مسائل متفرقة في فقه الزكاة :
المسألة الأولى :
   تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون في أصح أقوال العلماء لأنها حق واجب في المال وليس متعلقاً بالجسم كالصلاة التي لا تجب عليهما .


المسألة الثانية :
لا زكاة في أموال الدولة ، وأموال الجمعيات الخيرية ، والأوقاف الموقوفة على جهات خيرية كالمدارس ، والمستشفيات ، لأنها مرصدة للخير وليست ملكاً للفرد المكلف .
المسألة الثالثة : زكاة الدين :
إذا كان للإنسان دين عند الآخرين فهل تجب فيه زكاة أم لا ؟ هذه من مسائل الخلاف ، وخلاصتها أن للدين حالتين :
الحالة الأولى : إذا كان الدين على مليء ، أي إذا كان المدين غنياً وفياً غير مماطل ، بحيث أن صاحب الدين يستطيع الحصول عليه متى أراد ، فهذا الدين تجب فيه الزكاة كل عام ، وله أن يخرج زكاته كل سنة ، وهو الأفضل ، وله أن ينتظر حتى يقبضه ثم يزكي عن كل السنوات الماضية.
الحالة الثانية : أن يكون المدين معسراً أو مماطلاً غير وفي ، فلا زكاة فيه ولو تغيرت أحوال المدين فسدد هذا الدين لاحقاً فهو أيضاً لا زكاة فيه ، فيعامل على أنه دخل ، ينتظر حتى يحول عليه الحول من قبضه إذا كان قد بلغ النصاب ، وقيل يزكي عن سنة واحدة من باب الاستحباب .
المسألة الرابعة : حكم الزكاة في مال من عليه دين ينقص النصاب : فلو أ ن شخصاً عنده مئة ألف ريال ، وعليه دين يزيد عن هذا المبلغ أو يساويه ، أي أنه لو سدد الدين لم يبق عنده ما يساوي النصاب ، فهل يزكي المبلغ الذي عنده وهو مئة ألف ريال في هذا المثال ؟
هذه من مسائل الخلاف القوي ، وفيها أقوال : 
 الأول : أنه لا زكاة عليه ، فهو فقير يستحق المواساة .
الثاني : أنه تجب عليه الزكاة فيما عنده من مال ، ولا أثر للدين في منع الزكاة ، مما يستدل به لهذا القول عموم الأدلة الآمرة بالزكاة في كل مال بلغ النصاب وأن الزكاة تجب في المال ، وهو موجود ، إذاً تجب فيه الزكاة ، أما الدين فهو في الذمة . وممن رجح هذا القول عبد العزيز بن باز ومحمد بن عثيمين رحمهما الله .
الثالث : التفصيل : فأصحاب هذا القول قسموا الأموال الزكوية إلى قسمين . فالأموال الظاهرة وهي الحبوب ، والثمار ، وبهيمة الأنعام تجب فيها الزكاة ، إذا كان مالكها عليه دين ينقص النصاب ، أما الأموال الباطنة وهي الأثمان وعروض التجارة فلا تجب فيها الزكاة إذا كان مالكها عليه دين ينقص النصاب وهذا القول اختيار الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله .
ويبدو أن الأخذ بالقول الثاني أحوط ، وأبرأ للذمة ، وفيه حث للناس على الوفاء بما في ذممهم من الديون . والله أعلم .
وبعد هذا سنعرض ببإيجاز أهم المسائل المتعلقة بكل قسم من الأموال الزكوية التي سبق إجمال الكلام عليها .

القسم الأول : زكاة الذهب والفضة والعملات الورقية :

وقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار ، فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه ، وجبينه ، وظهره ... الحديث ) رواه مسلم .
ونصاب الذهب والفضة : أختلف في ذلك ، مما قيل فيه : أن نصاب الفضة ( 595 ) جراماً ، ونصاب الذهب ( 85 ) جراماً ، وهو قول الشيخ محمد بن عثيمين ، والشيخ عبد الله بن جبرين رحمهما الله .
وتجب الزكاة في العملات الورقية قياساً على الذهب والفضة .
ونصاب العملات الورقية ليس محدداً بمقدار ثابت ، بل يتغير حسب اختلاف أسعار الذهب أو الفضة . والعملة الورقية لا يمكن أن تنوب عن الذهب أو الفضة بل هي مستقلة بذاتها . ويقدر نصابها على أساس قيمة نصاب الفضة ، عملاً بالأفضل للفقراء .

طريقة حساب نصاب العملة الورقية :
نصاب العملة الورقية = مقدار نصاب الفضة بالجرام × سعر الجرام بالريال .
فلو كان سعر الجرام ( 2 ) ريالين ، فإن مقدار نصاب العملة الورقية = 595 × 2 = (1190 ) ريالاً .

مقدار ما يخرج من الأثمان :
من يملك ذهباً ، أو فضة أو أي عملات معاصرة ، ورقية ، أو معدنية ، أو كانت مصنوعة من أي مادة أخرى ، وتوفرت فيها شروط وجوب الزكاة ، فإنه يخرج منها ( 2.5 ) ، أي (25)  من كل ( 1000 ) فمن يملك ( 10000 ) ريال ، فإنه يخرج منه الآتي :
10000×00025 = ( 250 ) ريالاً .
10000× 0.025 = ( 250 ) ريالاً .

القسم الثاني : زكاة السائمة من بهيمة الأنعام :
بهيمة الأنعام : هي الإبل التي لها سنام واحد ، أو لها سنامان ، والبقر ، بما فيها الجواميس، والغنم ، وتشمل الماعز والضأن .
والسائمة : أي التي ترعى أكثر من ستة أشهر من كل سنة من العشب الذي نبت بالأمطار ، وحتى لو أخرجها ولو قليلا من الوقت ، وعندما عادت علفها فتعتبر من السائمة أما لو اشترى لها العلف معظم السنة ، أو أنها رعت مما زرع في مزرعته معظم السنة ، فهذه لا ينطبق عليها وصف " السائمة " وعلى هذا فبهيمة الأنعام التي تربى فيها الزكاة ، لأنها يشترى لها العلف أو أنها ترعى في مزارع وقد زرع لها علف ، ويسقى لها لترعى منه ، إلا إذا كان صاحبها يتاجر بها أي يبيع منها ، ويشتري بدلاً مما باعه ، فتعامل معاملة عروض التجارة ، وسيأتي ذكرها .
نصاب بهيمة الأنعام :
لكل صنف من بهيمة الأنعام نصاب لا تجب الزكاة في أقل منه . فنصاب الإبل ( 5 ) ، ونصاب البقر ( 30 ) ، ونصاب الغنم من الماعز ، أو الضأن ( 40 ) . وتفاصيل أحكام زكاتها مفصلة في كتب الفقه .

القسم الثالث : زكاة الخارج من الأرض :
 يشمل الخارج من الأرض الحبوب والثمار ، والعسل ، والمعادن ، والركاز .
زكاة الحبوب والثمار :
على الراجح من أقوال العلماء ، أن الزكاة لا تجب في كل المحاصيل الزراعية ، بل تجب في الحبوب التي تنتجها الزروع كالقمح ، والذرة ، والأرز ، والشوفان وما شابهها ، وتجب أيضاً في الثمار ، وهي ما يخرج من الأشجار كالتمر ، ويشترط في هذه الحبوب والثمار أن تكون مما يكال ويدخر . أي أن القاعدة في تحديد المحاصيل الزراعية الزكوية في أن الزكاة تختص بالحبوب كالحبة السوداء ، وحب الرشاد , والمراد بالكيل أي أنها تكال وتوزن ، والمراد بالادخار أي أنها يمكن الاحتفاظ بها للانتفاع بها مستقبلاً بالطرق العادية كالتجفيف وليس بالتبريد ، ولا زكاة في الخضروات كالفجل والخس . وبتأمل هذه المحاصيل الزراعية المعفاة من الزكاة على الراجح من أقوال العلماء ، يلاحظ أنها كما قال العلماء لا تتم بها النعمة ، فالتالف منها كثير ، فنجد أن بعضها يتلف قبل وصوله إلى السوق ، وبعضها يتلف عند الباعة ، وجزء منها يتلف عند المستهلكين ، وكل هذا يؤثر على قيمتها الاقتصادية فإعفائها من الزكاة فيه عدل وتيسير وتشجيع للنشاط الاقتصادي ، بتخفيف الأعباء عنه . فنفع هذه المحاصيل لا يقتصر على أصحابها ، بل إن إعفائها أحد الأسباب المساعدة على توفرها في الأسواق ، وهذا فيه مراعاة للمصلحة العامة .
شروط وجوب الزكاة في الحبوب والثمار :
لوجوب الزكاة شرطان :
الشرط الأول : أن تبلغ النصاب ، ومقدراه ثلاثمائه صاع نبوي ويقدر الصاع بأنه حوالي (612) كغم من القمح ، وهذا التقدير تقريبي نظراً لعدم وجود علاقة دقيقة بين وزن الحبوب وحجمها .
الشرط الثاني : أن تكون المحاصيل المراد تزكيتها مملوكة للمزكي وقت وجوب الزكاة فيها .
ووقت وجوب الزكاة في الحبوب هو : ابتداء اشتداد الحب في سنبله ، أما الثمار فوقت وجوب الزكاة فيها هو بدو صلاحها ، وبدو صلاح التمور مثلاً أن تبدأ تحمر أو تصفر . فيقدر كامل المحصول ثم يقدر ما يخرج ، فلو اشترى شخص محصول مزرعة بعد بدو صلاح الثمر ، فالزكاة تجب على المالك الأول ، ولا تجب على المالك الثاني ، كذلك لو ملك شخص أحد المحاصيل الزكوية بعد الحصاد فليس عليه زكاة ، بل هي على من كان يملكها عند بدو صلاحها.
وقت إخراج زكاة الحبوب والثمار : تخرج زكاة الحبوب والثمار بعد الحصاد ، لقوله تعالى: ﮋ ﯕ          ( الأنعام: ١٤١ ) ولا تتكرر ، فو بقيت عنده حتى السنة القادمة لا يزكيها مرة أخرى .
مقدار ما يخرج : يختلف مقدار ما يخرج من الحبوب والثمار حسب طريقة السقي . فإذا كان يسقى من الأنهار أو المطر ، أو كان الثمر من الأشجار لا تحتاج إلى سقي فيخرج ( 10) من المحصول ، وإذا كان يسقى باستخدام المكائن لإخراج الماء من باطن الأرض يخرج ( 5 ) من المحصول ، أما إذا كان يجمع بين الطريقتين السابقتين فيخرج ( 7,5 ) ، ويلاحظ هنا أن الشرع راعى العدل في ذلك .

القسم الرابع : زكاة عروض التجارة :
تعتبر عروض التجارة أوسع الأموال الزكوية ، فيدخل فيها كل السلع التي يتخذها الناس لطلب الربح بالبيع . كالعقارات ، والمواد الغذائية ، والأثاث ، والآلات ، والملابس ، وغير ذلك من أصناف الأموال التجارية . أما ما أعد للتأجير كالعمائر التي يؤجرها أصحابها ، والمعدات التي تؤجر أو تستعمل من قبل أصحابها ، فهذا لا زكاة فيها مهما بلغت قيمتها ، وإنما ينظر إلى أجرتها فإن حال الحول على ما يساوي نصاباً أخرجت زكاته ، وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
حكم زكاة عروض التجارة : تجب الزكاة في عروض التجارة ، عند جمهور العلماء .
التوبة: ١٠٣ ) . فعموم التجارة تدخل في عموم الأموال والكسب المذكور في الآيتين .
شروط وجوب الزكاة في عروض التجارة :
1 ــ أن يملك هذه العروض باختياره ، كالشراء ، وقبول الهبة ، أما ما دخل في ملكه بغير إرادته كالإرث فلا زكاة فيه .
2 ــ أن ينوي بها التجارة عند تملكها . فلو اشترى سيارة للاستعمال ثم نوى الاتجار بها طلباً للربح فلا زكاة فبها . ولو اشتراها للاتجار بها ثم غير نيته فجعلها للاستعمال فلا زكاة فيها أيضاً.
القول الثاني في المذهب الحنبلي أن لا اعتبار لهذين الشرطين بل يكفي أن ينوي بها التجارة. وهذا القول الراجح - والله أعلم - .
3 ــ أن تبلغ قيمتها نصاب الذهب ، أو الفضة أيهما أقل .
ويلاحظ أن الشروط السابقة خاصة بعروض التجارة ، ويضاف إليها الشروط العامة لوجوب الزكاة . أما بالنسبة للحول فلا يشترط أن يحول على نفس البضاعة فالسلع تتجدد عند التاجر وإنما يُقوِّم التاجر ما عنده من بضاعة ، حتى ولم يمض لها عنده ساعات ، لأن ثمنها تجب فيه الزكاة بدءاً من تملكه نصاب أصلها الذي حال عليه الحول .
تقويم عروض التجارة : تجب الزكاة في قيمة عروض التجارة ولهذا فمن أراد إخراج زكاة عروض التجارة ، عليه أن يقدر قيمتها بعملة البلد\ ، فينتظر إلى ما عنده من بضاعة معدة للبيع ، فيقومها بسعر الذي يتوقع أن يبيع به في المستقبل . ولكن من المسائل التي تثار هنا : هل التقويم بسعر الجملة أو بسعر التجزئة ؟
 سعر التقويم :
اختلف العلماء في السعر الذي يتم تقويم البضاعة لأجل إخراج زكاتها . ومن أبرز الأقوال :
1 ــ أن التقويم يتم بسعر الجملة . وممن أفتى بذلك اللجنة الدائمة للبحوث العلمية ، والإفتاء .
2 ــ إن كان بيع بالجملة فباعتبار سعر الجملة ، وإن كان بيع بالتجزئة يقوم بسعر التجزئة . وممن قال بهذا الشيخ محمد بن عثيمين ( رحمه الله ) .
ويبدو أن القول الأول أقوى ، وذلك لأن التقويم وقع على الجملة ، ولأن سعر التجزئة يكثر فيه الاختلاف ، ولأن سعر الجملة فيه تخفيف على التجار ، وهو أمر معتبر للمصلحة العامة . والله أعلم .
مصارف الزكاة :
يقصد بمصارف الزكاة أي الأوجه التي تصرف فيها الزكاة
شرح موجز لمصارف الزكاة :
1، 2 ــ الفقراء ، والمساكين : درجتان من المحتاجين ، والفقراء أشد حاجة من المساكين .
3 ــ العاملون عليها : وهم المكلفون بجمع الزكاة وتوزيعها ، وحفظها ، ويعطون أجرتهم من الزكاة .
4 ــ المؤلفة قلوبهم : وهم إما أنهم غير مسلمين يرجى إسلامهم ، أو كف شرهم ، أو الاستعانة بهم ضد غيرهم . وإما أنهم مسلمون يراد تقوية إيمانهم ، أو إغراء غيرهم بالدخول في الإسلام .
5 ــ الرقاب : ويشمل في هذه الأزمنة كل الأسرى .
6 ــ الغارمون : وهم : المدينون ، ويقسمون إلى قسمين :
الأول : غارم لنفسه ، وهو شخص تحمل ديوناً لمصلحته ، وعجز عن الوفاء بها . ومن تحمل ديوناً فيما حرمه الله أو لا يصلي فلا يعطى من الزكاة البتة .
الثاني : غارم لإصلاح ذات البين : وهو من تحمل في ذمته مالاً من أجل إخماد فتنة .
7 ـــ سبيل الله : وهو الجهاد ، فيعطى المجاهدون المتطوعون بدون مرتبات من الدولة .
8 ــ ابن السبيل : وهو : المسافر المنقطع فيعطى ما يوصله إلى بلده .

ثانياً : صدقة التطوع :
وهي مستحبة ، في أي صورة : نقدية أو عينية . وقد جاء الحث عليها في القرآن ، والسنة، فقال تعالى : ﭧ ﭨ ﮋ ﯣ              ( البقرة: ٢٤٥ ) ، ومن ذلك قوله e : ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .... ) إلى أن قال : ( ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) .

ثالثاً : الوقف :
عرف الوقف بأنه : تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة . ولا يباع الأصل إلا إذا تعطلت منافعة فتبيعه الجهة المشرفة عليه ، ويصرف ثمنه في مثله لتحقيق هدف الواقف .
وحكمه : مستحب ، وهو من العمل الإختياري ، المعتمد على الدافع الإيماني ، الذي جائت الشريعة بالحث عليه كما في قوله e : ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية ، أو عمل ينتفع به ، أو ولد صالح يدعوا له ) .
لزومه : وهو عقد لازم ، لا يجوز فسخه بعد انعقاده عند جمهور العلماء .
أهميته : هو من أهم وسائل التكافل في النظام الاقتصادي الإسلامي ، سواء أكان لصالح ذرية الواقف ، أم كان في أي وجه من وجوه العمل الخيري .


رابعاً : القرض الحسن :   
عرف القرض الحسن بأنه : دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله . والقرض المتفق مع الشرع هو القرض الحسن ، أي القرض الذي بدون فائدة ربوية ، ولا يجوز أن يشتمل عقد القرض على أي نفع مشروط للقاعدة الفقهية المجمع عليها وهي " كل قرض جر نفعاً فهو ربا " .
حكم القرض :
القرض جائز الطلب من المقترض ، ومستحب للمقرض ، ففيه إعانة للمحتاجين ، ويدخل تحت عموم قوله e : ( من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ) ففي هذا الحديث حث على مساعدة المحتاج بأي نوع من المساعدة .





Post a Comment

Previous Post Next Post