اثار ظاهرة العنوسة
إن ظاهرة العنوسة في المجتمع و عزوف كثير من الشباب عن الزواج له مضاره الخطيرة وعواقبه الوخيمة على الأمة بأسرها ، سواء أكانت هذه الأخطار و الآثار  نفسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم أخلاقية وسلوكية، لاسيما في هذا الزمان الذي كثرت فيه أسباب الفتن، وتوفرت فيه السبل المنحرفة لقضاء الشهوة ، فلا عاصم من الانزلاق في مهاوي الرذيلة و الردى، والفساد الأخلاقي إلا بالتحصن بالزواج الشرعي، فالقضية إذن قضية أعراض و قضية فضيلة ورذيلة.
و أمام هذا التعدد و التنوع في الأسباب التي أفضت إلى تفشي هذه المشكلة فقد أفرزت العديد من الآثار التي تهدد المجتمع الإسلامي، و تؤثر في تماسكه. فقد جمعت هذه البلية إضرار ومخالفات دينية و دنيوية:
أولا : آثارها الدينية.
أ- تعطيل مقصود الله في الخليقة: و هو استخلاف الناس في الأرض كما قال الله تعالى: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة" [1] أي يخلف بعضكم بعضا جيلا بعد جيل ... وهذا الاستخلاف وتلك الوراثة لا تكون إلا بوجود النسل والذرية والتي بابها الحلال هو الزواج: فتعطيل الزواج مخالفة لمقصود الله ولمراده.
ب- مخالفة أمر الشارع الحكيم: الذي أمر بتزويج الأبكار، وحث الشباب على المسارعة في الاعتصام بهذا الأمر المحبب إلى الشارع. فالوصول بالمرأة أو الرجل إلى هذا الحال فيه مخالفة لصريح القرآن و صحيح سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، إذ يقول الله تعالى في محكم تنزيله "وَ أَنكِحُوا الأَيَمَى مِنكمْ وَ الصلِحِينَ مِنْ عِبَادِكمْ وَ إِمَائكمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ وَاللَّهُ وَسِعٌ عَلِيمٌ" [2]. و الايم من الرجال : من لا زوجة له، و من النساء من لا زوج لها.
وروى البخاري و مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، و أحصن للفرج، و من لم يستطع فعليه بالصوم، فانه له وجاء " [3].
يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام، و اعلم أني أموت في آخرها يوما، و لي طول على النكاح لتزوجت مخافة الفتنة" [4] .
و يقول الإمام احمد " ليست العزوبة من أمر الإسلام في شيء، ومن دعاك إلى غير الزواج دعاك إلى غير الإسلام " [5].
و لذلك قال عمر لرجل لم يتزوج: " ما يمنع الرجل عن الزواج إلا عجز أو فجور " [6]
ج- تقليل عدد المسلمين، و مخالفة أمر الرسول الأمين:
فقد قال عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم: " تزوجوا الودود الولود ، فاني مكاثر بكم الأمم" [7].
د- غلق أبواب الخير و الأجر على العبد: أي أن الرجل و المرأة التي لم تتزوج يحرمان أجر التربية الحسنة للأولاد، و يحرمان أجر حسن المعاشرة، و حسن التبعل من المرأة لزوجها، فقد روي عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا للني : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور: يصلون كما نصلي ، و يصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم . قال: " اوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به: أن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعرف صدقة و نهي عن منكر صدقة، و في بضع أحدكم صدقة، قالوا يا رسول الله، آياتي احدنا شهوته و يكون له فيها اجر ؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له اجر" [8]، فالجماع يكون عبادة إذا نوى به الإنسان قضاء حق الزوجة و معاشرتها بالمعرف . كما يحرمان من الولد الصالح الذي يبرهما في حياتهما، و يدعو لهما بعد موتهما، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به ،أو ولد صالح يدعو له " [9].
هـ- إغلاق أبواب الرزق:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة حق على الله عونهم، المجاهد في سبيل الله، والناكح الذي يريد العفاف، والمكاتب الذي يريد الأداء،" [10].

ثانيا: آثارها الدنيوية.
تخلف العنوسة آثارا سيئة تظهر جليا سواء على المرأة أو على الأسرة أو على المجتمع:
¨   آثارها على المرأة : و يمكن تقسيم آثار العنوسة السلبية على الفتاة إلى أربعة :
ا- الآثار النفسية :
×   الشعور بالإحباط والحرمان: فقد جعل الله تعالى فطرة المرأة تميل إلى الالتقاء و الأنس بشريك حياتها أسوة ببنات جنسها، و عدم ممارسة هذا الحق و حرمانها منه يؤدي إلى أصابتها بالإحباط وخيبة الأمل . فمن حق الفتاة أن تكون إما ، فهذه أمور فطرية ، فالله سبحانه وتعالى أقام هذا الكون على ظاهرة الزوجية ، أي الازدواج كما جاء في القرآن الكريم: "سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ"[11] وأيضا في آية أخرى "وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" [12]، أي أن هناك ذكر وأنثى في الحيوان والإنسان وحتى النبات. فالإنسان لا يستطيع أن يعيش وحده،  لذلك ربنا لما خلق آدم لم يدعه وحده فخلق له من نفسه زوجا ليسكن إليها. 
×   العدوانية: فالعانس تلقي باللائمة على رجال المجتمع الذين اعرضوا عنها، وتشعر بالغيرة من بنات جنسها المتزوجات، ولهذا تنظر للمجتمع نظرة حسد وحقد وكراهية تعبر عنها بسلوك عصبي وعدواني اتجاه الأفراد.
×   العزلة والانطوائية: ملاحقة الأنظار للفتاة العانس، ومجاملتها بتمني زواجها وتفضيل العزلة أو مصاحبة من هم في مثل وضعها على المشاركة العامة في المجتمع.
×   حرمان الإشباع الفطري : أي العجز عن تلبية حاجات ونداءات الفطرة، فمشاعر الأمومة والحب الزوجي والجنس من صميم فطرة كل فتاة، فيها الرحمة والمودة والمتعة والسعادة، وعدم الزواج يحرم العانس من جميع الآثار الصحية للحياة الجنسية الشرعية و المتعة المباحة.
×   فقدان التوازن النفسي: حيث تصاب الفتاة بنوع من عدم التوازن في شخصيتها ، و يظهر ذلك في سلوكها المتناقض في تعاملها مع الآخرين، و حتى وان تزوجت في وقت متأخر فإنها تستمر في مشاعر الضيق و التبرم من المجتمع ، بما في ذلك الزوج و الذي يجب حسب اعتقادها ، أنه لا يشعرها أبدا بالفضل و المنة عليها لأنه تزوجها .
ب) الآثار الاجتماعية:
×   التسرع في الزواج: وذلك للخلاص من شبح العنوسة بغض النظر عن التكافؤ  أو مناسبة الزواج ، بل قد تقبل بعض العوانس الزواج العرفي أو الزواج منقوص الحقوق مثل مثل زواج المسيار .
ج – الآثار الأخلاقية:
×   الانحراف الأخلاقي : قد تندفع العانس في حالة غياب الوازع الديني إلى تلبية حاجاتها الغريزية و إشباع رغباتها الجنسية بإقامة علاقات منحرفة ، فتقع في رذيلة الزنا الذي حرمها الشرع الإسلامي، قال تعال: "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"[13] . وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنه – قال : قلت يا رسول الله ! أي الذنب أعظم ؟ قال : " أن تجعل الله ندا وهو خلقك "، قلت : ثم أي ؟ قال: " أن تقتل ولدك من اجل أن يطعم معك " قلت ثم أي ؟ قال: " أن تزاني حليلة جارك"[14].
×   التأمر والكيد : فمشاعر الحقد والحسد قد تدفع الفتاة العانس إلى تدبير المؤامرات للتنكيد على من هم سعداء ومستقرين في حياتهم الزوجية .
×   التبرج: وذلك في محاولة البعض منهن محاولة ساذجة لجدب أنظار الرجال إليها عسى أن يلمح أحد جمالها ومواقع الفتنة فيها فيقدم على الزواج منها.
×   السلوك الإجرامي: وذلك بقبول الصور المنحرفة والمشوهة للعلاقات الإنسانية للتعويض عن المفقود، ومنها اللجوء إلى الشذوذ وتناول المسكرات والمخدرات، وقد يؤدي ذلك إلى التفكير بالانتحار .
د – الآثار الصحية :
قد تنتج عن العنوسة أثار ومخلفات صحية كالتوتر العصبي الدائم وما يتولد عنه من أمراض ضغط الدم والزاج العصبي، وأمراض جنسية و التي غالبا ما تنتج عن الكتب والممارسات والعادات الجنسية غير السليمة.


[1] :- سورة البقرة، الآية: 30-31.
[2] : سورة النور – الآية 32
[3] - صحيح مسلم رقم الحديث: 4677 كتاب : النكاح، صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة، 1806.
[4] - المغني موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة دار إحياء التراث العربي سنة النشر: 1405هـ/ 1985م رقم الطبعة: الأولى
[5] - غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب  لمحمد بن أحمد بن سالم السفاريني سنة النشر: 1414هـ/ 1993م رقم الطبعة: ط2:
[6] - المستدرك على الصحيحين لأبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري دار المعرفة سنة النشر: 1418هـ / 1998م
[7] : رواه أنس بن مالك، المصدر، فتح الباري، لابن حجر، الرقم: 1319
[8] - صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع   من المعروف، رقم 1006.
[9] -صحيح مسلم، كتاب الوصية، باب وصول ثواب الصدقات إلى الميت، رقم: 1631.
[10] - المستدرك على الصحيحين لأبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري دار المعرفة سنة النشر: 1418هـ / 1998م
[11] : سورة يسن – الآية 36
[12] : سورة الذاريات – الآية 49
 : سورة النور : الآية (2)[13]
[14]  : باب إثم الزناة ، صحيح البخاري ص ( 368)

Post a Comment

Previous Post Next Post