صفة الوقت في الواجب المقيد بزمان
:
أصل الوقت
لازم ، لأن الواجب هو الأثر المترتب على الخطاب الشرعي ، ولا بد للفعل من وقت
يتأدى فيه ،
وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
والوقت
المضروب للفعل إما :
1 . أن
يكون الفعل بقدر الوقت المحدد دون زيادة أو نقص ، كالصوم : فهو محدد من أول النهار
إلى آخره دون زيادة عليه ، وهو ما يعرف بالواجب المضيق .
2 . أن
يكون الوقت أكثر من الوقت اللازم لأداء الفعل ، وهو ما يعرف بالواجب الموسع .
وفي القسمين
يمكن إيجاد الفعل في الوقت المحدد ، ولا حرج في ذلك ، دون أن يفضل من الوقت شيء في
الأول ، ويفضل في الثاني .
وذهب علماء
الحنفية إلى تقسيم الوقت من حيث ارتباط الفعل به وإيقاعه فيه ثلاثة أقسام :
الأول : ما يكون
الوقت ظرفاً للمؤدى ، وشرطاً للأداء ، وسبباً للوجوب : كوقت الصلاة ، إذ إن الصلاة
تؤدى في وقتها ، وهو يفضل عن الأداء ، فكان الوقت ظرفاً للأداء لا معياراً .
فتعجيل
الصلاة قبل وقتها لا يصح إلا أن يأذن الشارع الحكيم [1]
، فإن قُدّمت لا يصح ، وتفسد بالتعجيل [2]
، وإن أُخرت حتى خرج وقتها كان فعلها قضاءً .
فبقاء الوقت
شرط للأداء .
الثاني : أن يكون
الوقت معياراً للفعل ، وهو قسمان :
أ ـ ما يكون معياراً وسبباً للوجوب : كصوم رمضان
، ويقصد بالمعيار : الذي استوعب المؤقت فلا يفضل عنه ، ويقصر بقِصَرِه [3]
، فلا يصح صوم جزء من النهار ، بل لا بد في الصوم من الإمساك طيلة النهار دون نقص
منه أبداً .
فكان الوقت
_ اليوم _ معياراً للفعل _ الصوم _ ، ولا
يلزم الإمساك قبل الفجر ، ولا يمتد إلى ما بعد دخول الليل ، فكان الوقت معياراً له
، ودخول الشهر سبب ظاهر لوجوب الصيام[4]
.
ب ـ ما جُعل الوقت معياراً له ، ولم يُجعل سبباً
: مثل أوقات صيام الكفارات [5]
والنذور ، وكقضاء رمضان [6].
ويمثل الشافعية لهذا النوع من الأفعال المساوية
للوقت بصلاة المغرب على القول الجديد للإمام الشافعي ، إذ مقدار وقت المغرب ما
يُمَكّنُ من التطهر وستر العورة والأذان والإقامة والدخول في
الصلاة [7].
الثالث : ما يكون
مشكلاً [8]
: إذ هو يشبه الظرف من جهة ، والمعيار من
جهة أخرى ، كالحج : إذ الوقت يزيد عن فعل الواجب ، ولكن لا يقع في العام إلا حج
واحد ، فكان الحج ذا شبهين .
ويسمي الحنفيةُ ما كان ظرفاً لا معياراً :
موسعاً ، وما كان معياراً : مضيقاً ، وما كان ذا شبهين : مشكلاً [9].
والظاهر أن هذه التقسيمات في حقيقتها صفات للوقت
، وليست صفات للواجب ، ولكن على سبيل المجاز من باب إطلاق المسبب وإرادة السبب .
وفيما يلي
بيان للواجب المؤقت ـ المقيد بزمن ـ في الفروع التالية :
الفرع الأول : الواجب الموسع :
وهو الذي
يكون وقته المحدد لأدائه فاضلاً عنه [10]،
فهو يسعه ويسعُ غيره من جنسه ، كوقت الصلاة ، فإن وقتها يتسع لها ويتسع لغيرها مما
هو من جنسها (الصلاة) ، ويمكن تحديد المراد بالواجب الموسع بأنه : " ما طلب
الشارع من المكلف فعله وأداءه طلباً جازماً في وقت يسع المأمور به وغيره من جنسه
" .
قيود
التعريف
: " ما طلب الشارع فعله " : قيد يخرج به ما طلب الشارع تركه ، وكذا ما
لم يرد من الشارع طلب بفعله أو تركه ـ وهو المباح ـ .
"
طلباً جازماً " : قيد يخرج به ما كان طلبه طلباً غير جازم : كالمندوب .
" في
وقت " : يخرج به ما لم يُعيّن له الشارع وقتاً لفعله فيه ، وهو الواجب المطلق
عن الزمان كالوفاء بالنذر .
" يسع
المأمور به " : يخرج بهذا القيد ما كان وقته لا يسع له ـ أي ما كان وقته أنقص
من الزمن الذي يحتاجه الفعل ليتحقق وجوده ، وهذا لا تكليف فيه كما سبق .
" ويسع
غيره من جنسه " : أي من جنس الواجب : كالصلاة ، وبذلك يخرج ما كان من غير جنس
الواجب ـ من جنس آخر ـ ، إذ لا مانع فيه ، فلا يمنع التكليف بالصلاة من الصيام أو
الزكاة أو الجهاد .
فوقت صلاة
الظهر ـ مثلا ً ـ يتسع لها ولصلوات أخر، فهو سبب لصلاة الظهر ، وظرف للأداء ، ولا
يستغرق فعلها إلا جزءاً من الوقت ، ولا خلاف في صحة أدائها في أي جزء من الوقت
المضروب لها[11] .
وإن كان
الوقت على هذه الحالة : فهل يمكن الأداء في أوله أو في آخره أو في وسطه ؟
اختلفت
الآراء في المسألة :
فمذهب الحنفية
: أن وقت الوجوب هو آخر الوقت ، وأما أوله فهو سبب للوجوب . وهذا القول منسوب إلى
أبي حنيفة [12]
وأكثر أصحابه [13] ،
إذ إنه ما دام المكلف غير آثم بتأخير الأداء عن أول أوقات الإمكان ، ويصح الأداء
في الوقت الذي يليه ، أو الذي بعده... فإن لم يبق إلا جزء من الوقت يكفي للأداء
فيه فقد تعين الأداء في هذا الوقت ، لأنه إن أخر الأداء عن هذا الوقت الذي أصبح
مضيقاً فهو آثم ، ولا إثم إلا على ترك واجب أو فعل محرم ، ولما لم يفعل محرماً ،
فهو تارك واجباً . ونظراً لأن الواجب هنا مقيد بزمن محدد ، ويجب أن يؤتى بالفعل في
وقته ، والإتيان بالفعل في غير وقته لا يسمى أداءً ، وبذلك يكون مضيعاً للوقت ،
وهو سبب الإثم .
وهكذا يلاحظ عند الحنفية : أن الواجب الموسع
يصح أداؤه قبل آخر أجزاء الوقت ، ولكنه يجب في آخره [14]
.
ونقل عن بعض
الحنفية أن الأداء في أول الوقت نفلٌ يسقط به الفرض [15].
ووجه قولهم
: أن الأداء قبل الوقت المحدد لا يصح إلا أن يأذن بذلك الشارع الحكيم ، فمن صلى
قبل دخول وقت الصلاة لا تصح صلاته عن الفريضة الواجبة ، ولا تبرأ ذمة المكلف إلا
أن يأتي بها في وقتها ، ونظراً لأن وقت وجوب الصلاة عندهم هو آخر أجزاء الوقت فإن
فعلها قبل وقتها لا يقع عن الواجبة المفروضة بل يكون نافلة ، ولكن هذه النافلة
تسقط عندهم الفريضة فلا يُطالب بها .
وقد اعتبر
الإمام السرخسي القول بأن المؤدى في أول الوقت نفل غلطاً بيّناً [16]لأن
من يقول بهذا لا يجد بداً من أن يقول بأن الجمعة إذا أُديت في أول الوقت كان
المؤدى نفلاً ، والتنفل بالجمعة غير مشروع .
قال الدبوسي
رداً على من نسب إليهم القول بالوجوب في آخر الوقت دون أوله [17]:
( ومن الناس من ظن أنه لما لم يلزمه الأداء لأول الوقت لم يكن الوجوب متعلقاً بأوله
، وإنه لغلط لما ذكرنا أن الثبوت في ذمته حقاً للغير غير لزوم الأداء ) .
وذهب الشافعية
وأكثر الفقهاء وجماعة من المعتزلة كالجبائي وابنه وغيرهما : إلى أن
الوقت واجب موسع ، وأن جميع أجزاء ذلك
الوقت وقتٌ لأداء ذلك الواجب . ونُقل عن الشافعية أنهم يقولون بأن وقت الوجوب هو
أول الوقت [18]،
وإنما جُعل آخر الوقت توقيتاً للأداء وتمييزاً له عن القضاء ، إذ يتخرج على القول
بأن أول الوقت هو وقت الوجوب أن الأداء بعد خروج هذا الوقت موجب للإثم ، ويسمى
الفعل عندها قضاءً ، وهو مخالف لما أجمع عليه العلماء من أنه لا إثم على من أخر عن
أول أوقات الإمكان ما لم يخرج آخر الوقت .
وقد ذكر ابن
السبكي أن الشافعية لا يقولون بأن الصلاة واجبة في أول الوقت فقال : " وهذا
القول نسب إلى بعض أصحابنا ، وقد كثر سؤال الناس من الشافعية عنه فلم يعرفوه ، ولم
يوجد في شيء من كتب المذهب ، ولي حين من الدهر أظن أن الوهم سرى إلى ناقله من قول
أصحابنا : إن الصلاة تجب في أول الوقت وجوباً موسعاً " [19].
ثم بين
قائلاً : ( قصد أصحابنا بقولهم تجب الصلاة في أول الوقت كون الوجوب في أول الوقت
لا كون الصلاة في أول الوقت واجبة ) [20]،
بمعنى أن الصلاة تجب في الذمة في أول الوقت .
ثم قال رداً
على الذين نسـبوا الرأي إلى الشـافعية : ( وعلى كـل تقـدير لا يخرج نقله عـن
أصحابنا عن الوهم ) [21]
.
وقال الإسنوي في معرض تعليقه على ذلك : ( وهذا
القول لا يعرف في مذهبنا ) [22]
.
ومما ينبغي
التذكير به أن هناك فرقاً بين ثبوت الواجب في الذمة ، وبين وجوب فعله ، فالدّيْن
يلزم المدين من لحظة قبضه الدّين ، ولكن أداءه للدائن يكون في الأجل المسمى بينهما
، فثبوت الواجب في الذمة شيء ، وزمن أدائه شيء آخر ، فافترقا .
والصحيح من
مذهب الشافعية أن الصلاة تجب في أول الوقت وجوباً موسعاً ، والذي يثبت في أول
الوقت هو وجوبها في الذمة ، لا كون الأداء واجباً في أول الوقت ، ولكن لو أداها في
أول الوقت فذلك صحيح ولا حرج فيه .
وقيل إن
القول المنسوب إلى الشافعية مأخوذ من قول الشافعي : ( رضوان الله أحب إلينا من
عفوه ) [23]
، لما ورد عن رسول الله r أنه قال : " الصلاة في أول الوقت رضوان ، وفي آخره عفو الله
" [24]
، وليس في هذا ما يدل على وجوب الأداء في أول الوقت ، وإنما هو أفضلية كما صرح
بذلك الإمام الغزالي [25]
، وتأخيرها عنه جائز .
قال إمام
الحرمين : ( فأما من زعم من أن الصلاة تجب بأول الوقت ، ولو أُخرت عنه لكانت قضاء
فهذا مذهب لا طائل وراءه ) [26]
.
وذهب فريق
آخر إلى أن الوجوب يتعلق بالجزء الذي يتصل به الأداء ، وإلا فآخر الوقت الذي يسع
الفعل ولا يفضل عنه ، وهذا القول منسوب إلى عامة الحنفية [27].
ووجه قولهم هذا : أن زمن الأداء موسع ويتعين
بفعل المكلف ، وقصدهم بهذا القول هو الخروج من الإشكالات الواردة على القولين
السابقين .
والجدير
بالملاحظة أنه لا حاجة لمثل هذا الخلاف ، وليس من ورائه فائدة ، إذ الجميع متفق
على أن الأداء قبل دخول أول الوقت لا يصح ، كما أن التأخير حتى يخرج الوقت سبب
للإثم إن لم يكن ثمة عذر شرعي ، وفيما يلي دراسة لبعض المسائل المتعلقة بهذا
المطلب :
المسألة الأولى : أثر الاختلاف في
تحديد وقت الوجوب :
الأساس الذي ترتب عليه اختلاف الحنفية
والشافعية في تحديد الجزء الذي يتعلق به الوجوب في الواجب الموسع يعود إلى التفريق
بين وجوب الأداء ، ونفس الوجوب ، إذ يرى الحنفية أن وجوب الأداء منفصل عن نفس
الوجوب خلافاً لمذهب الشافعي رحمه الله في العبادات البدنية [28].
وتظهر فائدة
ذلك في بعض الأمثلة التطبيقية منها :
المثال
الأول : إذا
حاضت المرأة في الوقت هل يلزمها قضاء ؟
ذهب الحنفية إلى أنها لا قضاء
عليها [29]
، لأن وجوب الأداء لم يوجد .
ومذهبهم هذا مبني على اعتبار أن الأداء في أول
الوقت ليس واجباً ، ولا إثم بالتأخير إلى جزء آخر من الوقت ، وإنما الوجوب متعلق
بآخر جزء منه ، ولما لم تكن المرأة فيه مكلفة بالصلاة ، بل هي منهية هنا بسبب
الحيض ، فهي بذلك غير آثمة بالتأخير إلى ما قبل طروء الحيض ، وغير مأذون لها
بالصلاة فيه ، فلم يكن هناك وجوبُ صلاةٍ عليها ، وما لم يجب لا يُقضى ، فلا قضاء
عليها .
وفي المقابل
: لو أنها طهرت من الحيض قبل آخر الوقت ، وأدركت جزءاً يمكنها فيه أداء الصلاة
فالواجب عليها أداء تلك الصلاة التي أدركت آخر وقتها طاهرة .
ولو أسلم
الكافر ، أو بلغ الصبي عند ذلك الجزء يلزمه أداء صلاة ذلك الوقت .
وإذا سافر عند ذلك الجزء من الوقت لزمته صلاة
مسافر ـ مع الأخذ بعين الاعتبار أن فرض المسافر في مذهب الحنفية ركعتان فقط إلا
المغرب فهي ثلاثة ـ
وكذا لو مات
في الوقت لقي الله ولا شيء عليه ، ولو ثبت الوجوب في أول الوقت لكانت الرخصة في
التأخير مقيدة بشرط ألا يفوته [30]
. والمنقول في الصلاة أنه لا يعصي بالتأخير على أصح الوجهين [31]
، وذلك لأنه مأذون له بالتأخير ، وهذا منقول عن الجمهور [32].
أما عند الإمام مالك : فإن
المرأة التي لم تُصلّ في الوقت وأصابها الحيض آخره لا قضاء عليها ، لأن الحيض
أصابها في وقت الأداء الذي للوجوب ، فنافى الوجوب ، فتصير بمثابة من أصابها الحيض
أول الوقت [33] .
وأما عند الشافعية : فإنه
يلزمها القضاء ، ويلزم المسافر أول الوقت الإتمام ، لأنهما أدركا الوقت [34]
.
وعند الحنابلة : عليها القضاء
في أصح الروايتين [35]
. قال ابن اللحام [36]
: ( أن تعتاد المرأة وجود الحيض في أثناء الوقت من يوم معيّن فإن الفرض يتضيق
عليها ) .
ووجه قول الذين قالوا بلزوم الصلاة : أن الصلاة
لزمت المرأة والمسافر بدخول الوقت ، ولم تكن المرأة في حيض ، ولا الرجل في سفر ،
فكان واجباً عليهم فعلها تامة ، وذمة كل منهما مشغولة بالواجب ، ولما طرأ ما يمنع
من الصلاة عند المرأة ، وما يجيز عدم إتمامها عند الرجل فإن الواجب عليهما هو فعل
الصلاة ـ وهو قضاؤها ـ على الحائض ، والإتمام في حق الرجل المسافر لأن ذمته شُغلت
بها تامة عند دخول الوقت .
المثال
الثاني
: إذا بلغ الصبي بعد أداء الصلاة :
إذا دخل وقت
الصلاة ، وأدى الصبي غير البالغ تلك الصلاة ، ثم بلغ بعد ذلك قبل خروج وقتها ، فهل
يلزمه إعادة الصلاة ؟
بحسب مذهب الحنفية
: عليه أعادة الصلاة ثانية ، لأنه أدرك زمن الوجوب وهو مكلف ، وما فعله قبل ذلك
نافلة ، إذ لم يكن من أهل التكليف ، فالمناسب لقاعدتهم أنه مكلف بالصلاة في زمن
الوجوب وهو آخر الوقت [37]
. قال الدبوسي : ( ومن حكمه : أن الصبي إذا بلغ لآخر الوقت بحيث لا يمكنه الأداء
فيه لزمه الفرض لما ذكرنا أن السبب جزء من الوقت وقد أدركه ، وبضيق الوقت عجز عن
الأداء والقدرة على الأداء ليس بشرط للوجوب ) [38]
.
وعند الشافعية : لا يلزمه
إعادتها ، لأن وقت الوجوب قد مضى ولم يكن واجباً عليه فعلها ، ولذلك لا يُلزم
بإعادتها .
المسألة الثانية :
صفة المؤدى أول الوقت :
اختلف
القائلون بأن الواجب يتعين بآخر جزء من الوقت في صفة المؤدى أول الوقت :
فمنهم من قال : إن ذلك نفل ، فإن جاء آخر الوقت وليس المصلي من أهل الوجوب :
فلا كلام في
أن ما فعله كان نفلاً ، وإن كان من أهل الوجوب : منع ذلك النفل الذي فعله من توجه
الفرض إليه في آخر الوقت [39]،
وهذا القول منقول عن أبي الحسن الكرخي [40]من
الحنفية .
وقد اعتبر السرخسي القول بأن المؤدى في أول
الوقت نفلٌ غلطاً بيّناً ، إذ ينبني عليه أن من صلى الجمعة في أول وقتها كان ذلك
نافلة ، والتنفل بالجمعة غير مشروع [41]
، وفي قول النبي r : " وإن أول وقت الظهر حين تزول الشمس " [42]
ما يُبطل ما قالوا ، لأن المراد وقت الأداء ووقت الوجوب .
فالقول بأن الوقت ليس وقت الوجوب ولا وقت الأداء
مخالف للنص .
ثم إن الأداء لا يصح إلا بالنية ، فالظهر اسم
للفرض خاصة ، ولو نوى الفرض صحت نيته ، ولو نوى النافلة لم تصح نيته في حق أداء
الفريضة ، ولو كان حكم المؤدى التوقف لاستوت النيتان ، ولتأدى بمطلق نية الصلاة [43].
وقد انعقد
الإجماع على وجوب الصلاة على من أدرك أو أسلم وسط الوقت أو في آخره [44]
.
المسألة الثالثة : حكم الواجب الموسع
نظراً لأن الوقت
الذي حُدد للأداء أكبر من الزمن اللازم له ، فإنه يمكن فعل أكثر من عبادة واحدة من
نفس الجنس ، ويترتب على ذلك أحكام منها :
1. وجوب
الفعل فيه لا يُنافي وجوب فعل آخر من جنسه ، كما لو نذر أن يصلي كذا في وقت الظهر
ـ مثلاً ـ فقد لزمه الوفاء بالنذر إضافة إلى فرض الظهر ، ولا تنافي بينها [45]
.
2. التعيين
لا يثبت بمجرد القول ـ النية ـ ، بل لا بد من الاشتغال بالأداء ، لأن له أن يؤخر
الأداء ، فلو نوى أن يصلي الآن لا يعتبر مصلياً إلا إذا باشر الفعل ، ولو نوى أن
يُكفّر عن يمينه بإطعام عشرة مساكين لا يكفي مجرد النية ، بل لا بد من إخراج
الطعام وتسليمه للمساكين [46]
.
3. ومنها
: أنه لا يصح أداء الواجب إلا بالنية ، لأن النية شرط ليصير الفعل مصروفاً إلى ما
هو واجب عليه ، لأنه قد يقع غير الواجب في الوقت ، كما لو صلى نافلة في وقت الصلاة
المفروضة صح ذلك ، فلا تتعين المفروضة إلا بالنية [47]
.
4. ومن
حكمه : أن التأخير عن الوقت يوجب الفوات ، لذهاب شروط الأداء[48]
، وبالتالي يستحق المؤخر من غير عذر شرعي الإثم .
الفرع الثاني : الواجب المضيق
وهو ما يكون
وقته المحدد لأدائه لا يسع غيره من جنسه ، كصوم رمضان ، فإن وقته لا يسع إلا
الصيام المفروض فيه .
فالوقت هنا مساوٍ للواجب لا يزيد عليه ولا ينقص
عنه ، ويسمى بالمعيار[49]
، وهو سببه أيضاً ، إذ دخول الشهر هو سبب الصيام ، فوقت الصوم المفروض ـ وهو رمضان
ـ ظرف للأداء ، ومعيار للمؤدى لأنه قُدِّرَ وعُرِف به . والإمساك عن المفطرات مقيد
من الصبح إلى الغروب مع النية {
وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ
الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ
} ( البقرة 187 )
،
ولا يمكن أن يصوم يومين في يوم واحد (نهار واحد) ، ولا أن يصوم يوماً وجزءاً من يوم
آخر في يوم واحد ، وكذلك لو خلا جزء من النهار من الصيام فإنه لا يعتبر آتياً
بالواجب .
وسُمي هذا الصنف من الأوقات بالمضيق : لأنه
ضُيّق على المكلف فيه حتى لا يجد سعة يؤخر فيها الفعل أو جزءاً منه ثم يتداركه ،
إذ كل من ترك شيئاً منه لا يمكنه تداركه إلا قضاء[50]
، وأصله من الضيق وهو خلاف التوسعة [51]
.
مسألة : حكم الواجب المضيق :
نظراً لعدم إمكانية أداء عبادة أخرى من جنس الأولى في الواجب المضيق ، لأن
الواجب يستغرق كل أجزاء الوقت المضروب ، فلا يمكن إيجاد فعل آخر من نفس الجنس في
ذلك الوقت ، ويترتب على ذلك أحكام منها :
1. يجب
إشغال الوقت كله بالواجب من لحظة بدايته إلى آخر جزء منه ، ولا يصح إخلاء بعضه من
الفعل ، وإن حدث ذلك فلا يعتبر الواجب متحصلاً ، ولا يوصف بالصحة . فمن أمسك في
الصيام بعد طلوع الفجر ، أو نقضه قبل خروج وقته أو أخل به في وسطه لا يُسمى صائماً
، فكان الوقت معياراً للصوم ، وإن كان في رمضان فهو سبب أيضاً مع كونه معياراً .
2. إذا
كان الوقت سبباً ومعياراً فلا لزوم للشروع بالفعل قبل وقته ، ولا يسمى التبكير به
أداءً ، ولا مشروعية له بعد انقضاء وقته ، فلا يسمى واجباً . فلا يعتبر الإمساك
قبل الفجر صياماً ، وكذا لا يسمى بعد دخول الليل صياماً .
3. ومنها
أن الفعل لما صار مستغرقاً الوقت كله فإن غيره منفي فيه [52]،
لأن الشارع لما أوجب شغل المعيار به فقد صار مما لا يتسع لغير ما هو مشغول به [53]
.
ومما ينبني
على ذلك : اشتراط النية في الصيام : فنظراً لأن الوقت لا يتسع لغير
الواجب ، فقد اختلفت الأقوال في حكم اشتراط النية في تعيين صفة الفعل :
فذهب الحنفية
إلى أنه لا تشترط نية التعيين ، فيقع الفعل عن الواجب سواء نوى الواجب أو غيره ،
ولو كان متعمداً [54] .
فلو نوى في رمضان غير رمضان فلا يقع إلا عن رمضان ، لأن تعيين الوقت في رمضان من الشارع
، خلافاً لغير رمضان ، لأن تعيين الصوم في غير رمضان كان بسبب من العبد [55].
قال الإمام زفر: ( لا
حاجة لتعيين النية أيضاً لأنه متعيّن بتعيين الله تعالى )[56]
، وبيّن الكاساني ما يمكن أن يكون مُستَنَداً لزفر فقال: ( النية إنما تشترط
للتعيين ، والحاجة إلى التعيين إنما تكون عند المزاحمة ، ولا مزاحمة لأن الوقت لا
يحتمل إلا صوماً واحداً في حق المقيم ، وهو صوم رمضان فلا حاجة إلى التعيين بالنية
) [57]
.
أما الجمهور
: فذهبوا إلى وجوب تعيين النية [58]،
إذ هي ركن الصوم ، والإمساك لا يكون إلا بالنية [59]
. قال الإمام الشافعي: ( لا يجزئ صوم رمضان إلا بنية ، كما لا تجزئ الصلاة إلا
بنية ) ، وقال ابن قدامة [60]:
( وبالجملة إنه لا يصح صوم إلا بنية إجماعاً ، فرضاً كان أو تطوعاً ، لأنه عبادة
محضة فافتقر إلى النية كالصلاة ) [61]
.
فكما تلغو نية أداء
الصوم في الليل لأنه غير مشروع فيه ، وكما تلغو نية أداء الفرض خارج رمضان ، فكذلك
أيضاً تلغو نية النفل في رمضان لعدم مشروعية النفل فيه .
والذي يترجح في النفس : أنه إذا أطلق النية في الصيام ، ولم يعيّن الفعل
لفريضة ، أو نافلة ، أو واجب آخر فإن فعله ينصرف إلى الفريضة ، لعدم ما يدل على
إرادة غيرها ، ولأن الوقت مقصود للشارع ، فلو نام المكلف ولم يستيقظ آخر الليل ـ
في رمضان ـ واستمر نائماً إلى ما بعد انتصاف النهار ، فإنه يُعدّ صائماً وإن لم
ينوِ الصيام فجر ذلك اليوم إذا كان واجباً عليه أن ينوي لكل يوم .
أما إذا نوى بصومه غير
الفريضة
: فالذي يترجح هو ما ذهب إليه الجمهور ، إذ العبادة عمل ، وإنما الأعمال بالنيات .
فما الموقف من مكلف يعلن صراحة أنه لا ينوي بفعله أداء الواجب ؟ أفنسقط عنه
الفريضة وهو لا ينويها ؟!
إن في هذا بعداً عن المنهج
الرباني القويم ، والطريق السليم ، وفيه تكلّفٌ لا لزوم له .
إننا نلمس بوضوح لماذا أيّد الكمال بن الهمام ـ
وهو من أعلام المذهب الحنفي ـ الجمهورَ في هذه المسألة فقال: ( الحق معهم لأن
التعيين شرعاً لفرض الصوم يقتضي عدم صحة ما نوى لا صحة ما لم ينوِ ، كيف وهو ينادي
أنا لم أُرد صوم الفرض والأعمال بالنيات؟ ) [62]
.
إن من يريد أن يتقرب إلى الله بنافلة عليه أن لا
يضيع من أجلها فريضة ، وعلينا أن نتذكر أن في صوم رمضان قصداً لثلاثة : "
المكلف بالصوم ، والإمساك : وهو الفعل ، والوقت " ، وفي ترك أي منها تضييع
لأمر الشارع وعصيان له .
الفرع الثالث : الواجب ذو الشبهين
وهو الذي لا
يتسع وقته لأداء غيره من جنسه ، ولا يستغرق الأداء الوقتَ كله ، وهذا القسم يتضح
في الحج [63]،
فوقته مشكل في الزيادة والمساواة ، وبيان
ذلك من وجهين [64] :
أ.
بالنسبة إلى سنة الحج : وذلك أن وقته يشبه الظرف من جهة أن أركانه لا
تستغرق جميع أجزاء الوقت كوقت الصلاة ، وبذلك فإن وقته من هذه الناحية موسع كوقت
الصلاة .
ثم إنه من
جهة أخرى لا يصح الحج في عام واحد إلا مرة واحدة ، وهو أشهر معلومات {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ
} ( البقرة 197، وهي شوال
وذو القعدة وعشر من ذي الحجة ، وبذلك يشبه الحجُ من هذه الناحية الواجبَ المضيقَ ،
فهو مضيق من جهة ، وموسع من جهة أخرى .
ب.
بالنسبة إلى سني العمر : وذلك لأن
وقت الحج هو العمر ، وهو فاضل عن الواجب ، حتى لو أتى المكلف بالحج في العام
الثاني كان أداءً بالاتفاق لوقوعه في الوقت . وإذا نظرنا إلى الحج من هذه الجهة
نرى أن وقته موسع ، إذ ليس منحصراً في العام الأول ، فكان كالوقت الموسع ، هذا
بحسب القائلين بأن الحج واجب على التراخي ، وبذلك يكون واجباً مطلقاً لم يقيد
أداؤه بزمن معين ، ولكن إذا أراد المكلف الإتيان به في سنة معينة فهو محدد بأشـهر
معينة .
ومـن هنا كان الحـج واجباً ذا شـبهين ، وعبّر
عنه بعض الأصوليين بأن وقته مشكل .
ومعنى كونه
مشكلاً ـ كما يرى فخر الإسلام البزدوي : أن وقته العمر ، وهل أشهر الحج من كل عام
صالح لأدائه ، أم أشهر الحج من العام الأول هي الوقت المتعين لأدائه ؟ [65]،
بمعنى أنه لا يُدرى أوقته متوسع في الحقيقة في حق كل من وجب عليه أم متضيق ؟ [66]
ومن المسائل
التي لها أهمية في هذا الفرع :
المسألة
الأولى : النية في الواجب ذي الشبهين :
لا خلاف أن
النية في الحج لازمة ، ولا يصح إلا بها ، يقول القرطبي : ( لا خلاف بين العلماء فيمن شهد مناسك الحج
وهو لا ينوي حجاً ولا عمرة ـ والقلم جار له وعليه ـ أن شهودها بغير نية ولا قصد
غير مغن عنه ، وأن النية تجب فرضاً لقوله تعالى : {وَأَتِمُّواْ
الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ } ( البقرة 196 )
،
ومن تمام العبادة حضور النية ) [67].
ونقل ابن العربي عن الإمام الشافعي قوله : ( ولو لبى رجل ولم ينو حجاً ولا عمرة لم
يكن حاجاً ولا معتمراً ) [68]
.
ونقل العيني اتفاق أبي
حنيفة ومالك وأحمد على أن من أحرم بالحج في غير أشهره لا ينعقد عمرة ، وذلك أنه لم
ينوها [69]
.
والواجب ذو
الشبهين يصح أداؤه بنية مطلقة كالواجب المطلق ، فإن نوى الحج الواجب عليه فإن الحج
ينصرف إلى الواجب عليه ، إذ إن الإنسان في العادة لا يتحمل المشقة العظيمة ثم
يشتغل بأداء حجة أخرى غير حجة الإسلام ، ودلالة العرف يحصل التعيين بها إذا لم
يصرح بغيرها [70].
ولئن كان
الحنفية قد ذهبوا إلى هذا إلا أن الإمام الشافعي [71]
وأحمد [72]
ذهبا إلى ما هو أبعد منه ، إذ إنهم يرون أن من نوى التطوع ولم يكن أدى فريضة الحج
فإنه يقع عن الفريضة ، وهو قول ابن عمر وعطاء [73]،
لأن النفل والنذر أضعف من حجة الإسلام فلا يجوز تقديمه عليها[74]
.
فلو أحرم شخص بحجِ تطوعٍ ثم نذر حجاً قبل الوقوف
انصرف الحج إلى النذر لتقدم الفرض على النفل [75]،
وذهب أبو حنيفة [76] ،
ومالك [77]
، والثوري وابن المنذر [78]
إلى أنه يقع عما نواه ، وهو رواية أخرى عن أحمد [79].
فعندهم لا يتأدى الفرض بنية النفل ، لأن الفرض لا ينفي حجاً آخر ، كالصلاة إذ لا
ينفي كونها فرضاً لزوم أية صلاة واجبة أخرى .
وهذا الذي ذهبوا إليه إنما هو مستند إلى أن وقت
الحج موسع ، ويفضل عن أدائه ، فصار كوقت الصلاة لا بد فيه من النية .
أما الشافعية
ومن كان معهم : فقد ذهبوا إلى أن نية النفل قبل أداء الفريضة لاغية ، لأنها نوع
سفه ، إذ الحج فرض العمر ، ولا يتأدى إلا بمشقة وقطع مسافة ، ولا يجب في العمر إلا
مرة واحدة ، فنية النفل قبل أداء الفرض سفه ، والسفيه محجور عليه .
ثم : إن إلغاء نية النفل لا يعدم نيته الحج ،
فقد يتأدى الحج من غير عزيمة ، كالمغمى عليه : يُحْرِمُ عنه أصحابُه ، والرجل يحرم
عن أبويه ، وقد يحج الرجل عن غيره ، ويُحْرِمُ عنه مع عدم وجود العزيمة .
فالصفة تنفصل عن الأصل في هذه العبادة ،
وبانعدام صفة الصحة لا ينعدم أصل الإحرام ، بمعنى أنه لو تغيرت النية لكن الحج
يبقى موجوداً .
وقد ذهب
الإمام الشافعي إلى أن من نوى أن يحج عن غيره ولم يكن حج حجة الإسلام أن ذلك لا
يصح منه ، ولو فعل وقع إحرامه عن حجة الإسلام [80]
.
وذكر الإمام النووي في
المجموع أن من كان عليه حجة واجبة بنذر فإنه لا يصح منه حجٌ عن غيره إلا بعد أن
يؤدي الحجة الواجبة عليه ، فإن أحرم عن غيره وقع إحرامه عن نفسه لا عن غيره ، وقال
النووي : ( وهذا مذهب الشافعية بلا خلاف ) [81]
.
وحجة
الشافعية في مذهبهم هذا : ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال : سمع رسول الله r رجلاً يقول : لبيك عن شُبرُمة .فقال : " أحججت عن نفسك
" ؟ قال : لا . قال : " فحج عن نفسك ثم حج عن شبرمة " [82]
.
وذهب الحسن
البصري ، وإبراهيم النخعي ، وعطاء ، وأيوب السختياني ، وأبو حنيفة [83]،
ومالك [84]
، إلى جواز أن يحج عن غيره من لم يحج عن نفسه ، وحُكي مثله عن أحمد [85]
.
المسألة
الثانية : لقد خالف كل من الحنفية
والشافعية منهجهم في النية
في الصيام ، فما تعليل ذلك ؟
وللإجابة
عنه يمكن القول :
أما
الشافعية : فهم يرون أن الصفة
في الصوم لا تنفصل عن الأصل ، إذ بانعدام صفة الصحة ينعدم أصل الصوم ، فإذا تغيرت
النية تغير معها أصل الصحة عن الفريضة [86]،
والنية عندهم ركن الصوم [87]
، فإذا لم تتحقق في صوم الفرض فلا وقوع له ، ونظراً لأنه لا صيام فرض إلا في رمضان
لذلك تشترط لصحته النية الجازمة الخالصة .
أما الحج :
فإن الصفة تنفصل عن أصل العبادة ـ كما سبق بيانه ـ ، فيبقى الحج موجوداً ولو تغيرت
النية ، فافترقا .
وأما
الحنفية
: فهم يرون أن شهر رمضان متعين للصوم بتعيين الله تعالى ، والفعل مراد فيه ، وإذا
نوى المكلف فيه غير الفرض : فإن في ذلك مخالفةً لما عيّنه الشارع الحكيم ، فيقدم
ما عيّنه الله على ما عيّنه المكلف ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الصيام يتكرر
بتكرر الشهر .
ومن جانب آخر فإن صوم الفريضة متضيق من كل
الوجوه ، بينما الحج فريضة العمر ، وهو يتأدى مرة واحدة ، ولا تتعيّن السنة الأولى
من الاستطاعة لإيقاعه ، إلا إذا قلنا بوجوبه على الفور ، وهو محل خلاف .
فالوقت في رمضان محل أداء الفرض ، ودخول الشهر
هو سببه ، واليوم معياره ، وأما الحج فهو ظرف للأداء ، ولا يقع إلا في أشهره ،
ولكن ليس دخول وقته هو سبب وجوبه ، وإنما سببه البيت ، وهو واحد لا يتجدد [88]
، ولذلك لا يتكرر الحج بتكرر السنين كما تكرر العبادات من صلاة وزكاة وصيام ،
وتكرر الكفارات والعقوبات وغيرها [89].
وثمة فرق بين صيام رمضان والحج : هو أن رمضان
متعيّن لصيام الفريضة قطعاً ، ووقته مضيق ، ولا خلاف في ذلك ، واشتراط النية لصحة
الصوم فيه تكلّف لا لزوم له ، لأن الوقت مخصص لصيام الفرض ، فيلغو كل قصد آخر غير
الفرض .
أما الحج :
فليست السنة الأولى للاستطاعة متعيّنة لوجوب أداء الفريضة قطعاً ، بل هو أمر
مختَلَفٌ فيه ، والوقت فيه شبه بالموسع ، وليس مضيقاً من كل الوجوه ، وهو قابل
لأداء الفرض والنفل ، فأنت ترى أن رجالاً ونساءً يؤدون فريضة الحج ، ومعهم فئة
أخرى يحجون متنفلين ، ولا خلاف في هذا أبداً ، بينما لا يعقل أن تجد في رمضان من
هو صائم نافلة ، بل إن كل مكلف بالصيام ينبغي عليه أن يصوم الفريضة في رمضان ،
وبذلك يختلف الشأن في صيام رمضان عنه في الحج ،
فلا بد من تعيين النية في الحج ليصير المؤدى عن الفرض لا عن غيره .
وقد أجاز
الحنفية للصبي إذا بلغ قبل الوقوف بعرفة وجدد الإحرام ونوى حجة الإسلام فقد صحّ
ذلك منه ، مع أنه لم تنعقد نيته قبل ذلك عن الفريضة [90]
.
[1] ) كما لو جمع بين
الصلاتين جمع تقديم بسبب السفر أو المطر 0
[2] ) السرخسي ، أصول السرخسي ن 1 / 30 ، النسفي ، كشف
الأسرار 1 / 115 0
[3] ) الدبوسي ، تقويم الأدلة ، / 68 0
[4] ) السبب الحقيقي للصيام هو الخطاب الشرعي { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ
} ( البقرة185 ) ، ولكن
جُعل للصوم سبب ظاهر يعرف به وجوبه أو انتهاؤه وهو دخول الشهر ، وعلامة دخوله
الهلال 0
[5] ) من الكفارات التي ورد فيها صوم : كفارة الظهار ، اليمين
المنعقدة ، والقتل الخطأ ، وإفساد صوم رمضان بالجماع
[6] ) البزدوي ، أصول البزدوي 1 / 507 0
[7] ) الشيرازي ، المهذب في فقه الإمام الشافعي1 / 185
0
[8] ) السرخسي ، المحرر 1 / 21 0
[9] ) الأنصاري ، فواتح الرحموت 1 / 69 0
[10] ) الشاشي ، أصول الشاشي / 135 ، السرخسي ، المحرر 1
/ 21 0
[11] ) الدبوسي ، تأسيس النظر / 60 ، الباجي ، إحكام الفصول / 106 ، الإسمندي ، بذل النظر / 104 ، النسفي ، كشف الأسرار على المنار 1
/ 118 – 119 0
[12] ) السرخسي ، أصول السرخسي 1 / 32 ، البزدوي ، أصول البزدوي 1/ 459 ، أمير باد شاه ، تيسير التحرير 2
/ 191 0
[13] ) الشيرازي ، التبصرة في أصول الفقه /61 ، الأرموي ، التحصيل من المحصول 1 / 305 ، الباجي ، إحكام الفصول / 107 0
[14] ) الدبوسي ، تقويم الأدلة / 68 0
[15] ) الرازي ، المحصول 2 / 174 ، البخاري ، كشف الأسرار1 / 459
، الإسنوي ، نهاية السول 1 / 63 0
[16] ) السرخسي ، أصول السرخسي 1 / 32 0
[17] ) الدبوسي ، تقويم الأدلة ،/ 69 0
[18] ) الزركشي ، البحر المحيط 1 / 213 0
[19] ) ابن السبكي ، الإبهاج في شرح المنهاج 1 / 96 0
[20] ) المرجع نفسه 1 / 96 0
[21] ) المرجع نفسه 1 /
96
[22] ) الإسنوي ، نهاية السول 1 / 171 0
[23] ) الغزالي ، الوسيط في المذهب 2 / 22 0
[24] ) الترمذي ، سنن الترمذي ـ كتاب الصلاة ـ باب الوقت الأول
1 / 321 0
[25] ) الغزالي ، الوسيط في المذهب 2 / 22 0
[26] ) إمام الحرمين ، التلخيص في أصول الفقه 1 / 354 0
[27] ) ابن الهمام ، تيسير التحرير 2 / 189 ، التفتازاني ، التلويح على التوضيح
1 / 207 ، ابن السبكي ، جمع الجوامع / الضياء اللامع 1 / 331 ، السرخسي ، المحرر في أصول الفقه 1 / 22 0
[28] ) البخاري ،، كشف الأسرار 1 / 461 0
[29] ) الجصاص ، أحكام القرآن 1 / 218 ، الدبوسي ، تأسيس
النظر / 61 0
[30] ) السرخسي ، أصول السرخسي 1 / 31 ، والنسفي ، كشف الأسرار 1 / 118 0
[31] ) الزليطي ، الضياء اللامع 1 / 338 0
[32] ) آل تيمية ، المسودة / 36 ، السبكي ، الإبهاج في شرح
المنهاج 1 / 99 ، الطوفي ، مختصر
الروضة 1 / 322 0
[33] ) الزليطي ، الضياء اللامع1 / 339 0
[34] ) الزنجاني ، تخريج الفروع على الأصول / 93 0
[35] ) ابن اللحام ، القواعد والفوائد الأصولية / 72 0
[36] ) المرجع نفسه / 83 0
[37] ) الشريف التلمساني ، مفتاح الوصول / 389 0
[38] ) الدبوسي ، تقويم الأدلة / 70 0
[39] ) الشيرازي ، اللمع / 57 ، الفراء ، العدة في أصول
الفقه 1 / 310 ، الزركشي ، البحر المحيط 1 / 215 ، الطوفي ، شرح
مختصر الروضة 1 / 313 ، ابن اللحام ، القواعد والفوائد الأصولية / 71 ،
البخاري ، كشف الأسرار1 / 459 0
[40] ) السرخسي ، أصول السرخسي
1 / 32 ، الرازي ، المحصول 2
/ 174 ، البيضاوي ، المنهاج / معراج المنهاج 1 / 85 0
[41] ) السرخسي ، أصول السرخسي 1 / 32 0
[42] ) رواه مسلم ، صحيح مسلم ، كتاب الصلاة ـ باب أوقات
الصلوات الخمس / صحيح مسلم بشرح النووي
5 /112 0
[43] ) السرخسي ، أصول السرخسي 1 / 32 ، البخاري ، كشف الأسرار 1 / 460 0
[44] ) الإسمندي ، بذل النظر في الأصول / 107 ، البخاري ، كشف الأسرار 1 / 460 0
[45] ) الدبوسي ، تقويم الأدلة / 69 ، الشاشي ، أصول الشاشي / 135 ، البزدوي ، أصول البزدوي 1 / 746 ، التفتازاني ، التلويح 1 / 207 0
[46] ) السرخسي ، أصول السرخسي 1 / 35 0
[47] ) الشاشي ، أصول الشاشي / 135 ، ابن عبد السلام ، قواعد
الأحكام 1 / 177 فما بعدها 0
[48] ) النسفي ، كشف الأسرار 1 / 123 0
[49] ) ابن السمعاني ، قواطع الأدلة / 144 ، ابن الحاجب ، منتهى الوصول والأمل
/ 25 ، ابن السبكي ، الإبهاج في شرح المنهاج 1 / 60 ، الآمدي ، الإحكام في
أصول الأحكام 1 / 149 ، ابن أمير
الحاج ، فواتح الرحموت 1 / 73 ،
صدر الشريعة ، التنقيح / التلويح 1 / 202 0
[50] ) الطوفي ، شرح مختصر الروضة 1 / 312 0
[51] ) ابن منظور ، لسان العرب 10 / 209 ،
البعلبكي ، المصباح المنير 1 / 367 0
[52] ) النسفي ، المنار 1 / 123 ، البزدوي ، أًصول البزدوي
1 / 477 0
[53] ) الأنصاري ، فواتح الرحموت 1 / 69 0
[54] ) الدبوسي ، تقويم
الأدلة / 72 ، النسفي ، المنار ، وكشف الأسرار 1 / 123 ـ 124 ،
الأنصاري ، فواتح الرحموت 1 / 71 0
[55] ) الأنصاري ، فواتح الرحموت 1 / 71 0
[56] ) المرغيناني ، الهداية شرح بداية المبتدئ 1 / 129 ،
النسفي ، المنار 1 / 124 ، النووي ، المجموع شرح المهذب 6 / 336 ، ابن حزم ، المحلى بالآثار 6 / 161 ، ابن رشد ، بداية
المجتهد 1 / 300 0
[57] ) الكاساني ، بدائع الصنائع 2 / 83 0
[58] ) النووي ، روضة الطالبين 2 / 238 ، ابن قدامة ، المغني
3 / 19 0
[59] ) السرخسي ، أصول السرخسي 1 / 209 0
[60] ) ابن قدامة ، المغني 2 / 18 0
[61] ) الشافعي ، الأم 2 / 104 ، الماوردي ، الحاوي الكبير 3 /
247 0
[62] ) ابن الهمام ،
التحرير 2 / 209 0
[63] ) الخبازي ، المغني في أصول الفقه ، / 51 ، النسفي ، المنار
1 / 132 0
[64] ) صدر الشريعة ، التنقيح / التلويح 1 / 212 ، البخاري ، كشف الأسرار 1 / 508
0
[65] ) البزدوي ، أصول البزدوي 1 / 508 ـ 509 0
[66] ) البخاري ، كشف الأسرار1 / 509 0
[67] ) القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن 2 / 369 0
[68] ) ابن العربي ، أحكام القرآن 2 / 369 0
[69] ) العيني ، عمدة القارئ شرح الجامع الصحيح 1 / 33 0
[70] ) الدبوسي ، تقويم الأدلة / 71 ، أمير باد شاه ، تيسير التحرير 2 /
211 0
[71] النووي ، المجموع 7 / 118 0
[72] ابن قدامة ، المغني 3 / 198 ، ابن رجب الحنبلي ، القواعد في الفقه الإسلامي / 13 ،
[73] ) النووي ، المجموع
7 / 118 0
[74] ) الشيرازي ، المهذب
2 / 676 0
[75] ) ابن حجر الهيثمي ، الفتاوى الكبرى الفقهية
2 / 96 0
[76] ) السمرقندي ، تحفة الفقهاء 1 / 429 ، النسفي ، كشف
الأسرار 1 / 135 0
[77] ) المغربي ، مواهب الجليل 3 / 253 ، النووي ، المجموع
7 / 119 ، ابن قدامة ، المغني 3 / 199 0
[78] ) المرجع نفسه 3 /
199 0
[79] ) المرجع نفسه 3 /
199 0
[80] ) الشيرازي ، المهذب
/ 676 ، الغزالي ، الوسيط في المذهب 2 / 588 ، ابن شداد ، دلائل
الأحكام 2 / 12 ،
[81] ) النووي ، المجموع 7 / 118 0
[82] ) رواه أبو داود ، سنن أبي داود ـ كتاب الحج 2 / 403 حديث رقم 1811 ، وابن ماجة في السنن
، كتاب الحج 4 / 336
[83] ) السمرقندي ، تحفة الفقهاء 1 / 429 0
[84] ) مالك بن أنس ، المدونة الكبرى 1 / 491 ، ابن قدامة ، المغني
3 / 198 ،
[85] ) المرجع نفسه 3 /
198 0
[88] ) النسفي ، كشف الأسرار 1 / 478 0
[89] ) أما الصلاة فسببها دخول الوقت ، والوقت يتجدد كل يوم ، وبتجدد
الأسباب تتجدد الصلاة 0
أما الصيام : فسببه دخول الشهر ، والهلال
علامة ذلك ، ويتجدد الشهر بتجدد السنين ، فيتكرر الأمر بالصيام تبعاً لذلك 0
وأما الزكاة فسببها الغنى ، وملك النصاب
علامة ذلك ، وحولان الحول شرط الوجوب ، ونظراً لتجدد الحول مع تحقق الغنى المتمثل
في ملك النصاب ، وانتفاء الموانع فقد وجب الزكاة كلما اكتملت شروط وجوبها 0
وأما الكفارات : فلها أسبابها
الخاصة ، وإذا وجد سببها فقد وجبت ، إذ هي مرتبطة بها وجوداً وعدماً ، فإذا حلف
وحنث بيمينه فقد وجبت عليه كفارة ، وإن حلف يميناً أخرى في أمر آخر وحنث فقد وجبت
كفارة أخرى لاختلاف أسبابها ، وهكذا 0
وأما العقوبات : فلكل
عقوبة سببها الخاص ، وإذا وجد السبب فيترتب عليه وجود حكمه وهو العقوبة ، فمن شرب
خمراً فقد وجب جلده ، فإن عاد فإنه يجلد ، وإن عاد فإنه يجلد ،،،،،،، 0
[90] ) المرغيناني ، الهداية 1 / 136 ،
Post a Comment