التغيرات العلمية والتكنولوجية
يعيش
العالم ثورة علمية هائلة, وسيتعاظم حجمها وتأثيرها خلال الفترة القادمة من الزمن،
وسيكون لها إسقاطاتها الفكرية والاجتماعية والسياسية على مختلف مناطق العالم،
وبالتالى فإن تشكيل النظام العالمى سيتوقف على منجزات هذه الثورة العلمية
والتكنولوجية التى تتدفق الآن بشدة، والدليل على ذلك ما تعرض له الاتحاد السوفيتى من سقوط مريع فى أواخر القرن
العشرين نتيجة الفجوة التكنولوجية التى اتسعت باطراد بينه وبين النظام الغربى (45)0
ويتمثل لب
الثورة العلمية والتكنولوجية فى الأوتوماتية Automation ، ففى عصر الزراعة تمثلت فى الأدوات، وفى عصر الصناعة تمثلت فى
الآلة، أما مع الثورة العلمية والتكنولوجية فتتمثل فى الآلة ذاتية ما يسمى
بالمعالج الدقيق للمعلومات, والذى يمكنه إدارة خط كامل للإنتاج ,بل مصنع بأكمله
دون تدخل مباشر من الإنسان (46),وقد غطت الثورة العلمية والتكنولوجية
عدة مجالات منها:
1-تكنولوجيا المعلومات, والمتمثلة فى الالكترونيات الدقيقة,
والآلات الحاسبة ,والإنسان الآلى, وصناعة المعلومات, والطاقة النووية, وتكنولوجيا
الفضاء0
2-التكنولوجيا الحيوية
والمتمثلة فى علم الأحياء والهندسة الوراثية0
3-تكنولوجيا المواد وهو
مجال تخليق المواد الجديدة وإحلالها محل المواد الطبيعية القديمة على أساس التكنولوجيا
الكيمياوية والبتروكيميائية (47)0
ومن الطبيعى أنه لن تحدث أى تغيرات علمية أو
تكنولوجية دون أن يكون لها سلسلة من التوابع والانعكاسات, سواء كانت اقتصادية أو
اجتماعية أو ثقافية، أو قيمية ,سواء أكان ذلك على مستوى المجتمع العالمى ,أو على
المستوى المحلى، وسواء أكان بصورة سلبية أو إيجابية,ومن هذه الانعكاسات:
1- زيادة الترابط بين بقاع العالم والاعتماد
المتبادل بين الأطراف الرئيسية لهذا التقدم العلمى والتكنولوجى ا (48)
2-التراكم
الكبير فى المعلومات والمعارف العلمية والتقنية، فالنظريات العلمية التى كانت فى
الماضى مجرد كتابات نظرية فقط، صارت الآن تمثل العديد من الاختراعات والاكتشافات
المذهلة التى أخذت بيد الحكومات والدول للتقدم والرقى فى العديد من الجوانب
الاجتماعية والاقتصادية(49)
3-الاتجاه
المتزايد نحو استخدام الآلة فى مجالات الحياة المختلفة، وتطور تكنولوجيا الآلات
المتناهية فى الصغر، والأجهزة عالية الطاقة ذات التكلفة الزهيدة ,والتى من المتوقع
أن تقلب النظم الاقتصادية والاجتماعية رأساً على عقب(50)0
4-اٍحداث
تغييرات فى البنى الاجتماعية، لأن التقدم التكنولوجى سيعوض عن العمالة التى
تتطلبها الصناعة الآلية الكبيرة، ومن ثم أصبح ذلك مصدراً للبطالة وخاصة بين الشباب
,الأمر الذى أدى إلى وجود فراغ كبير لدى الطبقة المؤثرة فى المجتمع، وبالتالى أدى
هذا الفراغ إلى اكتساب الشباب العديد من القيم التى تتعارض مع القيم المطلوبة فى
المجتمع، فاتجه الشباب، إلى العنف للتنفيس عن الطاقة التى لديهم, أو اتجهوا إلى
عدم الولاء والانتماء لمجتمعهم بالصورة المطلوبة، لأن المجتمع لم يحقق لهم
أهدافهم، كما اعتمدوا على الاتكالية والسلبية وعدم تحمل المسئولية، وإذا كانت هذه
بعض السلبيات إلا أن الثورة العلمية والتكنولوجية أدت إلى ظهور وظائف جديدة تتماشى
مع هذا التقدم0
5- أن التقدم
التنكولوجى والعلمى أدى إلى إعادة فحص النسق القيمى الموجود، حيث بدأت كثير من
القيم فى الانتشار لدى الشباب وخاصة تلك المرتبطة بالسلام والمحبة واحترام البيئة
وحمايتها، وبدأت الدعوة إلى قيم إنسانية
جديدة كاحترام الحياة والمسئولية تجاه الأجيال القادمة وحماية البيئة، وبات من
المألوف فهم أن هذه القيم وغيرها عناصر أخلاقية يبنى عليها الضمير العام القيم
الإنسانية كلها (51)0
وفى الوقت نفسه
ظهرت العديد من القيم السلبية التى اعتنقها الغرب وكان لها تأثيرها على مجتمعاتنا،
ومن هذه السلبيات عدم اقتران العلم بالأخلاق، وأبرز مظاهر ذلك هو ظهور ما يسمى
بتأجير الأرحام، وتظهر الخطورة على المجتمع هنا فى اختلاط الأنساب، ومن هذه
المظاهر أيضاً ظهور ما يسمى بالاستنساخ البشرى وهو التكاثر اللاجنسى الذى يتم بين
أى خلايا جسدية وبويضة أنثى منزوعة النواة، فهذه المظاهر كلها جاءت نتيجة حتمية
العلم دون اعتبار للدين والإيمان والأخلاق"(52)، ولا يخفى خطورة
مثل تلك الأمور التى قد تؤثر على شبابنا فى قيامهم بأى أعمال حتى ولو كانت تعتمد
على العلم، ولكن لا يحكم تلك الأعمال أى قيم أو أخلاق أو معايير، بل يكون هدفها فقط
هو الحصول على النتيجة النهائية لذلك وهو المال0
كما أن القيم
السالبة التى انتشرت فى المجتمع العربى بصفة عامة والمصرى بصفة خاصة أعاقت الإبداع
وأفرغت المعرفة من مضمونها التنموى والإنسانى، حيث ضاعت القيمة الاجتماعية للعالم
والمتعلم والمثقف، كما أن التعليم فقد قدرته على توفير الإمكانات التى تتيح
للفقراء الارتقاء الاجتماعى، وباتت القيمة الاجتماعية العليا للثراء والمال، بغض
النظر عن الوسائل المؤدية إليها, وساهم القمع والتهميش فى قتل الرغبة فى الإنجاز
والسعادة والانتماء, مما أدى اٍلى سيادة الشعور باللامبالاة والاكتئاب السياسى،
وبالتالى ابتعاد المواطنين عن الإسهام فى إحداث التغيير المنشود فى الوطن، ولم يعد
الإنسان الحديث المنتج الفعال هو مثال المواطن المنشود، وبالتالى كان من الطبيعى
أن تعانى الثقافة وإبداع المعرفة معاناة حقيقية، وهذا معناه أن الشباب العربى فى حاجة
ماسة إلى تمثل قيم جديدة كالمثابرة والصبر على العمل والإصرار والابتكار (53)0
وتتطلب هذه
الثورة العلمية والتكنولوجية ضرورة العمل على تنمية بعض القيم التى تؤمن بأهمية
العلم كقيمة, والاهتمام بالتفكير العلمى, وأهمية استخدام العلم الاستخدام الأمثل,
وخاصة فى إطار التعامل مع البيئة والعمل على حمايتها, والإيمان بقدرة العلم على
الانتقال بالشباب وبمجتمعهم من التخلف إلى التقدم ,وهذا أمر هام فى الوقت الحاضر
فى ضوء الإحباطات التى يواجهها الشباب, نتيجة عدم اهتمام المجتمع بالتعليم
الاهتمام الكافى وعدم إيمان بعض أفراد المجتمع بقدرة التعليم على إحداث الحراك
الاجتماعى0
ولعل أهم
السلوكيات التى يتطلبها هذا التقدم التكنولوجى الهائل هو تقدير قيمة الوقت وقيمة
النظام والتنظيم والتخطيط السليم وتحمل المسئولية فى إدارة شئون الحياة ومجالاتها
بدءاً من محيط الأسرة إلى موقع العمل إلى المشاركة فى الحياة العامة0
إرسال تعليق