مقدمة

لاشك أن تزايد حركة التكتلات والاندماجات هى أحد أشكال العولمة الاقتصادية، فلقد شهد العقدين الآخرين من القرن العشرين عملية إندماج دولى لأسواق السلع والخدمات ورؤوس الأموال لم يسبق لها مثيل فى الماضى.

 

ولعل الاتجاه إلى تكوين التكتلات الاقتصادية العملاقة بين مجموعة من الدول التى تتوافر فيها عدد من المقومات المتجانسة والتى تربطها فى النهاية مصالح اقتصادية مشتركة هى من أهم الخصائص المميزة للنظام الاقتصادى العالمى الجديد (العولمة)، وتأكيداً على تزايد عدد وقوة هذه التكتلات ما أشارت إليه إحدى الدراسات التى أجراها صندوق النقد الدولى خلال (عام 1995) أن حوالى 45 من أنظمة التكامل الاقتصادى فى مختلف صورها ومراحلها، تشمل 75% من دول العالم, وحوالى 80% من سكان العالم وتسيطر على 85% من التجارة العالمية.

 

ولعل أبرز وأنجح هذه الاتحادات الإقليمية فى عصرنا الحالى اتحاد النافتا فى أميركا الشمالية(NAFTA North American Free Trade Area)، الاتحاد الأوربى (European Union  EU)، وأيضا اتحاد الآسيان (East Asia-Pacific APEC) .

 

 فى حين انه على مستوى المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط لم تنجح حتى الآن محاولات إقامة سوق عربية مشتركة وكذلك السوق الشرق أوسطية ولعل تجارب التكتلات الناجحة فى العالم تكون هدفا أساسيا ومثالاً يحتذى به للدول النامية ودول المنطقة العربية. 

 

 

لاشك أن فكرة العمل الجماعى والتعاون بزغت مع سيطرة مفهوم العولمة والمنافسة الشرسة على مستوى العالم، وترجمت لصور عديدة من إندماجات وتكتلات وعمليات إستحواذ، وأيضاً لعولمة الأنشطة والمؤسسات نحو شركات متعددة الجنسيات وعابرة للقارات...وغيرها من الأشكال الاقتصادية التى تكون مؤسسات ضخمة الإمكانيات المالية والفنية والبشرية والتكنولوجية... فى السياحة وغيرها من المجالات، مؤسسات لها القدرة على البقاء والإستمرار بل والتوسع وحيازة نصيب سوقى كبير يضمن لها نمو مستمر لحجم مبيعاتها وأرباح فى تزايد.

 

 

 

 

 

1. مفاهيم حول التكتلات والإندماجات   

 

أ- تعريف الإندماج Merging (يصلح للشركات فقط)

 

            " هو عبارة عن إتحادات تتضمن شركات من بلاد من ذات المنشأ أو مختلفة المنشأ، ويتطلب الإندماج أن تقوم شركة واحدة بالتحكم والسيطرة فى جميع أنشطة وأعمال الشركات الأخرى، ليتحول إلى كيان واحد بعد الإندماج، ويحتاج الإندماج كى ينجح أن تتجانس الإستراتيجيات والأفراد وأدوات الإنتاج، ولابد من التركيز على المشاركة فى الخبرات وتحقيق التوافق بين العاملين وبيئة العمل ".

 

أو قد يكون فى صورة سيطرة أو امتلاك مشروع لمشروع آخر تحت ضغوط معينه، وفى هذه الحالة يسمى استحواذ Acquisition أو Takeover. ويكون الاتحاد بين الشركات قد يتم من خلال دمج الأصول فى كيان واحد (Merger)

 

 

 

 

ب- التكامل الاقتصادى Economic Integration (يصلح للدول والشركات)

 

المفهوم الأكثر شمولاً يرى التكامل الاقتصادى على أنه " عمل إرادى من قبل دولتين  أو أكثر أو شركتين أو أكثر، يقوم على إزالة كافة الحواجز والقيود الجمركية والكمية على التجارة الدولية فى السلع وانتقال عناصر الإنتاج، كما يتضمن تنسيق للسياسات الاقتصادية وإيجاد نوع من تقسيم العمل بين الدول الأعضاء بهدف تحقيق مجموعة من الأهداف التى تعظم المصلحة الاقتصادية المشتركة لكل دولة عضو، مع ضرورة توافر فرص متكافئة لكل عضو من الدول الأعضاء.

 

 

 

2. أمثلة على التكتلات السياحية

 

 على مستوى مؤسسات وشركات النشاط السياحى فان ظاهرة التحالفات امتدت لتشمل قطاع الفنادق وقطاع الشركات السياحية ومنظمى الرحلات، وكذلك الأنشطة الأخرى المرتبطة ارتباطا وثيقاً بالسياحة مثل:

 

أ- فى مجال النقل الجوى

 

إن التحالف بين شركات الطيران العالمية يحقق العديد من الفوائد والميزات التنافسية لشركات التحالف، منها أن الشركة تكون جزءاً من نظام حجز متعدد وواسع يجعلها أكثر قدرة على الوصول للعملاء وتوفير خدمات شاملة وسريعة وبكفاءة عالية وراحة أكبر مقارنة بالشركات الصغيرة المنفردة.

 

علاوة على أن التحالفات من شأنها خفض التكلفة فى مجال المشتريات والمؤن والوقود ويمكنها من التفاوض للحصول على تخفيضات وخصومات سعرية، فضلاً عن أهمية التحالف فى ترشيد استهلاك الوقود من خلال التنسيق بين خطوط الطيران والرحلات.

 

 

وقد أظهرت إحدى الدراسات الميدانية التى تمت على 46 ألف مسافر أن تحالفات الطيران المدنى يمكن أن تؤدى إلى خفض الأسعار وزيادة القدرة التنافسية، وأشارت الدراسة الى أن أسعار تذاكر شركات التحالفات أقل بنسبة 36% من أسعار التذاكر قبل إنشاء التحالفات.

 

ولعل من أبرز أمثلة التحالفات الناجحة فى مجال النقل الجوى:

  

-    ONE WORLD ALLIANCE وهو تحالف تم فى سبتمبر 1998 ، ويضم شركات طيران عالمية أمريكية وبريطانية وكندية وسويسرية بالإضافة إلى شركة كانتاس الاسترالية وشركة Fin air الفنلندية وشركة Iberia الأسبانية وشركة Cathy Pacific ، وقد انضم إليه مؤخراً شركتى Lan Chile و Air Lingus. ويبلغ عدد الشركات المشاركة فى التحالف عشر شركات طيران.

 

-  تحالف STAR  وهو تحالف يضم شركات لوفتهانزا وآير كندا وSAS السويدية، بالإضافة إلى شركات أخرى برازيلية وتايلندية وأسترالية ونيوزيلندية ويابانية، و هو التحالف الذى إنضمت إليه أخيراً شركة مصر للطيران، وتم الإعلان عن هذا الإنضمام فى يوليو 2008 فى إحتفالية كبيرة بالقاهرة ووسط حفاوة بالغة من ممثلى أعضاء التحالف.

 

SKY TEAM - وهو تحالف بين خمس شركات طيران من جنسيات مختلفة

 

ب- فى مجال الشركات السياحية

 

- اندماج مجموعة First choice مع مجموعةKuoni  .

- استحواذ مجموعة طومسون على المجموعة النرويجية Via Gruppen ومجموعة Fritidsresor.

- اندماج مجموعة Condor مع مجموعة NUR.

- اندماج مجموعة TUI مع مجموعة Hapag-Lioyd.

- استحواذ شركة Air Tour على شركة Marysol الهولندية.

- قيام مجموعة Club Med بشراء 95% من أسهم شركة Jet Tours.

- ومن أحدث وأهم الاندماجات فى المجال السياحى هو ذلك الذى تم مؤخراً بين مجموعة (C&N) Condor & Neckermann السياحية وشركة توماس كوك حول العالم (التى حققت خلال العام المالى 2000/2001 مبيعات بلغت8,9 مليار مارك ألمانى، وبلغت أرباحها 5,332 مليون مارك) وثلاث شركات طيران كبرى، لتصبح تحت اسم توماس كوك AG، وهى بذلك تعتبر ثانى أكبر مسوق للبرامج السياحية فى أوروبا والثالثة على مستوى العالم.

 

 

 

 

 

3. أشكال التكتلات والتكاملات

 

أ- التكامل الأفقى Horizontal Integration

 

            ويعنى تكامل شركات لها نفس النشاط أو المنتج، فتندمج الشركات أفقياً لزيادة القوة الشرائية لدى مورد الخدمات السياحية، أو زيادة التحكم فى التوزيع وفى نمو حجم المبيعات، فعلى سبيل المثال يكون التكامل الأفقى بين وكالات السفر والسياحة أو بين شركات البواخر السياحية او بين شركات الطيران أو بين منظمى الرحلات الشاملة. ومثالها تحالفات الطيران السابق ذكرها Star- Sky Team- One World

 

 

           

ب- التكامل الرأسى Vertical Integration

 

            وهو عبارة عن تكامل شركات لها عدة أنشطة مختلفة للتحكم فى الإنتاج بمراحله المختلفة، فقد تتكامل شركة طيران مع منظم رحلات أو مع شركة فنادق وغيرها من موردى الخدمات السياحية.

 

            وينطوى هذا النوع من التكامل على فوائد عديدة للشركات المتكاملة من أهمها:

 

-           تحقيق التحكم والسيطرة فى جميع مراحل إنتاج الخدمة وجودتها.

-           زيادة حجم المبيعات والربحية (السيطرة على عدم تسرب الأرباح لأخرين، حيث أيقن منظمى الرحلات الشاملة أنهم لن يستطيعوا تعظيم أرباحهم دون إمتلاك أو الإشتراك فى ملكية الخدمات التى تقدمها ومنافذ توزيعها، وكان هذا عامل هام فى زيادة نصيبهم السوقى وجذب العملاء لهم. فأسعارهم تعد أقل بكثير من اسعار الشركات السياحية ومنظمى الرحلات المستقلين التى لم تدخل فى تحالف أو إندماج بأى شكل، فمنظمى الرحلات المندمجين يمتلكن عناصر البرنامج السياحى وبالتالى أسعارهم أقل.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

4. أهمية الإندماجات والتكتلات

 

أ‌-          تؤدى الإندماجات والتكتلات إلى تبادل وتكامل كافة موارد العمل والانتاج مثل الموارد البشرية والتكنولوجيا والموارد المالية والأصول والخبرات الفنية والإدارية...وغيرها، وبالتالى تقليل نقاط الضعف وتدعيم نقاط القوة  وتحقيق قدر من الريادة فى الأسواق.

 

ب‌-        قد تكون الإندماجات والتكتلات العالمية هى الأسلوب الوحيد لدخول الأسواق الإقليمية والعالمية والنفاذ إلى أسواق أوسع، ونصيب سوقى وحجم مبيعات أكبر.

 

ج- تعتبر الإندماجات والتكتلات هى الوسيلة لزيادة القدرة على مواجهة مخاطر السوق والتجارة ومواجهة الأزمات الاقتصادية والمشاركة فى الخسائر فى حال وقوعها، وتجنب الافلاس فى كثير من الأحيان.

 

د- هى وسيلة فعالة لتحمل تكاليف إنتاج  السلع وتقديم الخدمات التى ترتفع باستمرار، مثال تحالفات شركات الطيران التى تسمح بشراء وقود الرحلات الجوية وشراء الطائرات وبرامج صيانتها وقطع غيارها من الموردين بأقل الأسعار فى ظل التفاوض الجماعى وليس الشراء الفردى.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

5. المقصد السياحى الأعظم Mega Destination

 

لم تعد المنافسة هى العامل الحاسم فى تقييم المقصد السياحى، بل أصبح يرتكز على مدى تكامله مع منظومة المقاصد السياحية العالمية. ومن ابرز الأمثلة على ذلك هو ما تحقق فى دول الاتحاد الأوروبى وهى من أول الأسواق المصدرة للحركة السياحية للعالم، فلم تعد أسبانيا منافسة لإيطاليا التى لا تعتبر نفسها منافساً لفرنسا، ولكن تكثف جهودها لتحقيق أكبر قدر من التنسيق. واصبحت المقاصد السياحية داخل المجموعة الأوروبية بمثابة مقصد سياحى أعظم مما أدى إلى الإرتقاء بمكونات المقصد السياحى الأعظم ولا نقصد بذلك أن هذا ألغى مفهوم المنافسة ولكنه غير مجالاتها وجعلها تتركز على الجودة.

 

فعلى سبيل المثال أستطاعت دول أسيوية هى( سنغافورة- هونج كونج - تايلاند ) التعاون السياحى الجماعى من خلال التسويق الجماعى الدولى لبرنامج أو رحلة سياحية متكاملة تشمل زيارة البلدان الثلاثة معاً فى رحلة بسعر مناسب، بل والعرض فى جناح واحد فى بورصة لندن عام 2000، وأدت هذه التجربة إلى زيادة حجم المبيعات السياحية لهذه الدول السياحية 11% عن العام السابق للتسويق لهذا البرنامج السياحى.

 

ومثال ثالث ما سمى بحزمة البرامج السياحية (المدينة التوأم) ما بين ماليزيا وسنغافورة فى عام 2009 / 2010 من خلال تنظيم مجموعة برامج سياحية موجهة للسوق الخليجى خلال أشهر الصيف وبتعاون هيئات السياحة الرسمية فى البلدين ومن خلال رعاة رسميين من فنادق وقرى سياحية وشركات طيران، وتقديم رحلات مشتركة لمدة 5 أيام 4 ليالى بين البلدين متنوعة المزارات والمشاهدات والأنشطة السياحية وبحد أدنى رحلات كانت تبدأ من 2500 درهم إماراتى وحتى 5000 درهم اماراتى.

 

 

 

 

 

 

جدير بالذكر أن أهم عوامل نجاح فكرة التسويق السياحى الجماعى (المقصد السياحى الأعظم) هى:

 

-           توافر العلاقات السياسية القوية والمستقرة بين دول المقصد الأعظم، وعدم وجود خلافات جوهرية بينها، فإستقرار المناخ السياسى يعنى الأمن وهو أهم عوامل نجاح العمل السياحى.

-           تنوع المقومات السياحية بين دول المقصد، فإذا كانت إحدى دول المقصد تمتلك عناصر طبيعية وفيرة وأثرية محدودة، فيفضل أن تكون الدول الأخرى غنية أثرياً تاريخياً، بما يحقق تكامل المنتج السياحى بالمقصد الأعظم.

-           التقارب الجغرافى بين دول المقصد الأعظم لأن ذلك يشجع على إتخاذ قرار السفر وزيارة هذا المقصد، وتفضيله عن زيارة مقاصد سياحية متباعدة أصعب فى الزيارة وأكبر فى التكلفة.

-           التعاون والتنسيق الكامل بين الأجهزة السياحية المعنية فى دول المقصد الأعظم، وذلك عند تخطيط وتصميم البرامج السياحية، وعند تسويق وترويج هذه البرامج، بما يساعد على توحيد وتكامل هذه الجهود التخطيطية والتسويقية.

 

 

Post a Comment

Previous Post Next Post