تغير تبديل تغيير الثقافة :
إن أهم المستجدات التى طرأت على النظام الإعلامى
العربى على مشارف
القرن الحادى والعشرين تمثلت فى : تعثر النظام الإعلامى العربى
فى الاستجابة لتحديات عولمة الإعلام، والأداء الضعيف والتنافس السلبى، وضعف الهياكل
التمويلية والفنية (54),
الأمر الذى أدى إلى زيادة الضغوط لفرض أسس ثقافية نمطية
تستغل منها دعاوى الديمقراطية والمشاركة والمكاشفة وحقوق الإنسان، وصارت أدوات
الاتصال والمعلومات تعمل بكل قواها لغرس قيم معينة، وتمجيد ثقافة عالمية جديرة
بالاعتبار (55)0
ومن هنا برزت
"صعوبة القدرة على صد التدفق الإعلامى عبر حدود الدول، وأصبح امتلاك
المعلومات والتقنيات وأدوات الاتصال ومعرفة التعامل معها عنصراً هاماً للقوة
والتأثير فى الآخر"(56)،وكان هذا نتيجة طبيعية للتطور الهائل فى
تكنولوجيا الاتصالات التى أدت إلى تقديم تسهيلات كثيرة للناس وللأماكن العامة،
بداية من نظام البريد الاليكترونى إلى التليفونات المحمولة, بالإضافة إلى وسائل
الاتصالات الدقيقة جداً، وهذه التكنولوجيا الحديثة تقدم الأجهزة الأكثر سرعة فى
الاتصالات"(57)، وقدأثرت هذه الثورة الاتصالية على التوازن
الثقافى عبر أجزاء العالم المختلفة، فقد قسم "كين ورثى" Ken Worthy العالم إلى ثمانية مناطق ثقافية كبيرة هم:
المنطقة اللاتينية، والأنجلو ساكسون، والألمان، والسلافيك، والمسلمين، والإفريقى،
والهندى، والسينتيك، وتعد الثقافة الأنجلو ساكون هى التى تغطى بريطانيا وأمريكا
الشمالية واستراليا ونيوزلندا وشمال أفريقية، بل إن هذه الثقافة هى التى تؤثر فى
تلك المناطق بطريقة سريعة منذ الحرب العالمية الثانية، وخاصة على مستوى الدول
الإسلامية"(58)، وبدأت نتائج هذا التطور الهائل فى الاتصالات
تنعكس على المجتمع العربى من خلال انفتاح إعلامى بلا حدود يستهدف فرض ثقافة كونية،
وينطوى على إخضاع العقول العربية – اختيارياً – لمجموعة من القيم والمعتقدات
وأنماط السلوك والاستهلاك, المنتمية إلى مجتمعات حققت مستويات عالية من التقدم
وتميزت ثقافتها بحريات شخصية واسعة, فكانت النتيجة هى اندثار بعض الثقافات المحلية،
أو الصراع بين الوافد والمحلى، وصاحب ذلك مشكلات عديدة منها : ظاهرة الاغتراب بين
الشباب، والبحث عن الهوية والذاتية الثقافية بل بات واضحاً أن الشباب فى مجتمعنا
يعانى تمزقاً أمام الاتجاهات المتعددة للثقافات العديدة – خاصة الوافد منها - ،
ويعيش صراعاً بين تراثه الإسلامى الأصيل وبين ما تقدمه الحضارة المادية الغربية،
وأصبح حائراً من أجل مستقبله,وصار الشباب لا يعلم ماذا يريد,وما الأهداف التي يسعي
لتحقيقها0
ومن أبرز
التداعيات التى ظهرت على الساحة العالمية نتيجة الهيمنة الثقافية الغربية هو
احتمال تراجع اللغة العربية فى مواجهة اللغات الأكثر انتشاراً فى العالم, وخاصة
اللغة الإنجليزية وبالأخص الإنجليزية الأمريكية، حيث "إن الولايات المتحدة
الأمريكية تمتلك تكنولوجيا المعلومات والاتصال، حيث إن حوالى 65% من مجموع
الاتصالات المعالجة تخرج منها، وتحكمه اللغة التى تتحدث بها، فقد أصبحت اللغة
الإنجليزية هى لغة الاتصالات العالمية الآن، وأصبح تعلمها ضرورة لمواكبة
العصر"(59)، الأمر الذى أدى إلى إهمال اللغة العربية إهمالاً
تاماً من الشباب وعدم إتقانها بل التركيز بصورة أساسية على اللغة الإنجليزية، مماأدي
إلى ضعف قيم الولاء والانتماء لدى الشباب وعدم تمسكهم بهويتهم الثقافية العربية
والإسلامية0
ونلحظ هذا
التأثير على التعاملات العربية فى صحفنا ومجلاتنا، بل وفى اللوحات الإعلامية
والتجارية، وحتى فى بعض التعاملات العادية التى لا تستلزم مطلقاً استخدام اللغة
الأجنبية، مثل إقحام الشباب لبعض الكلمات الأجنبية فى الكلام دون الحاجة لذلك سوى
التأثر اللاواعى بمعطيات العصر أو التفاخر بذلك, أو التحرج من استخدام لغته
الوطنية، كما يظهر تأثير ذلك في العديد من السلوكيات اليومية مثل "ارتداء بعض
الشباب الملابس والقبعات المرسوم عليها العلم الأمريكى، بل ولصق تلك الرسوم على
سياراتهم، وإطلاق المسميات الأمريكية والأوربية على بعض المحلات التجارية، ليس هذا
فقط بل حتى على مستوى المتعلمين ممن حصلوا على درجات علمية رفيعة، نلاحظ أن البعض
منهم يتباهى بأنه حصل على درجته العلمية من إحدى الجامعات الأوربية أو الأمريكية وهذا
يدل على اعتزاز هؤلاء بالنموذج الأجنبى على حساب النموذج الوطنى" (60)0
والمتابع
للبرامج التى تبثها الإذاعات المختلفة حتى العربية منها يلحظ بوضوح إظهار تفوق
الحضارة الغربية ,وتغلغل قيم الرأسمالية فى المؤسسات الوطنية ذات الصلة بالثقافة
كالمناهج فى المدارس، والجامعات، ومراكز البحوث، بالإضافة لما تقدمه المؤسسات من
منح وموارد إعلامية وبحوث تجرى عن طريق المؤسسات الرأسمالية، كلها تصب فى إطار
ترسيخ تفوق الغربى على ما عداه من الجنسيات الأخرى"(61)، وها هو
التليفزيون يلعب دوراً كبيراً فى بث قيم تسخر من الزواج والارتباط الرسمى, وهذا
يعد دعوة للتمرد والانقياد وراء الشهوات والنزوات حيث ظهرت إحدى الفنانات فى
برنامج تليفزيونى لتتحدث عن الزواج -باعتباره تجربة كان لابد أن تمر بها – أمام
شباب مقبل على الزواج"(62)، كما يشاهد الشباب المسلسلات الأجنبية
على شاشات التليفزيون العربية، تلك المسلسلات المليئة بالقيم السلبية، ومن أبرز
هذه القيم : الفردية والقسوة والعنف والتعصب والعدوانية والخيانة والسرقة والخداع،
وأن هذه المسلسلات وخاصة الأمريكية منها تروج باستمرار الجوانب الإنحلالية كإقامة
علاقات جنسية غير مشروعة بين شباب الجنسين، كما أن معظم الموضوعات المقدمة فى تلك
المسلسلات لا تناسب خطط التنمية ومستوى التطور الاقتصادى والاجتماعى والثقافى فى
الدول العربية(63)0 ولذلك يوجه كثير من علماء النفس والتربية والاجتماع
والاتهامات لما يعرضه التليفزيون حيث يساعد على "نمو السلبية واللامبالاة، ويضعف
من قوة إبصار المشاهد وتلهيه عن القراءة والاطلاع والمناشط الأخرى، ويدفع ببعض
الشباب إلى ارتكاب جرائم العنف والقتل والسرقة"(64)، وهكذا يتضح
أن انحراف الشباب جاء نتيجة لغياب المثل العليا التى يمكن الاحتذاء بها، وليس
الاكتفاء بذلك، بل تم إحلال مُثل أخرى غير سليمة محلها0
إرسال تعليق