مرّت حركة التنظيمات
بمرحلتين، هما:
الأولى: التنظيمات
العثمانية الخيرية، المعروفة بخط شريف كلخانة (مرسوم كلخانة الشريف، نسبة إلى المحل
الذي أعلنت فيه التنظيمات). عندما أعلن السلطان عبدالمجيد (1255-1277هـ/1839-1861م)،
في السادس والعشرين من شعبان عام 1255هـ (4 نوفمبر 1839م) التنظيمات، التي تقتضي تغييراً
جذرياً في مؤسسات الدولة، وعدم التفرقة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، على أساسٍ
من مذاهبهم أو انتمائهم القومي، وحرية ممارسة الشعائر الدينية لكل المذاهب.
الثانية: حركة الإصلاحات،
المعروفة بإصلاحات خطي همايوني (مرسوم السلطان الإصلاحي)، التي قام بالإعلان عنها أيضاً
السلطان عبدالمجيد، في الحادي عشر من جمادى الآخرة عام 1272هـ (18 فبراير 1856م). وقد
أكد فيها على المبادىء الإصلاحية الواردة في مرسوم كلخانة، القاضي بتأمين رعايا الدولة
على أرواحهم وأموالهم وأعراضهم، وتقرير المساواة في دفع الضرائب، وتمثيل الطوائف غير
الإسلامية في المجالس المحلية في القرى والأقاليم، ورفع الجزية عنهم، ومشاركة أبنائهم
في المدارس الحكومية، بعدما كانت قاصرة على المسلمين، ومشاركتهم في الجيش والوظائف
الحكومية، وإنشاء الكنائس الخاصة بهم، والتعهد بالقضاء على المساوىء الإدارية ومحاربة
الرشوة وأسباب الفساد الأخرى، وغيرها من المبادىء والقواعد المستمدة من الأنظمة الأوروبية
.
جاءت هذه المرحلة
إثر ما مارسته القوى الخارجية من ضغط على الدولة العثمانية. ولعل ممّا يوضح ذلك ويؤكده
اختلاف المرسومين، كما يدل على ذلك ما تضمنه كل منهما، على الرغم من تشابههما في كثير
من النقاط؛ فقد جاء مرسوم عام 1856م، مختلفاً عن مرسوم شريف كلخانة عام 1839م. وكانت
صيغته أكثر مواءمة للطابع العصري، وأكثر اقتباساً من الغرب، بصورة لم تُعهد من قبل
في الوثائق العثمانية. فهو لم يستشهد بآية قرآنية، أو بقوانين الدولة العثمانية وأمجادها.
أُلحقت بهذا المرسوم مذكرة تؤكد، من جديد، عدم تطبيق عقوبة الإعدام على المرتدين.
زادت التنظيمات العثمانية
من ترابط الجماعات النصرانية، بسبب ما تضمنته من تنظيم شؤون البطريركيات والأسقفيات،
وتكوين المجالس الملية الجسمانية والروحانية. كما أنها منحت الرعايا من النصارى امتيازات
لم يحصل المواطنون في الدولة على مثلها. ولعل من يقرأ المرسوم الخاص بذلك يتوهم أن
غير المسلمين، من رعايا الدولة، لم يكونوا من قبل آمنين على أرواحهم وأموالهم. ولا
صحة لهذا على الإطلاق. إضافة إلى أن ما سمي المرسوم الإصلاحي (1856م) كان مليئاً بتكرار
كلمات كالكنيسة، والراهب، والمسيحيين..إلخ.
ولعل الدافع وراء
ذلك كان إرضاء قوى الضغط الخارجي. وهل هناك أكثر إرضاءً لها من منح الأقليات غير المسلمة،
في الدولة، امتيازات أكثر من المسلمين.؟ ثم إن الإجراءات المتخذة لتطبيق ما أعلنته
حركة التنظيمات من أن "المستوى المعيشي سوف يتحسن"، قد خُصصت للمناطق التي
يقطنها النصارى، مثل بلغاريا واليونان وأُهملت تماماً في المناطق الكبرى التي يقطنها
المسلمون.
ولقد وسعت حركة التنظيمات
من صلاتها السياسية والثقافية والاجتماعية مع الغرب. وكان أن سارعت الدول الغربية،
بتأثير هذا التوجه الجديد، إلى إقامة مؤسساتها التي ترعى مصالحها، وتعمل على تحقيق
أهدافها. ومن نماذج ذلك المبادرة إلى التوسع في الهيئات الدبلوماسية والقنصليات، وفتح
كثير من المدارس التنصيرية، وإقامة مراكز ومؤسسات، لا هدف لها، إلا خدمة مصالح الدول
الأجنبية.
Post a Comment