معركة عين جالوت:
عين جالوت بلدة شمال غرب بيسان، جوار عين ماء تحمل اسمها؛ وتذكر أحياناً باسم عين جالود؛ وحدثت فيها معركتان مهمتان، الأولى حين حررها صلاح الدين من الصليبيين، عام 1183م، وكانوا قد غيروا أسمها إلى "توبعانية"؛ أما المعركة الثانية فحدثت عام 1259م بين جيوش التتار والعرب.
استولى التتار على دمشق سنة 1259م؛ فدمروها وفتكوا بأهلها؛ وأرسل هولاكو إلى قطز سلطان مصر كتاباً يهدده فيه ويطلب استسلامه؛ لكن قطز جمع الأمراء فاتفق الجميع على حرب التتار.
ولما أعدت الحيوش المؤلفة من العرب والتركمان، سار السلطان لملاقاة التتار، وعلى رأس جيشه الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري؛ فسار إلى غزة وطرد التتار منها، ولحقه السلطان وما لبث أن أخذ طريق الساحل إلى عكا؛ فاستقبله الفرنجه حاملين الهدايا؛ فأخذ عليهم العهود بعدم الغدر به أثناء حرب التتار.
سار بيبرس بقطعة من الجيش حتى لقي التتار بقيادة كتبغانوين؛ فأخذ يناوشهم إلى أن لحق به السلطان في عين جالوت.
في 25 رمضان 658هـ/ 1259م، التقى الجيشان؛ فهزم التتار وطاردتهم جيوش المسلمين إلى القرب من بيسان، وتلاشت أحلام هولاكو في الاستيلاء على مصر، وتعد هذه المعركة من المعارك الفاصلة في التاريخ البشري.
في آخر أيام رمضان نزل قطز قلعة دمشق، وأرسل بيبرس لملاحقة التتار؛ فطردهم إلى خارج بلاد الشام، وأصبحت كلها من مصر إلى الفرات في حوزة السلطان المملوكي.

معركة خانيونس:
احتل العثمانيون بلاد الشام بعد معركة مرج دابق الشهيرة وهزيمة دولة المماليك، 1516م.  وجرت مفاوضات بين السلطان العثماني (سليم الأول"، وطومان باي (آخر المماليك في مصر)، على أساس أن يبقى طومان باي حاكماً لمصر، ويخضع لسلطان العثمانيين.  وحينما رفض طومان باي ذلك؛ قرر السلطان سليم محاربته.
قاد جيش العثمانيين الوزير سنان باشا، وقاد المماليك جانبردي الغزالي؛ والتقى الجيشان عند خان يونس، في 11/12/1516، هزم الغزالي وتم أسره؛ لكن العثمانيين سهلوا له الفرار من الأسر؛ لما ثبت بعد ذلك من تواطؤ معهم، بأن بادر إلى القتال قبل اجتماع جنوده جمعياً.
ويدل عدم وجود مقاومة للجيش العثماني في فلسطين على مدى نقمة الناس على حكم المماليك، كما أن الخوف من العثمانيين كان له أثره؛ حتى أن قلعة صفد أرسلت مفاتيحها إلى لسلطان سليم وهو في دمشق.  وساعد بدو سيناء العثمانيين في معركة خانيونس وعلى رأسهم الشيخ ابن البريق، وكان ولاء البدو من أهم العوامل في نجاح هجوم العثمانيين.

الحملة الفرنسية:
من المعروف أن الحملة الفرنسية استهدفت مصر أساساً عام 1798 واستمرت لغاية 1801؛ ولكن هنا نستعرض الجزء الخاص بالحملة في فلسطين.
يعتقد كثير من المؤرخين أن حملة نابليون على فلسطين كانت مبادرة ذاتية، وقد كتب إلى حكومته؛ ولكن كتاب الحكومة الفرنسية وصل إليه بعد أسبوع من حصاره عكا (25/3/1799).

غادرت الحملة الفرنسية حدود مصر في 6/2/1799، وعدد جنودها 13 ألف جندي، وخرج نابليون ليلتحق بها ويقود الحملة بنفسه في 20/2/1799.  وبعد أيام دخل الفرنسيون غزة وقبلها خانيونس، وقد أنقذتهم المؤن في المدينتين بعد أن أكلوا لحوم الكلاب، وشربوا الماء الموحل في الصحراء. 
بعد 4 أيام اتجه نابليون إلى الشمال، بعيداً عن الساحل ليحتل اللد والرملة، ودخل يافا بعد 4 أيام من الحصار والقتال العنيف؛ وذلك في 7/3/1799.  وفوجئ نابوليون بجنوده يحضرون 3 آلاف جندي أسير وجدوهم في أبراج المدينة؛ فخاف إن هو أطلقهم أن يلتحقوا بالجيش الذي يحاربه؛ وإن هو أبقاهم فليس لديه المؤن الكافية لإطعامهم؛ فأمر بإعدامهم؛ إذ عثر بعد المعركة على 2500 جثة، عدا عن 2000 جثة سقطت في الدفاع عن المدينة؛ فكان من الطبيعي أن يسبب تفسخ الجثث مرض الطاعون بعد ذلك.
تابع نابليون زحفه باتجاه حيفا فاستسلمت له، كما تسلم الناصرة، وفي 18/3/179، كان نابليون أمام أسوار عكا، يبدأ الحصار ويبني المتاريس ويطلق المدافع.
كلف الجزال كليبر أثناء الحصار بحماية جبهة مرج ابن عامر من هجوم محتمل من الشرق؛ وقد جاء الهجوم فعلاً من ثلاثين ألف رجل قدموا من دمشق، واستدرجوا كليبر إلى تل طابور؛ وكان معه 1500 جندي؛ فأطبقوا عليه؛ لكن نابليون علم بالأمر؛ فأرسل له نجدة سريعة؛ ففر المهاجمون العثمانيون.

معركة تل طابور
حدثت هذه المعركة التي عرفت بمعركة "تل طابور" في 16/4/1799؛ إذ قرر نابليون بعد أكثر من شهرين من حصار عكا الانسحاب، بعد أن فشل في اقتحام المدينة فانسحب في 20/5/1799.
وقد فشل حصار عكا لعدة أسباب، منها: حصانة المدينة، واستماتة المدافعين، وعداء المنطقة كلها لنابليون، وتدخل الإنجليز بأسطولهم وخبرائهم؛ كما إن نابليون خسر حوالي 3500 جندي دون أن يكون لديه إمكانية تعويضهم.
وصل نابليون إلى يافا يوم 24/5/1799؛ فوجد مئات الجنود الفرنسيين وقد أصيبوا بالطاعون؛ فأمر الأطباء بقتلهم بالسم، ولما رفضوا حملهم على ألواح خشبية إلى مصر، وقام أثناء مغادرته بنسف التحصينات وإلقاء العتاد في البحر أو دفنه في الرمال، وغادر فلسطين ليصل العريش في 14/6/1799.
في الأحداث الجانبية لحملة نابليون، نشر في الجريدة الرسمية أثناء حصار عكا أن نابليون يدعو اليهود لمؤازره فرنسا، وانتهاز فرصة وجوده في فلسطين لتحقيق أملهم بالتواجد بين عكا والإسكندرية؛ لكن هذا المشروع اختنق بعد فشل الحملة لتلتقطه بريطانيا فيما بعد.

ثورة 1834:
لم تقم في فلسطين على امتداد تاريخها الطويل ثورة أعم وأشمل وأكثر تنظيماً من ثورة 1834م ضد حكم محمد علي باشا (والي مصر)؛ لذا فإنه من المهم استعراض الكثير من القضايا المتعلقة بمحمد علي وولايته على فلسطين وأسباب الثورة ونتائجها.
دخلت بلاد الشام، ومن ضمنها فلسطين، تحت حكم محمد علي باشا لمدة عشر سنوات، بدأت في شهر 11/1831، وانتهت بنهاية عام 1840م؛ بعد حملة عسكرية قادها إبراهيم باشا ابن محمد علي، اكتسح فيها قوى السلطان محمود الثاني، وطاردها حتى مشارف الآستانة.
رأى محمد علي أنه يستطيع امتلاك عكا على الأقل؛ لتأمين حدوده الشرقية.  وكان يراقب بارتياح تردي الأمور بين الولاة في الشام؛ إذ اقتتلوا حول دمشق ثم حاصروا عكا لمدة 9 أشهر سنة 1822؛ وثار الجنبلاطيون سنة 1925، وتنازعت الزعامات النابلسية في قضايا الولاية والضرائب؛ وامتنعت القدس وبيت لحم عن دفع الضرائب؛ وقامت ثورة في فلسطين رغم دكتاتورية عبد الله باشا الجزار؛ فقد كان هم المتسلمين في غزة جمع المال بأي طريقة؛ وكان الملتزمون للميري عبئاً ثقيلاً على أهل غزة؛ أما البدو في الأطراف؛ فكانوا ينهبون من ثروات غزة ما يزيد عن 200 ألف ليرة ذهبية كل عام؛ فشعر الناس بقرب الفرج حين سمعوا بقدوم محمد علي؛ فطردوا وكيل الجمرك، وأعلنوا العصيان؛ ولم يكن تهديد الجزار ليخيفهم؛ لأن الجنود المصريين سبقوه إلى غزة.
أما القدس ونابلس فقد جرد عليهم الجزار حملة نكبت زعماءهم، واضطر قسم منهم إلى الثورة، واعتصموا بقلعة صانور؛ فدمرها الجزار؛ ما دفع من تبقى من الزعامات إلى التعاون مع محمد علي.
لم يدفع عبد الله الجزار لمحمد علي ديونه، وآوى مجموعة كبيرة من الفارين من الجذرية في مصر؛ فاتخذ محمد علي ذلك ذريعة لمهاجمة فلسطين ومحاربة والي عكا. وبسبب كثرة الحروب بين الولاة؛ لم يكترث الباب العالي في البداية لهذه الحرب.
تحركت جيوش محمد علي براً وبحراً بقيادة إبراهيم باشا في 29/10/1731، ولم تجد صعوبة في احتلال العريش ورفح وغزة، وهربت قوى الجزار؛ فتابع إبراهيم باشا مسيره، ووصل إلى يافا في 8/11/1831، ودخلها وتوجه إلى حيفا في 13/11.   وفي 26/11 بدأ حصاره لعكا.
قدم زعماء المناطق الفلسطينية الولاء لإبراهيم باشا وهو في حيفا.  وكانت كتائب من الجيش المصري قد احتلت بقية فلسطين، ورفعت الضرائب التعسفية عن غير المسلمين؛ ما زاد في تأييد محمد علي باشا.  بعد عدة أشهر من حصار عكا، بدأ القلق يساور محمد علي، خصوصاً أن الباب العالي أعلن عصيان محمد علي في 23/4/1832، وأصدر ضده فتاوى دينية وجرده من الولاية مع ابنه وأباح دمهما.
لكن عكا سقطت في 27/5/1832 وأسر عبد الله باشا وأرسل إلى مصر.  وثارت بعد ذلك أزمة دولية خطيرة انتهت بصلح كوتاهية في 6/5/1833 الذي أعطى محمد علي ولاية فلسطين.
حاول إبراهيم باشا بعد ذلك دعم الإنتاج الزراعي، وأدخل إصلاحات على نظام التعليم؛ لكن مجموعة التدابير التي اتخذها جلبت عليه نقمة سكان فلسطين؛ ومن أهم هذه التدابير:
1.  مصادرة المؤن لتموين الجيش.  2.مصادرة حيوانات النقل.  3.إجبار الناس على إقامة التحصينات العسكرية بالسخرة.  4.  نزع السلاح من الأهالي.  5.  التجنيد الإجباري.
وعندما صدر أمر إبراهيم باشا بطلب 3000 مجند من كل قضاء في فلسطين، وذلك في 25/4/1834؛ ما أدى إلى الصدام؛ لا مع عواطف الأهالي وحسب، بل مع سلاحهم.
في منتصف أيار هجم الفلاحون والبدو على القوات المصرية في الكرك، وذبحت حامية الخليل.

وفي 25/5/1934 هب طريق باب الواد، وتحركت الفتية في بيت جالا وبيت لحم، والبيرة؛ وقام الناس بحصار القدس، واشتعلت نابلس؛ فوصلت الثورة من صفد شمالاً إلى غزة جنوباً.
لم تكن الثورة مجرد انفجار شعبي عفوي؛ بل اتخذت الشكل التنظيمي حين تسلمت الزعامات قيادتها؛ فقد اجتمعوا وقرروا إعلان الثورة في 28/4/1834، وسيطر ثوار القدس على المدينة في 14/5؛  وكانت الخليل وغزة في يد الثوار والتحقت اللد وطبرية بالصورة أيضاً.
اتجه إبراهيم باشا إلى القدس يوم 6/6/1834، وبعد 3 أيام من المعارك الطاحنة دخلها في 8/6/1834، وتحصن في قلعة القدس بانتظار نجدة أبيه.
حاول ثوار نابلس اقتحام القدس فصدهم إبراهيم باشا 3 مرات، ولم يجد بدًا من مفاوضتهم، كي يكسب الوقت؛ فأوقف التجنيد، وألغى ضريبة الفردة؛ وعين قاسم الأحمد (وهو قائد ثوار نابلس) حاكماً على البلاد في 26/6/1834؛ فانتهى بذلك الحصار الذي استمر شهراً ونصف.
جاءت النجدات من مصر بعد أيام؛ ووصل محمد علي نفسه إلى يافا، في أوائل تموز، وكلف الأمير بشير الشهابي بإخماد ثورة صفد، وعاد إلى الإسكندرية.  وكان ثوار نابلس (وهم الأكثر عدداً والأخطر في هذه الثورة) قد منعوا القمح المفروض عن إبراهيم باشا؛ فسار إليهم في 10/7/1834، ووعد بالإعفاء من التجنيد والتسامح في الميري، وأخذ يستحيل آل أبو غوش؛ فلما استجابوا له مقابل إطلاق زعيمهم إبراهيم أبو غوش، قطع مفاوضاته مع قاسم الأحمد، وسار إلى جبال نابلس وسحق في طريقه بلدة الطيبة وقاقون؛ وهزم الثوار عند زيتا، ولاقاهم عند دير الغصون في طولكرم يوم 16/7/1834، وتمكن من هزيمتهم هزيمة نهائية، عاد بعدها إلى نابلس، وخرج أهلها يطلبون الأمان؛ فقتل من وقع في يده من الثوار، وجرى تجريد السكان من السلاح؛ أما بقية الزعماء؛ فقد أخذوا عائلاتهم من نابلس وهربوا إلى الخليل.
في نفس الوقت سار الأمير بشير، حسب أوامر محمد علي، إلى صفد؛ فلاقاه شيخها صالح الترشيحي معلناً الطاعة؛ فدخلها الأمير، وخضعت المناطق المجاورة، وتلقى الأمير طاعة طبريا وقرى الجليل والساحل حتى عكا، وانتهى من ذلك في 25/7/1834.
دخل إبراهيم باشا القدس فقدم أهلها الطاعة، وأرسل ثوار الخليل يطلبون الأمان ليدخلوا في الطاعة؛ لكن إبراهيم باشا اشترط عليهم تسليم زعماء الثورة أحياء؛ فرفض الثوار مطلبه؛ فتحرك إليهم بقواته في 5/8 وهزمهم عند بيت جالا.  وأصرت الخليل على المقاومة؛ فهاجمها واحتلها بعد بضع ساعات من المقاومة، وأباحها للنهب والقتل والأسر، وخسرت الخليل مالا يحصى من الأموال، واعتقل علماءها ودراويشها وأبعدهم إلى مصر؛ وأما مشايخ نابلس؛ فقد فروا إلى الكرك شرقي الأردن. ولما هاجمها إبراهيم باشا فر النابلسيون إلى غزة؛ لكنهم وقعوا في الأسر لملاحقة إبراهيم باشا إياهم، وقتل قاسم الأحمد والبرقاوي وقطع رؤوس أولادهما.
وإن كانت الثورة في فلسطين قد خمدت؛ فإنها كلفت النظام المصري الكثير من الضحايا والجهد؛ كما أنها جرأت عليه المناطق الأخرى، وتركت الكثير من الأحقاد في فلسطين ستنفجر في وقت لاحق.
وكانت هذه الثورة من أهم أسباب إجهاض مشروع محمد علي في إقامة مملكة عربية موحدة في مواجهة العثمانيين؛ ما فرض على محمد علي الانسحاب من بلاد الشام.  وقد ترك آخر جنود محمد علي غزة في اتجاه مصر في 19/2/1841.

ثورة يافا:
تنامي الشعور القومي لدى الفلسطينيين بعد ثورة القدس في 4/4/1920؛ وعقد المؤتمر الفلسطيني الأول، ثم الثاني؛ وكان الثالث في حيفا في آذار 1921، وهو المؤتمر الذي رفض الانتداب، وطالب بوقف الهجرة اليهودية، وبإنشاء حكومة وطنية في فلسطين.
بعد المؤتمر شرع الصهاينة برفع سقف مطالبهم لتحويل فلسطين كلها إلى وطن قومي لليهود، وشنت صحفهم حملات ضد العرب مطالبة إياهم بالرحيل عن فلسطين.
تمسكت بريطانيا بالانتداب ووعد بلفور، وتمادت في السماح بهجرة اليهود، وقام الصهاينة بالمظاهرات تحدياً للعرب؛ وبصورة خاصة في مدينة يافا؛ حتى إنهم كانوا يستقبلون المهاجرين عبر ميناء يافا باحتفالات ومظاهرات، قبل أن ينقلوا على تل أبيب.  وقد كان العلم الصهيوني يرفع في هذه المظاهرات، وقام سكان المستعمرات المحيطة بتل أبيب بأعمال استفزازية ضد سكان يافا.
احتج العرب عن طريق الجمعية الإسلامية المسيحية وطالبوا بوقف الهجرة، وهددوا بمنع إنزال المهاجرين اليهود إلى البر مهما كلف الثمن، وقرر بحارة ميناء يافا مقاطعة البواخر التي تنقل مهاجري اليهود؛ وأيدت اللجنة التنفيذية للمؤتمر العربي الفلسطيني الموقف؛ فتوترت الحالة وهاجت الخواطر.
أعلنت الحكومة اعتبار اللغة العبرية لغة رسمية في البلاد إلى جوار العربية والإنجليزية؛ ورفض موسى كاظم الحسيني رئيس بلدية القدس تطبيق هذا القرار؛ فوقع اصطدام بين السلطة البريطانية وبينه، انتهى بإقالته.  وكان هذا سبباً إضافياً لحالة الاحتقان التي عمت البلاد؛ ولكن الشرارة انطلقت من يافا؛ لكونها تتلقى سيل الهجرة عبر مينائها.
في عيد العمال 1/5/1921، قام الصهاينة بمظاهرات كبرى في تل أبيب، أطلقوا فيها شعارات معادية للعرب، وطالبوا بالثأر لدماء اليهود في ثورة القدس.
وقد واكبت المظاهرة فئة من الجنود البريطانيين، وقوة من الشرطة اليهودية؛ لكن المتظاهرين اتجهوا إلى حي المنشية في يافا، وأخذوا يستفزون السكان؛ فهب أهل يافا لرد المتظاهرين؛ فوقع اصطدام دموي، سقط خلاله قتلى وجرحى، وانتهى برد المتظاهرين اليهود.
عاود الصهاينة مهاجمة يافا صباح اليوم التالي؛ وكان بينهم مسلحون؛ فنشبت معركة عنيفة مع العرب، أسفرت عن وقوع إصابات كثير بين المهاجمين.
وهاجم الصهاينة في نفس اليوم قرية العباسية المجاورة ليافا، وقتلوا عدداً من نسائها وأطفالها؛ فثار العرب، وهاجموا الصهاينة في تل أبيب، وقامت القرى المجاورة ليافا بمهاجمة المستعمرات؛ كما اشتبك أبناء عشيرة أبو كشك مع القوات البريطانية التي كانت تمنع وصول الإمدادات.
تواصلت أعمال العنف يوم 3/5/1921 ووقعت حوادث قتل، وحلت أضرار جسيمة بمحلات اليهود التجارية، ولم تلبث هذه الاصطدامات مع الصهاينة والإنجليز أن امتدت إلى قلقيلية وطولكرم والرملة واللد؛ وقامت مظاهرات صاخبة، وقرر كثير من الشباب حمل السلاح والتوجه إلى يافا.
سمع الفلاحون ورجال القبائل في المناطق المجاورة بتعرض العرب للقتل في يافا؛ فتجمع في 5/5 نحو 3000 عربي، شمال مستوطنة بتاح تكفا، وعدة مئات جنوبها؛ غير أن من تولى الدفاع عن هذه المستعمرة لم يكن غير البريطانيين الذين أطلقوا النار على الحشود؛ فارتقى 60 شهيداً وعدد من الجرحى.
لجأت الحكومة إلى الرؤساء الدينيين بعد أن فشلها في إخماد الثورة، وطلبت منهم المساعدة في وقفها، تحت وعد إعادة النظر في سياستها تجاه العرب.  وتبين أن البريطانيين كانوا في انتظار قوة آتية من السويس وقبرص.  وما أن وصلت هذه القوة حتى انقض رجال الجيش والشرطة على العرب في يافا وسائر المناطق المحيطة بها؛ فوقعت صدامات دامية استطاعت بعدها الحكومة إخماد الثورة التي استمرت 15 يوماً.
في هذه الثورة قتل 47 صهيونياً وجرح 146؛ أما العرب؛ فقد استشهد منهم 157 وجرح 700، وقد سقط أكثرهم برصاص البريطانيين.
شكلت حكومة الانتداب محاكم عسكرية وحكمت على عدد من المجاهدين بالسجن؛ وقررت بعدها تشكيل لجنة تحقيق (لجنة هيكرافت)، التي توصلت إلى أن سبب الثورة يتعلق بخطتها القاضية بإنشاء وطن قومي لليهود، وإلى تذمر العرب من محاباة بريطانيا لليهود ووقوفها في وجه حكم العرب لأنفسهم.

ثورة 1929:
حين قامت الحرب العالمية الأولى، أسهم العرب في هذه الحرب إلى جانب قوات الحلفاء، الذين قدموا للعرب وعوداً باستقلال بلادهم الواقعة تحت الحكم العثماني.
بمجرد أن بدت بشائر النصر للحلفاء، نكث الحلفاء وعودهم للعرب، وقاموا بتقسيم هذه الدول فيما بينهم؛ وأعطي وعد بلفور ووقعت اتفاقية سايكس بيكو بين فرنسا وبريطانيا لاقتسام هذه الدول؛ وفتح باب الهجرة لليهود إلى أرض فلسطين؛ ما جعل العرب يدركون خطورة الأمر؛ فحدث أول تحرك شعبي واسع للتعبير عن الإحباط وخيبة الأمل.  وعرف هذا التحرك الشعبي تاريخياً باسم "ثورة 1920".
كان هناك أكثر من سبب لهذا السخط الشعبي، منها:
•        تشكيل اللجنة الصهيونية برئاسة حاييم وايزمن (1918)؛ للمساعدة في تطبيق وعد بلفور؛ فقد أخذت هذه اللجنة تدلي بكثير من التصريحات الاستفزازية؛ ما كشف عن الأطماع الصهيونية في فلسطين.
•        محاباة البريطانيين للصهاينة على حساب العرب، وذلك في كافة المجالات، مثل: جعل العبرية لغة رسمية في فلسطين. 
•        أسباب اجتماعية، من ضمنها وضع الفلاحين الفلسطينيين تحت وطأة الضرائب، "كان على الفلاح أن يدفع 6 جنيهات في السنة من دخلة الذي يبلغ 26 جنيهاً"؛ وفي نفس الوقت وقع الفلاح فريسة للمرابين؛ لرفض الحكومة البريطانية إنشاء مصرف زراعي لإقراض الفلاحين العرب.
•        تقلد البريطانيون والصهاينة الوظائف الكبرى في البلاد، وتركوا الوظائف الدنيا للعرب.
•        سياسة التعليم البريطانية.
•        منع السلطات البريطانية عقد المؤتمر الفلسطيني.
•        ونمو الحركة الثورية في مصر والسودان وسوريا ولبنان والعراق والمغرب.
بعد وقوع عدد من المظاهرات في جميع أنحاء فلسطين، أصدرت سلطات الانتداب أمراً في 11/3/1920 يقضى بمنع المظاهرات بمختلف أشكالها.
في 4/4/1920 وقع صدام بعد أن منعت الشرطة أهل الخليل من دخول القدس للاحتفال بموسم النبي موسى؛ وكان أهل القدس وأهل نابلس قد خرجوا لاستقبالهم؛ وشارك المسيحيون في الاستقبال حسب العادة المتبعة؛ فاقتحم أبناء الخليل باب الخليل في القدس بالقوة؛ ومن على شرفة النادي العربي بدأ الخطباء بإلقاء الكلمات الحماسية؛ ومنهم موسى كاظم الحسيني، وخليل بيدس، وعارف العارف، والحاج أمين الحسيني؛ ما أثار الشعور القومي.
تسلل صهيوني اسمه "كريمربن مندل" وحاول خطف العلم وتمزيقه؛ فانقض الناس عليه وقتلوه؛ ثم تقدم صهيوني آخر مع عدد من الجنود لخطف العلم؛ لكن رجلاً من الحشد قتلة بسيفه.
بعد ذلك اجتمع الشبان اليهود والجنود الإنجليز، وهاجموا العرب المحتفلين بالموسم؛ فنشبت معركة حامية سقط فيها 9 قتلى و122 جريحاً من الطرفين.
وقد فجرت هذه المعركة الصراع الذي استمر حتى يوم 8/4/1920؛ حيث حاصرت القوات البريطانية القدس.  وقد ذكر بلاغ بريطاني أن حصيلة هذه الأيام كانت مقتل 4 من العرب و9 من اليهود و2500 جريحاً من الطرفين.
ورغم إعلان الأحكام العرفية وحظر التجول؛ إلا أن المقاومة استمرت حتى 10/4؛ حيث أصدرت سلطات الانتداب أحكاماً بالسجن ضد 23 شخصا،ً من بينهم: عارف العارف، وأمين الحسيني، الذين تمكنا من الفرار إلى شرقي الأردن؛  كما أقالت موسى كاظم الحسيني من رئاسة بلدية القدس، وعينت راغب النشاشيبي مكانه.
بعد ذلك تم تكليف لجنة "بالين" بالتحقيق الذي كانت نيتجته: "أن الهجوم كان كله ضد اليهود"؛ لكن اللجنة أقرت بأن "المواطنين يشعرون بالظلم".
واتصفت ثورة 1920 بما يلي:
1.      كانت أول تجربة للمقاومة ضد الاستعمار والصهيونية التي اتخذت شكلاً جماهيرياً. ا
2.      انتقال الوعي إلى المقاومة.
3.      القوى التي قامت بالثورة لم تكن منظمة.
لهذه الأسباب وصفت تارة بأنها ثورة؛ وبأنها انتفاضة، تارة أخرى.

ثورة 1929:
ثورة البراق
كان العمل بين عامي 1922 و1929 على الصعيد الوطني راكداً، ماعدا بعض المظاهرات الجماهيرية؛ بسبب ضعف القيادة الفلسطينية وترددها؛ وبسبب شراسة الاستعمار البريطاني وبطشه وتشكيل الوحدات الصهيونية الإرهابية؛ ما أدى إلى عدم وجود تكافؤ في القوى.
ومع بداية عام 1929 ازداد الوضع سوءاً خصوصاً بعد سلسلة من الكوارث الطبيعية كالجراد والزلزال والوباء (1927)، وكذلك بداية الأزمة الاقتصادية العالمية (1932-1929)؛ في هذا الوقت سنت حكومة الانتداب مجموعة من القرارات سهلت من تدفق اليهود إلى فلسطين؛ ما اقترن بانتزاع رقعة أوسع من الأراضي من يد الفلاحين الفلسطينيين؛ فضلًا عن احتكار المؤسسة الصهيونية للصناعة.
وسط هذه الأجواء، نظم الصهاينة في 14/8/1929 في تل أبيب مظاهرة ضخمة؛ لمناسبة ذكرى "تدمير هيكل سليمان"، تلتها في اليوم التالي مظاهرة في القدس وصلت إلى حائط البراق؛ ورفع خلالها المشاركون العلم الصهيوني، وأخذوا يرددون النشيد القومي الصهيوني (هاتكفا)، وطالبوا بحائط البراق (المبكى)؛ بزعم أنه الجدار الباقي من الهيكل.
وفي يوم الجمعة 16/8، كانت ذكرى المولد النبوي الشريف؛ فتوجه أهالي القدس والقرى المحيطة إلى المسجد الأقصى للاحتفال بهذه المناسبة، كعادتهم كل سنة؛ وقد شكلوا مظاهرة ضخمة بعد صلاة الجمعة، اتجهت إلى حائط البراق؛ حيث حطموا طاولة وضعها اليهود على الرصيف، بجوار الحائط، وقاموا بإحراق أوراق فيها بعض نصوص الصلاة اليهودية الموضوعة في ثقوب حائط المبكي.
في اليوم التالي حدث اشتباك أدى إلى جرح 11 شخصاً من الجانبين، ووفاة أحد الصهاينة؛ فقامت القوات البريطانية باعتقال عدد كبير من العرب وبعض اليهود.
جاءت أخبار نية اليهود شن هجوم على حائط البراق واحتلاله؛ فتدفق أهالي القرى إلى القدس بأعداد ضخمة يوم 23/8/1929، وهم مسلحون بالعصي والهراوات، وخرج المصلون من الأقصى ليجدوا تجمعاً صهيونياً؛ فاشتبك الطرفان؛ ما شكل سبباً لدخول الدبابات البريطانية إلى القدس عصر ذلك اليوم.  وحين وصول أبناء القدس إلى الخليل ونابلس، انطلقت الجماهير في مظاهرات عنيفة، وهاجم أهالي الخليل الحي اليهودي؛ فقتل أكثر من 60 يهودياً، وجرح أكثر من 50 آخرين؛ في الوقت الذي حاول فيه أهل نابلس انتزاع الأسلحة من أحد مراكز الشرطة؛ وقامت مواجهات عنيفة كذلك في يافا وبيسان والحي القديم في حيفا، التي قتل فيها إمام أحد المساجد، وستة من العرب؛ نتيجة إطلاق النار عليهم من قبل الشرطة البريطانية. وفي يوم 26/8 هاجم اليهود مسجد عكاشة وخربوه.
شاع الخبر في صفد أن اليهود اعتدوا على الحرم الشريف وهدموه وأحرقوه؛ فهرع الناس مساء 29/8/1929 إلى حارة اليهود، وخلعوا أبواب المحلات التجارية، وأشعلوا فيها النار.  وحدث أن ألقى مجهولون قنبلة قتلت 4 من اليهود و3 من خيول الشرطة؛ فجاءت يوم 30/8 القوات البريطانية من المناطق المجاورة، وأطلقت النار على كل عربي وجدته في (حارة اليهود)؛ ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى.
ألقي القبض على حوالي 400 عربي؛ وتم نقل بعضهم إلى سجن عكا؛ وأعدم في تلك القضية يوم 17/6/1930 الشهداء الثلاثة: فؤاد حجازي في صفد؛ ومحمد جمجموم وعطا الزير من الخليل.
بعدها شكل عدد من شباب صفد جماعة تحصنت في الجبال لمقاومة الإنجليز والصهاينة.
وكان من نتائج المعركة التي جرت في صفد أن أخذ اليهود يخلون المدينة تدريجياً.
في النهاية كانت حصيلة هذه الثورة:
وقوع 133 قتيلاً من اليهود وجرح 239 منهم.
ارتقاء 116 شهيداً وجرح 232 مقاومًا.
قدم إلى المحاكمة ما يزيد عن ألف شخص أكثر من 900 منهم من العرب.
صدر الحكم بالإعدام على 25 شخصًا، منهم يهودي واحد.

ثورة 1935:
مع ازدياد الوعي السياسي في بداية الثلاثينات، بدأت الدعوة إلى اتباع نوع آخر من النضال يختلف عن التمرد السلبي؛ إذ أخذت الدعوات تزداد إلى الكفاح المسلح.  وقد شكل الشيخ عز الدين القسام جماعات سرية مدربة؛ وبذا يكون القسام هو رائد الكفاح المسلح في الحركة الوطنية الفلسطينية. وأحيط تشكيل هذه المنظمة السرية بإطار كثيف من الكتمان؛ ولذا فإنه من الصعب تقديم المعلومات وفيرة عن هذه المنظمة.
ولد عز الدين القسام في قرية جبلة السورية؛ بجوار اللاذقية عام 1871م، تلقى العلم على يد الإمام محمد عبده في الأزهر، ثم عاد إلى سوريا مدرساً.  حكم عليه الديوان العرفي في اللاذقية بالإعدام؛ لاشتراكه في مقاومة الفرنسيين؛ فاضطر إلى اللجوء إلى حيفا عام 1922 في شهر شباط، وتولى التدريس في جامع النصر بالمدينة؛ كما عمل مدرساً في المدرسة الإسلامية بحيفا، وعينة المجلس الإسلامي الأعلى خطيباً لجامع الاستقلال ومأذوناً شرعياً؛ ما وفر له صيغة للاتصال بالجماهير.  أصبح رئيساً لـ"جمعية الشبان المسلمين"، وأنشأ بعد عدة سنوات عصبة سرية لها شرطان: أن يقتني العضو السلاح على حسابه الخاص، وأن يتبرع للعصبة بما يستطيع.
وبمرور الزمن أخذت نواة الحركة الثورية تتوسع؛ فشكل القسام من أفراد المنظمة حلقات صغيرة، كل منها رقيب وخمسة أفراد؛ ولم تكن أي حلقة تعرف شيئاً عن الحلقات الأخرى؛ وشكل أيضاً مجموعات أخرى للتدريب ولجباية الأموال والاتصال السياسي والشعبي وشراء السلاح؛ وأخرى للتجسس.  واستطاع القسام أن يوجد تشكيلات سرية مسلحة في مناطق خارج حيفا أيضاً.
تحت ضغط مجموعة من العوامل من ضمنها تدفق الهجرة اليهودية وتسلح الصهاينة من قبل بريطانيا واستفحال خطر تسرب الأراضي؛ بدأ القسام عمله العسكري، الذي تمثل بادئ الأمر في الضربات الخاطفة؛ ومن ثم تطور إلى العمل العسكري ضد المستعمرات الصهيونية والدوريات البريطانية؛ ما أشاع الذعر في الأوساط الصهيونية والإنجليزية؛ لعدم معرفتهم أصحاب هذه الأعمال.
وما لبث القسام وجماعته أن قرروا القيام بالثورة علناً؛ لرفع معنويات الجماهير، وإبراز أهداف الثورة، وإحباط الدعاية المضادة؛ فعقد اجتماع في بيت محمود سالم المخزومي في 12/11/1935؛ وعلى إثره توجه الثوار إلى الجبال وأحراج يعبد، وتسلل عدد كبير منهم إلى حيفا لمساندة الهجوم من هناك.  علم الإنجليز بوجود القساميين في أحراج يعبد؛ فأرسلوا قوات كبيرة، وحاصروا الأحراج، وحدثت عدة صدامات بين طلائع الرصد القسامية، وطلائع القوات البريطانية، قتل خلالها جندي بريطاني وبعض رجال الشرطة؛ فأمر المسؤولون البريطانيون بمهاجمة الأحراج.
استمرت المناوشات حوالي خمسة أيام، ثم اكتشف الإنجليز أن القسام نفسه موجود في المنطقة؛ وكانوا قبل ذلك يظنون أنه في حيفا؛ فشنوا هجوماً مركزاً صده القساميون.
وفي يوم 20/11/1935، وقعت المعركة الكبرى، واستمرت 4 ساعات، قتل فيها عدد كبير من رجال القوات البريطانية؛ واستشهد ثلاثة من قادة القسام، وجرح عدد آخر.
استؤنف القتال بعد ظهر ذلك اليوم؛ فاستشهد الشيخ عز الدين القسام، واستطاع من تبقى اختراق الحصار، ووصلوا إلى الشمال الفلسطيني، وهم يحملون جثة قائدهم الشهيد إلى حيفا.  وقد وقع عدد قليل من المجاهدين أسرى في يد الإنجليز؛ فنقلوهم على سجن نابلس.
نعي الشيخ وأصحابه من مآذن المساجد، وعلى رأسها المسجد الأقصى، وصلى الناس عليهم في كل مكان صلاة الغائب، وسار كوكب الجنازة مجللاً بالأعلام السورية والمصرية والعراقية واليمنية والسعودية؛ ودفن القسام في مقبرة الياجور قرب بلد الشيخ التي تبعد عن حيفا 7 كم.
وعلى عكس ما توقع الإنجليز، لم تكن ثورة القسام غير منعطف في تاريخ الحركة الوطنية؛ فقد أسست ومهدت للحركة الثورية التي ستسود فلسطين بعد عدة أشهر من استشهاد الشيخ ورفاقه.

ثورة 1936-1939
إذا استثنينا ثورة الجزائر؛ فإن ثورة الشعب الفلسطيني التي خاضها من سنة 1936 وحتى 1939 تعتبر أطول وأكبر ثورة قام بها أي شعب عربي ضد أعدائه.
لقد ولدت الثورة في نيسان 1936، حينما أعلن الإضراب العام، واتخذ شكلاً مسلحاً وعنيفاً في مطلع أيار 1936.  وقد كان متفقاً عليه أن يبقى الإضراب مستمرا وتؤجل الثورة المسلحة؛ لكن التطور السريع للظروف حتمت ضرورة إعلان الثورة؛ فرغم اشتداد الإضراب رفضت الحكومة البريطانية المطالب العربية بوقف الهجرة اليهودية، ثم تحدَّت الإرادة العربية علناً بإصدار شهادة هجرة جديدة قدمتها للوكالة اليهودية.
وبعد سلسلة من الاجتماعات السرية قرر المسؤولون الفلسطينيون إعلان الثورة، تبعه إعلان الجهاد المقدس في مطلع أيار 1936؛ وأذاع جيش الجهاد المقدس بياناً ضمنه أهداف الثورة التي هي نفسها التي اشتمل عليها الميثاق الوطني الفلسطيني.
خرج الحسيني فور صدور البيان مع فصائل جيش الجهاد إلى الجبال في القدس، وشرعوا بمهاجمة ثكنات الجيش والشرطة والمستعمرات، وبقطع طرق المواصلات؛ وقد اقتصرت الأعمال في الأيام الأولى على لواء القدس وحده بقيادة عبد القادر الحسيني.
اتسع نطاق الثورة بعد الانتصارات المتفرقة التي حققها المجاهدون، حتى عمت جميع أرجاء فلسطين بعد شهر من بدايتها.
تدفق المتطوعون من الأردن وسوريا ولبنان، ودخل فوزي القاوقجي وقواته إلى فلسطين؛ ما زاد حماس الفلسطينيين؛ فأخذوا يتبرعون بالمال والسلاح والرجال.  وفي الشهر الثالث للثورة تحولت إلى معارك مكشوفة مع قوات الاحتلال البريطاني والصهاينة.
بعد أن تبين للإنجليز أن المسألة تعدت الفورة الآنية؛ أخذوا يرتكبون المذابح وأعمال الإرهاب ضد العرب، ويدمرون بيوتهم، ويعتقلون المئات منهم؛ فيما تطور أداء المجاهدين إلى مهاجمة المدن الكبيرة لتحريرها، واغتيال موظفين كبار في سلطة الانتداب والجواسيس وباعة الأراضي والسماسرة؛ كما وقعت صدامات دامية بين النساء الفلسطينيات والجيش البريطاني؛ ما اضطر بريطانيا لإعلان حالة الحرب في فلسطين، ووضع قوانين الطوارئ موضع التنفيذ.
وعندما شعرت بريطانيا بأن الأمر أصبح خارج السيطرة رغم تدابيرها الوحشية؛ لجأت إلى أسلوب آخر؛ فأعلنت أنها ستوفد لجنة ملكية للتحقيق في قضية فلسطين؛ كما حاولت توسيط بعض الزعماء العرب لإيقاف الثورة؛ لكن هذا أيضاً لم يجد نفعاً.
أقالت الحكومة البريطانية القائد العام للقوات البريطانية في فلسطين، وعينت مكانه الجنرال ديل، الذي أحضر قوات عسكرية ضخمة بحراً وبراً وجواً من قبرص وقناة السويس والحبانية في العراق؛ حتى بلغ عدد القوات البريطانية في آب 1936 أكثر من 70 ألف جندي؛ هذا عدا عن 40 ألف شرطي؛ كما وضع الصهاينة قواتهم كذلك في خدمة الجيش البريطاني.
رغم ذلك صمد العرب، وحققوا مزيدا من الانتصارات؛ فسحبت بريطانيا الجنرال ديل، وولت مكانه الجنرال ويفل، الذي مني بالفشل نفسه؛ فاستبدل بالجنرال رتشي؛ ولكن دون جدوى؛ فاستبدلته بالجنرال ماكميلان؛ لكن الثورة ظلت مشتعلة.
وبعد توسط عد من الزعماء العرب تحت وعود بريطانيا بإنصاف عرب فلسطين، توقف الإضراب والثورة في 13/10/1936، بعد أن استمر 176 يوماً.
صدر النداء الذي توقف على أثره الإضراب والثورة عن عاهل السعودية (عبد العزيز آل سعود)، والملك غازي (عاهل العراق)، والإمام يحيى، والأمير عبد الله في 8ـ9/10/1936.
عادت الحياة إلى طبيعتها في فلسطين، وعاد القاوقجي والمتطوعون العرب إلى بلادهم، وعاد المجاهدون إلى قراهم، بعد أن قاموا بإخفاء الأسلحة؛ واتخذ قرار بلجوء كبار قادة الثورة إلى سورية ولبنان والعراق؛ وكان منهم: عبد القادر الحسيني، وحسن سلامة، وحنا خلف، وعبد الحليم الجيلاني، وعبد الرحيم الحاج محمد، وغيرهم.
في نهاية كانون الثاني 1937، أنهت لجنة بيل الملكية أعمالها، وعكفت على إعداد تقريرها في لندن.  وأفادت الأنباء بأن اللجنة ستوصي بتقسيم فلسطين؛ فأذاعت اللجنة العربية العليا بياناً رفضت فيه التقسيم؛ فعمت المظاهرات البلاد من جديد.
نشر تقرير اللجنة في 7/7/1937، وأوصى بإنشاء دولة لليهود على أقسام من فلسطين، وجعل القدس وحيفا تحت الانتداب؛ وأعلنت الحكومة البريطانية تبنيها للتقسيم واستعدادها لتنفيذه.
أذاعت اللجنة العربية العليا بياناً برفض التقسيم؛ فاشتد حنق بريطانيا على المفتي (أمين الحسيني)؛ فقررت اعتقاله وإبعاده إلى جزيرة موريشيوس في المحيط الهندي؛ لكنه أفلت من الاعتقال ولجأ إلى المسجد الأقصى.
تطورت الأوضاع بشكل سريع؛ فاشتدت المقاومة الشعبية للتقسيم واتسعت الهجمات العربية على ثكنات الجيش والمستوطنات؛ ولكن بريطانيا عنيت لويس أندروز حاكماً للواء الخليل، وأطلقت يده للعمل على مشروع التقسيم (وهو من غلاة الاستعماريين)؛ فاغتاله المجاهدون في الناصرة يوم 26/9/1937 مع مرافقة؛ ما دعا بريطانيا لتصعيد عدوانها؛ فأعلنت مجدداً حالة الطوارئ، وأذاعت بياناً يتهم اللجنة والمفتى بأنهما وراء الأحداث في فلسطين، واعتبرت أن اللجنة العربية العليا واللجان القومية الأخرى غير شرعية؛ وعزلت المفتي من رئاسة المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، واستبدلته بلجنة ثلاثية برئاسة البريطاني كيرك برايد.
اعتقلت الحكومة البريطانية 819 شخصاً من رجال الدين والأطباء والتجار والمحامين والصحفيين، ومعظم أعضاء اللجان القومية، ونفت بعض الزعماء الوطنيين إلى جزر سيشل، واستطاع بقية أعضاء اللجنة العربية العليا اللجوء سراً إلى لبنان.
رغم كل تلك التدابير، اشتدت المقاومة، واستطاع المفتي الهرب إلى لبنان؛ وهناك ورغم الرقابة التي فرضها الفرنسيون عليه إلا أنه أصدر بياناً أعلن فيه تمسكه بالحقوق المشروعة ورفضه قرار التقسيم؛ فاعتبر الفلسطينيون هذا البيان دعوة لمواصلة الثورة.
في هذه المرحلة أصبحت بيروت هي المركز الرئيس للقيادة الوطنية الفلسطينية؛ نتيجة وجود الحاج أمين، والكثير من قيادات الثورة هناك، واختيرت دمشق كمصدر للتموين.
لم تدخل قوات شعبية إلى فلسطين في هذه المرحلة من الثورة؛ بل اعتمدت على الفلسطينيين بقيادة عبد القادر الحسيني؛ رغم دخول بعض المتطوعين من الأردن والعراق وسوريا ولبنان.
كانت المعارك أشد عنفاً وتركيزاً واتساعاً، وخصوصاً داخل المدن؛ وتوالت أعمال اغتيال موظفي الحكومة الإنجليز والمتعاونين معهم وباعة الأراضي والسماسرة؛ ولكن هذه المرحلة لم يرافقها إضراب؛ ما سهل العمل نسبياً.
وقعت معارك عسكرية ضخمة، كان بعضها يستمر عدة أيام، واستطاع المجاهدون استرجاع بعض المدن ورفع العلم العربي مكان العلم البريطاني، ومنها: عكا، وبئر السبع، والخليل، وبيت لحم، وبيت ساحور، والمجدل، والفالوجة؛ ولم يخرجوا منها إلا بعد معارك ضارية مع البريطانيين؛ كما اتسعت الهجمات على المستوطنات.
من أهم المعارك التي دارت في أثناء الثورة: نور شمس، والجاعونة، وبلعة، واليامون، وبير السبع، وطبرية، والقدس.
في عام 1939، توقفت الثورة في الأراضي الفلسطينية؛ لأسباب، كان أهمها على الإطلاق بوادر نشوب الحرب العالمية الثانية.

معركة جدين:
بتاريخ 22/1/1948، تلقى أديب الشيشكلي قائد فوج اليرموك الأول، برقية من قائد جيش الإنقاذ، يطلب منه فيها مهاجمة مستعمرة صهيونية في الخليل للتغطية على عبور فوج اليرموك الثاني لنهر الأردن؛ بالإضافة للحصول على معلومات حول تحصينات المستوطنات.
قام الشيشكلي باختيار مستعمرة "جدين" هدفاً للهجوم؛ وتم الهجوم، وقاتل الصهاينة بعناد دفاعاً عن المستوطنة؛ لكن المهاجمين استطاعوا احتلال المراكز الأمامية؛ ولم تنجح قوافل الإمداد الصهيونية في فك الحصار عن المستوطنة، إلى أن وصلت قوة بريطانية لنجدتهم يوم 23/1/1948؛ فتراجعت قوات اليرموك بناء تعليمات تلقتها؛ تجنبا للصدام مع البريطانيين.
كانت خسائر فوج اليرموك 18 شهيداً (هم أول شهداء جيش الإنقاذ)؛ ولكن المعركة قدمت المطلوب منها؛ إذ استطاع جيش اليرموك الثاني عبور النهر بقيادة محمد صفا؛ كما قدمت المعركة معلومات وافرة عن المستوطنات وتحصيناتها.

معارك باب الواد:
باب الواد عبارة عن ممر يربط السهل الساحلي بجبال القدس، وتتشعب منه طرق كثيرة مثل: القدس، والرملة، وبيت جبرين، وعرطوف، وغزة، ورام الله.  وتطل عليه قرى مثل عمواس واللطرون وتل الجزر وأبو شوشة وبيت نوبا ويالو.
ولأنه مفتاح القدس؛ فإن له أهمية عسكرية عظيمة؛ فدارت فوقه معارك عظيمة عبر القرون؛ فعنده قام صلاح الدين بصد هجوم ريكاردوس قلب الأسد، (ق12م)، وفي موقعه وقف المقدسيون في وجه إبراهيم باشا سنة 1834م، ودارت فوقه معارك دامية في الحرب العالمية الأولى بين الأتراك والإنجليز 1917.
عمل العرب على قطع الطريق على الصهاينة الذين أرادوا احتلال باب الواد بعد قرار التقسيم؛ فتجمع المقاتلون من القرى المجاورة لباب الواد، وكانوا في البداية 300 مقاتل، على رأسهم الشيخ هارون بن جازي (أحد شيوخ قبيلة الحويطات شرقي الأردن)؛ وقد انضموا إلى لواء قوات جيش الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني.
قامت القوات العربية بتخريب الطريق، وإتلاف أنابيب المياه التي توصل الماء للأحياء اليهودية؛ ثم أخذوا يتصدون للقوافل اليهودية المحروسة التي تمر كل أسبوع بباب الواد.
فقد هاجموا القافلة يوم 1/3/1948، وقتلوا 4 من رجالها؛ وفجروا الألغام تحت السيارات الصهيونية يومي 12،13/3، وقتلوا 5 من ركابها؛ وفي 19/3 قتلوا 15 رجلاً، بعد أن هاجموا القافلة. ونتيجة اشتداد وطأة الهجمات؛ استنجد يهود القدس بسلطات الانتداب، التي وضعت في عرطوف قوة بريطانية من 200 جندي لحماية القوافل الصهيونية.
حاولت القوات الصهيونية ليلة 31/3، احتلال التلال المشرفة على باب الواد؛ لكن العرب اشتبكوا مع القافلة قرب مستعمرة خلدة؛ ما خلف قتلى كثيرين في الجانبين؛ ولكن الأهم أن العرب استطاعوا دحر الصهاينة وإعادتهم إلى خلدة، وغنموا بعض السيارات.
في 16 نيسان خاض العرب معركة بقيادة أحمد زونا والشيخ هارون بن جازي، قافلة من 250 سيارة عسكرية عند دير أيوب؛ استمرت حتى الساعة الرابعة عصرا وانتهت بتدمير 60 سيارة والاستيلاء على 15 سيارة أخرى وكمية من الأسلحة.
وفي 13 أيار حدثت معركة كبيرة أسفرت عن مقتل 300 صهيوني، وتمسك العرب بالموقع حتى تسلم الجيش الأردني الموقع في15/5/1948.

معركة بيت سوريك
تقع بيت سوريك شمال غرب القدس، وتشرف على الطريق بين السهل الساحلي والقدس.  وقام عبد القادر الحسيني ببث العيون لجمع المعلومات عن الأنشطة العسكرية للصهاينة؛ فكان من ضمن الأبناء التي تلقاها أن الصهاينة سيرسلون إلى القدس قافلة من السيارات تحمل التموين يوم 19/1/1948.  وأفادت المعلومات أن القافلة سيحرسها الصهاينة والبريطانيون.
عقد عبد القادر الحسيني اجتماعاً مع قادة قطاعات قرى ساريس والقسطل وقالونيا وصوبا؛ وكان في الاجتماع كامل عريقات وإبراهيم أبودية؛ وتم في هذا الاجتماع وضع خطة لتدمير القافلة والقوات التي تتولي حراستها؛ على أن يقود الهجوم بنفسه.
تغيرت الخطة؛ لأن القافلة غيرت مسارها إلى بيت سوريك؛ فانتقل المقاتلون العرب إلى تلك القرية؛ وعند الظهر وصلت القافلة إلى الكمين الجديد؛ فانقض عليها المهاجمون العرب من كل الجهات، وقاموا بتفجير الألغام تحت العربات؛ فأخذ الصهاينة يتركون العربات ويفرون باتجاه مستعمرة الخمس؛ فانتهت المعركة بتدمير القافلة، وقتل عدد كبير من الصهاينة والإنجليز، وفرار الأحياء منهم. وأصدر الحسيني أمراً لقواته بعدها بالتراجع.
وقد كانت خسائر الجانب العربي في هذه المعركة سبعة شهداء؛ لكنهم غنموا كمية كبيرة من الذخيرة والبنادق والرشاشات.

معركة بئر السبع
تشكلت في بئر السبع حامية من الشرطة والهجانة قوامها 60 رجلاً، بعد إعلان بريطانيا عن نيتها في الانسحاب من فلسطين؛ وأضيف إلى هذه الحامية عدد من المتطوعين من أبناء البدو، وتولى قيادتهم عبد الله أبو ستة.
لجأ الصهاينة، بمجرد انسحاب بريطانيا من منطقة بئر السبع في 14/5/1948، إلى بسط سيطرتهم على الطرق الهامة من الناحية العسكرية؛ فيما قام العرب بدعم الحامية بعدد من المتطوعين المصريين والليبيين.
وفي 18/5 دخلت كتيبة مشاة مصرية بقيادة أحمد عبد العزيز إلى قطاع بئر السبع؛ وما لبثت القيادة المصرية أن سحبت معظم هذه الوحدة؛ بسبب الوضع العام الذي يتطلب ذلك حسب ادعائها؛ ما جعل الدفاع عن المدينة ضعيفاً.
في 18/10/1948، شن الجيش الإسرائيلي هجومًا على بئر السبع فطلب قائد الحامية النجدة من الحكومة المصرية؛ إلا أنها لم تنجده؛ في الوقت الذي كان فيه الجيش الإسرائيلي يملك الطائرات ويهاجم المدينة بخمسة آلاف مقاتل مزودين بالمدافع والمصفحات والرشاشات الثقيلة.
بدأت المعركة بقصف جوي بدأ يوم 18/10 إلى يوم 21/10، نجم عنه تدمير عشرة منازل وقتل 7 أشخاص؛ عدا عن الذعر الذي خلفه في المدينة.
يوم 20/10/1948، مهدت المدفعية للهجوم البري من الشمال والشمال الغربي لتدخلها يوم 21/10/1948، وتقضي على ما تبقي من مقاومة داخلها، لتسيطر عليها تماماً.

معركة بيسان
ضمن إطار خطة "دال" التي تقضي باحتلال أكبر عدد من المدن والقرى العربية، قبل الانسحاب بريطانيا؛ قامت “الهاغاناة” بشن هجوم على بيسان فجر 1/5/1948.
تسلل 300 مقاتل من “الهاغاناة” إلى تل الحصن، واحتلوه ومن هذا الموقع، بدأوا بقصف بيسان، تمهيداً للهجوم عليها.
بدأ الهجوم على بيسان فجر 12/5/1948؛ ولم يكن فيها غير 175 رجلاً من الأردنيين والفلسطينيين؛ الذين تمكنوا من صد الهجوم الأول؛ إلا أن الصهاينة كثفوا هجومهم مرة ثانية؛ فدخلوا بيسان وقاموا بجمع أسلحة المناضلين.
أبلغ قائد الهجوم السكان بأن بإمكانهم البقاء في منازلهم؛ على ألا يبدوا أي مقاومة؛ فبقي سكانها جمعياً.  وبعد شهر طلب من الجميع مغادرة البلدة؛ فنزح بعض السكان عنها؛ أما من أصر على البقاء؛ فقد نقلته السلطات الصهيونية في عربات بقوة السلاح إلى الحدود السورية.

معارك حيفا:
إن وجود مصفاة للنفط في حيفا عام 1947 جعلها من أكبر الموانئ في البحر المتوسط بعد الإسكندرية، هذا طبعاً عدا عن وقوعها على عقده طرق حديدية وبرية؛ فكان هذا سبباً جعلها محل اهتمام السلطات البريطانية؛ فخططت لإجلاء قواتها عبر ميناء حيفا.
بالنسبة للصهاينة لم تكن المدينة تقل أهمية؛ لكونها تربط خطوط مستعمراتهم، ولأنهم يطعمون في جلب المهاجرين عبر مينائها؛ أما العرب فكانوا ببساطة يعتبرون حيفا جزءاً من وطنهم التاريخي،له أهميته الاقتصادية.
كان في حيفا قوة عسكرية مدربة من “الهاغاناة” و”الأرغون” تبلغ 5000 رجل، ضمن تشكيلات نظامية مجهزة ومسلحة، لها قيادات؛ فيما افتقر العرب إلى السلاح والعتاد.  أضف إلى ذلك أن العرب كانوا يقطنون أسفل سفح الكرمل؛ أما الصهاينة فقد كانوا يقطنون أعلاه "هادار الكرمل" ويطوقون الأحياء العربية بعدد من المستعمرات.
تألفت لجنة وطنية مرجعها السياسي "الهيئة العربية العليا"، بعد تلقيها وعودًا بالدعم من اللجنة العسكرية في دمشق، التي كان يرأسها رشيد الحاج إبراهيم؛ وقد كلف الملازم محمد حمد الحنيطي بقيادة الحرس الوطني وتنظيم الدفاع عن المدينة.
بدأت الاشتباكات فور صدور قرار التقسيم، وازداد توتر الموقف؛ بعد أن فجر الصهاينة قنبلة في الجانب الغربي من المدينة في 30/12/1947؛ فقتل 6 عمال عرب وجرح 41، وهم من عمال مصفاة النفط؛ فانقض العمال العرب في المصفاة على الصهاينة العاملين فيها؛ إذ قتلوا 41 منهم.  
وفجر العرب عربة بريد في القطاع الصهيوني بتاريخ 14/1/1948؛ فأصيب 45 صهيونياً؛ ولكن المعارك التي دارت بعد ذلك أدت إلى استشهاد الملازم محمد الحنيطي في كمين صهيوني، وهو عائد بالسلاح من لبنان في  18/3/1948، وتولى أمين عز الدين القيادة مكانه.

في أواخر آذار 1948 قضي العرب على قافلة صهيونية بالكامل.  وفي 21/4/1948 أبلغ الحاكم البريطاني المسؤولين العرب قراره إخلاء حيفا؛ وكان قد أبلغ الصهاينة بذلك يوم 17/4؛ وكان هذا إشارة للصهاينة لبدء خطتهم للاستيلاء على حيفا والمعروفة باسم "سباراييم" (المقص).
فجر يوم 22/4 اندفعت سرية صهيونية واستولت على بيت النجادة الذي يشرف على وادي رشمية؛ لكن العرب حاصروها طوال اليوم، وقتلوا كثيرا من أفرادها، ولم تستطع التعزيزات الصهيونية أن تفك الحصار عنها؛ لكن هذه العملية جذبت الكثير من المناضلين نحوها؛ ما أدى إلى تسهيل عمل لواءين آخرين من الصهاينة؛ فما أن جاء 23/4 حتى كان الحي العربي مقسم إلى 3 أقسام حسب الخطة الإسرائيلية.
طلب الجنرال البريطاني ستوكويل من الطرفين عقد هدنة، ونقل للعرب عشرة مطالب صهيونية، من ضمنها: أن يسلموا أسلحتهم خلال 3 ساعات، ويزيلوا الحواجز عن الطرق، ويسلموا  إدارة المدينة للصهاينة؛ لتقوم بمنع التجول والتفتيش بحثاً عن أسلحة.
بالطبع قرر العرب رفض الشروط؛ لاقتناعهم بأنهم سيتعرضون للذبح إذا قاموا بتسليم أسلحتهم؛  وفي نفس الوقت قام الصهاينة بقلب المساجد التي استولوا عليها إلى اسطبلات، ونزعوا شواهد القبور الرخامية لاستعمالها في البناء.  ولكي يشيعوا الرعب في المدينة؛ ألقو جثث الشهداء على الأرصفة؛ ما أدى إلى مغادرة حوالي 70 ألف عربي للمدينة؛ فسقطت حيفا في أيدي الصهاينة؛ ما كان له أكبر الأثر في سير الحرب بكاملها.

  
معركة اليرموك:
يطلق على الأرض والوادي والنهر اسم اليرموك؛ ثم أصبح يطلق على المعركة التي جرت بين المسلمين والإمبراطورية البيزنطية على جانبي أحد روافد نهر اليرموك الذي يمتد من جبال حوران، ويجري قرب الحدود بين سوريا وفلسطين، وينحدر جنوباً ليصب في غور الأردن، ثم في البحر الميت، وينتهي مصبه في جنوب الحولة. 
بعض المؤرخين يعدّون معركة اليرموك من أهم المعارك في تاريخ العالم؛ لأنها تمثل بداية موجة انتصارات المسلمين خارج جزيرة العرب، وآذنت بسرعة نشر الإسلام في بلاد الشام. 
أدرك البيزنطيون خطورة الفتح الإسلامي بعد عام من المعارك بين المسلمين والحاميات البيزنطية في الشام؛ فقام هرقل بحشد الجيوش بقيادة "ماهان"؛ بهدف إخراج المسلمين من الشام.  ولمعرفة كم الجيوش التي جاء بها هرقل نقرأ جزءاً من رسالة أبي عبيدة بن الجروح لعمر بن الخطاب "نفرت الروم إلينا براً وبحراً وسهلاً وجبلاً، ولم يخلفوا وراءهم رجلاً يطيق حمل السلاح إلا جاؤوا به".  ويقدر المؤرخون عدد الجيش البيزنطي بين مئة ألف على أقل تقدير و400 ألف على أكثر تقدير؛ فيما كان عدد المسلمين ما بين 24-46 ألفاً.
تقابل الجانبان، وبدأت المناوشات؛ فتفوق البيزنطيون لحسن تنظيمهم؛ لكن جيش المسلمين، الذي ضم الكثير من الصحابة والنساء، تجمع تحت راية خالد بن الوليد، الذي  انتقل من الدفاع إلى الهجوم، وتمكن بعبقريته الفذة من شن الهجوم المجازف على الروم، ليحول الهزيمة الموشكة للمسلمين إلى نصر مؤزر لهم بإذن الله؛ مستثمرًا إمكانيات سرية الفرسان في سرعة التنقل؛ ما أدى إلى فرار الروم؛ فداس بعضهم بعضاً، وتراجع من نجا منهم إلى المدن. 

موقعة الطواحين:
هذه الموقعة جرت بين الجيش العباسي بقيادة أبو العباس ابن الخليفة الموفق، وبين الجيش الطولوني بقيادة خماروية بن أحمد بن طولون.
بعد احتلال أبو العباس لسوريا الشمالية ودخوله أرض فلسطين، تجمع المنهزمون من سوريا وما خرج من مصر من جند مع خمارويه، إضافة إلى حامية فلسطين؛ ليواجهوا الجيش العباسي سنة 271هـ، على نهر أبي قطرس (المعروف الآن بنهر العوجا) شمال الرملة (أصبح المكان فيما بعد يدعى الطواحين).
في البداية أحزر العباسيون نصراً على الطولونيين، وهرب الأمير الطولوني حتى وصل عاصمة مصر؛ فانشغل العباسيون بجمع الغنائم؛ فخرج عليهم كمين يقوده سعد الأيسر؛ فظنوا أن المهزومين قد عادوا فاندحر العباسيون حتى دمشق. 
ونتيجة لهذا الانتصار توطد سلطان الطولونيين في فلسطين وفي قسم كبير من شمال سورية؛ أما الأسرى فقد تعامل معهم خماروية كضيوف.

معركة الأقحوانة:
كثر الطامعون في إخراج الفاطميين من بلاد الشام، ومن بينهم بنو مرداس، وكان مؤسس دولتهم هو صالح بن مرداس الكلابي، الذي انتزع حلب من منصور بن لؤلؤ عام 1023م.  وكان بنو الجروح يطمعون في حكم فلسطين، وكان لسنان بن عليان مطمعاً في إقامة ملك في بلاد الشام.
كان من الطبيعي أن يقوم حلف بين صالح بن مرداس وحسان بن الجروح وسنان بن عليان، على أن يتعاونوا على طرد الفاطميين واقتسام البلاد: المرداسيون في الشمال؛ وبنو الجروح لهم من الرملة حتى حدود مصر؛ ودمشق ومحيطها لسنان وجماعته.
لم يكن الخليفة الظاهر غافلاً عما يحدث؛ فأرسل جيشاً ضخماً مجهزاً (1030م) بقيادة أمير الجيوش أنوشتكين الدزبري فانتصر الدزبري وقتل صالح بن مرداس وهرب حسان بن الجروح إلى البيزنطيين، واسترد الفاطميون سوريا بهذا النصر. جرت الموقعة عند الأقحوانة وهي مكان على طريق الأردن ـ سوريا ـ فلسطين جنوب مدينة طبريا على نهر الأردن.

معركة حطين:
معركة حطين معركة فاصلة، وقعت بين الصليبيين وقوات المسلمين، في 4 يوليو 1187م، قرب حطين، بين الناصرة وطبرية؛ وقد انتصر فيها المسلمون، وأسفرت عن سقوط مملكة القدس، وتحرير معظم الأراضي التي احتلها الصليبيون.
وكانت مناطق جنوب لبنان وفلسطين، والقدس تحديدًا محتلة بيد الصليبيين؛ وكان الإقطاعيون الصليبيون والبارونات والفرسان قد نصبوا أنفسهم أمراء وملوك على تلك المناطق؛ فكان هذا مدعاة للسعي إلى تحرير البلاد من ظلمهم.  وقد شن أحد بارونات الإفرنج البارزين (رينالد دوشاتيون) غارة لصوصية؛ ما شكل سببًا مباشرًا اقتضى هجوم المسلمين.  وكان رينالد دوشاتيون قد اعتاد نهب وسلب قوافل التجار؛ فقرر صلاح الدين إعلان الحرب على مملكة القدس.

تجمعت قوات المسلمين الموحدة من دمشق وحلب والموصل؛ ووافاه جيش من مصر بقيادة الملك العادل؛ فضمّه إلى جيش الشام، وسار إلى تل عشترة.
عبر صلاح الدين بجيشه نهر الأردن جنوبي طبريا، وسار في اليوم التالي إلى تل كفر سبت (كفر سبيت) في الجانب الجنوبي الغربي من طبريا، وحاول الاشتباك مع الصليبيين؛ فرفضوا القتال. 
وفي 2 يوليو استولى جيش المسلمين على طبرية قاطعًا على عدوه طريقه إلى الماء.
أحرق المسلمون الأعشاب والشجيرات في كل مكان، واستولوا على عيون الماء. 
وحين وصل الصليبيون العطشى إلى السهل الواقع بين لوبيا وحطين، شن صلاح الدين هجومًا؛ ففروا إلى تلال حطين؛ فحاصرت قوات صلاح الدين التلال؛ وأقبل الليل وتوقف القتال.
في اليوم التالي (في 4 يوليو 1187)، قامت معركة حطين؛ والتحم الجيشان على بعد ميلين من حطين؛ وأهلكت سهام جيش صلاح الدين الصليبين؛ ثم شن هجومًا بالسيوف والرماح؛ فقتل وجرح وأسر الكثير؛ فاستسلم الألوف منهم. 
وقام الصليبيون بمناورة، بأن تقدموا بقيادة قائد الفرسان (ريمون الثالث، أمير طرابلس)، بأمر من غي دي لوسينيان (ملك القدس)؛ وزحزحوا بهجومهم هذا قوة يقودها تقي الدين عمر؛ فظنوا أنهم فتحوا ثغرة في صفوف المسلمين؛ فاندفعوا فيها.  وحاصر جيش المسلمين جزءًا من الجيش الصليبي، وشطره إلى شطرين.  ودامت المعركة نحو 7 ساعات على التوالي؛ خسر فيها الصليبيون آلاف الجرحى والقتلى، ووقع الملك غي دى لوزينيان ملك القدس آنذاك في أسر صلاح الدين، بالإضافة إلى العديد من القادة والبارونات، ولم ينج إلا بضع مئات فروا إلى صور واحتموا وراء أسوارها.
وكان من بين الأسرى أرناط (رينالد دوشاتيون، صاحب حصن الكرك، والعديد من كبار قادة الصليبيين، وضرب صلاح الدين عنق أرناط؛ فيما أحسن إلى باقي الأسرى.
وفي النصف الثاني من سبتمبر في سنة 583هـ/ 1187ميلادية، حاصر المسلمون القدس؛ فاستسلمت بعد ستة أيام.

معركة غزة الثانية:
بعد وفاة صلاح الدين كثر الخلاف بين ملوك الأيوبيين في مصر والشام والجزيرة؛ فبدأوا حينها بالاستعانة بقوة خارجية إسلامية أو غير إسلامية.  وفي العقد الخامس من القرن 13م، استفحل العداء بين الملك الصالح أيوب في مصر، وعمه الصالح إسماعيل في دمشق، وساند الصالح إسماعيل الناصر داوود في الأردن والمنصور إبراهيم في حمص؛ وهؤلاء طلبوا مساعدة الفرنجة ضد الملك الصالح.
وحشد الثلاثة قواتهم عند غزة؛ تمهيداً لغزو مصر، بمساعدة الفرنجة؛ وعندها استعان الملك الصالح بالخوارزمية؛ فاندفع منهم عشرة آلاف ليدخلوا بلاد الشام واجتاحوا في طريقهم نابلس والقدس وطبريا حتى اجتمعوا بعسكر الصالح أيوب بقيادة بيبرس قرب غزة.
جرت المعركة في تشرين أول من عام 1244، وحلت بالفرنجة ومن ناصروهم هزيمة ساحقة؛ حتى قدر عدد القتلى بثلاثين ألفاً؛ وأخذ 800 أسير إلى مصر.
وكانت هذه أعظم هزيمة تحل بالصليبيين بعد حطين؛ حتى أن بعضهم أطلق عليها "حطين الثانية".

Post a Comment

Previous Post Next Post