الإيمان بالقدر خيره وشره : وهذا
الإيمان من لوازم الإيمان بالله ؛ لأن الله هو الذي قدر كل ما سيقع
في الكون ، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جعل هذا
الإيمان ركنًا مستقلًّا ؛ لأن جانبًا
هامًّا من حياة الإنسان وتربيته ، يرتكز على هذا
الركن .
ما هي الآثار التربوية للإيمان بالقدر
؟ :
1. العزم والقضاء على التردد : ليس في
المجتمعات البشرية أمضى عزيمة من المؤمن بقدر الله ؛ فهو إذا
ناقش الأمور ورجح بينها ، واستشار غيره ، واستخار ربه يمضي
قدمًا فيما
عزم عليه ، ليقينه بأن جميع الظروف والاحتمالات التي يمكن أن
تكون غير واقعة في حسبانه ، هي مما وقع في علم الله
وقدره ، وأن
الله مؤيده ؛ فإذا يسر له ما عزم عليه ، فهو الخير المقدر له ، أو ليصرف الله عنه شرًا كان محتملاً .
2.
عدم الندم أو الحسرة على ما فات : فالمؤمن لا ينوح على الماضي بالتندم والتحسر ؛ لأنه إنما حصل على ما كتب الله له ، ولا اعتراض على قدر الله ما دام قد وقع ، ولكن له أن
يعتبر ؛ فيتوب من الخطأ أو الذنب ، ولا يلدغ من جحر
مرتين .
3.
الجرأة أمام الموت : أما الموت فلا يمكن لنفس أن تموت إلا بإذن الله ، بعد أن تستوفي أجلها الذي كتبه الله لها : "وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ
تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلاً "
سورة آل عمران : 145 . فإذا تربى المؤمن على الجرأة أمام الموت فقد أصبح جريئًا
أمام كل شيء ، أمام فقد مال أو ولد أو جاه
، أو أمام مرض أو مصاب آخر ما دام يؤمن بأنه مقدر من
الله .
4.
التفاؤل والرضا وقطع دابر التشاؤم : وهو تعليل المصائب بعلل أو أسباب غير صحيحة كالتشاؤم من صوت البوم ، أو كتشاؤم الكفار بأنبيائهم ،
مع أن كفرهم هو الذي كان شؤمًا عليهم ، كما نص
الله علينا في سور يس، قول الكفار لأنبيائهم : " قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا
بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا
لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ " سورة يس : 18، 19 .
5. يرتبط الإيمان بالقدر بالسعي والعمل
الدءوب من جانب ، وبالتوكل والتفويض من جانب آخر : وهذا يحقق للمؤمن ثلاث ثمار :
الأولى : طاعة الرب -جل وعلا- فيما أمر
.
الثانية : تحصيل ثمرة السعي ، والعمل .
الثالثة : تحقيق الأمن النفسي
والاطمئنان القلبي . وهذه ثمار مباركات ، لا
يجنيها من
شجرة الإيمان غير المؤمن بالله وبقدره .
6. المؤمن بالقدر نشيطًا عاملاً : فيؤدي
عمله بإتقان ؛ لأن الإيمان بالقدر يرتبط بالعمل ؛
فالانتظار لما يأتي به القدر من رزق وخير إنما يكون سعي وعمل ، ثم رضا بما يأتي به
القدر ، وبهذا تستمر الحياة وتتقدم؛ لأنه لا علم
لأحد بما
سيأتي غدًا وإنما العلم لله وحده ، وقد طالبنا بالسعي والتسليم ، فيجب أن نطيع ونذعن .
7.
يكتسب المؤمن بالقدر هدوء النفس : لأنه يؤمن بأن كل شيء بيد الله وحده ؛ فلا ينزعج قلبه ، وتعتدل مشاعره اعتدال من يعي حكمة الله
في تدبير أمور الخلق ، وتربيتهم على الرضا
بقدر الله ،
ومن ثم يصبح المؤمن بالقدر من أقوى الأقوياء ؛ لأنه لا يخاف غير الله ، ولا يركع لغير الله ، ولا يأبه بتهديدات البشر طالما يطيع الله
ويؤدي واجبه .
8.
يُرَبِّي المؤمن بالقدر نفسه على أن يكون راضيًا هادئًا متواضعًا : فيطرد الإعجاب بالنفس عند
حصول المراد ، ويؤمن بأن ما حصل له إنما هو نعمة من الله
بما قدره من
أسباب الخير ، كما يطرد القلق والضجر عند فوات المراد ؛ لأن كل شيء بقضاء الله تعالى .
كما يربي نفسه على أن يكون معتمدًا على
الله كل الاعتماد ، متوكلاً عليه ، مع فعل
الأسباب ؛ لأن
السبب والمسبب كلاهما بقضاء من يعلم ما ينفع خلقه : " مَا أَصَابَ مِنْ
مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي
كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى
اللَّهِ
يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ"
سورة الحديد : 22- 23 ، فمن توكل على الله كفاه هم
الدنيا والآخرة .
إرسال تعليق