العلاقة بين الشرط والسبب
والركن :
مما
تقدم يتضح أن السبب والشرط يتفقان في حالة العدم ، ـ فإن عدم كل منهما يستلزم عدم
الشيء الذي جُعل سبباً أو شرطاً له ـ ،
ويختلفان في حالة الوجود : إذ يلزم من وجود
السبب وجود الحكم إلا إذا كان ثمة مانع ، فإذا حان وقت الصلاة فقد وجبت الصلاة ،
وإذا وُجد الإسكار فقد وجب التحريم ، وإذا كانت السرقة فقد وجب الحد ... وهكذا.
أما
الشرط : فإنه إذا وجد لا يلزم من ذلك وجود الحكم ، كالوضوء : لا يلزم من وجوده
وجوب إقامة الصلاة ، ولا يلزم من وجود الشاهدين وجود النكاح .
العلاقة
بين الشرط والركن :
الشرط
هو الأمر الذي يتوقف عليه وجود الحكم ، ويكون خارجاً عن حقيقته ، أي لا يكون جزءاً
من ماهيته .
أما
الركن : فهو الأمر الذي يتوقف عليه وجود
الحكم ويكون جزءاً من حقيقته غير خارج عنه ، إذ يلزم من وجود الركن أو مجموع
الأركان وجود الشيء ، ويلزم من عدمه أو عدمها عدم الشيء ، ويكون جزءاً من ماهيته ،
كتكبيرة التحريم والقراءة في الصلاة ، وكذا الركوع والسجود ، إذ إن هذه من أركان
الصلاة ، وهي في نفس الوقت جزء من ماهية الصلاة .
وبناءً
على هذا : يمكن لنا أن نرى وجه الاتفاق والافتراق بين كل من الشرط والركن وذلك في:
·
يتفق
الركن والشرط في أن كلاً منهما يتوقف عليه وجود الحكم ، وأن عدم كل منهما يستلزم
عدم الشيء الذي كان ركناً له أو شرطاً له .
فعدم
الطهارة ـ وهي شرط لصحة الصلاة ـ ، وعدم القراءة ـ وهي ركن فيها ـ يستلزمان عدم
صحة الصلاة .
·
ويختلفان
في أن الركن يكون جزءاً من ماهية الشيء وحقيقته .
أما الشرط فلا يكون جزءاً من الشيء ، إذ هو خارج
عنه . فالقراءة في الصلاة جزء منها ، وكذا الركوع والسجود... وبقية الأركان .
وبتحقق تلك الأركان مجتمعة ، إذا تمت شروطها فقد صحت الصلاة .
أما
الوضوء : فهو شرط في الصلاة خارج عنها ، وكذلك ستر العورة ، واستقبال القبلة.... .
وبناءً
على ما سبق : فإنه إذا حصل خلل في الركن فإن ذلك يقدح
في حقيقة الشيء وماهيته وبالتالي يكون حكمه البطلان .
أما
حصول الخلل في الشرط فإن ذلك الخلل يكون في أمر خارج عن الحقيقة وهو الوصف ، وتكون
الحقيقة والماهية موجودة لكن لا يترتب عليها أثرها الشرعي لانتفاء الشرط فيها .
فعدم ستر العورة مثلاً في الصلاة ـ إن لم يكن
ضرورة ـ لا يعني بطلان الأركان ، إلا أن تلك الأركان وإن تحققت بشكل تام إلا أنها
لا تترتب عليها الآثار الشرعية ، فلا تبرأ ذمة المصلي ، ولا يعتبر فعله صحيحاً
يستحق عليه الثواب .
ومن
هنا نلاحظ أن الشرط لازم لكل ركن من الأركان ، وبالتالي فالخلل في الشرط يعني
خللاً في صحة وقوع الركن ، فإن انتفى الشرط فقد انتفى شرعاً الركن .
المطلب الثالث : أنواع الشرط :
الفرع الأول : من حيث نوعه :
الشرط
من حيث مصدره أنواع [1] :
الأول
: الشرط العقلي : كالحياة للعلم ،
إذ لا يُعقل أن يكون أحد عالماً إلا أن تكون فيه صفة الحياة ، فيلزم من انتفاء
الحياة انتفاء صفة العلم ، إذ الجسم بدونها جماد لا يعقل ، وقيام العلم بالجماد
محال ، وإنما سُمي شرطاً عقلياً لأن العقل أدرك هذا .
الثاني
: الشرط اللغوي : كقوله : إن
دخلتِ الدار فأنت طالق : فالمفهوم اللغوي منه أن دخول الدار شرط لوقوع الطلاق ،
ولازم له ، فإذا انتفى الدخول انتفى وقوع الطلاق ، وهذا مفهوم لغوي .
الثالث
: الشرط الشرعي : وهو ما قرره
الشرع ، وجعله علامة على الحكم ، كالطهارة للصلاة ، والإحصان للرجم ، ولولا جعل
الشارع له ما كان ليُعرف كونه شرطاً .
الفرع الثاني : الشرط من حيث
ارتباطه بالسبب والمسبب :
والشرط
من حيث ارتباطه بالسبب والمسبب نوعان [2]
:
1.
الشرط
المكمل للسبب : وهو الذي يُكْمِل السبب ويقوي معنى
السببية فيه ، ويجعل أثره مترتباً عليه : كالعمد العدوان : شرط للقتل الذي هو سبب
إيجاب القصاص من القاتل . والحرز للمال المسروق شرط للسرقة التي هي سبب لوجوب الحد
على السارق .
وحولان الحول على نصاب المال الذي هو سبب لوجوب
الزكاة شرط مكمل للسبب .
والشهادة
في عقد الزواج شرط لجعل هذا العقد سبباً لترتب الآثار الشرعية عليه .
2.
الشرط
المكمل للمسبب : وهو الشرط الذي يقوي حقيقة المسبب وركنه
، وذلك مثل ستر العورة في الصلاة ، فهو يكمل حقيقتها ويجعل آثارها تترتب عليها من
براءة الذمة وحصول الثواب . وستر العورة يكمل المسبب وليس السبب الذي هو دخول
الوقت .
ومن
ذلك أيضاً : القدرةُ على تسليم المبيع فإنه شرط لصحة البيع ، فإذا لم يقدر البائع
على التسليم كان العقد فاسداً .
وموت
المورّث حقيقة أو حُكماً ، وحياة الوارث وقت وفاة المورّث : هما شرطان للإرث الذي
سببه القرابة أو الزوجية أو العصوبة .
الفرع
الثالث : الشرط من حيث مصدره:
فإنه
ينقسم إلى : شرط شرعي ، وشرط جعلي [3]
:
1.
الشرط
الشرعي : وهو ما كان مصدر اشتراطه الشرع ، أي إن
الشارع هو الذي اشترطه لتحقيق الشيء . ويمكن التمثيل لذلك بحضور الشاهدين في
النكاح ، والطهارة في الصلاة ، وحولان الحول في الزكاة ، وبلوغ الصغير سن الرشد
لتسليم المال إليه ، وغير ذلك من الشروط التي اشترطها الشارع في العقود والتصرفات
والعبادات والجنايات .
2.
الشرط
الجعلي : وهو ما كان مصدر اشتراطه إرادة المكلف ،
كالشروط التي يشترطها الناس بعضهم على بعض في عقودهم وتصرفاتهم ، أو التي يشترطها
المكلف نفسه في تصرفه الذي يتم بإرادته المنفردة كالوقف .
ويمكن
أن يمثل للشرط الجعلي بما لو اشترطت المرأة على زوجها أن لا يتزوج عليها ، أو كما
لو اشترط المشتري استلام المبيع في مكان معين .
ويمكن
تقسيم هذا النوع من الشروط قسمين :
أ.
ما
يتوقف عليه وجود العقد : بمعنى أن المكلف يجعلُ تحققَ العقدِ معلقاً على تحقيق
الشرط الذي اشترطه . ولهذا فهو من شروط السبب .
مثال
: تعليق الكفالة على عجز المدين عن الوفاء ، أو تعليق الطلاق على أمر معين ، كأن
يقول لزوجته : إن سرقت فأنت طالق .
ويسمى
هذا النوع من الشرط : بالشرط المعلق ، والعقد المشتمل عليه بالعقد المعلق .
ومما
تجب ملاحظته أنه ليس كل عقد يقبل التعليق : فلو باعه بيتاً واشترط عليه أن لا
يسكنه فهذا العقد لا يَقبل مثل هذا الشرط .
ب.
الشرط
المقترن بالعقد : مثل النكاح بشرط أن لا يخرج الزوج زوجته من بلدتها ، أو بشرط أن
يكون لها حق الطلاق ، وكالبيع بشرط أن يقدم المشتري كفيلاً بالثمن ، أو اشتراط
البائع على المشتري أن يسكن في الدار المباعة سنة .
ويرى
بعض الأصوليين أن الشرط الجعلي مع مشروطه ينقسم إلى ثلاثة أنواع [4]
:
1.
شرط
مكمل لحكمة الشارع ومتفق مع مقتضى العقد ، ومحقق للغاية منه : وذلك كاشتراط
الكفالة أو الرهن في الدين المؤجل . وهذا النوع من الشروط متفق على صحته .
2.
شرط
غير ملائم لمقصود الشارع ، ولا مكمل لحكمته ، وهو مخالف لمقتضى العقد ، كأن يشترط
الزوج عدم الإنفاق على زوجته ، أو أن يشترط البائع في البيع عدم انتفاع المشتري
بالعين المباعة . وهذا النوع من الشروط الجعلية متفق على بطلانه .
3.
شرط
زائد على مقتضى العقد ، وليس فيه منافاة المشروط ، ولا ملاءمة له .
وهذا محل نظر: هل يلحق بالنوع الأول نظراً لعدم
منافاة مقتضى العقد ولا يتعارض مع حكمة الشرع ؟ أم إنه يُلحق بالنوع الثاني نظراً
إلى عدم ملاءمته ظاهراً ؟
ويمكن
التمثيل لذلك : بما لو اشترطت الزوجة على زوجها عند العقد أن تسافر معه حيث يسافر،
أو أن لا ينقلها من دارها ، أو أن تشترط الزوجة أن لا يتزوج عليها غيرها .
وهذا
النوع من الشروط الجعلية كان محل خلاف بين الفقهاء من حيث وجوب الالتزام به :
فالقائلون بصحة هذا الشرط يرون فيه مصلحة مشروعة لا تمنع المقصود من العقد فيصح
الشرط وبذلك يثبت للمرأة خيار الفسخ أن لم يف الزوج لها بما اشترطت عليه .
ومنهم
من قال بأن هذا الشرط لا يتلاءم مع العقد ، ومن ثم حكم بعدم صحته [5]
.
وبذلك
كان الفقهاء بين مضيق وموسع :
فالمضيقون :
يلغون إرادة المكلف ويجعلون الأصل في العقود والشروط التحريم إلا إذا ورد
النص الشرعي بالإباحة ، ومن هؤلاء الظاهرية ومن تابعهم .
والموسعون: يطلقون إرادة المكلف ويجعلون لها سلطاناً
كبيراً في باب العقود والشروط إذ الأصل عندهم الإباحة إلا إذا ورد النص بالتحريم ،
وهو قول الحنابلة ومن تابعهم [6]
.
وهذا هو الراجح والأوفق .
Post a Comment