المصدر الفطري للأخلاق:

لقد خلق الله الناس على الفطر السليمة والتي تميل إلى مكارم الأخلاق وتنفر من رذائلها، ولقد خلق الله الإنسان في أحسن خلق وخُلق ويجد الإنسان في أعماق نفسه قوة تحذره من فعل الشر إذا أغري به وهو ما يسمى دافع الضمير([301])، ولكن هذه المسئولية الوجدانية قد تـخبو إذا لم تكن تنطلق من دافع أعظم وهو الدافع الإيماني ومراقبة الله تعالى، وهذا ما يميز المسلم عن غيره، مع اختلاف المسلمين فيما بينهم في هذه المراقبة.
ويبقى الضمير الفطري الأخلاقي قاسماًَ مشتركاً بين الناس، وقد أرشدت نصوص الكتاب والسنة إلى وجود هذا الحس الأخلاقي وإلى هذه الفطرة السليمة الهادية إلى الخُلق الحسن، وقد أخبر النبي ^ الأشج بن قيس رضي الله عنه ما فطر عليه من خصال حميدة قال ^: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة»، قال: يا رسول الله قديماً كان في أو حديثاً؟ قال: «قديماً»، قال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما([302]).
وإذا كانت الأخلاق في أصلها فطرية، فالناس يتفاوتون في الصفات الخلقية بقدر تفاوت الفطرة التي فطروا عليها من الأخلاق الفاضلة، وقد أخبر النبي ^ ما يثبت هذا التفاوت الفطري في الطباع الخلقية قال ^: «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا»([303]) وقال ^ مرشداً إلى هذا المصدر الفطري المميز بين الخير والشر: «البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس»([304]).
وقد يلتبس على هذا الحس والضمير الفطري معرفة الخير والشر وتطغى عليها الأهواء والشهوات والشبهات، وهنا يأتي التوجيه النبوي باتقاء الشبهات لمن التبس عليه الأمر، وهو سبيل النجاة، كما أخبر النبي ^ بقوله: «إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام»([305]).

Post a Comment

أحدث أقدم