تغير الاقتصاد
شهد العالم فى
السنوات الأخيرة من القرن العشرين تغيرات كثيرة فى جميع المناحى ومنها النواحى
الاقتصادية، وبلغت هذه التغيرات ذروتها بعد انهيار المعسكر الاشتراكى، وذلك أمام
المعسكر الرأسمالى، وسيادة آليات السوق الذى بدأ يسيطر على كافة المنظمات الدولية
العاملة فى مجال المال
والاقتصاد، وبالتالى على دول ومجتمعات العالم الثالث والتى
منها مصر التى انتهجت سياسة الاقتصاد الحر بدلاً من الاقتصاد الشامل (70)،
وذلك لأسباب كثيرة منها الأزمة الاقتصادية الحادة التى تعرضت لها مصر فى الستينات
والسبعينات والثمانينات، والضغوط الدولية من خلال المؤسسات الدولية كالبنك الدولى 0
كما كان من أبرز
التغيرات الاقتصادية فى السنوات الأخيرة ظهور التكتلات الاقتصادية الكبرى كالاتحاد
الأوربى، وتجمع الشرق الأقصى، ومجموعة سارك والنافتا، وانضمت مصر إلى منظمة
الكوميسا التى تضم دول جنوب شرق إفريقية، كما انضمت مصر إلى اتفاقية الجات
الدولية"(71)، هذا بالإضافة إلى سياسة الانفتاح التى اتبعتها مصر
فى سبعينات القرن العشرين وما أدت إليه من تأثيرات اقتصادية على المجتمع0
ومن أبرز
التغيرات الاقتصادية التى أثرت على العالم كله وعلى اقتصادياته عاصفة سبتمبر, التى
ضربت الولايات المتحدة فى 11 سبتمبر 2001, والتى أدت إلى مزيد من تباطؤ نمو
الاقتصاد العالمى, وركود كثير من الاقتصادات الصاعدة, وخاصة فى الدول النامية،
خاصة وأن تقارير صندوق النقد الدولى فى مايو 2001 كانت تتوقع تراجع النمو
الاقتصادى العالمى قبل أحداث سبتمبر من 4.8% عام 2000 إلى 3.2% عام 2001، وأن
يتراجع معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى الأمريكى من 4.40% عام 2000، إلى 3% من
3.6% عام 2000 إلى 3% عام 2001، وأن يتراجع النمو الاقتصادى فى الدول النامية من
5.4% عام 2000، إلى 5.3% عام 2001، وفى مصر تراجع من 4.5% فى مايو 2001 إلى 3.30 %
فى نوفمبر 2001 ,وبالتالى أدت أحداث سبتمبر إلى تدهور الاقتصاد العالمى بصفة عامة ,واقتصاد
الدول النامية بصفة خاصة (72)
0وكان لمعظم هذه التغيرات تأثيراتها على المجتمع, التى تمثلت
فى انخفاض مستوى الدخل, وخاصة لدي موظفي الدولة,الأمر الذي دفع بالموظفين العاملين
بالدولة ,والتي يمثل الشباب شريحة كبيرة منهم إلى استخدام الصلاحيات الممنوحة لهم
فى تحصيل أموال ,وتكوين ثروات بدون وجه حق ,من خلال الرشاوى التى يأخذونها كشرط
لتسهيل الأعمال التى تحت سيطرتهم، مما يعطى انطباعاً لدى الشباب بضرورة انتهاز فرص
الفساد بأشكاله المختلفة للحصول على المال (73)0
فى ظل انعكاس
آليات السوق لم تعد قيم الكفاءة العلمية والقدرة الذهنية تؤهل الشباب لشغل
الوظائف، بل حلت محلها قيم النفعية التبادلية مع من يمسكون بزمام هذه الوظائف، أى
يتوقف الأمر على قيم الواسطة والمحسوبية والنفوذ وغيرها من القيم السلبية
الأخرى"(74)، كما قد يدفع العجز المادى بعض الشباب إلى أن يقعوا
فريسة للانحراف كأن يلجأوا للسرقة والغش والنصب والاحتيال والكذب، كما قد يدفعهم
هذا العجز إلى اعتزال الناس والأصحاب, وعدم القدرة على مجاراتهم، مما يخلق فى
نفوسهم مشاعر النقص وصعوبات التكيف مع مجتمعهم، وفى الوقت نفسه قد يدفع الشباب
الذين يمتلكون مزيداً من المال إلى التفرغ للبذخ والاستمتاع المطلق, وعدم تحمل
المسئولية, مما يوقعهم فى كثير من الانحرافات والمشكلات، نتيجة عدم الاكتراث أو
التهيب من القانون، ولذلك تقترن السلوكيات الاجتماعية السلبية بمشكلة تراجع هيبة
القانون أكثر مما تعود إلى عوامل اجتماعية أو طبقية، وهذه القيم أخذت تتكرس منذ
تراجع قيمة العمل والكفاءة والإنجاز، وطغت عليها اعتبارات الولاء والمحسوبية
والممالأة، الأمر الذى جعل المجتمع مهيأ لإعلاء قيمة الربح وقوة المال (75)0
وربما يرجع عدم
الاكتراث بالقانون إلى غياب قيمة العدالة التى لابد أن تكون متأصلة فى المجتمع،
لأن "قيم الحرية والديمقراطية والمساواة وغيرها لن تؤتى أى ثمار طيبة بدون
قيمة العدالة، وهذه القيمة هى التى تجعل قيم النزاهة والمسئولية والخير العام التى
تتطلبها حياة المجتمع الأخلاقى السليم ممكنة وفاعلة وقابلة للحياة" (76)0
كما انتشرت قيم
الاستهلاك على حساب قيم الإنتاج لدى الشباب، فقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن
إنتاجية المواطن العربى تقل 20 مرة عن إنتاجية الفرد الهولندى، وبحوالى 17 مرة عن
الفرد الفرنسى، و15 مرة عن الفرد الإيطالى، و10 مرات عن الأسبانى" (77)0
ويلاحظ ذلك
بوضوح فى سلوكياتنا, حيث نجد وجود تطلع شديد لدى الشباب للبحث عما هو جديد فى
السوق, والعمل على اقتنائه, مثل السيارات الفخمة ,ومثل اقتناء التليفونات المحمولة
رغم التكلفة العالية لذلك، وبالتالى صار التركيز لدى الشباب منصباً على قيم السلع
والربح واستهلاك السلع الأجنبية من مأكل وملبس ومشرب، وهذا سيؤدى إلى تشكيل قيم
الاتكالية والتواكل وإضعاف روح النقد والإبداع (78)، لأنه يعتمد على
استخدام كل ما هو جاهز دون عناء إنتاجه وإبداعه0
كما سيطرت القيم
المادية المعاصرة وصارت تقف ضد القيم
التقليدية الراسخة وخاصة فيما يتعلق بقيم الاختيار للزواج ,فصار هناك شباب أو
فتيات متعلمون قد أقبلوا على الزواج بمن هم دونهم فى التعليم، وهكذا تحولت العلاقة
فى مجال الزواج من علاقة إنسانية بين أفراد من البشر إلى علاقة مادية بين الأشياء،
وصار ينظر للإنسان على أنه سلعة قابلة للمبادلة0
وقد أشار
"أحمد كمال أبو المجد" إلى أن سبب الأزمة التى تتعرض لها الأسرة
المعاصرة هو تسلل قيم السوق التجارى التى أفرزها النظام الرأسمالى إلى الأسرة
وتهديد استقرارها واستمرارها ,
وأبرز هذه القيم "قيمة الرغبة الجامحة فى الاستكثار من المال، وتقييم كل شئ
على أساس قيمته المادية، وهى رغبة لا سقف لها، ولا حد يحدها، ولا تكاد تفسح إلى
جوارها مكاناً لقيمة أخرى، أما القيمة الثانية فهى قيمة المنافسة التى تتحول إلى
صراع واستعداد عقلى ونفسى لاستبعاد الآخر وتصفية وجوده (79)، وبالتالى
يمكن أن تؤدي هاتان القيمتان إلى تخريب العلاقات الإنسانية فى الأسرة، الأمر الذى أدي
إلى اختفاء روح الحب والود والتعاون فى السراء والضراء، وحل بدلاً من ذلك الصراع
والعقد والحسد والتنافس غير الشريف، وانتشار الأنانية والأثرة وحب النفس، وهذا
معناه تراجع وضعف الانتماء الأسرى، وسوء العلاقة وترديها بين الآباء والأبناء0
كما أنه نتيجة
للانفتاح الاستهلاكى الكبير فى المجتمع المصرى تراجعت قيمة المثقفين وقادة الفكر
أمام طغيان المادة، مما أدى إلى ضعف قدرة تلك الفئة المثقفة عن القيام بدورها فى
الحياة، وانتشرت روح الأنانية وتقديم المصالح الخاصة على المصالح العامة، وأصبح كل
فرد يسعى إلى حل مشكلاته على المستوى الفردى ولو على حساب المجتمع وقيمه" (80)0
إرسال تعليق