معرفة أصل الحياة
أمل بعيد المنال
إن محاولة الوصول إلى
أصل الحياة بعيدا عن الله طريق مسدود ، يتوه الإنسان فى دروبه الملتوية ، دون أن
يصل إلا إلى سراب. وأحذر من الدروانية الجديدة
التى أَطَلَتْ رأسها فى ثوب براق خادع مادته علم حياة الجزيئات (Molecular Biology) . فقد أعلن الماديون شعار التسلسل الجينى، كما
أعلن إمامهم السيد دارون من قبل فكرة التسلسل الشكلي والتطور بالتدرج والبقاء
للأصلح . وها هم ألقوا الفرض الذي يحتاج إلى تمحيص دقيق ومؤداه: ( بوسع الباحثين إعادة بناء الماضي التطوري لأنواع الحياة ، من خلال
تقييم تباعد تسلسل الجينات أو البروتينات التي تم عزلها من تلك الكائنات). عودة ثانية إلى الفكرة السخيفة عن العلاقة بين القرد والإنسان. فمن قبل اتخذوا
من التشابه بين جمجمة القرد والإنسان دليلا على تطور مزعوم ، وللأسف اليوم يتخذون
من التقارب بين جينات الإنسان وجينات الرئيسات العليا دليلا على تحدر الإنسان من
سلالة الرئيسات. وهكذا يجرون الآيسين من رحمة الله وراءهم من الآن ، ولمدة قد تماثل المدة التي خدع بها دارون أتباعه – قرابة 150 سنة –
ثم بعد ذلك يعلنون فشل الدارونية الحديثة ، ثم يعودون لما نهوا عنه.
من الآن أقول حذارا من عبث فكرة التسلسل الجيني
وإعادة الماضي التطوري استنادا على أفكار تفسير علم جزيئات الأحياء وفق هواهم. ولن أحذو حذوهم فأبدأ بطرح سؤالهم: ما أصل الحياة ، ولكن سيكون
طرحى ابتداءا بالسؤال التالى كيف بدأ الخلق؟ استلهاما من قول الحق تعالى: ﴿ قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله
ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شئ قدير﴾ (العنكبوت: 20) وقد فهم المفسرون﴿
كيف بدأ الخلق﴾ : بالنظر إلى خلق الناس على كثرتهم وتفاوت هيئاتهم واختلاف ألسنتهم
وألوانهم وطبائعهم (القرطبى). وتوسع آخرون في فهم ذلك بأنه دعوة الله للناس بالسير
فى الأرض وتتبع صنع الله وآياته في الخلق والإنشاء، في الجامد والحي سواءً،
ليدركوا أن الذى أنشأ يعيد بدون عناء، وأن السير فى الأرض يفتح العين والقلب على
المشاهدة الجديدة التى لم تألفها العين ولم يجلها القلب وما يشغل علماء اليوم فى
هذا الشأن قد لاحظه أحد كبار مفسري القرآن
الكريم وهو الشيخ سيد قطب (رحمه الله) حيث يقول : ( إن التعبير بلفظ الماضي ﴿ كيف بدأ الخلق﴾ بعد الأمر
بالسير فى الأرض لينظروا كيف بدء الخلق يثير فى النفس خاطرا معينا...
تُرى هنالك فى الأرض ما يدل على نشأة الحياة الأولى، وكيفية بدأت الخليقة فيها كالحفريات التى يتتبعها بعض العلماء ليعرفوا منها خط الحياة كيف نشأت ؟ وكيف ارتقت؟ وإن كانوا لم يصلوا فى معرفة سر الحياة ما هى ؟ ومن أين جاءت ؟ وكيف وجد فيها أول كائن حى؟
تُرى هنالك فى الأرض ما يدل على نشأة الحياة الأولى، وكيفية بدأت الخليقة فيها كالحفريات التى يتتبعها بعض العلماء ليعرفوا منها خط الحياة كيف نشأت ؟ وكيف ارتقت؟ وإن كانوا لم يصلوا فى معرفة سر الحياة ما هى ؟ ومن أين جاءت ؟ وكيف وجد فيها أول كائن حى؟
وأعتقد أن فهم سيد
قطب لـ ﴿ كيف بدأ الخلق﴾ يفوق فهم العلماء الباحثين
عن أصل الحياة، فالأول رأى فى ضوء النص القرآنى أن الدليل موجود فى الأرض،
والآخرون جربوا فى المعامل ليبحثوا عن أصل الحياة فلم يصلوا إلى صنع الحياة على
الوجه الذي سنعرفه لاحقا. وتوسع ابن كثير (رحمه الله) فى فهم ﴿ كيف بدأ الخلق﴾ ليشمل خلق الله للأشياء فقال: السموات وما فيها من الكواكب النيّره والأراضين وما فيها من مهاد
وجبال وأودية وبراري وقفار ، وأشجار وثمار ، وبحار، كل ذلك دال على حدوثها فى
أنفسهم ، وعلى وجود صانعها الفاعل المختار الذى يقول للشئ (كن فيكون) .ورب العالمين قد أعطى مفتاح
خلق الكون والحياة ، فذكر فى كتابه العزيز أن بداية الكون رَتْقٌ قد فُتِق، وأن
أساس الحياة ماء ، وقد جاء ذلك فى قوله تعالى: ﴿ أولم يرالذين كفروا أن السموات
والأرض كانتا رتفا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون﴾ (الأنبياء : 30).
وأود التأكيد ثانية على أن بدء الخلق ومسيرة الحياة والنشأة
الآخرة ، يستحيل فهمهما بعيدا عن الله . وأؤكد على ذلك براءة من الشرك، وتحذيرا من
السير وراء من ينسبون النشأة الأولى وما تلاها
من تتابعات إلى طبيعة ميتة تصطفى ما تشاء، أو تطور زائف يسلسل الكائنات بعضها من
بعض دونما سند علمى واحد اتباعا للأهواء.
فالله تعالى خلق ويخلق وهو الخلاق
العليم، وكل يوم هو فى شأن يدبر أمور خلقه ويحيى
ويميت. وأجد نفسى كمسلم، فى ضوء عقيدة الإسلام الحق، وأنطلاقا من صحيح العلم، غير
المتلبس بظن لا يغنى من الحق شيئا، أبرأ من نظرية التطور العضوى سواء قديمها أو حديثها. والقديم منها أخذ منه البِلَى ما أخذ وسئمته العقول، وجديدها أَشُم
منه رائحة الهوى وعدم الأمانة . وأقرر أن الذين ينسبون وجود الأشياء إلى طبيعة
ميتة أغبياء، والذين يجعلون من التطور آلية لظهور الكائنات كذابون منافقون, والحقيقة أن الله وحده هو الخالق ، وصدق تعالى حيث يقول:﴿ الله خالق كل شئ وهو على كل شئ وكيل﴾ (الزمر : 62), وقوله: ﴿ الذى له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شرك فى
الملك وخلق كل شئ فقدره تقديرا﴾ (الفرقان : 3), وقوله: ﴿ إنا كل شئ خلقناه بقدر﴾ (القمر: 49).
إرسال تعليق