درس ٱلمُبْتَدَأ وَالْخَبَرِ
وَإِنْ فَتَحْتَ ٱلنُّطْقَ بِاسْمٍ مُبْتَدَا
   فَارْفَعْهُ وَالأَخبَارَ عَنْهُ أَبَدَا
 
تَقُولُ مِن ذَلِكَ زَيدٌ عَاقِلُ
   وَالصُّلْحُ خَيرٌ وَالأَمِيرُ عَادِلُ
 
وَلاَ يَحُولُ حُكمُهُ مَتَى دَخَلْ
   لَكِنْ عَلَى جُملَتِهِ وَهَلْ وَبَلْ


فلا زال الحديث في باب المبتدأ والخبر 
قال الناظم رحمه الله (بَابُ ٱلمُبْتَدَئِ وَالْخَبَرِ)
أي هذا باب بيان حقيقة المبتدأ وحقيقة الخبر، وسبق أن المبتدأ هو: (الاسم المجرد عن العوامل اللفظية غير الزائدة أو شبهها للإسناد)، وقلنا (للإسناد) هذا مقصوده.. هذا حد ابن هشام في قطر الندى، مقصوده: إدخال نوعي المبتدأ؛ لأن المبتدأ قد يكون مسنداً إلى ما بعده أو مسنداً إليه ما بعده، إما أن يكون مسنداً في نحو (أقائم الزيدان) وهذا النوع الثاني وقلنا وصف، وإما أن يكون مسنداً إليه ما بعده، يعني على هذا قد يكون المبتدأ محكوماً عليه نحو (زيدٌ قائمٌ) وقد يكون المبتدأ محكوماً به (أقائم الزيدان) قائم هذا مسند وأيضاً نقول هو محكوم به. إذن المبتدأ قد يكون محكوماً عليه وقد يكون محكوماً به، وبينّا أن المبتدأ الذي يكون مسنداً إليه هو ما لم يكن وصفاً بشرطه المذكور، إما أن يكون جامداً (زيد قائم) أو قد يكون وصفاً ولكن لم يستوفِ الشروط، كأن يكون غير معتمد على نفي أو استفهام، تقول (قائم زيد) هنا قائم هذا وصف لكن لا يصح جعله مبتدأ لكونه لم يعتمد على نفي أو استفهام، فنقول "قائم" هذا خبر مقدم، و"زيد" هذا مبتدأ مؤخر على رأي البصريين.
النوع الثاني من نوعي المبتدأ هو: الوصف الذي توفرت فيه الشروط الأربعة أو الخمسة المذكورة السابقة: (كل وصف ولو تأويلاً اعتمد على نفي أو استفهام ورفع فاعلاً ظاهراً أو ضميراً منفصلاً وتم الكلام به) ويشترط في هذا الوصف أن يكون منكراً.
(كل وصف) سبق أن المراد بالوصف هنا خمسة أمور: اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة وأمثلة المبالغة واسم التفضيل. (أضارب زيد) هذا نقول وصف اعتمد على نفي أو استفهام، يعني سبقه نفي أو استفهام، وإن شئت قل: دخل عليه على جملته نفي أو استفهام، "ضارب" اسم فاعل نكرة وما بعده مرفوع به، لِم؟ لكون اسم الفاعل يعمل في ما بعده عمل فعله، إذا اعتمد على نفي أو استفهام أو غيره، لكن خاص في هذا الباب.. باب المبتدأ شيئان: نفي أو استفهام، فضارب نقول: اسم فاعل ونعربه مبتدأ، هل له خبر؟ الجواب لا، لماذا؟ لأنه اكتفى بمرفوعه عن الخبر، لماذا اكتفى بمرفوعه عن الخبر؟ نقول لأن اسم الفاعل في تأويل الفعل، أو إن شئت قل: في معنى الفعل، والفعل لا يصح الإخبار عنه، فكذلك ما كان في موضعه، فـ "ضارب" في موضع "أيضرب زيد"، (أضارب زيد) هذا في معنى قولك (أيضرب زيد) يضرب هذا هل يصح الإخبار عنه؟ نقول لا، لا يصح؛ لأنه فعل، ضارب حل محل يضرب، هل يصح الإخبار عن ضارب؟ نقول: لا يصح، لماذا؟ لأنه حل محل الفعل الذي لا يصح الإخبار عنه، فكذلك ما كان في موضعه. هذا في اسم الفاعل.
كذلك في اسم المفعول (أمضروب زيد) نقول مضروب هذا اسم مفعول، واسم المفعول يطلب نائب فاعل، اسم الفاعل يرفع فاعلاً، واسم المفعول يرفع نائب فاعل، (أمضروب) مضروب هذا على وزن "مفعول" يرفع نائب فاعل قد اعتمد على استفهام، نقول هنا في هذا الموضع "مضروب" مبتدأ، وهو وصف معتمد على استفهام أو إن شئت قل: نفي (ما مضروب زيد) ورفع نائب فاعل، هل يحتاج إلى خبر؟ نقول: لا، لماذا؟ لكونه اكتفى بنائب الفاعل عن الخبر، (أحسنٌ وجه زيد) "حسن" هذا صفة مشبهة، وجه زيد هذا فاعل لـحسن، لأن الصفة المشبهة قد ترفع وقد تجر وقد تنصب، "حسن" هذا اعتمد على استفهام فنعربه مبتدأ؛ لأنه صفة مشبهة وهو وصف ورفع فاعلاً، اكتفي بهذا الفاعل عن الخبر، (أضرَّاب زيد) ضراب هذا على وزن "فعال" صيغة مبالغة.. من أمثلة المبالغة، أمثلة المبالغة كاسم الفاعل يعني تعمل عمله بشرطه، كما يشترط شروط في اسم الفاعل كذلك في أمثلة المبالغة. (ضرَّاب) على وزن "فعَّال" إذن: وصف سبقه استفهام وجاء بعده مرفوع، نقول هذا المرفوع نعربه فاعلاً لـ"ضراب"، لماذا؟ لأن "ضراب" هذا كاسم الفاعل يرفع ما بعده على أنه فاعل له، "ضراب" هذا مبتدأ، هل له خبر؟ نقول: لا؛ لماذا لأنه رفع فاعلاً واكتُفي بهذا الفاعل عن الخبر.
بقي اسم التفضيل: اسم التفضيل لا يرفع اسماً ظاهراً إلا في مسألة واحدة التي يعبر عنها النحاة بمسألة الكحل (هل أحسن في عين زيد الكحل منه في عين غيره) انقطاع الصوت؟؟؟ مبتدأ ، الكحل هذا فاعل بأحسن، أحسن مبتدأ، هل له خبر؟ نقول: لا، لِم؟ لكونه اكتفى بمرفوعه الذي هو الكحل عن طلب الخبر.
إذن: هذه الخمسة الأمور التي يُعبر عنها بالوصف الجاري على مجرى الفعل في الحروف الأصلية وفي حركاته وسكناته وفي معناه وعمله، يشترط عند البصريين أن يكون هذا الوصف معتمداً على وصف أو استفهام، وعند الكوفيين لا يشترط، وبيَّنا علة الاشتراط، يعني لماذا اشترط البصريون هذا الشرط، عند البصريين لا يصح أن يقال (قائم زيد) على أن "قائم" هذا مبتدأ و"زيد" فاعل سد مسد الخبر، بل يجب عندهم قولاً واحداً –عند القائلين بهذا الشرط- يجب عندهم أن يكون "قائم" خبراً مقدماً، و"زيد" مبتدأً مؤخراً، الأصل (زيد قائم) فقُدم الخبر على المبتدأ، أما عند الكوفيين فيُجوزون أن يكون الوصف مبتدأ اكتفى بمرفوعه عن الخبر ولو لم يسبقه نفي أو استفهام، وعندهم أدلة، منها قول الشاعر:
فخَيْرٌ نَحْنُ عِنْدَ ٱلنَّاسِ مِنْكُمْ
   إِذَا ٱلدَّاعِي ٱلمُثَوِّبُ قَالَ يَالاَ

   فَخَيرٌ "خير" هذا أفعل التفضيل، أو ما جاء على زنة المصدر "خير"، "نحن" هذا فاعل مرفوع بـ"خير" وخير هذا وصف، نعربه مبتدأ وما بعده فاعل اكتُفي به عن الخبر، هل سبقه استفهام .. هل سبقه نفي؟ قالوا: لا، إذن: قد يرفع المبتدأ الوصف وهو مبتدأ فاعلاً ويُكتفى بهذا الفاعل عن طلب الخبر ولو لم يسبقه نفي أو استفهام.
خَبِيْرٌ بَنُو لِهْبٍ فَلاَ تَكُ مُلِغِياً
   مَقَالَةَ لِهْبيٍّ إِذَا ٱلطَّيْرُ مَرَّتِ

هذا من التشاؤم، لكن الشاهد: " خَبِيْرٌ بَنُو لِهْبٍ" خبير هذا "فعيل" وصفٌ، "بَنُو لِهْبٍ" هذا فاعل سد مسد الخبر، " خَبِيْرٌ " هذا أعربناه على أنه مبتدأ وهو وصف وما بعده فاعل، هل اعتمد على نفي أو استفهام؟ لا، إذن: يجوز أن يُعرب الوصف مبتدأ إذا رفع فاعلاً سد مسد الخبر ولو لم يسبقه نفي أو استفهام.
البيت السابق صحيح الاستدلال، يعني استدلال الكوفيين " فخَيْرٌ نَحْنُ.." صحيح لا إشكال، لماذا؟ لأنه لا يمكن أن يُجعل من باب التقديم والتأخير، " فخَيْرٌ نَحْنُ": "خَير" مبتدأ، "نحن" هذا فاعل، هل يصح أن يجعل العكس؟ نقول: "نحن" هذا مبتدأ مؤخر، و"خير" خبر مقدم؟ نقول: لا يصح، لماذا؟ لأنه يلزم عليه الفصل بين العامل والمعمول وهو: عِنْدَ ٱلنَّاسِ و مِنْكُمْ؛ لأن الإعراب هكذا: " فخَيْرٌ " هذا مبتدأ، " نَحْنُ " فاعل سد مسد الخبر، و"عِنْدَ ٱلنَّاسِ" متعلق بخير، و" مِنْكُمْ" أيضاً متعلق بخير، فلو جُعل "نحن" مبتدأً مؤخراً، و"خير" خبراً مقدماً للزم على هذا الإعراب: الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي وهذا مختلف فيه والصحيح: أنه ممنوع.
أما على البيت الثاني فلا يصح الاستدلال به؛ لأنه من باب التقديم و التأخير، فنقول من باب التقديم و التأخير؛ لأن حمل كلام العرب وخاصة إذا ورد في القرآن حمله على الكثير المشهور الأفصح أولى من حمله على القليل الذي يكاد يكون مهجوراً.
(خَبِيْرٌ بَنُو لِهْبٍ) نقول " بَنُو لِهْبٍ" هذا مبتدأ مؤخر، " خَبِيْرٌ" هذا خبر مقدم (بَنُو لِهْبٍ خَبِيْرٌ)، أورد الكوفيون أو بعضهم على هذا الإعراب: أنه لم يتطابق المبتدأ والخبر، ومن شرط المبتدأ والخبر التطابق إفراداً وتثنية وجمعاً، " بَنُو" هذا المبتدأ جمع، " خَبِيْرٌ " هذا في اللفظ أنه مفرد، إذن: لم يتطابق المبتدأ والخبر، نقول في مثل هذا: " خَبِيْرٌ " هذا مما يستوي فيه المفرد والمثنى والجمع، وإذا كان اللفظ مما يستوي فيه المفرد والمثنى والجمع يصح الإخبار به عن المفرد وعن المثنى وعن الجميع (وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) [التحريم:4] "والملائكة" هذا مبتدأ "ظهير" هذا خبر، هل وقع التطابق؟ نقول في اللفظ لا، لكن في المعنى نعم وقع؛ لأن "ظهير" هذا مما يستوي فيه المفرد والمثنى والجمع.
إذن الحاصل: أن الأصل أن يتقدم الوصف استفهام أو نفي، وقد يجوز على قلة مع قبح على رأي الكوفيين أن يعمل الوصف ويُعرب مبتدأ رافعاً لفاعل اكتفي به عن الخبر أو سد مسد الخبر ولو لم يسبقه نفي ولا استفهام، والحجة في هذا قول الشاعر:
فخَيْرٌ نَحْنُ عِنْدَ ٱلنَّاسِ مِنْكُمْ
   إِذَا ٱلدَّاعِي ٱلمُثَوِّبُ قَالَ يَالاَ


(كل وصف اعتمد على نفي أو استفهام ورفع فاعلاً ظاهراً أو ضميراً منفصلاً وتم الكلام به) ؟انقطاع الصوت؟ قائم أو الزيدون قائمان أو الزيدان قائمون كل هذا لا يصح، لماذا؟ لفقد شرط التطابق بين المبتدأ وخبره.
هذا إذا كان المبتدأ له خبر، أما إذا كان المبتدأ له مرفوع استغنى به عن الخبر فهذا له حالان: إما أن يتطابقا إفراداً وتثنية وجمعاً، وإما ألا يتطابقا.. له حالان: التطابق في الإفراد والتثنية والجمع، وعدم التطابق، وعدم التطابق هذا نوعان: بعضه جائز وبعضه ممنوع يعني من جهة اللغة العربية يعني: لا يصح لغة.
الحالة الأولى: أن يتطابقا إفراداً، أن يتطابق الوصف مع مرفوعه إفراداً، تقول: (أقائم زيد) "قائم" هذا قلنا وصف اعتمد على استفهام ورفع ما بعده على أنه فاعل سد مسد الخبر، "قائم" ما نوعه؟ هل هو مفرد .. هل هو مثنى .. هل هو جمع؟ نقول: مفرد، "زيد" الذي يليه الفاعل أيضاً مفرد، نقول في هذا التركيب يجوز وجهان:
أن يعرب الوصف مبتدأ، وأن يعرب ما بعده على أنه فاعل سد مسد الخبر، فتقول هكذا: (أقائم زيد) أقائم الهمزة للاستفهام، "قائم" مبتدأ مرفوع بالابتداء ورفعه ضمة ظاهرة في آخره، "زيد" فاعل بقائم سد مسد الخبر، هذا في الوجه الأول في الإفراد: أن يعرب الوصف مبتدأ وما بعده فاعلاً سد مسد الخبر.
الوجه الثاني: أن يعرب الوصف خبراً مقدماً، والاسم المرفوع الذي يليه مبتدأ مؤخراً، فتقول: (أقائم زيد) الهمزة للاستفهام، حرف مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، "قائم" خبر مقدم مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة في آخره، "زيد" مبتدأ مؤخر، "قائم" خبر مقدم و"زيد" هذا مبتدأ مؤخر.. عكس الحالة الأولى، وهذا جائز.
إذن: إذا استويا في الإفراد الوصف ومرفوعه نقول: هذا يجوز فيه الوجهان: أن يعرب الوصف مبتدأ وما بعده فاعل سد مسد الخبر، الوجه الثاني: أن يعرب الوصف خبراً مقدماً وما بعده الذي هو الاسم المرفوع.. أن يعرب مبتدأ مؤخراً، وهل هو خاص بالإفراد في الوصف ومرفوعه؟ نقول: لا.
كذلك لو جاء الوصف مما يستوي فيه المفرد و المثنى والجمع.. هذا كما سبق معنا في جمع المذكر السالم: أن بعض الألفاظ يستوي فيها التذكير والتأنيث، هذا من جهة التذكير والتأنيث، نفس الألفاظ تطلق على المفرد وعلى المثنى وعلى الجمع، لذلك مر معنا "قتيل" قلنا لا يقال "قتيلة" لِم؟ لأن "قتيل" يستوي فيه المذكر والمؤنث، يعني تقول: (زيد قتيل) و(هند قتيل) لا تقل "قتيلة"؛ لأن اللفظ يطلق على المذكر ويطلق على المؤنث.
أيضاً نفس اللفظ يطلق على المفرد وعلى المثنى وعلى الجمع، فإذا جاء هذا الوصف "قتيل" جاء معتمداً على نفي أو استفهام وما بعده مفرداً أو مثنىً أو مجموعاً جاز فيه الوجهان أيضاً، فتقول: (أقتيل زيد) (أقتيل الزيدان) (أقتيل الزيدون). (أقتيل زيد) مثل (أقائم زيد) الهمزة للاستفهام و"قتيل" هذا نقول وصف مبتدأ مرفوع بالابتداء، و"زيد" هذا فاعل سد مسد الخبر.
(أقتيل الزيدان) الهمزة للاستفهام، و"قتيل" مبتدأ، "الزيدان" فاعل سد مسد الخبر.
أقتيل على أنه اسم فاعل، (أقتيل الزيدان) قتيل هذا مبتدأ و"الزيدان" فاعل سد مسد الخبر، يجوز العكس أن تقول: "قتيل" هذا خبر مقدم، و"الزيدان" هذا مبتدأ مؤخر، هل وُجد التطابق في الإفراد والتثنية والجمع؟ من جهة المعنى نعم وجد (أقتيل الزيدان) يصح أن تجعل "الزيدان" مبتدأ و"قتيل" هذا خبر ووجد التطابق مثل (وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) [التحريم: 4] "والملائكة" هذا جمع وخبره "ظهير" وهو يصدق على المفرد وعلى المثنى وعلى الجمع، كذلك "قتيل" يصدق على المفرد وعلى المثنى وعلى الجمع..
(أقتيل الزيدون) أيضاً يجوز فيه الوجهان "قتيل" هذا مبتدأ و"الزيدون" فاعل سد مسد الخبر ويجوز العكس أيضاً، "الزيدون" هذا مبتدأ مؤخر، و"قتيل" هذا خبر مقدم وتطابق المبتدأ والخبر من جهة الجمع؛ لأن "الزيدون" مبتدأ وهو جمع، و"قتيل" هذا في اللفظ مفرد، لكن في المعنى يصدق على المثنى وعلى الجمع، وهنا مراد به الجمع.
إذن: إذا كان الوصف مفرداً ومرفوعه مفرداً جاز فيه الوجهان. كذلك إذا كان الوصف مما يستوي فيه المفرد والمثنى  والجمع، وسواء كان المرفوع مفرداً أو مثنى أو جمعاً جاز فيه الوجهان، لكن أي الوجهين أرجح؟ نقول جعل الوصف مبتدأ وما بعده فاعل، هذا أرجح من جعل الوصف خبراً مقدماً وما بعده مبتدأ مؤخر، لِم؟ يعني (أقائم زيد) "قائم" مبتدأ "زيد" فاعل سد مسد الخبر، ويجوز أن يكون "قائم" خبر مقدم، و"زيد" مبتدأ مؤخر، يجوز الوجهان، لكن أي الوجهين أرجح؟ نقول: جعل الوصف مبتدأ وما بعده فاعل سد مسد الخبر أرجح من الوجه الآخر لسببين:
الأول: أن إعراب الوصف خبراً مقدماً فيه حمل على مختلف فيه؛ لأن الكوفيين لا يجيزون تقديم الخبر على المبتدأ، فلو أعربت الوصف خبراً مقدماً وما بعده مبتدأ مؤخراً قد خالفت الكوفيين، والحمل على المتفق عليه أولى من الحمل على المختلف فيه، هذا أولاً.
ثانيا: عند البصريين أنفسهم أن الأصل في المبتدأ التقدم والأصل في الخبر التأخير كما قال ابن مالك:
وَالأَصْلُ فِي ٱلأَخْبَارِ أَنْ تُؤَخَّرَا
   وَجَوَّزُوا ٱلتَّقْدِيمَ إِذْ لاَ ضَرَرَا

فيكون موافقاً للأصل. هذه الحالة الأولى: أن يكون الوصف ومرفوعه مفردين، لكن نقول هذا الإعراب أو تجويز الوجهين ما لم يمنع منه مانع، فإن منع منه مانع تعين إعراب الوصف مبتدأ وما بعده فاعلاً أو نائب فاعل على حسب موضعه، في نحو ماذا يُمنع؟ إذا كان الوجه الثاني الذي هو: إعراب الوصف خبراً مقدماً وإعراب المرفوع مبتدأ مؤخر، إذا كان يلزم على هذا الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي نقول امتنع الوجه الثاني (أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ) [مريم: 46] "راغب" هذا اسم فاعل اعتمد على استفهام، "أنت" هذا فاعل سد مسد الخبر، الأصل أن نقول يجوز الوجهان: "راغب" مبتدأ و"أنت" فاعل، واعكس "راغب" هذا خبر مقدم و"أنت" هذا مبتدأ مؤخر، لكن نقول يتعين الوجه الأول وهو أن "راغب" هذا مبتدأ وما بعده فاعل سد مسد الخبر، لِم؟ لأنك لو جعلت "أَنْتَ" مبتدأ مؤخراً و"راغب" خبراً مقدماً للزم على ذلك الفصل بين العامل و المعمول، أين العامل والمعمول؟ (رَاغِبٌ) عامل، و(عَنْ آلِهَتِي).. (أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي) جار ومجرور متعلق بـ (رَاغِبٌ) يعني معمول له.. مفعول به في المعنى، فإذا جعلت "رَاغِبٌ" خبراً مقدماً، و"أَنْتَ" مبتدأ مؤخر، و"عَنْ آلِهَتِي".. متعلق بـ "رَاغِبٌ" لزم على ذلك الفصل بين "رَاغِبٌ" و"عَنْ آلِهَتِي" بأجنبي وهو المبتدأ؛ لأن المبتدأ يعمل في الخبر والخبر لا عمل له في المبتدأ، فنقول هذا عليه الفصل بين العامل والمعمول.
كذلك في نحو (أحاضر اليوم هندٌ) "حاضر" هذا وصف وهو مفرد، و"هند" هذا فاعل سد مسد الخبر وهو وصف أيضاً و هو فاعل مرفوع سد مسد الخبر وهو مفرد أيضاً، تقول يتعين في هذا الوجه أن يعرب "حاضر" مبتدأ و"هند" فاعل سد مسد الخبر، هل يجوز العكس؟ نقول لا يجوز، لماذا؟ لأن شرط المبتدأ التطابق تذكيراً وتأنيثاً، فإذا قلت (هند حاضر) هل يصح؟ لا يصح، و"حاضر" هنا مفرد مذكر، والاسم المرفوع مفرد مؤنث، لزم على هذا أن يُجعل الوصف مبتدأً وما بعده فاعلاً سد مسد الخبر ولا يجوز الوجه الثاني؛ لأنه يلزم عليه عدم التطابق بين المبتدأ والخبر تأنيثاً وتذكيراً. (حاضر اليوم هند) لا يصح أن تقول (هند حاضر) لكن لو قال (أحاضر اليوم زيد) جاز الوجهان. إذن الحالة الأولى: أن يتطابقا في الإفراد.
الحالة الثانية: أن يتطابقا تثنية، تقول (أقائمان الزيدان).
الحالة الثالثة: أن يتطابقا جمعاً (أقائمون الزيدون).
في هاتين الحالتين: التطابق في التثنية وفي الجمع، عند جمهور النحاة يجب أن يكون الوصف خبراً مقدماً وما بعده مبتدأ مؤخراً، يعني (أقائمان الزيدان) على قول جمهور النحاة إنه يجب أنت تعربه هكذا: الهمزة حرف استفهام، "قائمان" خبر مقدم مرفوع بالألف نيابة عن الضمة لأنه مثنى، "الزيدان" مبتدأ مؤخر مرفوع بالألف نيابة عن الضمة لأنه مثنى، ولا يصح أن تقول: أقائمان  "قائمان" هذا مبتدأ، و"الزيدان" هذا فاعل سد مسد الخبر.
كذلك (أقائمون الزيدون) وجب عند جمهور النحاة أن يكون "قائمون" هذا خبراً مقدماً مرفوع بالواو نيابة عن الضمة و"الزيدون" هذا مبتدأ مؤخر مرفوع بالواو نيابة عن الضمة، ولا يصح أن يجعل "قائمون" مبتدأ وما بعده فاعل سد مسد الخبر.
العلة في هاتين المسألتين في المنع: لأنه سبق أن "قائم" الوصف الذي يرفع ما بعده أنه في موضع الفعل، وما كان في موضع الفعل لزم أن يأخذ حكم الفعل، والفعل عموماً إذا كان فاعله مثنى أو جمعاً وجب تجريد الفعل من علامة تثنية أو جمع، فإذا قلت (قام زيد) "زيد" هذا فاعل وعامله "قام"، هذا مفرد وهذا مفرد، ثنِّ الفاعل تقول (قام الزيدان) "قام" هذا مفرد في اللفظ، و"الزيدان" هذا فاعل وهو مثنى، هل يُلحق الفعل علامة تثنية تدل على أن الفاعل مثنى؟ لا يجوز، في اللغة الفصحى لا يجوز أن تقول (قاما الزيدان) على أن الألف علامة تدل على أن الفاعل مثنى، وإنما تقول (قام الزيدان). كذلك (قام الزيدون) "الزيدون" هذا فاعل وهو جمع مذكر سالم لا يصح أن يُلحق الفعل علامة تدل على أن الفاعل جمع.
وَجَرِّدِ ٱلْفِعْلَ إِذَا مَا أُسْنِدَا
   لاِثْنَيْنِ أَوْ جَمْعٍ كَفَازَ ٱلشُّهَدَا

وَجَرِّدِ ٱلْفِعْلَ يعني من علامة تدل على تثنية ما أُسند إليه.
وَجَرِّدِ ٱلْفِعْلَ إِذَا مَا أُسْنِدَا
   لاِثْنَيْنِ أَوْ جَمْعٍ كَفَازَ ٱلشُّهَدَا

ٱلشُّهَدَا هذا جمع، لا يصح أن تقول (فازوا) بالواو وهذا الواو علامة جمعية تدل على أن الفاعل جمع، هذا في الفعل، وما كان في موضع الفعل أخذ حكمه.
كذلك: (أقائمان الزيدان) لو جعلت "الزيدان" هذا فاعل لـ "قائمان" ثم وجدنا الألف في "قائمان" نقول وجب تجريد الوصف من علامة تدل على تثنية الفاعل.كذلك وجب تجريد الوصف من علامة تدل على جمعية الفاعل، فلا يصح أن يجعل "قائمان" مبتدأ وما بعده فاعل، ولا يصح أن يجعل "قائمون" وما بعده فاعل.
إذن: في حالة التطابق تثنية وجمعاً لزم أن يجعل الثاني مبتدأ والأول خبر، لماذا؟ لأن الأول اتصل به علامة تدل على التثنية وهو حالٌّ محل الفعل، وما حل محل الفعل أخذ حكمه، والفعل لا يجوز أن تتصل به علامة تدل على تثنية الفاعل، ولا يجوز أن تتصل به علامة تدل على جمعية الفاعل.
وَالثَّانِ مُبْتَدَاً وَذَا ٱلْوَصْفُ خَبَرْ
   إِنْ فِي سِوَى ٱلإِفْرَادِ طِبْقاً ٱسْتَقَرّْ

هذا خلاصة البحث، في بيت واحد جمعه ابن مالك رحمه الله:
(وَالثَّانِ مُبْتَدَاً) الذي هو الاسم المرفوع: (أقائمان الزيدان) (أقائمون الزيدون)، الثاني: الذي هو "الزيدان" و"الزيدون"، (وَالثَّانِ مُبْتَدَاً وَذَا الْوَصْفُ خَبَرْ) السابق، (إِنْ فِي سِوَى ٱلإِفْرَادِ) ما هو غير الإفراد؟ التثنية والجمع، (إِنْ فِي سِوَى ٱلإِفْرَادِ طِبْقاً ٱسْتَقَرّْ) يعني إن استقر الوصف مطابقاً لما بعده في التثنية أو الجمع (ٱلثَّانِ مُبْتَدَاً وَذَا ٱلْوَصْفُ خَبَرْ). هذه الحالة الأولى وهي: التطابق.
الحالة الثانية: عدم التطابق، هذا منه ما هو جائز ومنه ما هو ممنوع، الجائز في نحو: إذا كان الوصف مفرداً والفاعل مثنى أو جمعاً (أقائم الزيدان) هل تطابقا؟ لا، لم يتطابقا؛ لأن الوصف مفرد والاسم المرفوع به هذا مثنى، هذا جائز لغة. و(أقائم الزيدون) هذا لم يتطابقا، نقول: هذا جائز من جهة اللغة، يجب في هذه الحالة أن يعرب الوصف مبتدأ، وما بعده فاعل سد مسد الخبر.
(أقائم الزيدون) تقول "قائم" هذا مبتدأ و"الزيدون" هذا فاعل سد مسد الخبر، هل يصح أن يجعل "قائم" خبراً مقدماً، و"الزيدون" مبتدأ مؤخراً؟ لا، لِم؟ لأنه يُشترط التطابق في الإفراد والتثنية والجمع، هل يصح في غير هذا التركيب نقول (الزيدون قائم)؟ لا يصح، "الزيدون" هذا مبتدأ، و"قائم" خبر، لا بد أنك تخبر عن المبتدأ بمثله: إن كان مفرداً مفرداً، مثنىً مثنىً، جمعاً جمعاً، فلو جعلت هنا "قائم" هذا خبراً وما بعده مبتدأ لانتفى التطابق في الإفراد والتثنية والجمع.
(أقائم الزيدان) كذلك لا يصح أن يُجعل "قائم" هذا خبراً مقدماً، و"الزيدان" هذا مبتدأ مؤخر؛ لأن من شرط المبتدأ وخبره التطابق، وهنا لم يوجدا.
(أقائمان زيد) .. (أقائمون زيد) هل يصح؟ لا يصح، لماذا؟ لأن الاسم المرفوع مفرد، وهذا حالٌّ محل الخبر، هذا لا يصح من جهة اللغة، يعني: في اللغة الفصحى لا يصح مطلقاً، يمتنع أن يكون الوصف مثنى أو مجموعاً والاسم المرفوع يكون مفرداً.
إذن: على هذا الترتيب نقول: الوصف من جهة الإعراب له ثلاث حالات - على ما سبق-:
الحالة الأولى: أنه يجب أن يُعرب مبتدأ وما بعده فاعلاً أو نائباً سد مسد الخبر، وهذا إذا كان الوصف مفرداً والاسم المرفوع مثنى أو جمعاً، نقول في هذه الحالة: يجب أن يعرب الوصف مبتدأ وما بعده فاعل أو نائب فاعل سد مسد الخبر، إذا كان الوصف مفرداً (أقائم الزيدان) (أقائم الزيدون) وجب أن يعرب الوصف مبتدأ وما بعده فاعل سد مسد الخبر. هذه الحالة الأولى.
الحالة الثانية: أنه يجب أن يُعرب الوصف خبراً مقدماً، وما بعده مبتدأ مؤخراً، هذا إذا تطابقا تثنية وجمعاً.
الحالة الثالثة: جواز الأمرين إذا تطابقا إفراداً (أقائم زيد) ما لم يمنع من ذلك مانع.
هذه هي المسألة التي أحلناها على درسنا.


Post a Comment

Previous Post Next Post