
ذلك : فإنه لو أدى ما وجب بدليل قطعي ، ولكنه لم يؤمن به فإنه لا ينتفع من ذلك
بشيء ، بل هو شأن المنافقين الذين وصفهم الله تعالى بقوله : {إِذَا
جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ
لَكَاذِبُونَ } ( المنافقون1 ) ، فهم
كاذبون في شهادتهم إذ إنها لم تكن من قلوبهم ، ولكن من أفواههم . ومن أدى الصلاة
غير مؤمن بأصل وجوبها لا يُقبل منه عمله ، وكذا بقية الأركان .
فالإيمان
بلا عمل ضلال وفسوق وعصيان ، والعمل بلا إيمان نفاق ورياء ، وترك الإيمان والعمل
كفر ، والإيمان والعمل مقترنين هو الإيمان الحق .
3 . يترتب
على ترك العمل بالقطعي العقاب الشديد في الدنيا والآخرة ، إلا أن يعفو الله [5]
، فلا يعتبر التارك كافراً بالامتناع عن الأداء لأنه بترك الأداء مبدل للعمل لا
لأصل الاعتقاد ، إلا أن يكون تاركاً على وجه الاستخفاف بأوامر الشارع الحكيم فإن
الاستخفاف بأمره كفر [6].
4 . ترك
الفرض في العبادة يؤدي إلى بطلانها [7]،
سواء كان ذلك الفرض من أركانها أو من الشروط المكملة لأركانها ، وعندئذ لا يجبرها
إلا الإعادة ، وقد قيل : إن الفرض لا يسقط في عمد ولا سهو[8]
.
فترك ركن من
أركان الصلاة ـ كقراءة القرآن ، أو الركوع أو السجود ، أو ترك أحد شروطها المتصلة
بها كالطهارة ، واستقبال القبلة ـ فإن الصلاة تبطل ، ولا تجبر بسجود سهو ، بل تجب
الإعادة في الوقت أو القضاء بعد خروجه .
المطلب الثاني
: حكم الواجب
1 . من حيث
العلم : لا يوجب ما ثبت بالدليل الظني العلم اليقيني ، لما في دليله من الشبهة
المورثة للظن ، وهو ما ذهب إليه جمهور الأصوليين [9]
إلا ما رُوي عن ابن حزم الظاهري الذي يقول بأن خبر الواحد العدل عن مثله إلى رسول
الله r يوجب العلم والعمل معاً [10].
2 . من حيث
العمل : يجب العمل بالظني ، وهو بمنزلة الفرض من حيث لزومه .
قال عبد
العزيز البخاري : ( وأما حكم الوجوب أي الواجب فلزومه عملاً لا علماً ، أي يجب
إقامته بالبدن ولكن لا يجب اعتقاد لزومه ،
لأن دليله لا يوجب اليقين ، ولزوم الاعتقاد مبني على الدليل اليقيني ) [11]
.
3 . من حيث
الجحود : لا يعتبر جاحد ما ثبت بالدليل الظني كافراً لما فيه من الشبهة في الثبوت [12]
.
4 . من حيث
ترك العمل بموجبه : فهو على ثلاثة أوجه :
أ ـ
إما أن يتركه مستخفاً بأخبار الآحاد ، بأن لا يرى العمل بها واجباً . وهذا
يجب تضليله وتفسيقه وإن لم يكفر ، لأنه رادٌ لخبر الواحد وذلك بدعة .
ب ـ
إذا ترك العمل به متأولاً له : فإنه لا يجب تضليله ولا تفسيقه ، لأن
التأويل سيرة السلف والخلف في النصوص عند التعارض [13].
ج ـ
إذا ترك العمل غير مستخف ولا متأول : المفهوم من كلام البزدوي أنه لا يُفسق
إلا من كان مستخفاً ، إلا أن عبد العزيز البخاري يرى أنه يفسق ولا يضلل .
أما أبو زيد الدبوسي فالمنقول عنه أنه لا يُفسق
ولا يُضلل إلا من ترك الواجب استخفافاً [14].
5 . من حيث
الإتيان به في العبادة أو العقود : ترك الإتيان بالواجب فيها لا يؤدي على بطلانها
إن تركه سهواً ، وتبطل إن تركه عمداً ، بخلاف الفرض الذي يبطل به العمل إن كان
تركه عمداً أو سهواً [15]
.
فبحسب مفهوم
الحنفية يكون العمل الذي ترك فيه الواجب ناقصاً ، وهو وإن كان صحيحاً إلا أن عليه
الإعادة بسبب النقص ، فإن لم يُعد فقد برئت ذمته مع الإثم خلافاً للجمهور الذين
يسوون بين الواجب والفرض .
[1] ) البخاري ، كشف الأسرار 2 / 548 ، السمرقندي ، ميزان
الأصول 1 / 129 ، النسفي ، المنار 1 /450 0
[2] ) البزدوي ، أصول البزدوي / كشف الأسرار 2 / 553 0
[3] ) السرخسي ، أصول السرخسي 1 / 111 ، النسفي ، المنار
1 / 450 0
[4] ) البزدوي ، أصول البزدوي / كشف الأسرار 2 / 553 ،
السمرقندي ، ميزان الأصول 1 / 129 0
[5] ) صدر الشريعة ، التنقيح 2 / 124 ، الطوفي ، شرح مختصر
الروضة 1 / 269 0
[6] ) السرخسي ، أًصول السرخسي 1 / 111 ، التفتازاني ، شرح
التلويح على التوضيح لمتن التنقيح 2 /
1242 0
[7] ) البيانوني ، الحكم التكليفي في الشريعة الإسلامية / 87 0
[8] ) ابن اللحام ، القواعد والفوائد الأصولية / 64 0
[9] ) البزدوي ،/ كشف الأسرار 2 / 551 ، الكرخي ، رسالة أبي
الحسن الكرخي في الأصول / 114 ، السمرقندي ، ميزان الأصول 1 / 129 ، الشيرازي ، التبصرة / 298 ،
إمام الحرمين ، البرهان 1 / 388 ،
الغزالي ، المستصفى 1 /145 ، والمنخول / 252 القرافي ، تنقيح الفصول / 356 ،
ابن الحاجب ، منتهى الوصول والأمل / 51 0
[11] ) البخاري ، كشف الأسرار 2 / 553 0
[12] ) الشاشي ، أصول الشاشي / 379 ، البزدوي ، أصول البزدوي
/ كشف الأسرار2 /553 ، النسفي ، المنار1 / 450 0
[13] ) البزدوي ، أصول البزدوي / كشف الأسرار 2 / 553 ،
النسفي ، المنار 1 / 452 0
[14] ) البخاري ، كشف الأسرار 2 / 554 0
[15] ) السبكي ، جمع الجوامع / حاشية العطار 1 / 124 ، وتحقيق
د0 طه جابر العلواني على المحصول 1 / 99 - 100
Post a Comment