أسباب نشوء الأزمة:
 لكل أزمة مقدمات تدل عليها، وشواهد تشير إلى حدوثها، ومظاهر أولية، ووسطى، ونهائية تعززها... ولكل حدث أو فعل تداعيات وتأثيرات، وعوامل تفرز مستجدات، ومن ثم فإن حدوث المقدمات، ليس إلا شواهد قمة جبل جليد، تخفي تحتها قاعدة ضخمة من الجليد ومن المتواليات والتتابعات.

وأيا ما كان فإن هناك أسباباً مختلفة لنشوء الأزمات يظهرها لنا الشكل التالي:

المصدر: الخضيري، محسن أحمد:" إدارة الأزمات: علم امتلاك كامل القوة في أشد لحظات الضعف"، القاهرة، مجموعة النيل العربية، ط2، 2002م، ص (66).

ويمكن إيضاح تلك الأسباب على النحو التالي:
1 / 4 / 1 –  سوء الفهم:
وينشأ سوء الفهم عادة من خلال جانبين هامين هما:
·       المعلومات المبتورة.
·       التسرع في إصدار القرارات أو الحكم على الأمور قبل تبين حقيقتها، سواء تحت ضغط الخوف والقلق والتوتر أو نتيجة للرغبة في استعجال النتائج.
من الأمثلة على سوء الفهم قصة أحد الصحابة الذي أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم لجمع الزكاة من إحدى القبائل- وكان من عادة أهل هذه القبيلة أن يخرجوا لاستقبال ضيوفهم وهم يحملون كامل أسلحتهم وسيوفهم مشرعة في أيديهم يلوحون بها تحية للضيف- فلما رآهم هذا الصحابي ، وكان بينه وبينهم في الجاهلية ثأر وعداوة ، ظن أنهم خارجون لمحاربته، فما كان منه إلا أن عاد أدراجه وجلاً و خائفاً، مخبراً الرسول ( ص ) بأنهم منعوا عنه الزكاة، وأنهم خرجوا لمحاربته وكادوا يقتلونه لولا أنه هرب منهم .. وكانت أزمة .. استعد الرسول صلى الله عليه وسلم خلالها لمحاربة هذه القبيلة، لولا أن أدركه أهلها ليخبروه بالحقيقة وانتهت الأزمة.. والتي أورد الله فيها قرآنا ً" يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين".[1]
1 / 4 / 2 – سوء الإدراك:
الإدراك يعد أحد مراحل السلوك الرئيسية حيث يمثل مرحلة استيعاب المعلومات التي أمكن الحصول عليها والحكم التقديري على الأمور من خلالها، فإذا كان هذا الإدراك غير سليم نتيجة للتشويش الطبيعي أو المتعمد يؤدي بالتالي إلى انفصام العلاقة بين الأداء الحقيقي للكيان الإداري وبين القرارات التي يتم اتخاذها، مما يشكل ضغطاً من الممكن أن يؤدي إلى انفجار الأزمة.
ومشكلة أخرى بالنسبة للمعلومات هي محاولة تفسيرها على ضوء رغبات المرء الشخصية، أو ما يعرف باسم منطق الميول النفسية Psycho Logic فيتقبل المرء من هذه المعلومات ما يوافق هواه ويتفق مع تطلعاته، ويتجاهل من هذه المعلومات ما يخالف رغباته، ومن ثم يسعى لاختلاق المبررات للمعلومات التي تجد هوى في نفسه، كما يتفنن في إيجاد الذرائع لاستبعاد المعلومات التي تتناقض مع مفاهيمه الأساسية، ومن ثم يأتي تفسيره للأزمات مشوباً بنظرة شخصية ضيقة.[2]
1 / 4 / 3 – سوء التقدير والتقييم:
 يعد سوء التقدير والتقييم من أكثر أسباب حدوث الأزمات في جميع المجالات وعلى وجه الخصوص في المجالات العسكرية.
 وينشأ سوء التقدير الأزموي من خلال جانبين أساسيين هما:
·       المغالاة والإفراط في الثقة سواءً في النفس أو في القدرة الذاتية على مواجهة الطرف الآخر والتغلب عليه.
·       سوء تقدير قوة الطرف الآخر والاستخفاف به واستصغاره والتقليل من شأنه.
وتعد حرب أكتوبر 1973م أحد الأمثلة القوية على هذا السبب/ خاصة عندما توافرت لدى كل من الولايات المتحدة وإسرائيل المعلومات الكاملة عن الحشود المصرية والسورية العسكرية، ولكنها تحت وهم وغطرسة القوة وخداع النفس العنصري الإسرائيلي، وأسطورة الجيش الذي لا يقهر، اطمأنت إلى أن المصريين والسوريين لن يقدموا على شيء ذي أهمية، ومن ثم كان الهجوم المصري السوري المشترك مذهلاً وصادماً.
1/ 4 / 4 – الإدارة العشوائية:
ويطلق عليها مجازاً إدارة، ولكنها ليست إدارة، بل هي مجموعة من الأهواء والأمزجة التي تتنافى مع أي مبادئ علمية، وتتصف بالصفات الآتية:
·       عدم الاعتراف بالتخطيط وأهميته وضرورته للنشاط.
·       عدم الاحترام للهيكل التنظيمي.
·       عدم التوافق مع روح العصر.
·       سيطرة النظرة الأحادية السوداوية.
·       قصور التوجيه للأوامر والبيانات والمعلومات وعدم وجود التنسيق.
·       عدم وجود متابعة أو رقابة علمية وقائية وعلاجية.
ويعد هذا النوع من الإدارة الأشد خطراً لما يسببه للكيان الإداري من تدمير لإمكانياته وقدراته، ولعل هذا ما يفسر لنا أسباب أزمات الكيانات الإدارية في دول العالم الثالث التي تفتقر إلى الرؤية المستقبلية العلمية والتي لا تستخدم التخطيط العلمي الرشيد في إدارة شئونها وتطبق أنماطاً إدارية عشوائية شديدة التدمير والخراب.[3]
1 / 4 / 5 – الرغبة في الإبتزاز:
تقوم جماعات الضغط، وأيضاً جماعات المصالح باستخدام مثل هذا الأسلوب وذلك من أجل جني المكاسب غير العادلة من الكيان الإداري، وأسلوبها في ذلك هو صنع الأزمات المتتالية في الكيان الإداري، وإخضاعه لسلسلة متوالية من الأزمات التي تجبر متخذ القرار على الانصياع لهم.[4]
1 / 4 / 6 – اليأس:
ويعد من أخطر مسببات الأزمات فائقة التدمير، حيث يعد اليأس في حد ذاته أحد " الأزمات " النفسية والسلوكية والتي تشكل خطراً داهماً على متخذ القرار.
 ومع ذلك ينظر إلى اليأس على أنه أحد أسباب نشوء الأزمات، بما أن اليأس يسبب الإحباط مما يترتب عليه فقدان متخذ القرار الرغبة في التطوير والاستسلام للرتابة، مما يؤدي إلى انفصام العلاقة بين الفرد والكيان الإداري الذي يعمل من خلاله، وتبلغ الأزمة ذروتها عندما تحدث حالة " انفصام " وانفصال بين مصلحة العامل أو الفرد الذاتية وبين مصلحة " الكيان الإداري" الذي يعمل فيه.[5]
1 / 4 / 7 – الإشاعات:
من أهم مصادر الأزمات، بل إن الكثير من الأزمات عادة ما يكون مصدرها الوحيد هو إشاعة أطلقت بشكل معين...، وتم توظيفها بشكل معين، وبالتالي فإن إحاطتها بهالة من المعلومات الكاذبة، وإعلانها في توقيت معين، وفي إطار مناخ وبيئة محددة، ومن خلال حدث معين يؤدي إلى أن تنفجر الأزمة.[6]

1 / 4 / 8 – استعراض القوة:
وهذا الأسلوب عادة ما يستخدم من قبل الكيانات الكبيرة أو القوية ويطلق عليه أيضاً مصطلح " ممارسة القوة " واستغلال أوضاع التفوق على الآخرين سواء نتيجة الحصول على قوة جديدة أو حصول ضعف لدى الطرف الآخر أو للاثنين معاً.
ويبدأ بعملية استعراضية خاطفة للتأثير على مسرح الأحداث دون أن يكون هناك حساب للعواقب، ثم تتدخل جملة عوامل غير منظورة فتحدث الأزمة، ومن ثم تتفاقم مع تتابع الأحداث وتراكم النتائج.[7]
1 / 4 / 9 – الأخطاء البشرية:
وتعد الأخطاء البشرية من أهم أسباب نشوء الأزمات سواءً  في الماضي أو الحاضر أو المستقبل، وتتمثل تلك الأخطاء في عدم كفاءة العاملين، واختفاء الدافعية للعمل، وتراخي المشرفين، وإهمال الرؤساء ، وإغفال المراقبة والمتابعة، وكذلك إهمال التدريب.
ومن الأمثلة على الأزمات الناتجة عن الأخطاء البشرية، حادثة تشرنوبيل، وحوادث اصطدام الطائرات في الجو.[8]
1 / 4 / 10 – الأزمات المخططة:     
حيث تعمل بعض القوى المنافسة للكيان الإداري على تتبع مسارات عمل هذا الكيان، ومن خلال التتبع تتضح لها الثغرات التي يمكن أحداث أزمة من خلالها. [9]
1 / 4 / 11- تعارض الأهداف:
عندما تتعارض الأهداف بين الأطراف المختلفة يكون ذلك مدعاة لحدوث أزمة بين تلك الأطراف خصوصاً إذا جمعهم عمل مشترك، فكل طرف ينظر إلى هذا العمل من زاويته، والتي قد لا تتوافق مع الطرف الأخر. [10]
1 / 4 / 12 -  تعارض المصالح:
يعد تعارض  المصالح من أهم أسباب حدوث الأزمات، حيث يعمل كل طرف من أصحاب المصالح المتعارضة على إيجاد وسيلة من وسائل الضغط لما يتوافق مع مصالحه، ومن هنا يقوي تيار الأزمة.[11]
ويضيف عبد اللطيف الهميم أن لكل أزمة سبب نشوء فهناك:
·       أزمات نشأت بسبب وباء مرضي.
·       أزمات نشأت بسبب تناقص وجود.
·       أزمات نشأت بسبب اختلاف الدين.
·       أزمات نشأت بسبب احتقان التاريخ بترسبات الماضي.
·       أزمات نشأت بسبب ثأر دولي.
·       أزمات نشأت بسبب نظام جديد لا يحسن السيطرة على وسائل القوة.[12]

ويرى الباحث أن أسباب حدوث الأزمات متعددة، ومتجددة مع تجدد سبل الحياة، وعلى الباحث المدقق والإداري الناجح والخبير الممارس أن يكشف هذه الأسباب وأن يحدد جوانبها وأبعادها ويشخصها تشخيصاً جيداً حتى يتمكن من التعامل معها وإدارة الأزمة بنجاح.


[1] الخضيري، محسن أحمد،2002 م، المرجع السابق، ص ص ( 67 – 68 ).
[2] العماري، عباس رشدي:" إدارة الأزمات في عالم متغير "، القاهرة، مركز الأهرام للترجمة والنشر، ط1، 1993، ص22.
[3] الخضيري، محسن أحمد،2002 م، مرجع سابق، ص ص ( 73 – 76 ).
[4] الخضيري، محسن أحمد،2002 م، المرجع السابق، ص (76-79).
[5] الخضيري، محسن أحمد،2002 م، المرجع السابق، ص ص ( 79 – 82 ).
[6] الخضيري، محسن أحمد،2002 م، المرجع السابق، ص ص ( 82 – 84 ).
[7] الخضيري، محسن أحمد،2002 م، المرجع السابق، ص ص ( 85 – 86 ).
[8] الخضيري، محسن أحمد،2002 م، المرجع السابق، ص ص ( 86 – 88 ).
[9] الخضيري، محسن أحمد،2002 م، المرجع السابق، ص ص ( 88 – 89 ).
[10] الشعلان، فهد أحمد، 2002،م ، مرجع سابق، ص 49.
[11] الخضيري، محسن أحمد،2002 م، مرجع سابق، ص ص ( 92 – 94 ).
[12] الهميم، عبد اللطيف:" إدارة الأزمة وقيادة الصراع في الموروث الإسلامي المعاصر"، عمان ، دار عمار للنشر والتوزيع ، 2004م، ص 208.

Post a Comment

أحدث أقدم