تأثيرات العولمة على القيم (مخاطر العولمة على القيم) :
      صار من المؤكد أن للعولمة تأثيراتها الفعالة على المجتمعات المعاصرة ,سواء المتقدم منهاأوالنامي، وتمثلت أبرز تأثيرات العولمة فى الجانب الاجتماعى, الذى تمثل فى محاولة تكوين شخصية معولمة, تصير طبقاً لنظام عالمى تحكمه قوة طاغية مسيطرة،، إذ سعت العولمة إلى محاولة القضاء على الإرث الإنسانى المقدس بالنسبة لنا كعرب ومسلمين، وذلك من خلال العمل على تعميم القيم الغربية, وخاصة الأمريكية ,وذوبان الحضارات غير الغربية فى النموذج الحضارى الغربى، بل وتعميم السياسات المتعلقة بالطفل والمرأة والأسرة، والتظاهر بالحفاظ على حقوقهم، ولكنها فى الحقيقة تعمل على تفكيك الأسرة ,واستلاب وعى الأفراد واقتلاع الجذور التى تربط الفرد بعائلته ووطنه وبيئته، واستغلال المرأة فى الإثارة والإشباع الجنسى وإشاعة الفاحشة فى المجتمع، وخير مثال على نموذج لعولمة القيم الغربية والأمريكية هو صياغة تلك القيم الغربية فى مواثيق ثم عولمتها باسم الأمم المتحدة، وذلك مثلما حدث فى وثيقة برنامج عمل مؤتمر السكان والتنمية الذى عقد بالقاهرة فى شهر سبتمبر 1994، وفى بكين على 1995 وفى  أسطنبول عام 1996 (40)0
      أما أبرز تأثيرات العولمة الاقتصادية فتمثلت فى تحويل المجتمعات النامية والتى منها الدول العربية إلى دول مستهلكة وليست منتجة ,وذلك عن طريق عقد الاتفاقيات العالمية، كاتفاقية الجات ، كما أدى الانفتاح فى استيراد المنتجات الغربية المادية وما يتبعها من أنماط ثقافية إلى تكوين أنماط سلوكية استهلاكية، وبالتالى سيطرة القيم الاستهلاكية على حساب قيم العمل المنتج لدى الأفراد، وبالتالى مقاومة أى حركة للتغيير الاجتماعى(41)0   
          ومن الثابت أن هناك جانبين للقيم : قيم المحور المتمثلة فى القيم الدينية بما يشتمل عليه من قيم وميراث ثقافى وحضارى, وتعتبر ثوابت مميزة لهوية المجتمع العربى والإسلامى فلا يعتريها أى تغيير، أما الجانب الثانى فيتمثل فى قيم التفاعل الحضارى والعمل والإنجاز, وهى قيم وسيليه يعتريها التغيير طبقاً لمستجدات العصر، ومن هنا تتمثل خطورة العولمة فى محاولة التأثير على قيم المحور، وذلك من خلال نشر الفكر الغربى الذى يعمل على تغيير تلك القيم الثابتة ومحاولة إقناع أن الذى يتمسك بقيمه إنما يتعارض مع التقدم العلمى والفكرى ونهضة العقل(42)، الأمر الذى أدى إلى تفاقم الشعور بالاغتراب لدى الشباب، ووقوعهم فى أزمة حضارية وفى صراع, لأنهم يحيون ويعيشون بين "ثقافتين متعارضتين فى وقت واحد، إحداهما خارج النفس والأخرى مدسوسة فى ثناياها، فترى حضارة العصر فى البيوت والشوارع، بينما تجد حضارة الماضى رابطة خلف الضلوع(43)"، لدرجة أن هؤلاء الشباب من شدة تعلقهم بالحضارات الغربية والحلم بالعيش فى محيطها صاروا "يعانون حالة من الاغتراب الثقافى، فهم وإن كانوا يعيشون على أرضنا إلا أن وجداناتهم وعقولهم مهاجرة مغتربة قيمياً وفكرياً (44)0
      كما أنه فى ظل تأثيرات العولمة صار الأمر يتطلب من الشباب المصرى وخاصة الشباب الجامعى ضرورة تطوير إمكاناته وقدراته ومهاراته, بحيث تتكون لديه قيم المنافسة الشريفة والقيم العلمية المختلفة, كالرغبة الملحة فى المعرفة والفهم، والإيمان بالتفكير العلمى, واحترام المنطق, واستخدام العلم كمادة وطريقة، والقيم المرتبطة بالبيئة من حيث حمايتها, والحفاظ عليها, بحيث يؤدى ذلك إلى إعداد مواطنين قادرين على إيجاد حلول لتحسين مستوى حياتهم من خلال النمو الاقتصادى ودون تعريض البيئة للخطر، مع الحفاظ على حق الأجيال المقبلة 0

Post a Comment

أحدث أقدم