أقسام النّهْي:
قسّم العلماء النّهْي إلى ثلاثة أقسام:
1- المَنهيّ عنه لِعيْنه: وهو ما رجع النّهي فيه إلى ذات المَنهيّ عنه، كالنّهي عن الكذب، والظلم، والزّنى، والشرك؛ فهذا لا يمكن اجتماع الأمر والنهي فيه، لأنّ ذلك يؤدّي إلى التناقض.
2- المنهيّ عنه لوصْف لازم له، كصوم يوم النّحر، وبيع الربا، والطلاق في الحيض.
فهذا كالنوع الأوّل، لا يمكن اجتماع الأمْر والنهي فيه.
ويُسمِّي الحنفيّة هذا النوع بالفاسد، ولا يُسمّونه باطلاً.
فالفاسد عندهم ما كان مشروعاً بأصله دون وصفه.
3- المَنهيّ عنه لوصْف خارج  غير لازم، وذلك كالصلاة في الثوب الحرير، والصلاة في الدار المغصوبة -عند مَن يرى أنّ الجهة مُنفكّة-.
وهذا النوع يَصحّ اجتماع الأمْر والنّهي فيه، لانفكاك جهة الأمْر عن جهة النَّهْي.
4- زاد بعضهم قسماً رابعاً، وهو: المنهيّ عنه لوصف خارج لازم، ويمثِّلون له بالصلاة في الدار المغصوبة.
وهذا القسم هو عيْن الذي قبْلَه عند الجمهور.
ــ بقيّة مباحث المُحرّم والتكليف:
أوّلاً: هل الأمْر بالشّيء نهْي عن ضِدّه؟
أقوال العلماء في المسألة:
صورة المسألة: أنّه إذا أُمِر بشيء، فهل يكون لفْظ الأمْر نفسه دالاً على تَرْك ضِدِّ أو أضداد المأمور به أوْ لا؟
فإذا قيل: "قُمْ"، فهذا أمْر، فهل يدُلّ هذا الأمْر على تَرْك القعود والاضطجاع، التي هي ضدّ القيام؟ هل يدلّ على ذلك بِلفْظه؟ أمْ بمعناه؟ أمْ بِلازِمه؟ أمْ لا يدلّ أصلاً؟
وقد اختلف العلماء -رحمهم الله- في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
1- أنّ الأمْر بالشّيْء ليس هو عيْن النّهْي عن ضدّه، لكنّه يَستلْزِمه.
سواء كان له ضدّ واحد، كالسّكون الذي هو: ضدّ الحركة، أو الكُفْر الذي هو: ضدّ الإيمان.
أو كان له أضداد كثيرة، كالقيام، ضدّه: القعود والاضطجاع.
وهذا القَول هو: قَول جمهور العلماء.
2- أنّ الأمْر بالشّيْء هو عَيْن النَّهْي عن ضدّه. وهذا قول جمهور المتكلِّمِين مِن الأشاعرة وغيرهم...
وهذا القول مبنيٌّ على زعْمٍ باطل، وهو: أنّ الكلام نوعان: لفظيّ ونفسيّ.
وأنّ النفسيّ هو: المعنى القائم بالنّفس، دون الألفاظ المعبِّرة عنه؛ وهو زعم باطل.
3- أنّ الأمْر بالشّيء ليس هو عيْن النّهي عن ضدّه، ولا يتضمّنه. وهذا قول المعتزلة، وبعض علماء أصول الفقه.
* أدلّة الجمهور.
1- أنّ السّيّد إذا قال لعبده: "قُمْ"، فقعد؛ فإنّه يَحسُن توبيخه ولومه على القعود، فيُقال له: "لِمَ قَعدْتَ؟". وهذا يدلّ على أنّ الأمْر بالشّيء نهْي عن ضدّه؛ إذ لو لم يكن كذلك لَمَا حسُن اللّوم والتّوبيخ.
2- لو لمْ يَقْتضِِ الأمْر بالشّيء النّهْيَ عن ضدّه، لجاز وُرود الأمْر بِضدِّه؛ وفي ذلك تناقض.
3- اللّفظ إذا كان دالاً على طلَب القيام مثلاً، فلا يحصل الامتثال إلاّ بالانتهاء عن جميع الأضداد.
والرّاجح هو: قول مَن قال: إنّ الأمْر بالشّيء ليس هو عيْن النّهْي عن ضدّه، لكنّه يَسْتلْزمه.
* ومن فوائد الخلاف في المسألة:
- أنّ الرّجل إذا قال لزوجته: "إنْ خالَفْتِ نهْيِي فأنت طالق"، ثم قال: "قومي"، فقعدت.
أ- فعنْد القائلِين: إنّ الأمْر بالشّيء هو عيْن النّهي عن الضّدّ: تطلق.
لأن قوله: "قومي" هو  عيْن النّهي عن القعود؛ فيكون قعودها مخالفةً لنَهْيه المعبَّر عنه بصيغة الأمْر المُطْلَق.
ب- وعند القائلين: إنّ الأمْر بالشيء يستلزم النّهْي عن ضدّه: يتفرَّع الحُكم على خلاف العلماء: هل لازم القَول يُعدّ قولاً أمْ لا؟
ج- وعند القائلين: إنّ الأمر بالشّيء ليس هو عيْن النّهي عن ضدّه، ولا يتضمّنه: لا تطلق.
ــ تتمّات متعلّقة بالمُحرّم:
1- الشّارع إذا حرَّم الشّيء مُطلَقاً، اقتضى ذلك تحريم كلّ جُزء مِن أجزائه، لا ما استثناه الدّليل.
مثال ذلك: الشّارع حرَّم لُبس الحرير للرّجال؛ فيحرُم لُبْس القليل والكثير منْه، ويُستثْنَى مِن ذلك ما وردت فيه الرّخصة.
2- الأمْر الذي يَتوقّف عليه اجتناب المحظور يكون الإقدام عليه محظوراً، والكفّ عنه واجباً.
ــ تكليف الصّبيّ والمجنون.
عرَّف المصنِّف -رحمه الله- التّكليف بأنّه: الخطاب بأمْر أو نَهْي.
* وشروط التّكليف قسمان:
1- قِسْم يَرجِع إلى المُكلَّف.
2- قِسْم يَرجع إلى الفِعْل المُكلَّف به.
أمّا الصّبيّ والمجنون، فهما غيْر مُكلَّفَيْن عند جمهور العلماء -رحمهم الله-.
ــ ومِنَ الأدلّة على ذلك:
1- قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((رُفِع القلَمُ عن ثلاثة: عن النّائم حتّى يَستيْقظ، وعن الصّغير حتى يَكْبر، وعن المجنون حتى يَعْقل أو يُفيق)).
2- أنّ مُقتضى التّكليف: أنْ يمتثل المُكلَّف ويطيع، ولا يكون ذلك إلا بالقصْد، والقصْد لا يكون إلا بعْد الفَهم؛ وذلك غير مُتصوَّر في الصّبيّ والمجنون.
وهذا الفَهم والقصد، وإن كان متصوَّراً في الصّبيّ المُميِّز، إلاّ أن فَهْمه لم يتمَّ؛ مِن أجْل ذلك جعَل الشّارع البُلوغ علامةً محدّدة لظهور اكتمال أداة الفهْم المُعتبَر.
3- أنّ الصّبيّ والمجنون لا يفهمان الخطاب؛ فلا يصحّ تكليفُهما، لأنّ التّكليف مع قيام المانع مُنزّل مَنزلة التّكليف بالمُحال، وهو غيْر جائز.
وذهب الإمام أحمد في رواية: إلى تكليف الصّبيِّ المُميِّز، لكنّ الصحيح مِن مذهبه هو: عدَم تكْليفه.
ــ تتمّات متعلّقة بتكليف الصّبيّ والمجنون.
1- إذا كان الصّبيّ والمجنون غيْر مُكلَّفَيْن، فلماذا وجبت الزّكاة في مالِهما؟ وكذلك أروش الجنايات، وقيم المتلفات؟
والجواب: أنّ لزوم ذلك هو: مِن باب خطاب الوضْع، لا مِن خطاب التّكليف.
2- هل يُخاطّب الصّبيّ بالنّدب والكراهة؟
الصّبيّ -كما هو معروف- غيْر مُخاطّب بالإيجاب والتّحريم، لقيام الإجماع على أنّه لا إثم عليه بِتَرْك واجب، ولا بارتكاب مُحرَّم؛ لكن هل يُخاطّب بالنَّدب والكراهة، أمْ لا؟
- على قول الجمهور السابق، لا يُخاطّب الصّبيّ بشيء مِن الأحكام التّكليفيّة.
- وذهب جمهور المالكيّة -وهو مقتضى كلام الشافعية في الفروع-، على أنه يخاطب بذلك. وقصَره بعضهم على الصّبي المُميِّز.
ومِن الأدلة على تكليفه بالنّدب: حديث المرأة التي رفعت للنبي -صلى الله عليه وسلم- صبيّاً. فقالت: ألِهذا حجّ؟ قال: ((نعَمْ، ولكِ أجْر)).
وتفرَّع على القول بخطاب الصّبيّ بالنَّدْب والكراهة بعْض الفروع الفقهيّة، ومنها:
أ- ينعقد نكاح الصّبيّ، لأنّ العقد سبب لإباحة الوطء، والصّبيّ مُخاطَب بالإباحة، والنّدب، والكراهة.
ولا ينعقد طلاقه عند المالكية، لأنّ الطلاق سبب تحريم الوطء، والصّبيّ ليس مِن أهل الخطاب بالتّحريم.
ب- يُخاطَب الصّبيّ بإزالة النّجاسة، على سبيل النّدب لا على سبيل الوجوب.
3- إذا قلنا أنّ الصّبيّ يُخاطّب بالنّدب والكراهة، فهل الخطاب له أوْ لِوَلِيِّه؟
على ثلاثة أقوال: 1- له.      2- لِوَليِّه.       3- لهما معاً.
وعلى القول بأنّ الخطاب للوليّ وحده، فهل يُثاب الصّبيّ، أمْ أنّ الثواب لوالدَيْه؟
قيل: لا ثواب للصّبيّ، وإنّما الثواب لوالِدَيه. وقيل: هما في الثواب سواء.
والرّاجح: أنّ عدَم مخاطبة الصّبيّ بالعبادة، لا يدلّ على أنّه لا يُثاب عليها إذا فَعَلها؛ فهو يُثاب على طاعات بدَنه، وما يُخرجه مِن العبادات الماليّة مِن مالِه.
ــ تكليف النّائم والنّاسي.
النّائم والنّاسي غيْر مُكلَّفَيْن في حال النّوْم والنِّسيان.
ومِن الأدلّة على ذلك: قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنّ الله تجاوز لِي عن أُمَّتِي الخَطأ، والنِّسْيانَ، وما استُكْرهوا عليه)).
أمّا مِن حيث ما يتعلّق بحقوق الآدميِّين، فلا شكّ أنهم مُكلَّفون بِضمان ما أتْلفوه.
فلوْ أكل طعامَ غيْره ناسياً، فلا إثْم عليه، وعليه ضمان.
ــ تكليف السّكران، وتكليف المُكْرَه.
أقوال العلماء في تكليف السّكران.
قبل البدء في ذِكر أقوال العلماء -رحمهم الله- في هذه المسألة، لا بدّ مِن توضيح الأمور التّالية:
1- أنّ السّكران الذي وقع فيه الخلاف هو: الذي سكِر باختياره وعالمًا بأنه يُسْكِر. أمّا المُكرَه، فحُكمه حُكم المجنون.
2- أنّ حدَّ السّكران الذي وقع فيه الخلاف هو: الذي يَخلط في كلامه، ويَسقط تمْييزه بيْن الأعيان، وهو ما يُسمَّى بالسَّكران الطّافح.
3- أنّ السَّكران يجب عليه قضاءُ ما فاتَه مِن العبادات في زَمن سُكْره.
* الأدلّة:
استدلّ الجمهور الذين قالوا بتكليف السَّكران بأدلّة، منها:
1- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}؛ وهذه الآية نزلت بعْد آية (المائدة)، والتي حرّمت الخمر.
- وجْه الدّلالة: أنّ هذه الآية خطاب للسّكران في حال السّكر، بأنْ يكفّ عن الصّلاة حتى يعْلَم ما يقول، ولا يُخاطِب الشّارع إلا مُكلَّفاً؛ فدلّ ذلك على أنّ السّكر لا ينافي الخِطاب.
واعتُرض على وجْه الاستدلال بهذه الآية بما يأتي:
أ- أنّ معنى هذه الآية: لا تسكروا، ثم تقربوا الصلاة! كقوله تعالى: {وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}؛ فيكون الخطاب في الآية موجَّهاً للمؤمنِين في حال الصّحو، لا حال السّكْر.
ب- أنّ الخطاب في هذه الآية إنّما هو للنّشوان الذي وُجدَت منْه مبادئ الطَّرب، ولمْ يزُل عقْله بالكلّيَّة.
2- أنّه يجب عليه حدّ الزّنى والقذْف إذا فعل ذلك في حال السّكر، ويلزمه ضمان ما يُتلفه مِن الأموال، ممّا يدلّ على تكليفه.
وأجيب عن هذا:
بأنّ هذا ليس مِن باب خطاب التّكليف؛ بل هو من باب خطاب الوضع.
- واستدلّ الذين قالوا بِعَدم تكليف السّكران بأدلّة، منها:
1- أنّ السّكران لا يفهم الخطاب، فلا يصحّ تكليفه؛ إذ تكليف مَن لا يَفهَم الخطاب مِن التكليف بالمُحال.
2- قياس السّكران على الصّبيّ والمجنون والبهيمة، في عدم وجوب التّكليف على الجميع، بجامع زوال العقل والتّمييز في الكلّ.
أدلّة شيخ الإسلام -رحمه الله- على عدم صحّة تصرّفات السّكران.
ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إلى عدم صحّة تصرّفات السّكران، وإلى عدم تكليفه، سواء فيما يتعلّق بالأقوال أو الأفعال.
وممّا استدل به -رحمه الله- على عدَم صحّة تصرّفاته ما يلي:
1- حديث ماعز بن مالك الأسلمي -رضي الله عنه- عندما جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يطلب منه إقامة الحدّ عليه، فسأله النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أبِكَ جُنون؟)). فأخبر أنه ليس بمجنون. فقال: ((أشَرِب خمراً؟)). فقام رجل فاستنْكهَه -أي: شمّ رائحة فمه- فلم يجد منه ريح خمْر... الحديث.
- ووجْه الدّلالة:
دلّ هذه الحديث على: أنّه لو وُجد مِن ماعز -رضي الله عنه- شُرب الخمْر، لما اعتُبر إقراره بالزّنى صحيحًا، ممّا يدلّ على عدم صحّة تصرّفات السّكران.
2- أنّ عبادة السكران لا تصحّ بالنصّ والإجماع، فعُقوده من باب أوْلى، لأنّ كلّ مَن بطلت عبادته لِعَدم عقْله، فبُطلان عقوده أوْلى وأحْرى، كالنّائم والمجنون.
3- أنّ جميع الأقوال والعقود مشروطة بوجود التّمييز والعقل؛ فمَن فقَدَهما فليْس لكلامه في الشَّرع اعتبارٌ أصْلاً.
ــ تعريف: "الإكراه"، وأنواعه:
"الإكراه" هو: أنْ يُجبِر إنسان غيْرَه على قوْل أو فِعْلٍ لا يرضاه، بحيث لو خُلِّيَ ونفسه لمْ يفْعله ولمْ يُباشِره.
و"الإكراه" نوعان:
1- إكراه مُلجِئ: وهو الذي لا يبقى للشّخص معه قدرة واختيار.
مثاله: شخص حلَف لا يدخل دارًا، فقهَره شخْص أقوى منه وكبّله، وحمَلَه قهراً حتى أدخله تلك الدار؛ فهذا الإكراه لا يكلّف صاحبه، لِعدَم القدرة والاختيار.
2- إكراه غيْر مُلجِئ: وهو الذي لا يَفقد فيه القُدرة، ولا ينعدم الاختيار بالكلّيّة، ويجد صاحبُه مندوحة عن الفِعْل، لكن بالصّبر على إيقاع ما أُكْرِه به، إن كان أشدّ ممّا أُكْرِه عليه.
وهذا النوع قسمان:
أ- إكراه بحقّ: وهو الإجبار على أمر واجب شرعًا؛ وذلك كإكراه الحاكم الزّوج على الطّلاق، وإكراه الحربيّ والمرتدّ على الإسلام.
ب- إكراه بغيْر حقّ: وذلك كالإكراه على أمْر مُحرَّم شرعاً كالسّرقة، والأكل مِن الميْتة، والزّنى، ونحو ذلك...
ــ وقد اختلف العلماء في تكليف المُكْرَه على قوليْن:
1- أنّه مُكلّف؛ وهو قول جمهور العلماء.
2- أنّه غيْر مُكلَّف؛ وبه قال بعض المعتزلة.
ــ حُكم أفعال المُكرَه وأقواله:
ــ أمّا أقوال المُكْرَه: فإنّ المُكرَه إذا أُكْرِه على قول، كالتّلفّظ بكلمة الكُفر، فإنّه يُباح له ذلك القول مِن غيْر أن يأثم، وكلامه وتصرّفاته القوليّة كلّها مُلغاة كأن لمْ تَكن، سواء كانت تلك التّصرّفات القوليّة ممّا تَحتمل الفسْخ، كالبيع والإجارة، أوْ لا تحتمل الفسخ، كالنّكاح والطّلاق.
* والأدلّة على عدَم تكليف المُكرَه فيما يتعلّق بالأقوال كثيرة، منها:
1- قوله تعالى: {إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}.
2- وقوله -صلى الله عليه وسلم- لعمّار -رضي الله عنه-، لمّا أَكرَهه المشركون على سبّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فَإنْ عادُوا فَعُدْ)).
3- قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنّ الله تجاوز لي عن أُمّتي: الخَطأ، والنِّسيان، وما استُكْرِهوا عليه))؛ وهذا عامّ في الأقوال والأفعال.
أمّا الأفعال: فإنْ كانت حقّاً لله تعالى خالصة، كمَنْ أُكْرِه على الأكل في نهار رمضان، أو الأكل مِن الميْتة، فإنّ الإكراه هنا يكون عُذراً مُسقطاً للتّكليف؛ وذلك لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنّ الله تجاوز لي عن أمَّتي: الخَطأ، والنِّسيان، وما استُكْرِهوا عليه))، ولقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا}.
وأمّا ما يتعلّق بحقوق المخلوقِين، فإنّ الإكراه لا يكون عذراً مُسقِطاً للتّكليف فيها؛ وذلك كمَن أُكْرِه على قتْل شخْص مثلاً، فإنّه يجب عليه القصاص.
ومع ذلك، فإنّ صُوَر الإكراه قد تختلف باختلاف الأفراد، والأمور التي يُكْرَه عليها، والأمور التي يُخوَّف بها، والأحوال والقرائن؛ والحُكم في ذلك مردّه إلى اجتهاد المجتهد.
ــ شروط الإكراه:
للإكراه شروط كثيرة، إذا تحقّقت حَكمْنا بكوْن الإكراه عُذراً مُسْقطاً للتكليف. ومِن هذه الشروط:
1- أنْ يكون المُكْرِه قادراً على تنفيذ ما هَدّد به.
2- أنْ يَغلب على ظنّ المُكرَه إيقاع ما هُدِّد به في الحال إذا لمْ يَمتثل.
3- أنْ يكون الشّيء المهدَّد به ممّا يشقّ على المُكْرَه تَحمُّله.
4- أنْ يكون المكرَه عاجزاً عن دفْعه بِهرَب، أو استغاثة، أو نحو ذلك...
5- أن يتحقّق بفِعْل الأمْر المُكْرَه عليه التّخلّص مِن المتوعَّدِ به.
6- أن يكون الإكراه بغير حقّ.
7- أن يكون الحُكم مترتّباً على فِعْل المُكلَّف. فإن لمْ يكن الحُكم مترتّباً على الفعْل، لم يؤثِّر فيه الإكراه.
ومثال ذلك: لو أُكْرِهت امرأة على الإرضاع فأرضعت، ثَبَتت الحرمة، لأنّ الحرمة معلّقة بوصول اللّبَن إلى الجوف لا بالإرضاع.
8- أنْ يكون المُكرَه كارهاً لِمَا أُكره عليه مِن عمَل أو قوْل.
النشاط:
عزيزي الطالب، لكي تعمّق فهمك لهذا الدرس، قم بهذا النّشاط، ثمّ قارن ما تتوصل إليه بالإجابات النموذجية أدناه:
اختر الإجابة الصحيحة من بين الإجابات التالية:
1- الصّلاة في الدّار المغصوبة:
أ- اتفق العلماء على صحتها.
ب- اختلف العلماء في صحتها على أقوال ثلاثة.
ج- اختلف العلماء في صحتها على أقوال أربعة.
2- اختلف العلماء -رحمهم الله- في مسألة الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضدّه: (على قولين، على ثلاثة أقوال، على أربعة أقوال).
3- في مسألة "تكليف المُكْرَه":
أ- اتفق العلماء على: أن المكرَه مكلَّف.
ب- اتفق العلماء على: أنّ المكرَه غير مكلَّف.
ج- اختلف العلماء في تكليفه على قوليْن.
4- للإكراه ..............، إذا تحقّقت حَكمْنا بكوْن الإكراه عُذراً مُسْقطاً للتكليف. (شرطان، ثلاثة شروط، شروط كثيرة).
 الإجابات النموذجية:
               1- (ج)        2- على ثلاثة أقوال        3- (ج)        4- شروط كثيرة.
ملخّص الدّرس:
"المكروه" في اللغة: ضد المحبوب. واصطلاحاً: ما ترْكه خير مِن فعْله.
وقد اختلف العلماء في: أن الأمْر المُطلَق هل يتناول المكروه، على قوليْن.
"الحرام" في اللّغة: الممنوع. وفي الاصطلاح هو: ما نهى الشّارع عنه نهياً جازماً.
ثم إن الواحد قد يكون واحدا بالجنس أو بالنوع أو بالعين. والواحد بالعين إمّا أن يكون له جهة واحدة أو جهتان متغايرتان.
تمارين الدّرس:
عزيزي الطالب، لكي تعمّق فهمك لهذا الدرس، قم بهذا النّشاط، ثمّ قارن ما تتوصل إليه بالإجابات النموذجية أدناه:
ضع علامة (√) أمام العبارة الصحيحة، وعلامة (×) أمام العبارة الخاطئة:.
1- أسماء "المُحرَّم" كثيرة، منها: المَحظور، الممنوع، المزجور، المعصية، الذَّنب، القبيح.
2- من نوع "الإكراه": الإكراه المُلجِئ وهو: الذي لا يبقى للشّخص معه قدرة واختيار.
3- فيما يتعلّق بحقوق المخلوقِين، الإكراه يكون عذراً مُسقِطاً للتّكليف فيها.
4- "المكروه" اصطلاحاً عرّفه ابن قدامة بأنه: ما فعْله خيْر مِن ترْكه.
5- من الأساليب التي تدل على الكراهة: صيغة النّهي التي قامت القرينة على صرْفها مِن التحريم إلى الكراهة.
6- فيما يتعلّق بحقًّ لله تعالى، فإنّ الإكراه لا يكون عُذراً مُسقطاً للتّكليف.
الإجابات النموذجية:
                1- (√)        2- (√)        3- (×)        4- (×)        5- (√)         6- (×).
مراجع الدّرس:
1- معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة، محمد حسين الجيزاني، دار ابن الجوزي، 1425هـ. 
2- شرح كتاب الوجيز في أصول الفقه، عبد الكريم زيدان، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، 1994م.
3- إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق في علم الأصول، الشوكاني, دار الكتب العلمية، 1999م.         
4- التمهيد في أصول الفقه، أبو الخطاب الكلوذاني، دار المدني للطباعة والنشر، 1985م.            
5- الحكم التكليفي في الشريعة الإسلامية، محمد أبو الفتح البيانوني، دار القلم، 1988م.       

Post a Comment

Previous Post Next Post