الزئبق
إن للزئبق ثلاثة أشكال :
الأول وهو الزئبق عنصرى، الثاني ويشمل المركبات
الزئبقية غير العضوية والثالث عبارة عن المركبات الزئبقية العضوية.
ومن أكبر مصادر الزئبق هي الغازات الطبيعية
الناتجة من القشرة الأرضية والجزر والأنهار والمحيطات. وقد تم حساب إجمالي الكميات
الناتجة في صورة غازات وقدرت بحوالي 25000 إلى 150000 طن سنوياً.
1-3- مصادر الزئبق
بالنسبة للزئبق المعدني وجد أن كل من
عمليات التعدين (استخراج المعادن من المناجم) وصهر المعادن والمخلفات الصناعية وجد
أنها تمثل أحد المصادر الرئيسية المسببة لتلوث البيئة حيث قدرت الكميات الناتجة من
ذلك بحوالي 8000 إلى 10000 طن سنوياً. وكانت إحدى الصناعات التي كان ينتج عنها
الزئبق بكميات كبيرة تلك الخاصة بصناعة عجائن الورق منذ عام 1966 إلا أنه قد تم
إيقافها. أيضاً عمليات احتراق الفحم الحجرى والغاز الطبيعي وتنقية المنتجات
البترولية من ضمن المصادر التي ينبعث عنها الزئبق.
قد يحدث تفاعل كيميائي يتحول من خلاله
الزئبق ثنائي التكافؤ عن طريق إدخال مجاميع الميثيل (methylation) ليتحول إلى زئبق
ثنائى الميثيل (dimethyl mercury) وذلك بواسطة
البكتريا اللاهوائية وهذا بالتالي قد ينتشر إلى الغلاف الجوى ويعود إلى القشرة
الأرضية أو المياه في صورة زئبق ثنائى الميثيل (dimethyl mercury) أو حتى من خلال
مياه الأمطار. بناءاً على ذلك، فقد يتم تناول تلك المركبات الزئبقية من خلال
الأسماك وبالتالي يدخل إلى السلسلة الغذائية ومن ثم يصل إلى الإنسان.
2-3- التخلص من الزئبق
وجد أن الكُلى هو المكان الذي يحتوى على
أكبر قدر من تركيزات الزئبق بعد التعرض له سواء كان ذلك التعرض لأملاح الزئبق
الغير عضوية أو لبخار الزئبق، بينما نجد أن الزئبق العضوي ينجذب بشكل أكبر إلى
المخ خاصة منطقة القشرة الخلفية.
وبالنسبة لطبيعة إخراج الزئبق من الجسم،
فقد وجد أنه يتم عن طريق البول والبراز إلا أن ذلك يتوقف على العديد من العوامل
مثل الحالة الموجود عليها الزئبق – مقدار الجرعة – الوقت الذي مضى بعد التعرض.
فعلى سبيل المثال، في حالة الزئبق العضوى (الزئبق الميثيلى methyl mercury)، وجد أن 90 % منه
يتم إخراجها من خلال البراز بعد التعرض الحاد أو المزمن.
ولقد وجد من خلال الدراسات التجريبية أن
جميع صور مركبات الزئبق تنتقل من خلال المشيمة لتصل إلى الجنين خاصة في حالة
الزئبق العضوي وذلك بسبب ذوبانه فى الدهون. وعموماً، فإن الخطورة تكمن في أن تلك
المركبات يحدث لها تركيز بالجنين بصورة أكبر منها في دم الأم . فعلى سبيل المثال،
وجد أن تركيز الزئبق بالأجنة يعادل ضعف التركيز الذي تعرضت له الأمهات حينما كان
التعرض في صورة مركبات زئبقية ألكيلية. أيضاً فقد وجد أن نسبة الزئبق العضوى (methyl mercury) فى كرات الدم
الحمراء بالأجنة تزداد بنسبة 30 % عن ما هو موجود في دم الأمهات وهذا في حد ذاته
مما يزيد من التأثير السام للزئبق على الأجنة. إضافة إلى ذلك، فقد وجد أن لبن الأم
قد يحتوى على 5 % فقط من تركيز الزئبق الموجود بدم الأم، ومع ذلك، فإن الأطفال
حديثي الولادة وجد أن تعرضهم للزئبق قد يزداد من خلال عملية الرضاعة.
3-3- التحول الأيضي والإخراج
إضافة إلى ذلك، فقد وجد أن مركبات الزئبق
العضوى (methyl mercury) تخضع لعمليات
التحول الحيوية حيث تتحول إلى مركبات زئبقية ثنائية التكافؤ بالأنسجة وذلك عن طريق
حدوث انقسام فى الرابطة بين الكربون والزئبق حيث ينطلق الزئبق الغير عضوي في صورة
أيونية.
وعلى أية حال، فإن فترة نصف العمر
البيولوجية، فقد وجد أنها فى حالة الزئبق العضوى (methyl mercury) حوالي 70 يوم،
بينما فترة نصف العمر البيولوجية للزئبق الغير عضوى فقدرت بحوالي 40 يوم. أما فترة
نصف العمر البيولوجية للزئبق المعدنى أو البخارى فقد وجد أنها تتراوح ما بين 35
إلى 90 يوم.
الأيض الخلوي :
بداخل الخلية، وجد أن الزئبق قد يرتبط
بالعديد من الأنظمة الإنزيمية بما في ذلك الأنزيمات الميكروسومية وكذلك قد يتراكم
بالميتوكوندريا وفى الليسوسومات مما ينتج عنه ضرر غير متخصص وغير محدد ولكن قد يصل
الأمر إلى موت الخلية. وعموماً، فقد لوحظ أن الزئبق ينجذب بشكل خاص إلى الأماكن
المحتوية على مجاميع سلفوهيدريل، إلا أنه فى حالة الخلايا الكبدية (Hepatocytes)، لوحظ أن الزئبق
العضوى يعمل على تكوين معقد مع الأحماض الأمينية مثل السيستيئين (Cysteine) ومركبات
الجلوتاثيون (Glutathione). تلك المعقدات وجد
أنها قابلة للذوبان ومن ثم يتم إخراجها من خلال الصفراء ولكن يعاد إمتصاصها مرة
أخرى بالجهاز الهضمى.
4-3- سمية الزئبق
1-4-3- بخار الزئبق
وجد أن استنشاق أبخرة الزئبق قد تؤدى إلى
مرض الالتهاب الشُعبى الحاد، الأمر الذي يؤدى إلى الوفاة وإن لم تحدث الوفاة، فقد
تظهر أعراض التسمم على الجهاز العصبى المركزى مثل الإرتعاش وزيادة سرعة الهيجان
العصبى. أما فى حالة التعرض المزمن لأبخرة الزئبق، فإن التأثيرات الضارة تنحصر
معظمها على الجهاز العصبي المركزي وتبدأ ظهور أعراض التسمم على هيئة إرتعاشات –
زيادة في طول الغدة الدرقية نظراً لزيادة إمتصاصها لليود – زيادة سرعة نبضات القلب
(Tachycardia) – تلون الجلد (Dermographism) – إلتهاب اللثة (Gingivites) – تغيرات فى قياسات
الدم وزيادة معدلات إخراج الزئبق فى البول.
وعموماً، فإنه بزيادة التعرض تزداد الأعراض
أكثر سوءاً مثل إختلال فى الوظائف الحركية الدقيقة مثل جفون العين – الأصابع –
الشفايف وبعدها قد تحدث حالات من فقدان للذاكرة – حالات إكتئاب وهذيان مع إرتفاع
الحرارة وهلوسة (Hallucination) مع زيادة معدل
إفراز اللعاب. وقد تحدث حالات من وجود البروتين فى البول أو قد تحدث أضراراً صحية
نظراً لإنسياب أبخرة الزئبق من خليط المعادن المحتوية على الزئبق والتى تُستخدم فى
صناعة أطقم الأسنان الصناعية (Amalgam). وعلى أية حال، فإن
هذه الصورة قد تحدث ولكن بمعدلات ضئيلة جداً. وبصفة عامة، فقد أمكن إثبات تراكم
الزئبق بالعديد من أعضاء الجسم مثل الكُلى والجهاز العصبى المركزى وذلك نظراً لهذا
النوع من الإنسياب للزئبق.
2-4-3- الزئبق الغير عضوى (Inorganic mercury or Mercuric Mercury)
وذلك مثل الزئبق ثنائى الكلوريد والذى
يعتبر من أشهر أملاح الزئبق الغير عضوية. وعموماً، فإن التسمم بهذا الملح يحدث
نتيجة لتناوله عن طريق الفم مما يؤدى إلى ظهور الأعراض التالية: تقلصات بطنية
(مغص) – إسهال دموى (وجود دم بالبراز فى شكل إسهال) و إحتباس فى البول. أما
بالنسبة لكلوريد الزئبق، فإن أعراض التسمم المأخوذة من التقارير الدالة على تناول
ذلك الملح من حالات محاولات الإنتحار تشمل حدوث الأعراض التالية: قرحة حادة – نزيف
– تنكرز (necrosis) أو ما يعرف بالموت
الموضعى لمجموعة من الأنسجة بالقناة الهضمية – إنهيار عصبى – فشل كلوى – قلة إنتاج
البول (Oliguria) – إحتباس البول (Anuria) – وجود دم بالبول
أو تبول الدم (Uremia).
وعموماً، فإذا تم إحداث عمليات تنقية للدم
صناعياً، فقد وجد أنه بالإمكان شفاء المريض حتى يتمكن من إعادة نمو الخلايا
الطلائية المحددة للأنابيب الكلوية. من جهة أخرى، فإن الأعراض السابقة وجد أنها
تكون ملازمة لحدوث تغيرات تركيبية على المستوى الخلوى مثل حدوث تمزقات
للميتوكوندريا وإنسياب لإنزيمات الليسوسومات وتمزق بالأغشية الخلوية.
3-4-3- الزئبق العضوى (الزئبق الميثيلى) Organic Mercury (Methyl Mercury
إن الزئبق العضوى والموجود على شكل ميثيل
زئبق (Methyl
mercury) هو الشكل الأكثر قدرة على إحداث تسمم للإنسان
ونذلك نظراً لما حدث من حالات تسمم فى كل من اليابان والعراق حيث تم ملاحظة
التأثيرات السامة على مجاميع كبيرة من الأشخاص بعد تناولهم لأسماك ملوثة بالزئبق.
وعموماً، فمن الأعراض الإكلينيكية التى تم تسجيلها كنتيجة للتسمم العصبى هى:
1- الإحساس بالتنميل (Parethesia) – فقدان للإحساس أو
إحساس بالتخدير (numbness) – إحساس بوخز خفيف
حول منطقة الفم والشفايف – الآم شديدة جداً خاصة عند أصابع اليد والقدم.
2- التخلج (Ataxia) وهى عبارة عن عدم
القدرة على إنتظام حركة العضلات الإرادية – المشى بإضطراب وصعوبة الإبتلاع.
3- النهك العصبى (Neurasthenia) – إحساس عام بالضعف
– إجهاد – عدم القدرة على التركيز - فقدان للرؤيا والسمع – إرتعاشات وقد يصل الأمر
إلى حدوث غيبوبة وقد يصل الأمر إلى الموت.
5-3- ميكانيكية التسمم العصبي التي يُحدثها
مركب الميثيل زئبق
وجد أن الأجنة التي تتعرض لجرعات كبيرة
للزئبق وهى ما زالت بالرحم، فإن ذلك ينتج عنه عدم تنظيم لأنوية المخ حيث تتجمع
الخلايا العصبية فى شكل عنقودى (Clusters of Neurons) وحدوث عدم توجيه
طبيعى للخلايا العصبية علاوة على تكوين طبقات من الخلايا العصبية فى منطقة القشرة.
إضافة إلى ما سبق، فإن الزئبق الميثيلى (Methyl Mercury) يتفاعل مع الأحماض
النووية (DNA, RNA) كما يرتبط بمجاميع
السلفوهيدريل مما ينتج عنه حدوث تغيرات بالتركيب البنائى الثانى للأحماض النووية (DNA, RNA) أثناء تخليقهم.
6-3- العلاقة بين الجرعة والاستجابة والصحة
والخطر وتناول الميثيل زئبق
لتوضيح تلك العلاقات، فقد تمت الإستفادة من
النتائج التى أمكن الحصول عليها من حوادث التسمم العرضية التى حدثت باليابان خاصة
التى حدثت بمدينة ميناماتا (Minamata) عام 1950 وكذلك
التى حدثت بالعراق عام 1972 وهى من الحوادث التى تعرضت فيها أعداد كبيرة من
الأشخاص لمركب الميثيل زئبق (Berlin, 1986). بناءاً على نتائج
تلك الحوادث، فقد أمكن التوصل إلى ما يمكن أن يتحمله الجسم وينتج عنه أقل ضرر
ملحوظ وهى فى صورة تنميل ومنها أمكن حساب متوسط معدل الإمتصاص (التناول اليومى)
لفترة زمنية طويلة، الأمر الذى ينتج عنه تأثيرات على الصحة وكانت النتائج كالآتى:
300 ميكروجرام/يوم أو 4300 نانوجرام زئبق/يوم/كجم من وزن الجسم.
7-3- الدلائل البيولوجية
1-7-3- الزئبق المعدنى (Metalic Mercury)
حدود التعرض للزئبق الغير عضوي بالهواء في
أماكن العمل وكانت 0.05 مليجرام زئبق/م3 وهذا ما يعادل مستوى من الزئبق قيمته
0.015 مليجرام زئبق/م3/يوم.
2-7-3- الزئبق الألكيلى (Alkyl Mercury)
لقد أقرت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية
عن القيم القياسية للزئبق الألكيلى المسموح التعرض لها فى أماكن العمل وهى 0.01
مليجرام/م3 على أساس أن يكون التعرض لمدة 8 ساعات يومياً وذلك بحد أقصى 0.04
مليجرام/م3.
8-3- علاج التسمم
يجب أن يكون علاج حالات التسمم بالزئبق
عبارة عن علاج مباشر وذلك من أجل تقليل تركيز الزئبق من العضو المتأثر أو من مكان
الضرر. فعلى سبيل المثال، وجد أن من الحالات الأكثر خطورة تلك التى تظهر معها
حالات الفشل الكلوى، وعندها يجب قياس معدلات الديلزة (الأرتشاح) للدم (Hemodialysis) وذلك أثناء الحقن
الوريدى للمواد المخلبية مثل البنسيل أمين (Penicillamine) أو السيستيئين (Cysteine). أما بالنسبة
للحالات الأقل خطورة، والتى تمثل حالات التسمم بالزئبق الغير عضوى، فإن العلاج
بمادة (BAL) كمادة مخلبية قد يكون
علاجاً فعالاً.
إرسال تعليق