المذاهب الفكرية المعاصرة،
قبل الخوض في دراسة المذاهب الفكرية والاتجاهات المضطربة لابد من معرفة المقصود بالمذاهب، وسبب تسميتها بهذا الاسم ولماذا نسبت إلى الفكر؟ كما سنفصله فيما يلي:
معنى المذهب:
المذَاهب جمع مذهب وهو: ما يَذْهَبُ إليه الشّخصُ ويعتقده صوابًا، ويدين به سواء أكان ما يذهب إليه صوابًا في نفس الأمر، أو كان خطأ، ومعنى هذا أنّ المذاهب تَخْتَلف باختلاف مَصادِرهَا، وباختلاف مفاهيم الناس لها؛ من دينية وغير دينية، وما يتبع ذلك من اختلاف في فنونها: من فقهية، أو لغوية، أو رياضية، أو علوم عقلية، تجريبية، أو فلسفات أو غير ذلك.
ويجب مَعرفِةُ أنه لا يخلُو إنسانٌ أو مجتمع من مذهب يسير بموجبه مهما اختلفت الحضارة، أو العقلية للشخص أو المجتمع. تمشيًا مع سنة الحياة، ومع ما جُبِل عليه الإنسان، الذي مَيّزه اللهُ عن بقية الحيوانات بالعقل والتفكير، وحُبّ التنظيم والسيطرة على ما حوله، وابتكار المناهج التي يسير عليها إلى آخر الغرائز التي امتاز بها الإنسان العاقل المفكر عن غيره من سكان هذه المعمورة.
وقيل لها مذاهب فكرية:
نسبة إلى الفكر الذي تميز به الإنسان، عن بقية المخلوقات التي تشاركه الوجود في الأرض، ويُعرفه بعضهم بأنه صنعة العقل الإنساني، ومسرح نشاطه الذهني، وعطاؤه الفكري، فيما يعرض له من قضايا الوجود والحياة؛ سواء أكان صوابًا أو خطأ.

وقد نسبت المذاهب إلى الفكر؛ لأنها جاءت من ذلك المصدر، وهو الفكر، أي: أنها لم تستند في وجودها على الوحي الإلهي أصلًا أو استعانت به، وبما توصل إليه الفكر من نتائج جاءته، إما عن طريق الوحي أو التجارب، أو أقوال من سبق أو أفعالهم، وقد تكون تلك النتائج صحيحة وقد تكون خاطئة في نفس الأمر.
وأما بالنسبة لاستنادها إلى الوحي: فقد لا يكون ذلك، بل ربما كانت تلك الأفكار محاربة له؛ فتُنسب إلى مُؤَسّسيها؛ فيقال: الفكر الماركسي، أو الفكر الفلسفي أو الفكر اليوناني، أو الفكر الصوفي أو غير ذلك من الأفكار التي تنسب إما لشخصيات مؤسسيها أو لبلدانهم، أو لاتجاهاتهم وغير ذلك.
ومن هنا يتضح أنه: إذا أُطلق لَفظ الفكر؛ فإن المراد به هو ما يصدر عن العقل من شتى المفاهيم والمبتكرات الدينية أو الدنيوية.
ومن هنا سميت مذاهب فكرية؛ نسبة إلى المذاهب الذي تنسب إليه كل طائفة ونسبة كذلك إلى أفكارها التي تعتنقها؛ مبتكرة لها أو مقلدة، وقد انتشرت في العالم أفكار عديدة باطلة.
 
ع1:
التعريف بمصطلح "المذاهب الفكرية"
ج2: المذاهب الفلسفية الإلحادية الروحية وتطبيقاتها المعاصرة، لفوز بنت عبد اللطيف كردي.
هي مذاهب فكرية فلسفية إلحادية روحية، تعتمد على مزيج من مفاهيم الديانات الشرقية والوثنيات والفلسفات الملحدة، وتدعو لكثير من طقوس الأديان الشرقية ووثنيات الهنود الحمر في قوالب عصرية، وصورة تطبيقات حياتية أو رياضية وصحية.
 وهي فلسفية لكونها تعتمد فلسفة شاملة للكون والحياة، وتفسيرًا لماوراء الطبيعة "العالم الغيبي"، ومنهجًا شاملًا للحياة بناءً على نظرتهم للحياة وغايتها، ولعقيدتهم في الوجود والخالق، وتحديدهم للعلاقة بين الكون والخالق فتقدم لمعتنقيها إجابات فلسفية على الأسئلة الفطرية، من أنا؟ ولماذا خلقت؟ وإلى أين المصير؟ تلك الأسئلة التي جوابها الصحيح لا يكون إلا عند من خلق وأحيا، وبيده الممات وإليه المصير، ومن رحمته بيّن هذه الإجابات ووضحها بالرسالات، أما منكري النبوات فإنهم على امتداد العصور يتخبطون بحثًا عن الإجابة بعقول محدودة.
وهي إلحادية؛ لأنها لاتؤمن بالإله حسب عقيدة الألوهية "الإله الحق"، -وإن كانت تؤمن بطواغيت كثيرة- أبرزها الكلي الواحد، الذي يُفسر بالإله وأحيانًا بالله -تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا- عند بعض المترجمين والشارحين للفلسفة من أصحاب الديانات السماوية، ومنهم الفلاسفة المسلمين إلا أن هذا الإثبات لا يخرجهم ولا فلسفتهم من دائرة الإلحاد؛ إذ ليس الإلحاد إنكار وجود الله فقط -كما هو معلوم-، وإنما يتعدى ذلك لإنكار وجوده الحقيقي أو إنكار صفاته العلية أو بعضها، ويمكن من وجه آخر وصفها بالشرك، فهي تتضمن القول بإلهين والقول بآلهة بمنهج وفلسفة خاصة كما سيظهر عند شرح أبرز معتقداتهم.
أما معنى كونها روحية أي: أنها تهتم بالروحانيات1 (spirtituality)، فقد سعت إلى دعم الدعوات الروحية الحديثة التي ظهرت كرد فعل لطغيان الفكر المادي، وتفسيره للحياة والتاريخ2 ورفضه لكل ما وراء المادة والطبيعة، كما سعت إلى إحياء روحانيات وثنيات قبائل الهنود الحمر، وقبائل جزر هواي، والشامان في سيبيريا وأستراليا وغيرها، التي لا يعدو الغيب عندها الإيمان بوجود أرواح خير وأرواح شر، ولابد من معرفة طرق استجلاب الأولى وطرد الأخرى بطقوس سحرية، ورقصات دينية، وترانيم وثنية كثيرة.
وإن كانت هذه المذاهب يمكن أن توصف من زاوية أخرى بأنها مذاهب مادية؛ لأنها تفسر الأمور الغيبية: الملائكة والجن والجنة والنار... بتفسيرات مادية أو عقلية؛ فالملائكة والشياطين تفسر
1- ليس المقصود بالروحانيات ما قد يفهمه المسلم لأول وهلة من لذة المناجاة، وحلاوة الإيمان، والخشوع بين يدي الله، والفرح والأنس بالله ونحو ذلك، فهذه روحانيات الديانات السماوية وأعظمها ما يجده المسلم العارف بربه -سبحانه وتعالى-، وإنما المقصود بالروحانيات عند الفلاسفة ومنكري النبوات: مخاطبة أرواح الأسلاف واستمداد طاقة أرواح الكواكب والأفلاك، وطاقة الأشكال الهندسية والتأثيرات الروحية للتماثيل، وما يتبع ذلك من مزاعم استحضار الأرواح، والقدرة على مخاطبتها والوصول إلى خصائصها بإظهار قدرات خارقة، كتلك التي تظهر على اليوجي والفقير الهندي: الناسك الهندي، الذي يستطيع السير عاريًا على نهر متجمد، ويمشي على النار والزجاج المدبب دون أن يتألم. وما هي في حقيقتها روحانيات، وإنما هي فتنة من الله وإمداد للمشركين في غيهم، وقد تكون نتيجة للاستعانة بالشياطين عن طريق السحر والطلسمات وغيرها مما لا يرضي الله، أو تكون إعانات من الجن والشياطين وإن لم يطلبوها، وينتبه كذلك أن بعض هذه الممارسات التي تظهر خارقة للعادة لها تفسيرات علمية دقيقة لا يعرفها كثير من الناس، فهي تعتمد بعض القوانين الفيزيائية والخصائص الكيميائية، التي تستغل في ادعاء حصول قوة خارقة وقدرات غير طبيعية، انظر "فصول في أديان الهند" ص والموسوعة الميسرة" (2/ 847).
2- هذه الدعوات منها ماكان منطلقه إثبات الجانب الروحي في الإنسان، وضرورة الاهتمام به لما تفشى من إنكار أو إغفال للجانب الروحي من قبل رواد الفكر المادي، وبعض مدارس علم النفس السلوكية، ومنها ما تعدى ذلك إلى إحياء وثنيات التعامل مع الأرواح، واستمداد طاقة أرواح الأسلاف، وطاقة أرواح الكواكب والأفلاك وغير ذلك، انظر "الموسوعة الميسرة للأديان" (2/ 846).
بقوى النفس الكامنة، والجنة والنار -برأيهم- رمز لجزاء يقع في الدنيا بالكارما والتناسخ، والإله -لمن يؤمنون به منهم- تصور ذهني، أو قوة كونية أو طاقة أثيرية، أو فكرة عقلية موجودة في مادة (عقل الإنسان)، وليس له وجود مستقل على الحقيقة. 
وهذه المذاهب حديثة من وجه قديمة من وجوه، فهي قديمة مستقاة من الوثنيات التي ظهرت على امتداد التاريخ في شتى بقاع الأرض، كما تستقي من المذاهب الفلسفية والإلحادية القديمة والحديثة.
حديثة من حيث تطبيقاتها المتنوعة في عصرنا الحديث، كما وأنها حديثة في طرائق عرضها حيث دخلت على شكل استطبابات، ودورات مهارات الحياة تحت شعارات برّاقة أبرزها: الصحة والسعادة والنجاح والإيجابية والتغيير، وإبراز القدرات الخلاقة.
ومن هنا فلم تكن مظلتها المعاصرة فلسفية بحتة، حتى لا تكون خاصة بمجالس العلماء ومناظراتهم أو طبقة المثقفين، كما لم تُظهر طابعها العقائدي؛ لئلا يتصدى لها حماة الدين من الدعاة وطلبة العلم الشرعي، بل لقد أخفت علاقتها بالدين تمامًا لاسيما وأنها حملت شعارات تفعيل الطاقات، وتنمية القدرة على التواصل التي يحتاجها كثيرًا العاملين في مجال الدعوة، ومن هنا فقد تدرب عليها نخبة من أبناء الأمة ممن ظاهرهم الصلاح -والله حسيبهم- على حين غفلة منهم، ثم أصبحوا هم الذين يساهمون في نشر تطبيقاتها، ودوراتها بعد أن دللوا على بعض ما يكون فيها من حق بآيات وأحاديث اشتبهت دلالاتها (ظنًّا منهم أنهم بهذا الصنيع أسلموها)، فاشتد التلبيس أكثر على من بعدهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقد ساعد في انتشارها أنها اتخذت لها مظلة من الدعوات التي ينادي بها العالم المتحضر، وتعد من سمات الحضارة المادية ومتطلبات الحياة العصرية مثل: الاستشفاء البديل، الطب البديل أو التكاملي2، التناغم مع الطبيعة، اكتشاف الطاقة والقدرات البشرية الكامنة، الاسترخاء، الإيجابية، التغيير، التسامح....
وما حقيقة هذه التطبيقات إلا ممارسة عملية لأصول هذا الفكر، المستمد من معتقدات أديان الشرق في الهند والصين والتبت من الهندوسية والجينية والبوذية والطاوية والشنتوية، أو وثنيات الشامانية والدرودية والهونا والويكا3 وغيرها، مما يعتمد كله على فلسفة "طاقة قوة الحياة"، التي هي الوجه الحديث لعقيدة "وحدة الوجود"، كما سيتضح فيما يلي.
1- الكارما: كلمة سنسكريتية معناها العمل، ويعتبر قانون الكارما هو قانون الجزاء في الأديان الشرقية، الذي يقرر إن كان الإنسان صالحًا في واحدة من دورات حياته الحلولية، فإنه سيلقى جزاءً ذلك في الدورة الثانية، وإذا كان طالحًا فإنه سيلقى جزاءه في الدورة الثانية، فالكارما هي أساس التناسخ، انظر "منوسمرتي" ص679، و"أديان الهند الكبرى" ص61، و"فصول في أديان الهند"، و"البوذية" ص182. والتناسخ هو علم على النحلة الهندية، ويعني رجوع الروح بعد خروجها إلى العالم الأرضي في جسم آخر فتسمى: تجوال الروح، تكرار المولد العودة للتجسد، وهذا التناسخ محكوم بالكارما، فنتيجة العمل الصالح تناسخ في أجساد منعمة وحياة رغيدة، ونتيجة العمل السيئ تناسخ في أجساد حقيرة أو معذبة، انظر تحقيق ماللهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة ص، و"أديان الهند الكبرى" ص63، و"فصول في أديان الهند" ص، البوذية ص219.
2- تحت هذه المصلحات اختلط الحابل بالنابل، فيذكرون الاستشفاء بالأعشاب والحميات الغذائية مما هو مجاله العقل والتجريب غالبًا، مع الاستشفاء بالقرآن والرقى الشرعية مما هو حق ثابت، إلى جانب الاستشفاء بخواص أسماء الله وصفاته بطريقة بدعية، مع الاستشفاء بالأحجار والألوان ورياضات البوذيين والهندوس وفلسفات الطاويين وغيرها، مما هو باطل أو شرك مما يتطلب تصدي أهل الاختصاص في الطب مع أهل الاختصاص في العقائد؛ لتمييز الحق من الصواب، والاستشفاء من الشرك.
3- هذه المصطلحات تدل على مجموهة من الأديان الوثنية التي يتبنى الدعوة لها طائفة الوثنيون الجدد وطائفة "النيواييج" العصر الجديد، الذين لا يجدون غضاضة من ممارستها مع التمسك بمعتقد آخر كالمسيحية واليهودية، أو الأديان الهلامية الشرقية كالبوذية والطاوية وغيرها، وهي مجموعة من المعتقدات المتباينة التي تشترك في عقيدة وحدة الوجود.
ع2


Post a Comment

أحدث أقدم