أسس الأخلاق ومصادرها في الإسلام
تستند الأخلاق في الإسلام إلى عدة أسس فطرية، وعقلية، ووجدانية إيمانية، وترتبط ارتباطا وثيقا لا ينفصم مطلقا بالشرع وأدلته ؛ وهذا بخلاف التصور الإلحادي الغربي الذي يقطع صلة الأخلاق بمصدرها الديني، وسوف نشير إلى تلك الأسس والمصادر بإيجاز في النقاط التالية:
المصدر الفطري للأخلاق:

لقد خلق الله الناس على الفطر السليمة والتي تميل إلى مكارم الأخلاق وتنفر من رذائلها، ولقد خلق الله الإنسان في أحسن خلق وخُلق ويجد الإنسان في أعماق نفسه قوة تحذره من فعل الشر إذا أغري به وهو ما يسمى دافع الضمير([301])، ولكن هذه المسئولية الوجدانية قد تـخبو إذا لم تكن تنطلق من دافع أعظم وهو الدافع الإيماني ومراقبة الله تعالى، وهذا ما يميز المسلم عن غيره، مع اختلاف المسلمين فيما بينهم في هذه المراقبة.
ويبقى الضمير الفطري الأخلاقي قاسماًَ مشتركاً بين الناس، وقد أرشدت نصوص الكتاب والسنة إلى وجود هذا الحس الأخلاقي وإلى هذه الفطرة السليمة الهادية إلى الخُلق الحسن، وقد أخبر النبي ^ الأشج بن قيس رضي الله عنه ما فطر عليه من خصال حميدة قال ^: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة»، قال: يا رسول الله قديماً كان في أو حديثاً؟ قال: «قديماً»، قال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما([302]).
وإذا كانت الأخلاق في أصلها فطرية، فالناس يتفاوتون في الصفات الخلقية بقدر تفاوت الفطرة التي فطروا عليها من الأخلاق الفاضلة، وقد أخبر النبي ^ ما يثبت هذا التفاوت الفطري في الطباع الخلقية قال ^: «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا»([303]) وقال ^ مرشداً إلى هذا المصدر الفطري المميز بين الخير والشر: «البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس»([304]).
وقد يلتبس على هذا الحس والضمير الفطري معرفة الخير والشر وتطغى عليها الأهواء والشهوات والشبهات، وهنا يأتي التوجيه النبوي باتقاء الشبهات لمن التبس عليه الأمر، وهو سبيل النجاة، كما أخبر النبي ^ بقوله: «إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام»([305]).
المصدر العقلي للأخلاق:
فمكارم الأخلاق يستحسنها العقل السليم ويؤيدها ويحث عليها، بخلاف رذائل الأخلاق التي تعارضها الفطر والعقول السلمية، إلا إذا شابها شيء من الانحراف فأصبحت ترى المنكر معروفاً والمعروف منكراً.
المصدر التعليمي المكتسب:
وهو مصدر من مصادر الأخلاق الحميدة، فالأخلاق بجانب كونها فطرية، وعقلية فهي مكتسبة أيضاً تكتسب بالعلم والتعلم، وجاءت رسالة الأنبياء عليهم السلام لهداية الخلق إلى الصراط المستقيم وتعليمهم الخير وكل خلق حسن، وتزكيتهم ولو لم يكن بقدرة الإنسان تعلم الأخلاق الفاضلة واكتسابها، والقدرة على التـخلص من بعض الصفات الذميمة، وتجنبها لكان في ذلك منافاة لأصل الابتلاء والتكليف، إذ من عدل الله ورحمته ألا يكلف نفساً إلا وسعها
فلو لم يكن الإنسان قادراً على اكتساب قدر من الأخلاق الفاضلة لما كلفه الله بذلك، وبناء على ذلك فإن قدراً كبيراً من الأخلاق الفاضلة مكتسبة عن طريق التعلم ومجاهدة النفس على اكتسابها،فكما أن لدى الإنسان استعدادا للتعلم فلديه كذلك استعداد وقدرة على اكتساب الأخلاق، فالأخلاق فطرية وجدانية مكتسبة.
المصدر الإيماني الجزائي:
وهذا المصدر وإن تم تأخيره فهو المصدر الأصل في الأخلاق، فالإيمان ومراقبة الله تعالى والتطلع إلى ذلك الجزاء والثواب الذي أعده الله لمن آمن به وحَسن خلقه مصدر من أعظم مصادر الأخلاق للمسلم، وما أكثر نصوص الكتاب والسنة المحفزة على عمل الخير والمهذبة لسلوك المسلم، ففي معرض مدح المتقين من أصحاب الصفات الخلقية العالية والسنـة المطهرة مصدر عظيـم للتوجيهـات النبوية الدالة على الأخلاق الحسنة، قال ^: «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»([307]) وقال ^ محذراً من الغش ومبيناً القاعدة الجزائية في ذلك: «من غشنا فليس منا»([308]) فالمصدر والأساس الإيماني الجزائي في الإسلام من أعظم أسس مكارم الأخلاق في الإسلام.

Post a Comment

أحدث أقدم