منهج الإغراق في المعالجة السلوكية
هذا المنهج ببساطة شديدة، هو منهج سلوكي لا يعتمد على التدرج في علاج الآفات النفسية، ولكنه يعتمد على منهج الإغراق فالطفل الذي يخاف من السباحة في الماء، نقذفه في الماء ونراقبه من حيث لا يعلم، هذا الطفل سيستميت في المحاولة عندما يحس بالخطر لينقذ نفسه من الغرق، وهذه طريقة سلوكية معترف بها.
وأمثلة ذلك كثيرة في القرآن، ولكنها تأتي مع القصة، ومع الموعظة ومع الأمثال التي يضربها الله للناس لعلهم يتفكرون-ومن هذه قصة قارون يقول سبحانه:
(إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مفاتحة لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ {76} وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ {77}‏ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ {78} فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {79} وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ {80} فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ {81} وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ {82} تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(القصص : 76-83)
والقصة، من قصص الظلم والبغي والفساد في الأرض، وجوهرها عبرة لأمثال قارون في عالمنا المعاصر، لكن الإغراق هنا إغراق لا نجاة منه فهو هلاك للشخص، ولكنه نجاة لكل من يعتبر، بهذه القصة وأمثالها .
هذه هي نقطة الخلاف لأن صاحب القصة لا نجاة له ولكن النجاة لمن يعتبر.
وما يماثلها في القرآن قصة أصحاب الجنة، فهي من القصص التي تعالج البخل والشح في النفس البشرية فأصحاب الجنة بخلوا على الفقراء، وأرادوا أن يحصدوا ثمار حديقتهم قبل أن يستيقظ الفقراء من نومهم حتى يستأثروا بالثمر كله دون أن يعطوا للفقير منه شيئاً .
(إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ {17} وَلَا يَسْتَثْنُونَ {18} فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ {19} فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ {20} فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ {21} أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ {22} فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ {23} أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ {24} وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ {25} فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ {26} بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ {27} قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ {28} قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ {29} فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ {30} قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ {31} عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ)(القلم:17-32)
وتختلف نهاية هذه القصة فهي من أمثلة الإغراق الحقيقي لأن أصحاب الجنة تابوا وأنابوا، وتعلق أملهم  بمستقبل مشرق جديد بدأ بتوبتهم عن الشح والبخل وحرمان المساكين وعادوا إلى ربهم تائبين نادمين طائعين، هذه بعض ملامح القصص القرآني على قدر ما أدركت من أمثلة الإغراق،ولكني كما قلت إن هذا الباب أوسع بكثير من أن نحيط به –ولكني كما قلت إن هذا الباب أوسع بكثير من أن نحيط به ،ويكفي أن أشير إلى المنهج السلوكي في القرآن الكريم وأفتح الباب لهذا الموضوع الذي يحتاج إلى موسوعة في العلم والمعرفة والمقدرة على الاستنباط والتدبر والحمد لله رب العالمين .

Post a Comment

Previous Post Next Post