القاعدة العامة هي أن اختصاص الضبطية القضائية تنحصر في جمع الاستدلالات ولا تمتد إلى التحقيق ، ذلك أن التحقيق هو تحريك للدعوى العمومية اذا تبدأ بأول اجراء من اجراءاته ومن ثم كان طبيعياً أن يكون الاختصاص بالتحقيق هو فقط للسلطة التي تملك الدعوى العمومية وهي النيابة العامة .
غير ان المشرع راعي ان الضبطية القضائية هي جهاز يعاون النيابة العامة في تحقيق مهمتها بغية الوصول إلى الحقيقة ، ولذلك أباح لها في بعض الاحيان ان تندب مأمور الضبط القضائي لمباشرة اجراء معين من اجراءات التحقيق ، كما راعى المشرع أيضاً أن هناك من الظروف ما يستدعي التدخل المباشر والسريع بإجراء من إجراءات التحقيق ضماناً للسرعة والمحافظة على ادلة الجريمة كما هو الشأن في حالات التلبس ، كما تقوم هذه الاعتبارات أيضاً في ظروف  أخرى خلاف التلبس بالجريمة، ولذلك منح المشرع استثناء لمأموري الضبط القضائي أن يباشروا بعض إجراءات التحقيق الواردة على سبيل الحصر وفي الحدود التي يحددها القانون وعلى ذلك فدراستنا لسلطات مأمور الضبط القضائي المتعلقة بالتحقيق تتناول الموضوعات التالية:
أولاً : سلطات التحقيق في غير أحوال التلبس بالجريمة.
ثانياً : سلطات التحقيق في أحوال التلبس بالجريمة.
ثالثاً : انتداب الضبطية القضائية للتحقيق .
ونخصص لكل موضوع من هذه الموضوعات فرعاً مستقلاً .
سلطات مأمور الضبط القضائي المتعلقة
بالتحقيق في غير أحوال التلبس بالجريمة

تتمثل هذه السلطات في إمكانية القبض على المتهم ، وتفتيش منازل الأشخاص الموضوعين تحت المراقبة وذلك على التفصيل التالي :
أولاً : القبض على المتهم :
خول المشرع الاتحادي مأمور الضبط القضائي – في غير حالات التلبس بالجريمة – سلطة القبض على المتهم بشروط محددة ، وفي حالات وردت على سبيل الحصر بالمادة (45) من قانون الاجراءات الجزائية ، فوفقاً للمادة المذكورة لمأمور الضبط القضائي أن يأمر بالقبض على المتهم – الحاضر – الذي توجد دلائل كافية على ارتكابه جريمة في أي من الأحوال الآتية :
1 – في الجنايات
2 – في الجنح المتلبس بها المعاقب عليها بغير الغرامة
3- في الجنح المعاقب عليها بغير الغرامة إذا كان المتهم موضوعاً تحت المراقبة أو يخشى هروبه.
4- في جنح السرقة والاحتيال وخيانة الأمانة والتعدي الشديد ومقاومة أفراد السلطة العامة بالقوة وانتهاك حرمة الآداب العامة والجنح المتعلقة بالأسلحة والذخائر والمسكرات والعقاقير الخطرة.
والملاحظ على نص المادة (45) سالفة الذكر أنه جاء موسعاً لسلطات مأمور الضبط القضائي بالنسبة لإجراء القبض الذي يكاد يشمل على هذا النحو الغالبية العظمى من الجرائم ، مكتفياً بشرط الدلائل الكافية وهي من حيث طبيعتها وقوتها في الإثبات ليست مثل الأدلة كما انها لا ترقى إلى مستوى القرائن فهي مجرد مشروع لدليل يتحدد مصيره بناء على ما يسفرعنه التحقيق من نتائج ، ويقصد بها أن تقوم شبهات مستمرة من الواقع والظروف المحيطة بالواقعة على الاتهام.
وتقدير الدلائل على الاتهام ومدى كفايتها يكون براءة لرجل الضبط القضائي على أن يكون تقديره هذا خاضعاً لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع .
هذا وتوجب المادة (47) من قانون الاجراءات الجزائية على مأمور الضبط القضائي أن يسمع أقوال المتهم فور القبض عليه أو ضبطه واحضاره ان لم يكن حاضراً فإذا لم يأت بما يبرئه يرسله خلال ثمان وأربعين ساعة إلى النيابة العامة ، ويجب على النيابة العامة أن تستجوبه خلال أربع وعشرين ساعة ثم تأمر بالقبض عليه أو إخلاء سبيله ، والحق المخول لمأمور الضبط القضائي القبض على المتهم يبيح له تفتيشه دون تفتيش مسكنه مع مراعاة تلك القاعدة المتعلقة بالنظام العام والتي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها ومضمونها ان تفتيش الأنثى لا يجوز ان يتم إلا بمعرفة أنثى مثلها حيث تنص المادة (52) من قانون الاجراءات الجزائية الاتحادي على أنه " إذا كان المتهم أنثى يجب أن يكون التفتيش بمعرفة أنثى يندبها لذلك مأمور الضبط القضائي بعد تحليفها يمينأً بأن تؤدي أعمالها بالامانة والصدق ويتعين كذلك أن يكون شهود التفتيش من النساء".
وتجدر الإشارة إلى أن النص المصري المقابل لنص المـــــادة (45) من قانون الاجراءات الجزائية الاتحادي.
لم يعرف هذا التوسع في سلطات مأمور الضبط القضائي لمجرد توافر الدلائل الكافية فالمادة (35) من قانون الاجراءات الجنائية المصري تنص على أنه " .... إذا وجدت دلائل كافية على اتهام شخص بارتكاب جناية أو جنحة سرقة أو نصب أو تعد شديد أو مقاومة لرجال السلطة العامة بالقوة والعنف جاز لمأمور الضبط القضائي أن يتخذ الاجراءات التحفظية المناسبة وان يطلب فوراً من النيابة العامة أن تصدر أمراً بالقبض عليها ...."
فالامر بالقبض وفقاً لنص المادة سالفة الذكر يكون بيد النيابة العامة وليس مأمور الضبط القضائي ، وبطبيعة الحال لا ترقى " الاجراءات التحفظية" التي نصت عليها المادة (35) اجراءات مصري إلى مرتبة القبض وإلا وقعت باطلة.

ثانياً : تفتيش منازل الاشخاص الموضوعين تحت المراقبة
تعطى المادة (54) من قانون الاجراءات الجزائية الاتحادي لمأمور الضبط القضائي – ولوفي غير حالة التلبس بالجريمة – سلطة تفتيش منازل الاشخاص الموضوعين تحت المراقبة بنص القانون أو بحكم القضاء إذا وجدت إمارات قوية تدعو للاشتباه في ارتكابهم جناية أو جنحة









سلطات مأمور الضبط القضائي
المتعلقة بالتحقيق في أحوال التلبس بالجريمة

حدد المشرع الاتحادي حالات التلبس بالجريمة بموجب المادة (42) من قانون الإجراءات الجزائية بنصها على أن " تكون الجريمة متلبساً بها حال ارتكابها أو بعد ارتكابها ببرهة يسيرة. وتعتبر الجريمة متلبساً بها اذا تبع المجني عليه مرتكبها أو تبعته العامة مع الصياح أثر وقوعها أو اذا وجد مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حاملاً آلات أو أسلحة أو متاع أو أشياء يستدل منها على أنه فاعل أو شريك فيها أو اذا أوجدت به في هذا الوقت آثار أو علامات تفيد ذلك ".
والقاعدة في هذا الصدد أن المشرع الاجرائي يخول عادة مأموري الضبط القضائي – في حالات التلبس – سلطات أوسع من سلطاتهم في غيرها من الأحوال العادية ، ويمكننا أن نميز في هذا الصدد بين مجموعة من الواجبات التي يلزم أن يقوم بها مأمور الضبط في حالات التلبس ، وبين مجموعة أخرى من السلطات التي يقررها القانون له لمواجهة هذه الحالات.



أولاً : واجبات مأمور الضبط القضائي في حالة التلبس:
الاجراءات التي يوجب القانون على مأمور الضبط القضائي اتخاذها كما وردت بالمادة (43) من قانون الاجراءات الجزائية الاتحادي هي :
1-         الانتقال فوراً لمحل الواقعة وخاصة إذا كان نبأ الجريمة قد وصل إلى مأمورية الضبط عن طريق البلاغ.
2-         معاينة الآثار المادية للجريمة ، والمحافظة عليها ، وأثبات حالة الاماكن والأشخاص، وكل ما يفيد في كشف الحقيقة.
3-         سماع أقوال من كان حاضراً أثناء ارتكاب الجريمة أو من يمكن الحصول منه على ايضاحات في شأن الواقعة ومرتكبها.
4-         أخطار النيابة العامة فوراً التي عليها بدورها الانتقال فوراً إلى محل الواقعة بمجرد إخطارها بجناية متلبس بها .
ثانياً : نطاق سلطات مأمور الضبط في حالات التلبس:
1- منع المحاضرين من مبارحة محل الواقعة، وله ان يستدعى في الحال من يمكن الحصول منه على إيضاحات في شأن الواقعة فإذا خالف أحد الحاضرين الأمر الصادر إليه من مأمور الضبط أو امتنع أحد ممن دعوا عن الحضور ، يثبت ذلك في المحضر وتحكم المحكمة المختصة على المخالف أو الممتنع بعد سماع دفاعه بغرامة لا يجاوز مقدارها خمسمائة درهم.
2- القبض على المتهم الحاضر الذي تتوافر دلائل كافية على اتهامه بإرتكاب جريمة يجوز فيها الحبس الاحتياطي ، وذلك لمدة ثماني واربعين ساعة ، اللهم إلا إذا كانت الجريمة المتلبس بها من جرائم الشكوى فهنا لا يجوز القبض المتهم إلا إذا صرح بالشكوى من يملك تقديمها.
هذا وإذا لم يكن المتهم حاضراً جاز لمأمور الضبط القضائي أن يصدر أمراً بضبطه واحضاره " المادة 46 اجراءات اتحادي".
1) تفتيش شخص المتهم ، بالبحث عما يكون بجسمه أو ملابسه أو أمتعته من آثار أو أشياء تتعلق بالجريمة أو تكون لازمة للتحقيق فيها.
2)  تفتيش منزل المتهم ، أجاز المشرع تفتيش منزل المتهم في حالات التلبس بالجريمة وقد ورد النص على ذلك بالمادة (53) من قانون الاجراءات الجزائية الاتحادي التي تنص في فقرتها الأولى على أنه " لا يجوز لمأمور الضبط القضائي تفتيش منزل المتهم بغير إذن كتابي من النيابة العامة ما لم تكن الجريمة متلبساً بها وتتوافر إمارات قوية على أن المتهم يخفي في منزله أشياء أو أوراق تفيد كشف الحقيقة ويتم تفتيش منزل المتهم وضبط الاشياء والأوراق على النحو المبين في القانون ".
حيث يراعى في تفتيش منزل المتهم القواعد التالية:
·   ينصب التفتيش على جميع أجزاء المنزل وملحقاته ومحتوياته (المادة 53/2 إجراءات) في حدود تحقيق الغاية منه وهي البحث عن الأشياء والأوراق المطلوب ضبطها .
·    حضور المتهم أثناء تفتيش منزله أو من ينيبه، وإلا تم بحضور شاهدين ، ولا يترتب على مخالفة هذا الاجزاء - بالضرورة - البطلان ، فهو من القواعد الارشادية.
·   إذا كان في المنزل نساء ولم يكن الغرض من الدخول ضبطهن ولا تفتيشهن، وجب على مأمور الضبط القضائي أن يراعى التقاليد المتبعه في معاملتهن وأن يمكنهن من الاحتجاب أو مغادرة المنزل وان يمنحهن التسهيلات اللازمة لذلك بما لا يضر بمصلحة التفتيش ونتيجته " مادة 56 اجراءات".
·   يجوز لمأمور الضبط القضائي إذا قامت اثناء تفتيش  منزل المتهم قرائن قوية ضده أو ضد شخص موجود فيه على أنه يخفي شيئاً يفيد كشف الحقيقة أن يفتشه " المادة 57 اجراءات".
·   إذا وجد في منزل المتهم أوراق مختومة أو مغلفة بأية طريقة أخرى ، فلا يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يفضها وعليه إثباتها في محضر التفتيش وعرضها على النيابة العامة "المادة 57 اجراءات".
·   على مأمور الضبط القضائي أن يوصف الأشياء التي ضبطت ويعرضها على المتهم ويطلب منه إبداء ملاحظاته عليها ويحرر بذلك محضراً يوقعه المتهم أو يذكر فيه امتناعه عن التوقيع "المادة 61/2 اجراءات".
·   لمأمور الضبط القضائي أن يضع الاختام على الاماكن والاشياء والاوراق المضبوطة في حرز مغلق مختوم بالشمع الأحمر ويكتب على الحرز تاريخ المحضر المحرر بضبط هذه الأشياء ويشار إلى الموضوع الذي حصل الضبط من أجله "المادة 61/3 إجراءات".
·       والراجح أن القواعد المتعلقة بضبط الأشياء هي من قبيل القواعد التنظيمية التي لا يترتب على مخالفتها بالضرورة تقدير البطلان وإنما شرعت من أجل المحافظة على الأدلة التي قد يسفر عنها التفتيش وحمايتها من العبث بما قد يقلل من قيمتها في الإثبات أمام القضاء.









الفرع الثالث
انتداب الضبطية القضائية للتحقيق

الأصل أن السلطة المختصة بالتحقيق هي التي تقوم بمباشرته، فالنيابة العامة هي السلطة الأصلية المخولة مباشرة التحقيق الابتدائي ، ومع ذلك فان هذا لا يمنعها من الاستعانة برجال الضبطية القضائية للقيام ببعض أعمال التحقيق الابتدائي نيابة عنها أعمالاً لنص المادتين 68 و 69 من قانون الاجراءات الجزائية الاتحادي.
فهذين المادتين قد رسما الشروط اللازمة توافرها لصحة الاجراءات التي يتخذها مأمور الضبط بناء على الانتداب، وحدود سلطته ، وذلك على التفصيل التالي :
أولاً : شروط الندب فيما يلي :
تتمثل هذه الشروط فيما يلي :
1 – يتعين أن يصدر الندب ممن يملك مباشرة الاجراءات موضوع الندب ، بمعنى ان يكون عضو النيابة مختصاً بالإجراء موضوع الندب من الناحية النوعية والمكانية ، ومع ذلك يجوز لعضو النيابة إذا دعت الحال لإتخاذ إجراء من اجراءات التحقيق تقع خارج دائرة اختصاصه أن يندب لتنفيذه أحد أعضاء النيابة العامة أو أحد أعضاء الضبط القضائي لتلك الجهة " المادة 68 من قانون الاجراءات الجزائية الاتحادي ".
2- يتعين أن يكون مأمور الضبط القضائي المنتدب للتحقيق مختصاً نوعياً ومكانياً بالإجراء المنتدب من أجله ، ولا يشترط أن يشمل قرار الندب اسم الشرطي المنتدب للتحقيق وإنما يكفي أن يتم تعيينه بوظيفته ، ومع ذلك إذا عين قرار الندب اسم أحد مأموري الضبطية القضائية التزم هذا الأخير بإجراء العمل المنتدب له بنفسه ، فإذا انتدب غيره كان هذا الانتداب باطلاً .
3– يجب أن يحرر قرار الندب العمل أو الأعمال التي تيعين على مأمور الضبط تنفيذها ، فلا يجوز لعضو النيابة العامة انتداب أحد مأموري الضبط القضائي لتحقيق قضية برمتها ، كما لا يجوز انتداب مأمور الضبطية القضائية لاستجواب المتهم ، وبالطبع يسرى هذا الحكم على الحبس الاحتياطي الذي يتعين ان يسبقه استجواب المتهم ومع ذلك فقد أجاز القانون لمأمور الضبط استجواب المتهم في الأحوال التي يخشى فيها من فوات الوقت متى كان العمل لازماً للكشف عن الحقيقة " المادة 69".
4- يتعين أن يكون قرار الندب صريحاً وليس ضمنياً ثابتأً بالكتابة، وان كان لا يشترط  أن يكون أصل قرار الندب موجوداً بيد مأمور الضبط وقت تنفيذ أمر الندب.
ثانياً : حدود سلطة مأمور الضبط القضائي المنتدب للتحقيق
إذا انتدب مأمور الضبط القضائي القضائي للقيام ببعض أعمال التحقيق الابتدائي وكان انتدابه صحيحأً فان هناك مجموعة من المبادئ التي تحكم قيامه بالتحقيق تتمثل فيما يلي :
1- يكون لمأمور الضبط القضائي سلطة الجهة التي انتدبته للتحقيق ، وبناء عليه بتعين عليه الإلتزام بالقواعد التي كان على النادب الالتزام بها إذا قام بمباشرة العمل بنفسه .
2-  يتعين على مأمور الضبط القضائي المنتدب للقيام بعمل من أعمال التحقيق أن يلتزم بالقيام بالأعمال التي وردت صراحة بقرار الندب ولا يجوز له القيام بغيرها ، اللهم إلا إذا كانت مصلحة التحقيق تقتضي اتخاذ اجراءات أخرى غير تلك التي وردت بقرار الندب ، فهنا ليس هناك ما يمنع من قيامه بها طالما أنه يخشى من فوات الوقت وكان الإجراء الذي اتخذه مأمور الضبط لازماً للكشف عن الحقيقة.
3-  إذا حدد المحقق الوقت الذي يتعين تنفيذ قرار الندب خلاله فعلى المندوب الإلتزام بالقيام بالإجراءات خلال الفترة المحددة، أما إذا لم يحدد قرار الندب الوقت الذي يتعين تنفيذ العمل خلاله ، جاز للمندوب تنفيذه في أي وقت في فترة معاصرة أو قريبة من وقت صدور  قرار الندب ، وتقدر محكمة الموضوع ما إذا كانت الفترة التي مرت منذ صدور القرار وتنفيذه لها ما يبررها أم لا .
4- لا يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يقوم بالإجراء الذي انتدب للقيام به لأكثر من مرة ، فإذا انتدب لإجراء تفتيش منزل المتهم وقام بتنفيذه لم يكن من الجائز أن يقوم بالتفتيش مرة أخرى إستناداً إلى القرار السابق الذي قام بتنفيذه .

Post a Comment

Previous Post Next Post