الأسباب و العوامل التي تؤدي إلى العنوسة :
تختلف الأسباب وتتعدد العوامل التي تؤدي و تساعد على انتشار ظاهرة العنوسة، وتصب كلها في بوثقة البعد عن ديننا الحنيف ، آو جهلنا لبعض أحكامه، أو سوء فهمنا للحكم وتوضحها لنا السنة الكريمة ، فكلما زاد اقترابنا وتمسكنا بديننا الحنيف إيمانا قولا وفعلا كان في ذلك النجاة من الوقوع في أزمات ومشكلات الحياة المعاصرة بتطوراتها السريعة والمتلاحقة .
إن التغلب على هذه المشكلة الخطيرة يتطلب معرفة أسبابها، التي تتفاوت ما بين سياسية و اقتصادية واجتماعية ونفسية. ولعل أهم الأسباب وراء ظاهرة العنوسة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ما يلي:
- المغالاة في المهور وتكاليف الزواج: فقد غالى كثير من أولياء الأمور بالمهور والتكاليف المصاحبة للزواج مما جعل المقدم على الزواج يعتقد انه سيكبل بالأغلال إذا ما أقدم على هذه الخطوة ! و لو عقل هؤلاء ما غالوا في المهور، بل غالوا بالأكفاء بحثا وتقديرا فهذا عمر رضي الله عنه يعرض حفصة على أبي بكر ليتزوجها ، ثم على عثمان رضي الله عنهم أجمعين كانت حفصة من المهاجرات و كانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحث خنيس بن حذافة السهمي فلما تأيمت ذكرها عمر لأبي بكر و عرضها إليه فلم يرجع إليه أبو بكر كلمة فغضب من ذلك عمر ، ثم عرضها على عثمان حين ماتت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال عثمان ما أريد أن أتزوج اليوم. فانطلق عمر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فشكى إليه عثمان واخبره بعرضه حفصة عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يتزوج حفصة من هو خير من عثمان ويتزوج عثمان من هي خير  من حفصة، ثم خطبها رسول الله إلى عمر فتزوجها رسول الله. فلقي أبو بكر عمر بن الخطاب فقال له : "لا تجد علي في نفسك فان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذكر  لي حفصة فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها لتزوجتها" [1] .
فهذا هو نهج السلف الصالح في انتقاء الأزواج، و حري بنا إن أردنا الفلاح أن ننتهج نهجهم و إلا سينطبق علينا قول الله تعالى :" وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ" [2].
و عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " تنكح المرأة لأربع، لمالها، و لحسبها ولجمالها، و لدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" [3].
و عن أبي العجفاء السلمي قال خطبنا عمر رحمه الله فقال ألا لا  تغالوا في المهور، و في رواية بصدق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم ما اصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشر أوقية [4].
لقد سار الصحابة و السلف الصالح على نهجه المبارك في تيسيره في أمور الزواج بل كان الرجل يعرض أحيانا ابنته للزواج من الأكفاء دون خجل ، كما فعل عمر بن الخطاب  مع ابنته حفصة – حين تأيمت- و عرضها على أبي بكر، و عثمان فسكتا ثم تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، و هكذا كانت أمور الزواج سهلة وميسرة.
و الإسلام وهو يؤسس لقاعدة الزواج، جعل المعيار الأساسي، هو دين الشخص وخلقه وأمانته، و شدد صلى الله عليه وسلم على ضرورة إتباع هذه الأسس، وعدم مخالفتها لتحقيق سعادة الفرد والمجتمع ، و تحصيل السعادة الأخروية .
- العادات والتقاليد: و الأعراف السائدة في مجتمعاتنا العربية كابن العم لبنت العم، فبين رفض الفتاة و تعنت الوالد و إصراره على العرف مما يؤدي إلى تأخير زواج الفتاة. و هذا الأمر مخالف للشريعة والسنة النبوية  فيقول حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم  :" لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن ، فقالوا يا رسول الله وكيف إذنها ؟ قال أن تسكت"[5].
فهذه العصبيات القبلية التقليدية من شانها إعاقة الزواج وتأخيره، كأن نجد عائلة لا تتزوج إلا من عائلة معينة ، أو لا تزوج بناتها للغرباء عنها حفاظا على شرف العائلة أو ميراثها أو حسبها و هذا يناقض قول رسولنا الكريم: " إذا أتاكم من ترضون دينه و خلقه فزوجوه"[6]
- دراسة المرأة: و للأسف كان لتعلم المرأة دور كبير في استفحال هذه الظاهرة فقد استفادت المرأة في كثير من الأحيان من الانفتاح في دفع مسيرتهن العلمية ، في حين كانت أعباء كثير من الشباب ثقيلة لم تسمح لهم بمتابعة تعليمهم ، الأمر الذي أدى إلى تفاوت كبير في المستوى التعليمي بين كثير من الشباب و الفتاة ، فأحجم الشاب عن الفتاة المتعلمة خوفا من تعاليها عليه، ورفضت هي الاقتران بمن هو اقل منها خوفا من اضطهاده لها و التعامل معها بعنف ليقتل فيها إحساسها بالتميز والتفوق .
- رغبة الفتاة و الشاب على إكمال تعليمهم: من العوامل التي تسهم في ظاهرة العنوسة رفض الفتاة للزواج لرغبتها في إكمال تعليمها. فديننا الحنيف لا يمنع أن تتعلم الفتاة لكن عليها أن تحسب عواقب رفضها للزواج. فلا يمنع الزواج أن تكمل تعليمها عليها أن تشترط على زوجها ذلك بعد الزواج فكم من فتاة و هي أم كانت على مقاعد الدراسة لكن عليها أن ترعى بيتها وتعليمها. فالمرأة إن لم تكن مؤدية لواجباتها الأسرية على أكمل وجه فهي غير ناجحة ولو كانت تحمل أعلى الشهادات. أن تعلم المرأة خلق عندها الطموح وجعلها ندا للرجل ولذلك تأخر عندها سن الزواج فبينما هي تفكر في عملها وطموحها وأهدافها ومستقبلها تكون الأيام قد مرت عليها وابتعد عنها قطار الزواج. فعندما تستقر وتبدأ بالتفكير تكون قد نسيت نفسها وابتعد عنها الشباب ليبحثوا عن فتاة اصغر.
- الزواج من الأجنبيات: فقد أصبح زواج المواطنين من أجنبيات سببا آخر خطيرا وراء انتشار العنوسة. أضف إلى ذلك بعض العوامل التي ساعدت على استمرار تفاقم هذه الظاهرة ، تمثلت في الانتشار الكبير لبدائل غير مشروعة مثل الزواج العرفي و زيادة إقبال الشباب على الانترنيت وهي طرق بديلة وخاطئة لجأ إليها كثير من الشباب للتخفيف من الشعور بالأزمة والرغبة في الارتباط بالجنس الآخر. فشروط الزواج من أجنبية هي أن تكون كتابية ومحصنة وإلا تكون هناك مضرة على المسلمات من هذا الزواج . فنحن نتكلم الآن عن عنوسة بناتنا و عندما تذهب وتتزوج أجنبية معناها انك عطلت زواج إحدى بناتنا المسلمات، فلا يجوز أن يتزوج الشخص فتاة من أي ملة و يترك بنات بلاده ، و لذلك سيدنا عمر لما سمع أن سيدنا حذيفة بن اليمان – وهو من خيار الصحابة- تزوج من يهودية فأرسل يطلب إليه أن يطلقها فبعث إليه سيدنا حذيفة يقول : يا أمير  المزمنين أحرام هو؟ فقال لا ، ولكن أخشى أن يكون في ذلك فتنة على نساء المسلمين " و في رواية أخرى ، " أخشى أن تواقعوا المومسات منهن" يعنى لا تتحرى من شرط الإحصان فتتزوج واحدة لا تعلم هل هي محصنة أم لا ، أيضا من أخطر الأشياء الخطر على الذرية ، الأولاد خصوصا ، فالأم هي التي تنشئ و تربي ، فتربيهم على دينها وقيم قومها ، و ينشأ هؤلاء بعيدين كل البعد عن الإسلام".
- البطالة وعدم توفر فرص العمل لدى كثير من الشباب: من معوقات الزواج وسبب تأخيره هو ارتفاع معدلات البطالة ، ما يعني إغلاق باب الأمل أمام الشباب لبناء أسرة، الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من العزوف القهري و الإجباري عن الزواج، و من المؤسف انه صاحب ذلك ارتفاع تكاليف الزواج، وتغير أنماط الاستهلاك و تحول الكماليات إلى ضروريات لا يجوز التنازل عنها، وأزمة السكن، فالمجتمعات التي تكثر فيها البطالة، يحلم الشباب المتعلم وغير المتعلم بإيجاد فرصة للعمل، و لذا يبقى الزواج من الأحلام غير المحققة وبعيدة المنال.
- طمع الآباء في أجور بناتهن: ومن أسباب تفشي العنوسة كذلك معارضة بعض الآباء في تزويج بناتهم الموظفات طمعا في أموالهن، مع تبرير موقفهم بحجة واهية، ومن ذلك القول: (انه لم يحدث نصيب) ، فيؤدي الطمع والجشع لدى بعض الآباء في أجور بناتهم إلى تأخير فكرة الزواج ، مما يؤدي إلى ضياع الفرص.
و يمكن جرد العديد من الأسباب المؤدية إلى العنوسة يمكن ذكرها فيما يلي على سبيل المثال لا الحصر:
- تعنت بعض الفتيات ورفضهن الزواج من الأشخاص الذين لا يقيمون معهن في منطقة قريبة من بيت الأسرة.
- الزواج بالترتيب: و هذا سبب من أسباب العنوسة في كثير من الأسر و البيوت، فهم لا يزوجون إلا بالترتيب ، و هذا الأمر قد يؤدي بهن جميعا إلى العنوسة.
- كثرة المشاكل العائلية بين الأبوين: فتنشأ الفتاة ولديها فكرة سيئة عن الزواج، فترفض الإقدام عليه خوفا من الوقوع في نفس المشاكل.
- الاختلاط الفاسد والانحلال وفساد المجتمع: فيجد الشباب الطريق ميسورا لإشباع شهواته وقضاء حاجاته دون التزام أو قيد ، فينتج عنه انعدام الثقة لدى الشباب، فيحجم الشاب عن الزواج.
- امتناع الحكومات عم معاونة الشباب الراغب في الزواج، من خلال تهيئة الظروف المساعدة على الحياة الكريمة في مختلف المجالات.
- الحروب التي يذهب ضحيتها الآلاف من الشباب: فتزيد نسبة الإناث على الذكور.


[1] - صحيح البخاري كتاب النكاح باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير 5122
[2] - سورة الأنفال الآية 73
[3] - صحيح مسلم، كتاب الرضاع، باب: استحباب نكاح ذات الدين، 1460   
[4] - سنن أبي داود، و صححه الألباني رحمه الله برقم 2106
[5] - صحيح مسلم، رقم: 1460، وصحيح البخاري، باب النكاح، رقم: 5090
[6] : أخرجه الترمذي كتاب النكاح 1084 وهو حديث حسن .

Post a Comment

Previous Post Next Post