غاية علم أصول الفقه وفائدته
المطلب الأول : غاية علم الأصول :
الغاية من علم الفقه هي الوصول إلى الأحكام الشرعية العملية ، واستنباطها من أدلتها التفصيلية ، وتطبيق تلك الأحكام الشرعية على أفعال الناس ، وأقوالهم .
قال الآمدي في الإحكام  : " وأما غاية علم الأصول فهي الوصول إلى قواعد معرفة الأحكام الشرعية التي هي مناط السعادة الدنيوية والأخروية "[1] .
فموضوع الفقه هو فعل المكلف من حيث الحلّ والحرمة ، وعروض الأحكام الشرعية له ، ليمتثل الناس أوامر الله تعالى ، ويجتنبوا نواهيه ، تحصيلاً لخيري الدنيا والآخرة . وهو مستمد من الكتاب والسنة والإجماع والقياس وغيرها ، من الأدلة المعتبرة .
والفقه مرجع العلماء في معرفة الحكم الشرعي فيما يصدر عن الإنسان من أقوال وأفعال ، فهو مرجع القاضي في قضائه ، والمفتي في إفتائه ، يحتاج إليه كل فرد ، ولا يستغني عنه أحد .
   ولكن الوصول إلى معرفة الأحكام الشرعية لا يتم إلا بالرجوع إلى الأدلة المعتبرة ، ولا بد من التزام القواعد والضوابط ومعرفة المناهج التي توصِلُ إليها ، على وجه يسلم به المجتهد من العثار والزلل .
أما علم الأصول فغايته ضبط الاجتهاد ، وتنظيمه ، ورسم معالمه ، وبيان طريقته الصحيحة ، ليُعرف صحيحُ الاجتهاد من فاسده ، وبخاصة إذا تصدّى للاجتهاد من ليس أهلاً له .
فقواعد علم الأصول تُعينُ المجتهدَ على استنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية ، 
 ولولا علم الأصول ما عُرفت الأحكامُ على وجهها السليم ، ولقد ضل كثيرون لجهلهم بهذا العلم ، ولضعف مَلَكَتِهم العلمية ، فأحلوا الحرام وحرّموا الحلال ، ظناً منهم بأن معرفة الدليل كافية ، فضلّوا وأضلوا ، ولو عرفوا قواعد الاجتهاد ومناهج الاستنباط لأعرضوا عما أقدموا عليه ، ولما تجرّأ أحد منهم على القول في دين الله بما لا يعلم .
المطلب الثاني : فائدة دراسة علم الأصول
       يظن بعض الناس أن لا فائدة لدراسة هذا النوع من العلوم ، وأنه لم تعُد له ضرورة ، لكن هؤلاء جاهلون بحقيقة هذا العلم ودَورِه في ضبط التوصل إلى معرفة الأحكام الشرعية العملية ، فمن فوائد دراسته :
1 .   إعطاء المجتهد الذي يرغب في التوصل إلى الأحكام الشرعية للقضايا المستجدّة القدرةَ على الاستنباط وِفق قواعد متوازنة ، وأسس منضبطة .
2 .   المقارنة بين المذاهب الفقهية ، باستعراض آراء الأئمة ، والموازنة بينها ، وترجيح ما هو الأقوى منها ، وما يتمشى مع مقاصد الشريعة ، وقواعدها العامة ، وبالتالي الموازنة بين الآراء عند الاختلاف ، وبذلك تطمئن النفوس إذا ترجح لديها رأي فريق منهم .
3 .   حفظ الدين ، والأحكام الشرعية من محاولات الطعن التي يمارسها المندسون ، وتشويه الفاسقين ، والرد على انحرافاتهم ، وبيان ضلالاتهم ، وبخاصة الفرق الضالة كالحشوية الذين زعموا أن في القرآن ألفاظاً مهملةً ، وبعض الشيعة الذين قالوا إنه لا دلالة في القرآن على حلال أو حرام ، وكالمعتزلة الذين أنكروا الاحتجاج بأخبار الآحاد ، وكمن أنكر كونَ الإجماع حجة ، أو أن القياس حجة .
4 .   الاطمئنان إلى ما نُقل إلينا من الأحكام التي صاغها السابقون من علماء هذه الأمة ، والتأكد من أنها قائمة على أسس واضحة ، وقواعد ثابتة ، ولم تكن تبعاً لهوى النفس ، أو رغبة منهم في الاختلاف .
5 . الشعور بأن هذا الدين صالح لكل زمان ومكان ، وأنه خاتم الأديان ، وبالإمكان إيجاد الأحكام الشرعية لكل ما يستجد من أحداث ويطرأ من قضايا دون عجز، .
6 .   الفائدة التاريخية : إذ بواسطة علم الأصول تُعرف مدارك الفقهاء المجتهدين ، وطرق استنباطهم ، مما يكشف عن مدى ارتباط حاضر الأمة بماضيها ، والتخطيط لمستقبلها ، في ضَوء تراثها وأصولها .
7 .   بمعرفة المدارس الأصولية ، والاطلاع على قواعد الاستدلال في كل مدرسة ، ومنهج أتباعها في الاستدلال تُرفعُ الملامة عن الأئمة الأعلام في ما توصلوا إليه من أحكام ، ونعذرهم في ما اختلفوا فيه ، فكل منهم كان يسعى للوصول إلى الحكم الشرعي بما غلب على ظنه أنه هو الحق ، فكل منهم له نصيبه من الأجر .


[1] ) الآمدي ، الإحكام في أصول الأحكام  1 / 9 0

Post a Comment

Previous Post Next Post