تهتم المجتمعات على اختلاف درجات رقيها في الحضارة بطلبتها وشبابها لأنها تعقد عليهم الآمال في استقرارها  وتطويرها وتقدمها وتزداد أهمية هذه الفئة في المجتمعات النامية لسببين  أولهما : حاجة هذه المجتمعات إلى الإسراع في عملية التنمية القومية الشاملة التي تقع مسؤوليتها بالدرجة الأولى على شبابها وطلبتها ، وثانيهما : ارتفاع نسبة هذه الفئة العمرية   بالقياس على بقية الفئات العمرية الأخرى وهذا ما يجعلنا نرى في وجوه الجيل الجديد مستقبل الأمم والحضارات ومستقبل الإنسان نفسه ( التميمي ،1999 :203) ( خلف ،1979 :10)
تعد الحياة الدراسية بيئة ملائمة للنمو إذ تهيئ المدرسة الفرص لطلابها لاكتساب خبرات متنوعة تؤدي الى تغيير مرغوب في سلوكهم فكرا وعملا والنمو بطبيعته عملية مستمرة يمكن ان تتعثر اذا لم يتوفر لها عنصر الاستمرار ومعنى ذلك ان الطالب الذي لا يتابع دراسته بانتظام فانه يكون عرضة لعثرات قد تعوقه عن النمو النفسي السليم وهذا بدوره لا ينعكس على الفرد فحسب بل ان آثاره تمتد لتمثل فاقدا للمجتمع ككل وتعد ظاهرة غياب الطلبة في المرحلة الثانوية واحدة من الأسباب التي قد تعرقل نمو الطالب في هذه المرحلة الحساسة من عمره وتستمد مشكلة غياب الطلبة أهميتها هذه من تأثيرها في العملية التعليمية ككل فلا يتأثر المستوى الأكاديمي للطلبة فحسب بل يمتد هذا التأثير إلى عدد من جوانب توافقهم النفسي فضلا عن شعور أعضاء الهيئة التدريسية بالإحباط ويتعرض سير عملهم للفوضى والتعطيل كذلك تجابه الإدارة والمرشد التربوي مشكلة تفسير ظاهرة الغياب المدرسي والعمل على علاجها والاتصال بأسر الطلبة وتحديد حالات الغياب التي تتم من دون معرفة الأهل أو من دون عذر مقبول ، وتتجاوز آثار الغياب هذا الحد لارتباطها بظواهر أخرى مثل التسرب في المدرسة ( Dropping out  )،.فقد وجد ( سينا و راتوس و سيجيل Senna &Rathus & Siegel ) ارتباطا دالا بين الجناح على نحو مستقل عن أية علاقة يحتمل وجودها بين الغياب والمقاييس الأخرى للأداء المدرسي مثل التحصيل الدراسي والسلوك الاجتماعي في المدرسة.                                       
                                                           (Fiordaliso ,1977 : 189) .
كما أن العملية التعليمية وحدة مترابطة لا يمكن فصلها أو تجزئتها وهي تعتمد أساسا على ثلاثة أركان ( المدرس والطالب والمنهج ) والقصور في أي منها يؤثر في الأخر إذا فالطالب ليس بمعزل عن العاملين الآخرين، وممارساته لا تؤثر فيه فحسب فهولا يملك مطلق الحرية ، ان غياب الطالب يؤثر في سير خطة المدرس التي وضعها على وفق زمن معين ويربكها فيضطر الى التنازل عن عدد من أهدافه التي هي في صالح الطالب ويكون كل همه إكمال المنهج كما إن هذا الغياب يحدث خللا في أداء المدرس الملتزم بجدول معين لإنهاء التقييم وتسليم الدرجات مما يجعله تحت ضغط وإجهاد كبيرين  مما يؤثر على باقي الطلبة أيضا ، كما إن مدارسنا بشكل عام تعاني من سلبية عدد من الآباء في متابعة أبنائهم  وترك الحبل على الغارب لإدارة المدرسة لتتحمل التربية مع التعليم والحقيقة هي إن هؤلاء الآباء لا يشعرون بالخطر الحقيقي الناجم عن سلبيتهم إلا بعد حدوث أضرار تمس الأبناء سواء كانت انحرافات سلوكية او رسوبا دراسيا متكررا ..والغريب في الأمر إن أصابع ألاتهام تشير في المقام الأول والأخير إلى إهمال المدرسة وعدم رعايتها الكاملة للأبناء وناسين دورهم المهم في التربية والرعاية والتواصل مع المؤسسة التعليمية من اجل حماية الأبناء وحماية المجتمع ولا تنسى قول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم( أدبوهم لسبع وعلموهم لسبع وصاحبوهم لسبع)    
أهمية البحث :
  التربية عملية بناء وإعداد للفرد في المجتمع ، والوسيلة الوحيدة التي تنقل الإنسان من مجرد فرد إلى إنسان يشعر بالانتماء إلى المجتمع ، وله قيمته، ( عرفات ،1982 : 21)
وينصب الاهتمام على التربية ، لأنها تزود الفرد بأنماط سلوكية تمكنه من التكيف مع المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه ، وهي تسعى دائماً إلى تعرّف حاجات الفرد والمجتمع ومشكلاتهم ، وإيجاد الحلول المنطقية المناسبة لها بوسائل مختلفة انطلاقاً من القول : ( أن التربية هي الحياة نفسها ) . (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ،1987 : 1 )                         
 وهذا ما يراه ( روسو ) في أن التربية لا تقتصر على مدة محددة ، وإنما تتيح للفرد الفرصة لأن ينمو وفقاً للمرحلة العمرية التي يكون فيها . (العمر ، 1990: 9)
  إن مسؤولية التربية في المجتمع المعاصر هي إعداد الأجيال لعالم متغيّر ، تتطور فلسفاته وأهدافه ومؤسساته باستمرار. ( الفنيش ،1979 :54 ) .
  تنبـع أهمية البحث الحالي من أهمية الشباب و دورهم الفاعل في المجتمع فالشباب هم عصب الحياة  وإنهم الأمل المنشود في تجديد بناء الأمة ونهضتها . وهـم رجال الغد وبناة اليوم والمستقبل ، يعلق عليهم المجتمع الآمال العريضة.
 وتظهر أهمية الشباب جليا في الثورة الجديدة التي يطرحها علينا هذا القرن الجديد ، إذ ستكـون قيـادة العالم في المرحلة القادمة فـي أيديهم ، فثورة المعلومات وتراكمها جعلت هذا الجيل الشاب يفيد من إنجازاتها وانطلاقا من هذه الأهمية الكبـيرة التي يتمتع بها الشباب في بناء الأمة وتطورها ، عقدت بشأنهم كثير من المؤتمرات،كان أخرها المؤتمر العلمي العربي الأول عام (2002) المنعقد في بغداد، وكان للشباب النصيب الأوفر من تلك الدراسات والبحوث ، حيث اتجهت مجموعة منها نحو المشكلات المرتبطة بهم ووضع حلول لها ، والكشف عن الضغوط النفسية الموجهة إليهم .( الخزرجي  ،2003 :4)
وأخرى لقياس الروح المعنوية لديهم لمواجهة تلك المشكلات ( طارق ، 2002 :2 ) في حين  اتجهت مجموعة ثالثة نحو دراسة الصحة النفسية لديهم وحمايتهم من الانحرافات السلوكية
 ( النجار، 2002 :10)( الدبولي، 2002 : 11 )(الحلو ، 2002 : 14 )
  والمدرسة باختلاف مستوياتها هي المؤسسة التربوية تعني ببناء شخصيات الطلبة وتطويرها في نواحيها جميعا ،بما يجعلهم قادرين على التوافق الاجتماعي والانفعالي فضلا عن إكسابهم المعرفة ، و تتأكد أهمية هذا البحث من خلال تناوله المرحلة الإعدادية التي تؤدي دورا متميزا في تشكيل شخصيات الطلبة في سن المراهقة إذ تتبلور فيها ميول الطلبة واتجاهاتهم وقيمهم وقدراتهم لتأخذ شخصياتهم ذات التركيب المعقد ، سمة الثبات النسبي ، فالمدرسة الإعدادية هي المؤسسة التربوية والاجتماعية التي يكتشف الطلبة فيها عن أنفسهم ويحققون ذواتهم ويؤدون شخصياتهم ويدعمونها فهم ان عاجلا أم آجلا سيمارسون الحياة العملية سواء في إنجازاتهم المدرسية أو حين نزولهم إلى سوق العمل أو التحاقهم بالدراسات الجامعية الأولية .                                              (إسماعيل ومرسي ، 1974: 2)
فضلا عن ما تقدم فان للبحث الحالي أهميته في أنه يتناول مرحلة مهمة من مراحل التعليمية  ألا وهي مرحلة الدراسة الإعدادية إذ تتقرر فيها ميولهم العلمية والمهنية وتأخذ شخصيتهم سمة الثبوت النسبي لوقوعها في مرحلة المراهقة والتي لها خصائص نفسية وجسمية مختلفة عن تلك الخصائص في المراحل السابقة واللاحقة لتلك المرحلة.( عبدالله ،1978 : 2)
 ومرحلة المراهقة وما يصاحبها من تغيرات يمكن تشبيهها بعاصفة تحمل كثيرا من الأتربة والرمال أو بثورة بركان هو مزيج من عوامل متعددة يمكن تحليلها إلى عناصر أربعة تتفاعل مع بعضها هي العنصر الانفعالي والعنصر الاجتماعي والعنصر العقلي والعنصر الجنسي.
 ( معوض ، 1983 :344) ،ويمكن عد مرحلة المراهقة مرحلة فاصلة من الناحية الاجتماعية ،إذ يتعلم فيها المراهقون مسؤولياتهم بصفتهم مواطنين في المجتمع وتنمو قدراتهم المعرفية وقيمهم الجمالية والاجتماعية والسياسية وذلك نتيجة لتفاعلهم مع البيئة الاجتماعية.     
                                                         ( زهران ، 1981 :411)
  كما يبدأ المراهق فيها بالنظر الى نظم المجتمع والتقاليد والعادات نظرة فاحصة وتتوقف هذه النظرة على المؤثرات التي تلقاها في الطفولة .           ( الجبالي ،1973 :31)
  ومن الناحية النفسية تعد مرحلة المراهقة تعتبر مرحلة انتقال من طفل يعتمد  الاعتماد كله على الآخرين إلى راشد مستقل مكتف بذاته وهذا الانتقال يتطلب تحقيق تكيف جديد تفرضه ضرورات التمييز بين سلوك الطفل وسلوك الراشد ( هرمز ويوسف ،1988 : 563-564)
كما أوضحت الدراسات العلمية ان المراهقة ليست حقبة من الحياة مستقلة أو منعزلة عن بقية المراحل ،بل هي جزء من عملية النمو كلها  تتأثر بما سبقها من مراحل وتؤثر فيما يأتي بعدها.                                                 ( حسين ومحمد ،1982 : 127)
ويختلط الغياب عن المدرسة أحيانا بمصطلح رفض المدرسة(  School Refusal ) إذ يرتبط كلاهما بمعدلات الغياب المرتفعة إلا ان سلوك  من يتغيب عن المدرسة يمثل نوعا من الاضطراب السلوكي ( Conduct Disorder  ) إذ يكون سلوك رافض المدرسة مدفوعا بتجنب الخوف .(Ficula , 1983 : 1) ،ووجدت مجموعة من الدراسات ان الطلبة ذوي الاتجاهات الأكثر ايجابية نحو المدرسة ونحو مدرسيهم وزملائهم ينزعون الى الحضور الى المدرسة بمعدلات طيبة.(( Stennett & Lsaacs ,1980 :6 .                                 
كما وجد ايتون ان اضطراب علاقة الطالب بمدرسيه ورفاقه يعد من أكثر العوامل المسببة للغياب المفرط عن المدرسة .( Mervilde ,1981 :70) .
( كما أن الصف الدراسي يعد معملاً يصاغ فيه السلوك ثم الشخصية بأكملها
                                              ( العزاوي وآخرون ، 1997 ، :251 ) .
يتفق التربويون والقائمون على عملية التربية والتعليم على ان عدم انتظام الطلبة في حضورهم إلى المدرسة  وتغيبهم عنها بصورة مفرطة يعد مشكلة ذات أهمية كبيرة ومما يؤكد أهمية هذه المشكلة ما تتخذه المؤسسات التربوية والتعليمية من تدابير تكفل الحد من ظاهرة الغياب .ولما كان التحصيل الدراسي هدفا رئيسا في أي نظام تربوي تعليمي يتأثر بعوامل كثيرة وعديدة غير القدرات العقلية. ( الكبيسي والجنابي ،1982 : 208)
  فان التباين في التحصيل له أسباب عديدة تتعلق بالمنهج وبالمدرس وبالطالب وبالمجتمع وأسباب أخرى لا يمكن التكهن بها إلا من خلال الدراسة .( رؤوف ،1978 6) .
ان هذا البحث شمل طلبة المرحلة الإعدادية وهم في مرحلة المراهقة ويعدون فئة اجتماعية مهمة جديرة بالدراسة على أساس إنهم قادة المستقبل ،ان أجراء مثل هذه الدراسات يعد بداية جيدة لتشخيص الواقع التربوي والتعليمي في المدارس الإعدادية وصولا إلى إعطاء صورة واضحة تساعد المخططين ومتخذي القرار على  اتخاذ الإجراءات الصائبة من اجل تغيير  العمل التعليمي والتربوي وتطويره  في المدارس الإعدادية من اجل إعداد طلبة ذوي مواصفات ملائمة ترفد الخطط التربوية بالعنصر الأساس فمن دون الإنسان لا يمكن تحقيق أي تقدم في أية تنمية مهما أعددنا لها من وسائل مادية فالتنمية والتقدم يرتكزان بالأساس على مستوى الإعداد ونوعه الذي يصل إليه الأفراد في المجتمع .
والنتائج التي سيتوصل إليها يمكن أن تشكل أهمية مضافة من خلال الفائدة التي يمكن أن تقدمها للمؤسسات التربوية عامة .

Post a Comment

أحدث أقدم