البعد النفسي لرواية اللص والكلاب 

البعد النفسي لرواية اللص والكلاب 
إن قراءتنا لرواية اللص والكلاب من المنظور السيكولوجي، تنتهي بنا إلى وعي ما تخفيه الشخصيات من مشاعر وأحاسيس وعواطف متوترة



 نستنتج منها عمق الحالة الحرجة الإنسانية النفسية التي يتكبد منها المجتمع المصري والعربي في خمسينيات وستينيات القرن20، الذي قدر عليه أن يقطن في زمن غريب لا يأنس له ولا يشعر معه بالاطمئنان ، إن مؤلف اللص والكلاب بذلك المعنى قصة واقعية نقدية شكلية تكشف عن الوضعية النفسية للمجتمع عن طريق التعمق في شخصية سعيد مهران الذي تعرض لخيانات اجتماعية وسياسية خلقت منه نموذجا بشريا دائم التوتر والحيرة ، فمن يكون سعيد مهران نفسيا؟ وما علاقته بالإنسان العربي؟
لقد قدمت حكاية اللص والكلاب شخصية سعيد مهران هذا الشاب الفقير الذي تعرض لأنواع من الحرمان والقهر بخصائص نفسية جعلت منه نموذجا إنسانيا عربيا يتكبد من قلق نفسي وعاطفي وقلق وغربة سواء تجاه من خانوه" نبوية، عليش، رؤوف" أو أحبوه" نور، طرزان، فئة المعدمين" أو إزاء الدهر الزمن الفائت والحاضر والمستقبل،فعن سبيل استعادة شريط الوجع " موت أبوه، والدته، خيانة الزوجة الصديق، الأستاذ،" نفهم سر جنون سعيد مهران، فجنونه أزمة نفسية نجلها الإنسان الذي خان شعبه وتنكر للمبادئ، وأزمة نجلها الصديق الذي خان الصداقة، وولدتها الزوجة التي نسيت الإخلاص...، لهذا لا غرابة أن يقطن سعيد مهران فراغا 
عاطفيا، وروحانيا، وغربة، وضياعا، وقلقا، وتوترا، وتلك صورة مصغرة لأسر كثيرة تساهم سعيد تلك المكابدة سواء كان تواجدها داخل أم خارج المؤلف.
وهي أزمة نفسية ألقت بثقلها على الصلات الرومانسية بين الأشخاص، بحيث أصبحت أكثر مأساوية، فعلاقات الحب التي يمثلها في المؤلف حب سعيد لابنته وحب نور لسعيد، تتراجع لتفسح الميدان للكراهية والحقد، فتكون النتيجة قتل ومطاردة ورغبة في الانتقام، مثلما أن رابطة الإخلاص التي يجسدها في المؤلف إخلاص طرزان و نور لسعيد ، قد تراجعت بدورها لتحل محلها الخيانة 
بأبعادها الاجتماعية والسياسية. بل حتى الرابطة الروحانية بين الإنسان وربه تأثرت في وسط ذلك المجتمع الجوهري ودليل هذا رابطة سعيد برباط علي الجنيدي.
هكذا يظهر العالم السيكولوجي كئيبا وما يضيف إلى كآبته حضور تيمات البغي والكره والخيانة، خيانة وظلم وكره أكثر قربا وأعز الناس إليك أو من كان من المفروض أن يحبوا، وتيمة الحب أيضا إلا أن بوجه حديث يسبب لصاحبه الأحزان أكثر من الأفراح، حب سعيد لسناء المصاب، وحب نور لسعيد الذي فات زمنه. 
هكذا يظهر واضحا بأن نجيب محفوظ قد تعمد التركيز على نفسية بطل تلك القصة لغاية أعلن التحولات العسيرة التي يعيشها الإنسان المصري والعربي وتداعياتها على نفسية الشخص خاصة الفقير الكادح.



الكشف عن البعد النفسي لرواية اللص والكلاب

البعد السيكولوجي في الحكاية يطبعه الاضطراب، التوتر، التوجس، الإضطراب كقاسم مشترك بين الشخصيات و إن اختلفت العوامل ، وقد تطور إلى و الشعور بالمهانة و الخزي و العار في مواجهة العائلة و الأصحاب و الذات، الذي ولد الحقد و الحنق و الرغبة الجلية في الإنتقام التي تغمر سعيد و هو قادم على الإنتقام ، أو رؤوف و هو يتلدد بملاحقة سعيد للتخلص منه. و يتأرجح البعد السيكولوجي تارة بين الإنشراح و التفاؤل خلال التجهيز للإنتقام، و بين الإحباط و الندم عقب مشوار طويل من الإرتباك و الإضطراب نتيجة فشل المساعي الإنتقامية نتيجة لـ التسرع و التهور و التقديرات الخاطئة . أما فيما يتعلق للمشاعر الرومانسية كالحب، فسعيد مهران لم يعلم طيلة حياته سوى حبا مصابا، كحبه لنبوية الدي تبدل إلى كراهية بتصرف الخيانة، و حبه لابنته سناء التي انكرته ثم حب نور لسعيد الذي فات زمنه



رهان تحليل رواية اللص والكلاب 
يظهر سعيد مهران شخصية غير متوازنة وغير متزنة نتيجة لـ كثرة أخطائها في إصابة أهدافها، مثلما أنها شخصية مشكلة تتأرجح بين الذات والموضوع، وتتكبد من التشاحن الداخلي ومن التمزق السيكولوجي الناتجين عن خيانة قرينته نبوية وصديقه عليش سدرة وأستاذه رؤوف علوان الذي كان يعلمه النضال والثورة على الفقر من خلال إستيلاء على الأغنياء بأسلوب فردية أو بأسلوب جماعية ممنهجة، وقد كان منبهرا بصوته الثوري الشديد وبمبادئه الاشتراكية الرائعة التي تسوي بين المعدمين والأغنياء في تقسيم حصيلة الوطن وتوزيعها بعدالة على الشعب وأولاد المجتمع، بيد أن تلك الشعارات كانت جوفاء فارغة من كل معنى . 
وعليه، فسعيد مهران بخروجه من السجن صار شخصية أخرى ترغب في الانتقام والثار ، أي أصبحت شخصية عدوانية حاقدة أتت لتشعل النار في أجساد الخائنين والماكرين الخادعين الذين زجوا به في السجن كيدا وخديعة. ووفقا لذلك، يتسلح سعيد مهران بالمسدس ليصفي حساباته مع كل الأوغاد الذين فرطوا في قيم التلمذة والصداقة و المحبة. لهذا، يتبدل سعيد إلى شخصية عدوانية عابثة تشاهد الوجود كله يأسا وسأما وعبثا من دون معنى ولا نفع . 




ويلمح أن التناتوس ( الوفاة أو الغرائز العدوانية ) هو الذي كان يحرك سعيد مهران شعوريا ولاشعوريا ، وهو الذي كان يدفعه لتصفية الحسابات مع الخونة والقضاء على حياتهم، ولكن شخصية مهران لم تكن تدبر جيدا لأهدافها. ووفقا لذلك، كان قتله للأبرياء والبوابين دليل على نطاق ليس لها مبرر حياته ولا فائدة وجوده . 
ومن جهة أخرى، كان نجيب محفوظ ينتقد التجربة الاشتراكية الناصرية والضباط الأحرار والتابعين لنهجهم الذين كانوا يطلقون شعارات وطنية ثورية في غضون فترة الملكية في فترة حكم الملك فاروق ؛ إذ كانوا ينددون بالفساد السياسي والاقتصادي والأخلاقي والمجتمعي، ويدعون إلى الحرية والديمقراطية ودسترة البلاد وتحقيق العدالة الاجتماعية. ولكن لما تولى الضباط الأحرار الحكم وتسلم محمد نجيب وجمال عبد الناصر الحكم، كثر الفساد في تلك الفترة وهيمنت البيروقراطية وأممت ممتلكات الشعب وارتفع الفقر وكثر الجوع وتشعّب وتوسع البغي الاجتماعي، واستفاد الثوار الاشتراكيون من المناصب السامية وأصبحوا متبرجزين فقط مثل الباشاوات في فترة حكم الملكية المطلقة، وما رؤوف علوان سوى نموذج للانتهازية في غضون الخمسينيات وفترة الستينيات. وخان الدعاة والساسة الشعارات الاشتراكية التي كانوا يدافعون عنها، ومكروا بالشعب واستفادوا من الأموال الطائلة، وسببت تلك الخيانة في وقت لاحق في عديدة نكسات وهزائم استنزفت خزينة الجمهورية، وخصوصا الهزيمة النكراء التي فاز فيها العدو الصهيوني على العرب وقوضت مكانة حُسن عبد الناصر قوميا سنة 1967م . 

تعريف البعد النفيبي الاجتماعي في الرواية
احداث رواية الرمز في  القراءة التركيبية لرواية اللص والكلاب
ويقول غالي شكري محددا مرجعية القصة وسياقها الخارجي:" تنتقل بنا ( القصة) من الأحوال الجوية الملحمي إلى قلب التراجيديا على الفور. هذا أن التحويل المنشود قد تم في مناخ أدنى ما يوصف به أنه حاد التوتر، فلا ترتيب سياسي يتولى قيادة اهتمامات الحشود إلى الاشتراكية، والقرارت الفردية تنزل من عل فلا يتحقق منها ما يتحقق سوى بالقهر ودون إعادة نظر، والمنتمون الثوريون يعجزون عن المساهمة في تصحيح ما يستوجب التصحيح... وفي دام ذلك عدم الحضور الشامل للتنظيم والديمقراطية جنبا إلى جنب الأحكام العلوية التي لا يتوافق مضمونها مع معدات التنفيذ للدولة القديمة المهيمنة، يحدث المنتمي في أزمة حديثة عنيفة بين الوجه الذي علمه الثورة وانضم إلى صفوف الطبقة الحديثة الوليدة وخان، وبين الوجه الرابض في أعماقه للكتاب والمسدس ." 




ويعني ذلك أن سعيد مهران شخصية ثورية تسعى تحويل الواقع ولكن بلا مقصد، أي إنها لم تنجح في هذا مَهما فوز. ولقد " استكمل الواقع الحي إلى مكاسب العلم والفكر الاشتراكي، أن طبقة حديثة قد ولدت في وجود الفراغ المنهجي والسياسي والأيديولوجي، وأن تلك الطبقة التي يمثلها في القصة" الصحفي" رؤوف علوان قد خانت مبادئ الثورة وأمست العدو الأول لسعيد مهران وما يمثله من قيم... وأيضاً استكمل الواقع الحي أن الشيخ الجنيدي لم يكن في جعبته من التصوف ما يشفي غليل سعيد مهران إلى الحرية والعدل ".
ولا أتفق مع ماذهب إليه غالي شكري في تعليله لوجهة نظر الشيخ علي الجنيدي؛ لأن الحل الحقيقي لأزمة سعيد مهران هو الحل الديني والصوفي، وهذا بتنقية الحس الأخلاقى من ترهات الثوار الاشتراكيين الذين فشلوا في تحويل الواقع وزجوا بسعيد مهران إلى السجن، فالحل- إذاً- هو الرجوع إلى الله الضامن الحقيقي للسعادة البشرية. وإن رؤوف وأمثاله من الخونة انتهازيون لن يقدموا أي حل يسعد الإنسان إلا الحل الروحاني الذي يوميء إليه علي الجنيدي من خلال تحويل الإنسان لنفسه وتطهيرها من أطماع الدنيا الزائلة والتخلي عن شوائب الأيديولوجيا الزائفة والارتماء بين أحضان الرب. وموقف الجنيدي كان واضحا وهو أن يبدأ سعيد بالتصالح مع الله، وأن يقتنع بالوجود الحقيقي عوضا عن الوجود الإيديولوجي والعبثي الذي يبحث عنه. و لن يتحقق التحويل في المجتمع سوى بالاتكال على الله والتحلي بالصدق والرجوع إلى هداية الله وتمثل شريعته المستقيمة. وما هزيمة جمهورية مصر العربية في حرب يونيو 1967م في مواجهة القوى الصهيونية والغربية إلا مؤشر على النفاق وتضعضع السياسة الناصرية والاحتكام إلى الأهواء الشخصية والإيديولوجية .

البعد الاجتماعي و النفسي لرواية اللص والكلاب

Previous Post Next Post