تزييف المنتجات - مشكلة متفاقمة

رغم الصعوبة البالغة التي ينطوي عليها القياس، هناك أدلة متراكمة على أن توزيع المنتجات المزيَّفة يشكل مشكلة متنامية من حيثكمية المنتجات المتضررة ونطاقها على السواء. وفي عام 2008، نشرت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD)[1]تقريراً يقدِّر، على أساس المضبوطات الجمركية، أن قيمة التجارة الدولية الإجمالية في السلع المزيَّفة والمقرصنة (دون احتساب المنتجات الرقمية أو تلك التي تُنتج وتستهلك محلياً) فاقت200 مليار دولار أمريكي في عام 2005. وجرى تحديث هذا التقدير على أساس النمو في التجارة الدولية وتكوينها المتغير، من ما يزيد قليلاًعن 100 مليار دولار أمريكي في عام 2000 إلى 250 مليار دولارأمريكي في عام 2007، وهو ما يمثل %1,95 من التجارة العالمية [2]. وتشير بعض التقديرات إلى نسب أعلى من ذلك، إذ يقدر مكتب استخبارات التزييف بغرفة التجارة الدولية (ICC) أن التزييف يشكل%7 - 5 من التجارة العالمية بقيمة 600 مليار دولار أمريكي سنوياً[3].
وكان فريق مبادرة الأعمال لوقف التزييف والقرصنةبغرفة التجارة الدولية (BASCAP) كُلف بإجراء دراسة [4] قدمها إلى منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD) من أجل استكمال صورة الآثار الاقتصادية والاجتماعية للتزييف والقرصنة. ويقدر هذا التقرير إجمالي القيمة الاقتصادية العالمية للمنتجات المزيَّفة والمقرصنة بواقع650 مليار دولار أمريكي سنوياً، تشكل منها التجارة الدولية أكثر من النصف (285 مليار دولار أمريكي إلى 360 مليار دولار أمريكي)، والإنتاج والاستهلاك المحلي بين 140 مليار دولار أمريكي و215 مليار دولار أمريكي، والمحتوى الرقمي (الموسيقى والأفلام والبرمجيات) ما بين 30 مليار دولار أمريكي و75 مليار دولار أمريكي. وبالإضافة إلى ذلك،تشير التقديرات إلى أن تكلفة التزييف والقرصنة على حكومات ومستهلكي بلدان مجموعة العشرين(G20)تزيدعن 125 مليار دولار أمريكي كل عام (بسبب عوامل مثل انخفاض عائدات الضرائب وزيادة الإنفاق على إنفاذ التدابير المضادة والرعاية الصحية) وتنطوي على خسارة ما يقرب من 2,5 مليون فرصة عمل محتملة.
وقد سجلت السلطات الجمركية الوطنية للاتحاد الأوروبي(EU) أن السلع المزيَّفة التي تدخل الاتحاد الأوروبيقد تضاعفت ثلاث مرات بين عامي 2005 و2010. وتظهر الإحصاءات التي نشرتها المفوضية الأوروبية في يوليو 2011 اتجاهاً تصاعدياً هائلاً في عدد الشحنات المشتبه في انتهاكها حقوق الملكية الفكرية (IPR). وسجلت سلطات الجمارك نحو80 000 حالة في عام 2010، وهو رقم تضاعف تقريباً منذ عام 2009. وصودر أكثر من 103ملايين من المنتجات المزيَّفة في الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي.http://trade.ec.europa.eu/doclib/docs/2012/january/tradoc_149003.pdf.
وتزيَّف مجموعة واسعة جداً من المنتجات تشمل المواد الغذائية والمشروبات والمنتجات الصيدلانية، والمكونات الكهربائية وقطع غيار السيارات وجميع أنماط المنتجات الاستهلاكية وحتى متجراًبكامله. ومكونات الحاسوب (الشاشاتوالغلاف والأقراص الصلبة)، ومعدات الحاسوب، والمسيّرات، وكاميرات شبكة الإنترنت، وأجهزة التحكم عن بُعد، والهواتف المتنقلة، وأجهزة التلفزيون، ومشغلات الأقراص المدمجة (CD) والقرص الرقمي متعدد الاستخدامات (DVD)، ومكبرات الصوت، والكاميرات،والمجموعات الرأسية، ومكيفات المنفذ التسلسلي العام (USB)، والبرمجيات، والشهادات، وعلامات وبيانات المصادقة (مثل بيانات الاستدلال الأحيائي)، كلها تزيَّف.
وبالإضافة إلى ذلك، استُخدمت شبكة الإنترنت على نحو متزايد للقرصنة الرقمية وكذلك كسوق للبضائع المزيَّفة. وتبدو شبكة الإنترنت جذابة لمن يبيع السلع المزيَّفة بفضل جميع العوامل التي تجعل من الإنترنت مورداً جذاباً لتجار التجزئة، وخاصةًلأولئكمنهم الذينيستهدفون الأسواق التي يصغر فيها حجم التداول (الوصول إلى السوق العالمية، وسهولة إنشاء ونقل وإغلاقالمواقع الإلكترونية التي يمكن جعلها تبدو جذابة ومقنعة جداً، ورخص إرسال البريد الإلكتروني) إلى جانب إمكانية إغفال هوية التاجر. ويصعِّب العدد الضخمللمواقع الإلكترونيةكثيراًعلى أصحاب حقوق الملكية الفكرية ووكالات الإنفاذ، تحديد العمليات غير القانونية. وتُستخدم العروض المرسَلة عبر البريد الإلكتروني والتجارة الإلكترونية ومواقع المزادات كلها في مساعٍ لبيع السلع المزيَّفة.
وفيما يتعلق بصناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، قدر تقرير KPMG وAGMA أن %8 إلى %10 من جميع سلع صناعة تكنولوجيا المعلومات (IT)التي بيعت في جميع أنحاء العالم كانت مزيَّفة، وأدى التزييف إلى خسارة في الإيرادات بقيمة 100 مليار دولار أمريكي لصناعة تكنولوجيا المعلومات في عام 2007. وأجرت شركة هيوليت باكارد (Hewlett-Packard)وحدها أكثر من 4,620 تحقيقاً في 55 بلداً بين عامي 2005 و2009 أدت إلى مصادرة مواد طباعة مزيَّفة تبلغ قيمتها أكثر من 795 مليون أمريكي [6]. وشكلت الإلكترونيات الاستهلاكية %22 من مضبوطات الجمارك في الولايات المتحدة في عام 2011حيث زادت قيمة السلع بنسبة %16 عن عام 2010. وحوالي ثلث البضائع في هذه الفئة كانت هواتف متنقلة [5].
وفي عام 2011، كانت هناك سوق عالمية مقدرة بواقع 250,4مليون من الهواتف المتنقلة المزيَّفة. 
http://press.ihs.com/press-release/design-supply-chain/cellphone-gray-market-goes-legit-sales-continue-decline.وهذا يعادل حوالي %16 من 1,546 مليون جهاز بيع في عام [8]2011. وهذا التقدير لمدى تغلغل المنتجات المزيَّفة في سوق الهاتف المتنقل يماثل ما جاء في دراسة، عن التدويل وتجزئة سلاسل القيمة وأمن التوريد، أعدت في عام 2011للمفوضية الأوروبية. وتفيد الدراسة بأن الهواتف المتنقلة المزيَّفة تشكل %20-%15 من السوق العالمية من حيث عدد الوحدات المبيعة وحوالي 9 مليارات دولار أمريكي من الإيرادات.
وبالإضافة إلى إنتاج الأجهزة المزيَّفة، يجري إدخال المكونات الإلكترونية المزيَّفة في سلاسل توريد المنتج الشرعية. واحتل استخدام المكونات الإلكترونية المزيّفة في المعدات العسكرية الأمريكية عناوين الصحف في خريف عام 2011 عندما عُقدت جلسة استماع للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ بشأن المكونات الإلكترونية المزيَّفة في سلاسل التوريد لوزارة الدفاع [9].وقدرت دراسة أجراها مكتب الصناعة والأمن بوزارة التجارة [10] أن هناك نحو1 800حالة من حالات إدخال المكونات الإلكترونية المزيَّفة في سلاسل التوريد في عقود وزارة الدفاع، بمايشمل أكثر من مليون مكون. وتبيَّن أيضاً أن عدد هذه الحوادث ارتفع من 3 868 في عام 2005 إلى 9 356 في عام 2008. ونتيجة لجلسة الاستماع هذه، صار قانون تخويل الدفاع الوطني لعام 2012 (NDAA) يتضمن إرشادات بشأن التعامل مع المكونات المزيَّفة، بما في ذلك إخضاع المكونات الإلكترونية المستوردة لعمليات تفتيش إضافية، ويحمِّل هذا القانون المقاولين المسؤولية الكاملة عن كشف المكونات المزوَّرة وتصحيح أي حالة تجد فيها مكونات مزوَّرة طريقها إلى داخل منتجات [11].
ووجدت دراسة لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي في عام 2008أن معظم المنتجات المزيَّفة تنبع منبلد واحد في آسيا (بما يشكل نسبة%69,7 من مضبوطات المنتجات المزيَّفة).
ويسعى هذا التقرير التقني لتقديم معلومات أساسية عن مشكلة التزييف وكيف تجري معالجتها مع التركيز على تزييف معدات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وعلى أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي يمكن استخدامها للتخفيف من هذه المشكلة.
وبالإضافة إلى الأجهزة المزيَّفة، هناك أيضاً مشكلة معدات وملحقات انتشار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي توصف عادةً بأنها "دون المستوى المطلوب" أو "غير مخوَّلة". ورغم عدم وجود تعريف معياري عالمي لهذين المصطلحين، غالباً ما تَستخدم هذه الأجهزة مكونات رديئة، ولا تلتزم، في معظم الحالات، بالمتطلبات القانونية المرعية على الصعيد الوطني بشأن منح الشهادات للأجهزة المتنقلة والموافقة عليها وتوزيعها وبيعها. ولاتنطوي هذه الأجهزة، في كل حالة، على انتهاك لحقوق الملكية الفكرية للشركات المصنعة للأجهزة، وبالتالي فهي لا تندرج ضمن التعريف المقبول للأجهزة "المزيَّفة"؛ ومن ثم، فهي لا تندرج في نطاق هذا التقرير التقني، الذي يركز على الأجهزة المزيَّفة. أما الأجهزة "دون المستوى المطلوب" فهي تشكلوتستدعي مجموعة متميزة من المشاكل والعلاجات التي يتعين النظرفيها على حدة.

2    ما هو التزييف؟

يعرِّف اتفاق منظمة التجارة العالمية بشأن الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية (اتفاق تريبس(TRIPS)) السلع ذات العلامة التجارية المزيَّفة بأنها "أي سلع، بما في ذلك مواد التعبئة والتغليف، التي تحمل دون تخويل علامة تجارية تطابق علامة تجارية مسجلة حسب الأصول فيما يتعلق بتلك السلع، أو التي لا يمكن تمييزها في جوانبها الأساسية عن تلك العلامة التجارية، والتي تعتدي بذلك على حقوق صاحب العلامة التجارية المعنية وفقاً لقانون البلد المستورد"(الحاشية 14من المادة 51). لذا لا يُستخدم مصطلح "المزيَّفة" في اتفاق TRIPSإلا في مجال العلامات التجارية. وهو يشير إلى السلع المتعدية المعرَّفةبعبارة أدق من الانتهاكات العادية للعلامات التجارية على أساس أن العلامة التجارية مطابقةللأصل أو يتعذر تمييزها أساساًعن الأصل. ولا يتطرق هذا النص إلى القصد من وراء استخدام العلامة التجارية المزيَّفة. بل إنه يعرِّف المنتج المزيَّف من حيث قربه من علامة تُستخدم لمنتج مسجَّل وينطبق على الحالات التي تتطابق فيها السلعمع تلك التي سُجلت لها العلامة التجارية. وفي الممارسة العملية، عادةً ما تشمل مثل هذه السلع المخالفة الحالات التي تُنسخ فيها علامة ما بحذافيرها، عمداً لإعطاء الانطباع بأنها تحدد هوية منتج حقيقي. ومن شأن ذلكعادةً أن يحمل في ثناياه نية الاحتيال لأن الخلط بين المنتج الأصلي والمنتج المقلَّد خلط متعمد.
وتعرِّف الحاشية نفسها في اتفاق TRIPS السلع المقرصنة ذات حقوق النسخالمسجلة بأنها "أي سلع تُصنع منها نسخ دون موافقة صاحب الحق أو الشخص المخول حسب الأصول من صاحب الحق في بلد الإنتاج، والتي تُصنع بشكل مباشر أو غير مباشر من سلعة قد يشكل صنع تلك النُسَخة منها انتهاكاً لحقوق النسخ أو لحق ذي صلة وفقاً لقانون البلد المستورد". وبالتالي يتصل مصطلح "القرصنة" بالتعدي على حق النسخ والحقوق المتعلقة به في اتفاق TRIPS.

3    تأثيرات معدات ومكونات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المزيَّفة

تنفرد معدات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المزيَّفة في تأثيراتها على المجتمع، بما قد يختلف عن أنواع أخرى من انتهاكات حقوق الملكية الفكرية. فالمنتجات المزيَّفة، على سبيل المثال، لا تُختبر رسمياً عادة، ولا تنال الموافقة أيضاً وفقاً لأي متطلبات تنظيمية مرعية. ويمكن أن يكون استخدام المنتجات المزيَّفة خطراً للغاية. فمثلاً، هناك تقارير عن وفيات بسبب انفجار البطاريات المزيَّفة، وحالات صعق كهربائي وحرائق ناجمة عن أجهزة شحن، وحالات موثقة لهذه الأجهزة التي تحتوي على مستويات عالية من المواد الخطرة مثل الرصاص والكادميوم.
وقد تضمن تقرير منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي لعام 2008تقييماتللآثار الاجتماعية والاقتصادية والآثار المترتبة على أصحاب الحقوق والمستهلكين والحكومات:
·     وبالنظر إلى الآثار الاجتماعية والاقتصادية، لعلللتزييف أثراً سلبياً على الابتكار، ومستويات الاستثمار الأجنب‍ي المباشر والنمو في الاقتصاد ومستويات العمالة، ناهيك عن أنه قد يحول الموارد أيضاً إلى جيوب شبكات إجرامية منظمة.
·     ويرجح أن يؤثر التزييف تأثيراً اقتصادياً على أصحاب الحقوق نظراً لإمكانية تضرر حجوم المبيعات والريع والأسعار، وقيمة العلامة التجارية وسمعتها، وتكاليف العمليات ونطاقها.
·     وقد يجد المستهلكون أن جودة المنتجات المزيَّفة أدنى من المستوى المطلوب وقد يتعرضون أيضاًلمخاطر جسيمة تهدد الصحة والسلامة.
·     ولن تجب‍ي الحكومات القدر نفسه من الضرائب، وربما تواجه قضايا فساد وتحتاج أيضاً إلى إنفاق موارد إضافية في مكافحة أنشطة التزييف.

 

 

Post a Comment

Previous Post Next Post