يعتبر المغرب
رغم كونه دولة إسلامية من الدول المتأخرة في مجال المصرفية الإسلامية،
حيث ظل بعيدا على المستوى الرسمي عن تحقيق مطلب البنك
الإسلامي، ويعزى ذلك لأسباب متداخلة فمنها ما هو اقتصادي مرتبط بنظام الريع
المهيمن على القطاع البنكي بالمغرب، ومنها ما هو سياسي مرتبط بغياب الإرادة
السياسية والتوجس من انتصار أطروحة الإسلاميين الذين يجعلون من المصرفية الإسلامية
برنامجا نضاليا وورقة انتخابية ناجحة، فضلا عن الأسباب الأخرى المرتبطة بعدم
ملاءمة الإطار القانوني للمصرفية الإسلامية واقتصاره على استيعاب التمويلات
التقليدية القائمة على الربا.
ورغم هذا الرفض الرسمي للمصرفية الإسلامية فإن هذه الاخيرة شكلت مطلبا ملحا للمجتمع المغربي ولبعض الهيئات
المدنية والأكاديمية والسياسية، حيث إن النضال من أجل هذا المطلب كان في البداية
عبارة عن مجهودات فردية بدلها بعض الأساتذة المتخصصين
في الاقتصاد وفقه المعاملات المالية في الجامعات المغربية لتنتقل تدريجيا إلى
المجتمع من خلال لقاءات ومحاضرات وندوات احتضنتها مدن مختلفة، ليتطور الأمر إلى
الإعلان عن تأسيس إطار موحد للنضال أكاديميا ومدنيا من أجل إحداث البنوك الإسلامية
بالمغرب والمتمثل في الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في الاقتصاد الإسلامي سنة
1987 ، والتي شكلت فضاء ملائما للتأطير والعمل من أجل المصرفية الإسلامية.
وقد تقوى هذا
النضال أكثر بعد دخول الحركة الإسلامية إلى العمل السياسي الحزبي، وبالضبط سنة
1997 حيث نجح أعضاء من حزب العدالة والتنمية في الدخول إلى البرلمان المغربي، فوقع
تحول في جبهة النضال من أجل مؤسسات بنكية إسلامية، فأصبح العمل الحزبي وسيلة من
أجل تحقيق هذا الحلم، وبالفعل تبنى الحزب طيلة فترة المعارضة مطلب المصرفية
الإسلامية في كافة برامجه الانتخابية، كما جعل منها ورقة نضالية في الميدان
التشريعي من داخل قبة البرلمان المغربي، وذلك من خلال إثارة الموضوع في العديد من المرات، سواء من
خلال تقديم مقترحات قوانين، أو تقديم أسئلة كتابية أو شفوية، أو تدخلات أعضاء فريق
العدالة والتنمية في اللجن الداخلية لمجلس النواب، أو في تعقيب الفريق على قوانين
المالية والقوانين الأخرى ذات الصلة، وذلك إلى حدود سنة 2007 التي اقتنع فيها
البنك المركزي بضرورة إدخال صيغ مالية لا ربوية إلى النظام المالي المغربي
وترويجها من داخل البنوك التقليدية، إلا أن هذه التجربة كان مصيرها الفشل بفعل
الظروف السيئة التي رافقت إطلاقها فجعلت تكاليفها مرتفعة حيث تجاوزت تكاليف
المنتجات الربوية، مما أدى إلى نفور الناس من هذه المنتجات.
بيد أن التحول
الكبير في النضال من أجل المصرفية الإسلامية جاء بعد الفوز الكاسح لحزب العدالة
والتنمية في انتخابات 25 نونبر 2011،
حيث استفاد بشكل كبير من موجة "الربيع
العربي" التي جنبته من عداء السلطة له ومن المضايقات السياسية التي كانت تعيق حصوله على الرتبة الأولى طيلة
الانتخابات السابقة، فكانت تحولات "الربيع العربي" عنصرا ضاغطا على
الدولة المغربية التي حاولت أن تنجو من موجة إسقاط الأنظمة عبر فتح المجال
للمعارضة السياسية وكسب التعاطف الشعبي الذي راكمته هذه المعارضة طيلة سنوات، خاصة
وأن المغرب عاش ما يقارب سنة من الاحتجاجات المطالبة بإصلاح النظام وإسقاط الفساد
التي كانت تنظمها حركة 20 فبراير في كافة ربوع المملكة، وبذلك أصبح حزب العدالة
والتنمية يقود الحكومة المغربة بعدما ظل مدة طويلة يراوح مكانه في المعارضة فتغيرت
بفعل هذا التحول معطيات كثيرة، وعلى رأسها المعطيات المرتبطة بآفاق المصرفية
الإسلامية بالمغرب.
Post a Comment